أرشيف المجلة



«كولبيالى» آخر الضحايا.. وعقوبات «فيفا» عاجزة.. العنصرية تهز الملاعب الأوروبية

6-2-2019 | 20:19
محمد بيومي

توريه يهدد بمقاطعة اللاعبين الأفارقة لكأس العالم

بالوتيلى يبكى على دكة البدلاء.. ويتساءل: لماذا أنا دائما؟
 
صلاح ورونالدو يتضامنان مع مدافع نابولى
 
لم تكن الخسارة هى أصعب لحظات لاعب كرة القدم، لكن هناك جانبا مظلما وسيئا كفيلا بإنهاء مسيرته، وذلك عندما يتعرض لهتافات عنصرية بسبب لون بشرته أو عقيدته أو أسباب أخرى، ولعل اللاعبين الأفارقة والعرب عانوا كثيرا من هذه الظاهرة غير الإنسانية، التى تعتبر نقطة سوداء فى اللعبة الأكثر شعبية، ولا تمت لأهدافها الرياضية بأى صلة.
 
على مدار التاريخ كانت « العنصرية»، حاضرة بشكل قوى فى الملاعب الأوروبية، لكنها استشرت فى الفترة الأخيرة بصورة لافتة للنظر، من خلال تقليد صوت القرود فى وجه اللاعبين أصحاب البشرة السمراء، أو رمى الموز باتجاههم، وكان آخرهم المدافع السنغالى كاليدو كوليبالى نجم فريق نابولى الإيطالى والذى تعرض لهتافات عنصرية خلال مباراة فريقه ضد إنتر ميلان بالدورى الإيطالي، ليعلق بعدها كوليبالى على حسابه فى تويتر قائلا: «أشعر بخيبة أمل بسبب الخسارة وفوق ذلك ترك زملائى فى الملعب، لكنى فخور بلون بشرتى، فخور بكونى فرنسيا وسنغاليا وألعب فى نابولى».
 
أثار الهجوم العنصرى من قبل مشجعى الإنتر على مدافع نابولى، غضب العديد من نجوم الكرة، ليعلنوا بعدها تضامنهم معه، ضد «التمييز العنصرى»، كان أولهم محمد صلاح، نجم ليفربول الإنجليزي، حيث كتب فى تغريدة على موقع «تويتر»: «لا للعنصرية فى كرة القدم ولا فى أى مكان» وأرفقها بصورة تجمعه مع كوليبالي، أما البرتغالى كريستيانو رونالدو مهاجم يوفنتوس، فقد كتب عبر حسابه الشخصى على موقع "إنستجرام": «فى العالم، وفى كرة القدم، نريد دائما تعليم الاحترام، لا للعنصرية أو أى جريمة تمييز».
 
وبرغم تغريم الإنتر وتحذير جماهيره بالغياب عن المباريات فى حالة تكرار ذلك مرة أخرى، وأيضا المحاولات الجادة من حكومة إيطاليا وإصدارها حزمة قوانين للحد من العنصرية، فإن هذه الآفة لا تزال تجتاح الملاعب الإيطالية .
 
وتعد الملاعب الإيطالية أرضا خصبة للهتافات العنصرية، ويشهد على ذلك ما تعرض له ماريو بالوتيلى، لاعب نيس الحالى وقت أن كان لاعبا فى صفوف ميلان، ربما كان اللاعب الأكثر شهرة بتعرضه للعنصرية بشكل متكرر، فى ملاعب كرة القدم، وبكائه عدة مرات، موجها رسالة للجمهور فى إحدى المباريات، بأن يتركوه وشأنه عندما كتب على قميصه: «لماذا أنا دائمًا».
 
فقد وقعت أشهر حالات العنصرية مع ماريو فى مباراة ديربى قطبى الكرة الإيطالية إيه سى ميلان وإنتر ميلان، بعد أن انهالت جماهير الأخير بالسباب والشتائم تجاه «بالوتيلى»، ووجهت له الكثير من الإهانات العنصرية، مما أغضبه بشدة وغادر الملعب ، لكنه تعرض مرة أخرى للعنصرية، خلال مباراة جمعت «الروسونيري» مع نابولى فى الدورى الإيطالى عام 2014، ليدخل فى نوبة بكاء هيستيرى بعد تعرضه لإهانات عنصرية من الجماهير، أثناء خروجه من الملعب، وذلك بعد عدم ظهوره بمستواه المعهود خلال المباراة التى خسرها فريقه 3-1، ولم يستطع نجم ميلان إخفاء غضبه وجلس يبكى على مقاعد البدلاء.
 
وفى إيطاليا أيضا لقى الغانى كيفين بواتينج لاعب ميلان الإيطالي، نفس مصير بالوتيلى بعد تعرضه لهتافات عنصرية خلال مباراة ودية جمعت فريقه مع أحد أندية دورى الدرجة الرابعة الإيطالي، وتسبب ذلك فى غضبه بشدة مما دفعه لتسديد الكرة بقوة تجاه الجماهير، وانسحب ميلان من المباراة تضامنًا مع لاعب النجوم السوداء.
وكتبت الملاعب الإيطالية فصلا جديدا من العنصرية، كان ضحيتها للمرة الثانية على التوالي، بليز ماتويدي،لاعب يوفنتوس، الذى تعرض لهتافات عنصرية خلال مباراة فريقه أمام مضيفه كالياري، فى الدورى الإيطالي، وكان اللاعب قد تعرّض للأمر نفسه أمام هيلاس فيرونا، حيث قررت رابطة الدورى الإيطالى معاقبة الأخير بدفع غرامة 20 ألف يورو وإغلاق جزء من مدرجات ملعبه، وكتب ماتويدي، بعد إهانته عنصرياً، فى حسابه بفيس بوك: «واجهت سلوكاً عنصرياً خلال المباراة أمام كاليارى، أشخاصا ضعفاء يحاولون التأثير عليك بتلك الكراهية، كرة القدم تعزز المساواة والشغف والإلهام، أشعر بالأسف حيالهم».
 
وعلى نفس الملعب، سبق وتعرض لاعب «بيسكارا» الغانى سولى مونتاري، الذى غادر ملعب كاليارى حينها، لهتافات عنصرية أيضاً، حيث اشتكى للحكم، ولم يستمع إليه، بل طرده.
 
ويعتبر النجم الكاميرونى صامويل إيتو من أكثر اللاعبين الذين نالتهم الهتافات العنصرية، وكان هدفا لها خلال مسيرته، حيث تعرض لموقف صعب أثناء وجوده فى برشلونة الإسبانى عندما هدد بترك الملعب بعد أن قام مشجعو ريال سرقسطة بتقليد أصوات تشبه القردة فى كل مرة كانت تصل إليه الكرة، ليغادر الملعب مباشرة، وأيضا فى الدورى الإيطالى عندما لعب بصفوف الإنتر، ضد كالياري، أوقف الحكم المباراة بعد أن وجهت جماهير كاليارى هتافات عنصرية ضده، ليسجل إيتو هدف الفوز، وكان النجم الكاميرونى قد حصل على جائزة لمناهضته للعنصرية.
 
وهناك مشهد آخر وبسبب تعرضه لإهانات عنصرية، هدد الإيفوارى يايا توريه أحسن لاعب فى إفريقيا 4 مرات، بمقاطعة اللاعبين الأفارقة لكأس العالم، بعد أن قامت جماهير سيسكا موسكو بتقليد «صيحات القردة» كلما لمس توريه الكرة.
 
كما لم يسلم أيضا مواطنه إيمانويل إيبوى نجم كوت ديفوار وجالطة سراى التركي، من تلك الإهانات، بعد أن قامت جماهير نادى بشكتاش التركى بالاعتداء عليه، بإلقاء الزجاجات والمخلفات تجاهه، فضلا عن توجيه الكثير من الهتافات العنصرية له خلال مباراة الفريقين بالدورى عام 2011، وحاول أحد المشجعين اقتحام الملعب للتعدى على الفيل الإيفوارى بالضرب. وفى نفس الدورى أيضا، تعرض الهداف التاريخى لمنتخب ساحل العاج ديدييه دروجبا، لهتافات عنصرية من جماهير فنربجشه التركى عندما كان لاعباً فى جالطة سراي.
 
ولم تقتصر العنصرية على الأفارقة فقط، بل طالت اللاعبين العرب أيضا، إذ كان أحمد حسام «ميدو»، نجم منتخب مصر السابق، أحد ضحاياها فى ملاعب أوروبا، وبالتحديدعندما كان يلعب فى صفوف فريق ميدلسبره الإنجليزي، حيث وجهت له جماهير نيوكاسل هتافات عنصرية، خلال مباراة الفريقين بالدورى الإنجليزى عام 2008، وأطلقت صافرات الاستهجان ضده كلما لمس الكرة، ولكنه رد عليهم بطريقته الخاصة بتسجيل هدف لفريقه، وتوجه للجماهير وأشار لهم بإشارة الصمت، وبعد المباراة فرض الاتحاد الإنجليزى عقوبات قاسية على نيوكاسل.
 
وكان النجم المغربى مهدى بن عطية مدافع فريق يوفنتوس الإيطالى ضحية، جديدة لمناصرى العنصرية حيث تعرض للإهانة، وذلك خلال مداخلة هاتفية بأحد البرامج التليفزيونية عقب مباراة فريقه أمام تورينو بالدورى الإيطالى الموسم الماضى، وعندما كان المدافع المغربى يتحدث للقناة بعد نهاية اللقاء، إذ بصوت من الاستديو يقوم بالسخرية من الأصول العربية لمدافع السيدة العجوز.
 
كما تعرض مواطنه المغربى كامل شافنى، لكلمات عنصرية من قبل حكم راية مباراة فريقه أوكسير ضد بريست فى الدورى الفرنسي، عندما حاول الاعتراض على خطأ لصالح فريقه، فقال له الحكم: «اغرب عن وجهى يا عربي»، وعندما غضب من هذه الكلمات كان جزاؤه الطرد.
 
وفى إحدى أشهر الحالات العنصرية فى تاريخ الدورى الإنجليزى وصف نجم ليفربول السابق وبرشلونة الحالى لويس سواريز، مدافع مانشيستر يونايتد باتريس إيفرا بالأسود، وتم حرمان النجم الأوروجويانى من اللعب لمدة 8 مباريات، ليرفض بعدها عندما تقابل الفريقان مرة أخرى عام 2012 مصافحة مدافع اليونايتد وتجاوزه، وتوجه نحو مصافحة ديفيد دى خيا فى إهانة مباشرة له، حينها حاول الفرنسى مسك يده بغضب لكن سواريز أصر على تخطيه.
 
وكانت عنصرية الجماهير الروسية التى تم تهديدها رسميا بالحرمان من المشاركات الأوروبية، حاضرة مع الأسطورة البرازيلية روبرتو كارلوس خلال احترافه بالدورى الروسى عندما قام مشجعو كل من زينت بطرسبرج وكريليا سوفيتوف بإلقاء «الموز» تجاه نجم البرازيل ليرفض استكمال المباراة،وهو ما دفعه للتفكير فى الاعتزال.
 
ولقى البرازيلى دانى ألفيس نفس مصير مواطنه، فى مباراة برشلونة وفياريال بالدورى الإسبانى عام 2014، حيث قامت جماهير الأخير بإلقاء «الموز» على نجم الفريق الكتالونى أثناء تنفيذه لركلة ركنية خلال اللقاء، وشبهت اللاعب بـ «القرد»، وما كان من نجم البرازيل إلا أن قام بالتقاط «الموز» من الأرض وأكله أمام الجميع فى مشهد أثار دهشتهم.
 
وبرغم حث الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» الحكام على اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة ضد العنصرية خلال المباريات المحلية، فإن العقوبات لم ترتق لمستوى الحدث، فنحن أمام ظاهرة خطيرة تهدد إنسانية كرة القدم، ويجب اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أى سلوك عنصرى داخل وخارج المستطيل الأخضر، فهل بروتوكول الفيفا الحالى كفيل بالقضاءعلى هذه الآفة؟ والذى يلزم الحكم بإيقاف المباراة حال وقوع أى حوادث عنصرية من جانب الجماهير، ويطالبهم بوقف تصرفاتهم، وفى حالة عدم الالتزام والانضباط بإمكان الحكم الانسحاب من المباراة.
 
إن الحد من هذه الظاهرة السيئة يحتاج من «فيفا» إعادة النظر فى العقوبات، والعمل أكثر على نشر التوعية من خلال الاتحادات الرياضية.

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام