مقالات رئيس التحرير



تحديات قمة تونس

27-3-2019 | 21:00
جمال الكشكي

أثناء حوارى مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، العدد الماضى من مجلة «الأهرام العربى» استوقفتنى جملة قالها بحكمة شديدة وهى: "إن انعقاد القمم العربية بشكل دورى ومنتظم دليل على أننا أحياء"  نعم الجملة فى محلها، وفى توقيتها.
 
الأيام الماضية شهدنا قمة ثنائية بين الرئيس عبد الفتاح السيسى، ورئيس وزراء العراق، السيد عادل عبد المهدى، وبعدها بيوم شهدنا أيضا قمة ثلاثية بين الرئيس السيسى والملك عبد الله الثانى، عاهل الأردن، والسيد عادل عبد المهدى، رئيس وزراء العراق.
 
هاتان القمتان جاءتا قبل قمة تونس بأيام. إذن هذه القمم إنما تؤكد بالفعل أن هناك حراكا عروبيا جادا وقويا، ليس لديه رفاهية الوقت، فقد جاءت القمة الثلاثية المصرية - الأردنية - العراقية، واضحة فى رسائلها حول ضرورة استكمال المعركة ضد الإرهاب، خصوصا فى ضوء الانتصار الذى حققه العراق فى المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابى، وانتهاء «السيطرة المكانية» لتنظيم داعش، هذا فضلا عن حرص القيادة المصرية على تقديم الدعم الكامل للجهود العراقية، لاستكمال مراحل إعادة الإعمار، والوصول إلى اتفاق على أهمية الاجتماع بصفة دورية لتنسيق المواقف والسياسات فيما بين الدول الثلاث، من أجل تحقيق مصالح شعوبها فى الاستقرار والازدهار الاقتصادى، وتحقيق الأهداف المشتركة، وبناء علاقات دولية متوازنة.
 
ربما تكون هذه ثمار القمة الثلاثية التى شهدتها القاهرة، لكن رسائل المضمون أعمق بكثير، وأولها أن العراق يعود إلى حضن العروبة من جديد، قبل اختطافه من قوى إقليمية، تسعى إلى اتخاذ بغداد منصة للانطلاق والانقضاض وتوسيع النفوذ، سواء الطائفى أم السياسى.
 
أيضا اختيار رئيس وزراء العراق، السيد عادل عبد المهدى، القاهرة، لتكون وجهته الأولى، فهذا يؤكد تقدير العراق للمواقف المصرية عبر الماضى والحاضر تجاه العراق.
إلى ذلك تأتى نقطة فى غاية الأهمية، وهى: أن القادة الثلاثة تأكدوا باليقين أن التحديات كبيرة، وأنه لا مناص من الوحدة والتعاون المشترك من أجل مواجهتها والعبور بشعوبهم إلى بر الأمان، فى إطار دولة وطنية قوية لا تحتمل هزات جديدة، لاسيما أن بذور ما يسمى بالربيع العربى لا تزال تبحث عن أرض خصبة للنمو فيها.
إدراك هؤلاء القادة لهذا الخطر، دفعهم إلى الاتفاق للعمل الثلاثى المشترك من أجل تأمين المستقبل.
هذه القمة الثلاثية، نجحت فى توحيد رؤى الدول الثلاث، وترتيبها لتكون جاهزة على طاولة التحديات المنتظر طرحها فى قمة تونس.
 
التحديات هنا تزداد اتساعا.. نعم متشابكة ومعقدة، لكن طرحها فى حد ذاته أولى خطوات مواجهتها، فنحن أمام موقف لم يحسم بعد بالنسبة للمقعد السورى فى جامعة الدول العربية، وأن التوصل إلى حل نهائى للأزمة السورية يحتاج إلى سنوات طويلة، وفق رؤية الأمين العام لجامعة الدول العربية، أيضا الأمن القومى العربى يحتاج إلى انتفاضة عربية موحدة على قلب رجل واحد، خصوصا أن هناك العديد من المخاطر التى تهدده، واحد منها التدخلات التركية والإيرانية فى بعض العواصم العربية.
 
أما التحدى الأخطر فهو: الذى يتعلق بالتعامل مع الإرهابيين العائدين من ساحات القتال، مثل تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة.
هذا التحدى أيضا لا يقل خطرا عن تحدى القرار الأمريكى بضم هضبة الجولان إلى إسرائيل، وهذا يقودنا إلى العقدة الأزلية للقضية المركزية بالنسبة للعرب، وهى قضية فلسطين، فمنذ عقود طويلة لم تحدث أى تسوية تضمن حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
 
اللافت للنظر أيضا، أن قمة تونس هذه المرة، ستكون مثقلة بالهموم العربية، فقد جاءت بعد تعثر اتفاق «استوكهولم»، وتصاعد التدهور للأوضاع الإنسانية فى اليمن، وعدم التزام الحوثيين بأى بنود من الاتفاق.
 
واحدة من الهموم الثقيلة أيضا عدم توصل الفرقاء الليبيين إلى اتفاق يقود إلى عودة الدولة الليبية الوطنية، بل إن المؤشرات غير مطمئنة، فى ظل التدخلات القطرية والتركية، ودعمهما للتنظيمات الإرهابية فى غرب وجنوب ليبيا.
إذن.. قمة تونس وما سبقها من قمم ثنائية وثلاثية شهدتها القاهرة، هى قمم استثنائية فى ظروف وتحديات استثنائية، تحتاج إلى قرارات استثنائية للحفاظ على الإقليم والأمن القومى العربى.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام