دائرة الحوار



الكاتب اللبنانى سمير عطا الله لـ«الأهرام العربي»: الاحتقار والتجاهل هما الأفضل فى التعامل مع تركيا وقطر

8-5-2019 | 16:37

شارك فى الندوة وأعدها للنشر :   محمد زكى        تصوير  ــ  محمود شعبان

أدار الندوة   جمال الكشكى – د.أيمن سمير – د.أبو الفضل الإسناوى 
 
 
- مصر خاضت الكثير من الحروب من أجل العرب منذ عهد الملكية حتى الآن 
 
- كنت أخشى عليها من عبث الدخلاء مثل ما حدث ورأينا «هيلارى كلينتون» تتجول فى ميدان التحرير
 
- ندمت على جفاء علاقتى برفيق الحريرى وأحسنها مع سعد إكراما لوالده
 
- مصر أعطت للصحافة اللبنانية حجمها الكبير وليس العكس كما يقال 
 
- أرض الكنانة أسهمت فى احتواء الأديان.. فلجأ لها نبيا الله موسى وعيسى
 
- القاهرة  كانت مقصدا للجميع مثل أمريكا فى الوقت الحالي
 
- الدولة المصرية أعمق كثيراً مما تبدو وأكثر مما يدرك المصريون
 
- عارضت أحدث يناير 2011 من منطلق خوفى على مصر وعلى نفسى كلبنانى وعربى.. والرومانسيات التى لا تبنى الدول
 
- هناك تجارب ناجحة لدول وجهت الاهتمام الأكبر للتنمية والاقتصاد أكثر من الحريات
 
- الأحلام التركية والإيرانية كأحلام المرأة العجوز بالعودة لسن الشباب
 
- المشروع الأمريكى لن يحسن من أوضاعنا بل سيزيدها سوءاً
 
تريد أن تعرف معنى البساطة؟ اقرأ عمود سمير عطا الله اليومى فى جريدة الشرق الأوسط،
 
تريد أن تعرف معنى العمق، اقرأ مقالات سمير عطالله الطويلة فى جريدة النهار، التى أصدرها فى كتب بعد ذلك.
 
تريد أن تعرف معنى التواضع، اقرأ هذا الحوار مع سمير عطالله، أو إذا حالفك الحظ، اجلس إليه واستمع واستمتع، وستدرك أنك أمام موسوعة معرفية متنقلة، وشبكة علاقات صحفية نادرة، قليلا ما تتوافر لصحفى آخر، كما توافرت لسمير عطا الله.
 
هل تعرف معنى الجراح الماهر؟ انظر كيف يشخص سمير عطا الله فى تحليلاته السياسية، أعقد القضايا السياسية والفكرية فى جمل محددة وواضحة، وبجرأة غير هيابة، لا سيما عندما يضع مشرطه فى القضايا العربية، فهو لا يجامل ولا يداهن، يعرف مداخل ومخارج جميع القضايا، منشأها، وكيف تعقدت وطرق حلها، عبر معرفته بجميع أطرافها، استفاد فى كتاباته من بداياته الأدبية، فجاءت جملته جزلة رصينة، ورؤيته واضحة وعميقة إنه الرجل البسيط العميق.
 
فى هذه السطور يشخص الكاتب الصحفى سمير عطا الله تشابكات القضايا العربية، وأحوال الصحافة والسياسية، ويوضح الدور المهم والحيوى لمصر فى مجالها الإقليمى، ويطلعنا على بداياته فى عالم الصحافة والأدب، كما يبوح لأول مرة بسر: أنه بصدد كتابة مذكراته، والشخصيات المهمة التى رافقته فى رحلته المهنية الطويلة، والرؤساء الذين صادقهم، وعلاقته بالرئيس رفيق الحريرى، ومن بعده ابنه سعد، ويقول إنه نادم على أن علاقته برفيق الحريرى شابها بعض الجفاء، كما يطلعنا على أنه ندم أيضا على أنه لم يكمل فى عالم الأدب، وكيف استمر فى الكتابة المنتظمة فى الصحافة لمدة 40 عاما، وإلى تفاصيل الحوار. 
 

عطا الله فى حوار مع رئيس التحرير
 
 فى البداية نود أن نعرف وجهة نظرك فى العلاقة بين مصر والعالم العربي؟
هذه العلاقة يمكن أن نسميها بالعلاقة الروحية أو الوجدانية خصوصاً بالنسبة لجيلى والأجيال التى سبقتني، ودائما ما أسأل بنوع من الاتهام عن سر شغفى بمصر، وهى فى الحقيقة عدة أسرار، فقد تربيت على السينما المصرية، فأول سينما كانت مصر، وأول أغنية كانت مصر، عشقنا وأحببنا على الأغانى المصرية، الموسيقى كانت مصرية، والأدب كان مصريا، الصحافة كانت مصرية، الفرح مصري، ولا ننسى الحركة القومية المصرية، ولم يكن هناك شيء يقيم العلاقات بين الشعوب فى العالم العربى إلا وكان مصريا، وأتذكر ما قاله أحد الرحالة البريطانيين عندما ذهب إلى اليمن، فقال لم تصل إلى الإمام يحيى أى إشارة من الخارج، إلا جريدة الأهرام التى كان يعرف من خلالها أخبار العالم، ثم جاءت الإذاعة، أيضا كان الفقراء فى لبنان الذين لم يكن لديهم المال للذهاب إلى السينما، فكانت أمامهم الإذاعة المصرية التى تعرض الأفلام السينمائية بشكل متقن، فكانت بمثابة "سينما الفقراء"، فمصر تمثل العالم العربى كله كقدوة لا سيما بمعناها القومي.
ولا شك أن مصر دفعت الكثير بسبب ذلك وضحت كثيراً، وخاضت الكثير من الحروب من أجل العرب منذ الملكية حتى الآن، وهذا بحكم حجمها وموقعها وتقدمها.
وفى مجال آخر وهو المجال الصحفى نسمع الكثيرين، يقولون بأن اللبنانيين هم من أسسوا الصحافة فى مصر، لكن برأيى أن مصر هى من أعطت للصحافة العربية ذلك الحجم، فالصحافة اللبنانية كانت صحافة قرى، والأصح أن مصر هى من أعطت للصحافة اللبنانية حجمها وليس العكس، وكل من أسهم فى تأسيس الصحافة فى مصر وجد فى مصر الانفتاح والبيئة الخصبة للعمل، ليس فى مجال الصحافة فحسب، وإنما فى العديد من المجالات الاقتصادية والصناعية، التى سقطت بكل أسف مع التأميم فى عهد الرئيس عبد الناصر، وكانت سياسة التأميم فى تقديرى خطأ كبيراً فى حياة مصر، إذ كان من الممكن توطين صناعات وتجارات كبيرة مع الإبقاء عليها بدلاً من إغلاقها.
فمصر كانت مغتربا ومقصدا للجميع مثل أمريكا فى الوقت الحالي، وأشبهها بالحديقة التى تحتوى جميع الأزهار، فبإمكانها احتواء الجميع على اختلاف عقائدهم، وهنا يمكن أن ننظر لدور مصر فى احتواء الأديان، فلجأ لها نبيا الله موسى وعيسى، وإذا تحدثنا عن موقع مصر فهى تقع فى مكان فريد لا يشبهه بلد آخر، وهذا من حظ مصر أو من أقدار مصر التى أنعم الله عليها بها، وقد تكون لها حظوظ أخرى غير المكان وقد لا تخطر على بال أحد، يمكن أن يكون أحدها "محمد صلاح" هذا الشاب الذى اشتهر فى هذا التوقيت وهذه المرحلة، وجاء ليمثل الطابع المصرى والحضارة المصرية، التى قد لا تكون الأهم أو الأعظم أو الأكمل بالعالم، لكنها حضارة فريدة ولا يوجد مثلها
 
 إذا انتقلنا إلى الفن.. كيف ترى إسهام اللبنانيين فى مجال الفن فى مصر؟
لم يكن يسمح بممارسة الفن بحرية، على عكس مصر التى كانت حاضنة للفن، مما ساعد على شهرة الكثيرين من نجوم لبنان والشام، مثل يوسف بك وهبى وبديعة مصابنى وروزاليوسف، ثم تولى المصريون بعد ذلك قيادة الفن فى العالم العربي، وأصبح نجوم مصر فى الصدارة، وأتذكر عندما توفيت السندريلا سعاد حسنى وهى من أصول شامية، كتبت "وفاة آخر شامية"، وفُهمت خطأً وقتها وتعرضت للانتقاد بسبب هذا المقال.
 
 إذا انتقلنا إلى الوضع الراهن فى العالم العربى.. كيف تقيم التجربة العربية فى السنوات الأخيرة خاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي؟
العالم العربى دون مصر "صفر"، والعالم العربى خان الأمانة وأساء العلاقة عندما طرد مصر من جامعة الدول العربية فى عهد السادات، فأنا أعتبر أن العرب فى ذلك الوقت طردوا أنفسهم ولم يطردوا مصر، فلم يكن مطلوباً من العرب أن يقفوا مع كامب ديفيد، وفى نفس الوقت ما كان ينبغى أن يعاقبوا مصر، لكن كان بهم من الجهل والديكتاتورية ما دفعهم لذلك، وكانت العراق وسوريا تحلمان وقتها بأن تكونا بديلاً لمصر، ولم يكن عندى شك أن المحنة التى مرت بها مصر لن تطول، لأن الدولة المصرية فى النهاية هى أعمق كثيراً مما تبدو، وأكثر مما تدرك أيضاً، فالمصرى قد لا يعرف إلى أى مدى أنه يشكل سنداً لدولته، وهذا ما نلمسه من الخارج فى علاقة المصرى بوطنه ودولته، أما ما حدث فى يناير 2011، فأنا لا أسميها ثورة ولم أكن مؤيداً لها، وقد يكون رأيى هذا نابعاً من قول أحد الفلاسفة: إن الشخص فى الثلاثين من العمر يريد أن يغير كل شىء، وفى الستين لا يريد أن يغير أى شيء، وأنا قد تجاوزت الستين.
وقد كنت أخشى على مصر من عبث الدخلاء، مثل ما حدث ورأينا «هيلارى كلينتون»، تتجول فى ميدان التحرير، ورأينا أيضاً رئيسا "قليل الأدب"، وهو باراك أوباما يقول لرئيس مصر "إن عليه الرحيل الآن"، ثم شاهدنا الكثير من الرومانسيات التى لا تبنى الدول، وكل من هب ودب يقف ويخطب فى الميادين، فالرومانسيات هذه لا تبنى الدول، فعلاء الأسوانى يكتب رواية ممتازة، لكن لا يمكن أن يبنى دولة أو أن يكون وزيراً للتخطيط مثلاً، فأنا كنت ضد هذا كله من منطلق الخوف على مصر، وكنت أقول ولا أزال إن خوفى على مصر بسبب خوفى على العالم العربى وبسبب خوفى على نفسى كلبناني، فدائما أحس أن مصر هى ملجئي، مصر وليست سوريا أو العراق أو الأردن، فإذا كانت لى آمال فى الأمة العربية فستكون من خلال مصر، لذلك عندما تهبط مصر قليلاً أشعر بالضرر مهما كان اختلافى الفكرى مع بعض الأصدقاء، وأشعر بالراحة فى مصر أكثر مما أشعر به فى بيروت رغم جمالها.
 
 بذكر الأصدقاء فى مصر.. ماذا تحمل من ذكريات مع أصدقائك فى مصر؟
كان من أعز أصدقائى لطفى الخولى ثم اختلفنا بعد ذلك، لكن بقى لطفى الخولى بالنسبة لى كما هو، أيضاً كنت أعتز وسأبقى معتزاً بصداقتى بمحمد حسنين هيكل، رغم اختلافنا فى الكثير من القضايا فى الخليج وغيرها، لكن بقيت صداقتنا كما هى، وكان أول ما يصل إلى لندن يخبرنى بوصوله، وقد حدثنى هيكل أنه بعد وفاة عبد الناصر عرض عليه صدام حسين أن يعمل معه وكذلك حافظ الأسد لكنه رفض.
 
 هل أنت متفائل بمستقبل مصر القريب؟
أنا أشعر بالتفاؤل تجاه مصر، وهذا ليس شعورى وحدي، وإنما يشاركنى فيه الجميع من مختلف دول العالم، ونأمل أن يطبق النموذج الصينى أو السنغافورى فى مصر، بمعنى توجيه الاهتمام الأكبر للتنمية والاقتصاد أكثر من الحريات.
 
 وهل ترى أن تطبيق هذا النموذج متاح بالنسبة لمصر؟
بالطبع فمصر لديها الكثير من مقومات تلك التجارب، لكن هناك مشكلة كتبت عنها كثيراً وتعرضت للانتقاد بسببها وهى المشكلة السكانية، فأنا ضد الزيادة الكبيرة فى عدد السكان، وهذه المشكلة قد تكون عائقاً أمام أى مشروع تنموى مهما كان، ومن يقولون إن هذا مخالف للأديان، فأنا أرى أن المخالف هو أن يكون هناك أطفال جائعون وبلا مأوى، ومن هنا أقرت الصين تحديد وتنظيم النسل، وفى مصر لم يطرح هذا الموضوع بشكل رسمى لعقود طويلة، فطرحه عبد الناصر نظراً للقاعدة الجماهيرية التى كان يتمتع بها، أما السادات ومبارك فلم يطرحاه بشكله الصحيح، واليوم هناك طرح من جهات عديدة فى مصر لمواجهة هذا العدو، فأنا أرى أن مصر عدوها الأساسى هو "فائض المصريين" وحصانتها الوجودية هم المصريون، أما إذا كانت هناك أفواه جائعة من عام لآخر فهذا بالطبع سيكون ضد التنمية.
 

أسرة تحرير المجلة خلال الحوار
 
 إذا عدنا للحديث عن عهد الرئيس السادات ومعاهدة كامب ديفيد .. كيف تقيم الاتفاقية بعد مرور أربعين عاماً عليها؟
أنور السادات استرد سيناء، واستطاع الفلسطينيون أن يحصلوا على الحكم الذاتى فى عهده، وكل هذا خسره عبد الناصر وحصل عليه السادات، وهناك مؤيدون لعبد الناصر ومؤيدون للسادات وهذه من طبائع البشر، ثم حقق السادات بعد ذلك السلام، ولا يوجد أهم من السلم للبشر، لكن هناك الكثيرين من مصر ومن العرب رفضوا ذلك، لكن المصريين الذين عانوا آلام الحروب هم من أيدوا السادات فى تحقيق السلام، وكان من الشجاعة أن يقف على قدمين ثابتتين أمام الإسرائيليين فى الكنيست، فالسادات ظاهرة حقيقية بلا شك، ودائما ما أتحدث مع أصدقائى وأقول لهم إننى حتى هذه اللحظة لم أفهم أنور السادات ولا أستطيع تقييمه بشكل نهائي، هذا الرجل البسيط الذى تحول إلى أقوى رئيس فى مجال الأمن، فهو صاحب شخصية مركبة، على عكس الرئيس مبارك مثلاً، شخصية بسيطة تستطيع قراءتها بسهولة.
 
 قديماً كان هناك الكثير من العناصر التى يمكن أن نسميها "القوى الناعمة لمصر" سواء فنياً أم ثقافياً .. فما رؤيتك للوضع الآن؟
أنا لا أستخدم مصطلح القوى الناعمة كثيراً فى كتاباتى، وإن كنت لا أجد بديلاً يمكن أن يعبر عن مضمونه، لكن إن استخدمنا هذا المصطلح، فتلك العناصر تراجعت فى كل مكان، وأذكر مقالاً لأحد الكتاب أخيرا فى جريدة الأهرام يطالب فيه بتكريم عادل إمام لبلوغه سن الثمانين، فمصر لم تكن معتادة على ذلك، وإنما كانت تعتاد على "زحمة العظماء" وليس عادل إمام فقط .. كان هناك نجيب الريحانى وبديع خيرى وبشارة واكيم ومن جانب آخر كان لديها طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد، أيضاً على المستوى الشعرى كان لديها أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وعلى محمود طه وأحمد ناجي، ومن الفن فاتن حمامة وشادية وأمينة رزق .. أما الموجودون على الساحة الآن وإن كان لهم دور إلا أنهم لا يستطيعون أن يملأوا الفراغ الذى تركه سابقوهم.
 
 إذاً .. ما أسباب هذا التراجع من وجهة نظرك؟
الأسباب عالمية، فلم يعد هناك مكان للعظماء فقط، وطغى على المشهد "عصر الخفة" أو "خفة القيمة"، ففى الطرب على سبيل المثال هناك مئات الكليبات يومياً، بينما كان فى جيلنا لا يوجد إلا فى حدود خمسة مطربين ومثلهم شعراء وملحنون.
 
 ننتقل إلى التجربة الإسلامية فى المنطقة العربية.. كيف تقيم وضعها الآن وكيف ترى مستقبلها؟
هناك أشياء تسمى الأدب المقارن والتاريخ المقارن والقانون المقارن، فإذا أردت أن تصل إلى استنتاجات أو إلى رأى أو رؤية للمستقبل فعليك بالمقارنات، فبالمقارنة كانت العصور المسيحية كلها عصور ظلام وأخفقت جميعها ولم تتقدم أوروبا إلا بعد زوال المسيحية ومحاكم التفتيش وصكوك الجنة التى كان يمنحها البابا، هذه مرحلة مرت بها المسيحية، والآن نحن فى نهايات المرحلة الإسلامية، خصوصا مع نهاية البشير فى السودان، ولى الكثير من الأصدقاء فى السودان كانوا يهاجموننى عند انتقاد البشير، والآن أود أن أسألهم عن المشهد وعن رأيهم فى الستة ملايين يورو التى كان يحتفظ بها البشير فى أدراج مكتبه.. وأود أن أسألهم عن رأيهم فى اتفاق البشير مع بن لادن، فنحن فى مرحلة مؤسفة مليئة بالكثير من التناقضات، ونحن كما قلت فى نهاية هذه المرحلة، ولو كانت مصر قد ضعفت ولم تنتصر فى هذا الأمر لكان الوضع مختلفا تماماً فى كل مكان.
فى أحد الأيام سألنى هيكل فى عهد مبارك بعد إحدى محاضراته التليفزيونية، وقال لماذا وصلنا إلى هنا؟ فقلت له هذا السؤال له جوابان، إما أن أسترسل فى الإجابة لمدة يومين أو أعطيك الإجابة فى كلمتين، فقال لى أريد الإجابة فى كلمتين، فقلت له "لأن مصر قد هانت"، فمن أجل 18 ألف عامل سكتت مصر عن قطر وعن الجزيرة، واستأذننى هيكل أن يقتبس ما قلته وبعدها تم الرد عليه بوقاحة من قطر .. أما الوضع الآن فهو مختلف كل الاختلاف، فمصر هى المحور الرئيسي، ولا أقول هذا لأننى على أرض مصر، وإنما أقوله بكل مكان وفى كل كتاباتى وعلى مدار أربعة وثلاثين عاماً فى عمودى الصحفى بجريدة الشرق الأوسط.
 
 وما رؤيتك لمستقبل مصر الآن بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي؟
منذ أن دخلت إلى عالم الصحافة والكتابة سواء الكتابة الأدبية أو السياسية أو الثقافية، أهم شيء عندى هو الحرية، وفى اعتقادى أنه لا تنبت الأشياء إلا فى الحرية، لكن الحرية لا تعطى لأى أحد، فأقسى ما يصيب الحرية أن تمنحها لمن لا يستحق لأنه سيبددها ويسيء استخدامها إلى درجة أن يعتبر القتل جزءا من الحرية، لذلك أحياناً قد تضطر كحاكم أو كزعيم أو مسئول عن أمة بكاملها، أن تصل إلى نوع من التسوية بينك وبين نفسك، من أجل الشعب أن تحرم المستحقين قليلاً، من أجل المحافظة على ما يريد الكثيرون وما يتطلعون إليه، فالرئيس السيسى مضطر لأن لديه أعداء كثيرين فى الداخل أكثر من الخارج، فمصر تواجه عداء مرعباً فى سيناء، والرئيس السيسى هو أفضل رئيس فى هذه المرحلة للعبور بمصر من هذه المخاطر دون شك، والتجربة أثبتت أنه لا يشوبها أى شيء على الإطلاق من وجهة نظرى، ولو كان لى حق الانتخاب فى مصر فلن أعطى صوتى إلا للرئيس السيسى بكل قناعة وليس بالعاطفة، وأقولها أمام المؤيدين والمعارضين.
 

 
 لو كان لك أن تنصح القادة العرب بشيء.. فماذا تقول؟
الكثير من القادة العرب مؤمنون بالرئيس السيسى ولا يحتاجون إلى نصيحتى، لأن لديهم من الوعى التاريخى والمعرفى ما يجعلهم يدركون أنهم بحاجة إلى مصر خصوصاً البلدان المفككة الآن مثل ليبيا والعراق وسوريا وفلسطين، فإذا كان لهم مرجع فعليهم ألا يفكروا إلا بمصر.
 
 كيف تنظر للقوى الإقليمية غير العربية مثل تركيا وإيران وإسرائيل والتدخلات الواضحة فى المنطقة العربية؟
هذه القوى الثلاث دخلت رغماً عنا، وتنذر بأن عدم الاستقرار فى المنطقة سيستمر لفترة طويلة، وأن المشروع الأمريكى لن يحسن من أوضاعنا بل سيزيدها سوءاً، فبالنسبة لتركيا وإيران فأنا أرى أن تدخلهما بسبب ما يمكن أن نطلق عليه "سن اليأس" لأنهما كانتا تعيشان فى عصور الإمبراطوريات وتريدان أن تحكما العالم العربى والعالم الإسلامى ولكنها كأحلام المرأة العجوز التى تريد أن تعود لسن الشباب وهذا سخف.
أما إسرائيل فهى شيء آخر ولا تعانى هذه العقلية، لكن تعانى عقدة الوجود منذ خلق اليهود، ويحاولون التخفيف من هذه العقدة بالانفتاح والعلاقات مع دول الجوار ودول العالم.
 
 كيف ترى مصطلح "صفقة القرن"؟
لا يمكن أن نبنى على شيء نجهله ولا نعرف تفاصيله وأركانه، لكن فى اعتقادى الشخصى أنه من الضرورى أن تطرح تفاصيل هذه الصفقة، لكن الصفقة الحقيقية مطروحة فى المبادرة العربية فى بيروت 2002 وما قبلها، ومن المحزن ألا يكون للقوى العربية وجود حقيقي.
 
 إذا تحدثنا عن القضية الفلسطينية والجمود الذى أصابها.. فى رأيك من المسئول عن هذه الحالة؟
بالنسبة للقضية الفلسطينية أنا لا ألوم إلا الفلسطينيين أنفسهم، لأننى أؤمن أن الساحة الخصبة للمؤامرة أخطر من المؤامرة بحد ذاتها.
 
 ما رؤيتك للتعامل العربى مع تركيا وقطر فى ظل تورطهما فى دعم الإرهاب؟
أستلهم فى الإجابة عن هذا السؤال ما فعلته رئيسة وزراء نيوزيلاندا وأعطت درسا للعالم فى تعاطيها مع قضية الإرهابى الذى قتل المصلين فى المسجد، فأمرت ألا يتم ذكر اسمه وأن يغطى وجهه فى المحاكمات، لأنه طالب للأضواء ويجب أن يتم التعامل معه باحتقار وتجاهل كأنه ليس موجودا، وهذا ما يجب أن نفعله مع قطر وتركيا.
 
 على مدار 38 عاماً ونحن نقرأ العمود اليومى لسمير عطا الله فى جريدة الشرق الأوسط .. كيف استطعت الكتابة طيلة هذه الفترة؟
هناك قول مأثور عن سقراط يقول فيه: "إذا أردت أن تكتب مائة كلمة فعليك أن تقرأ عشرة آلاف كلمة"، وهذه أيضاً نظرتى للكتابة، الأمر الآخر وهو ما تؤيده آراء طه حسين أنه لا يجوز بناء قواعد الإعراب استناداً إلى القرآن، لأن القرآن منزل ولغة إعجاز، أما نحن ككتاب نبنى بلغة الناس العاديين، أما عن كتابة العمود الصحفى بشكل يومى فهى استعباد أو أشغال شاقة، لأن لغة الكتابة لا بد أن تكون منضبطة وألا تكون مجرد إنشاء فالقارئ كأن بيده "ريموت كونترول" يمكن ألا يكمل المقال وينتقل لآخر دون أن يكمله، كما أن الكتابة بالشرق الأوسط لها طابع خاص، إذ إنها تخاطب القراء من كل دول العالم العربى، وهذا يلقى عبئاً لاختيار القاسم المشترك بين القراء من مختلف توجهاتهم ومستواهم الفكري.
 
 حدثنا عن طقوس الكتابة الخاصة بك؟
اعتدت على ألا تكون هناك خطة للكتابة، فأكتب الموضوع أولا ثم أختار الفكرة أو العنوان، وذلك على غير المألوف، وأبدأ يومى بقراءة مقالى السابق ثم أطالع جريدة النهار التى أكتب بها مقالا افتتاحيا أسبوعيا، ثم أقرأ لبعض كتاب الأهرام والمصرى اليوم وكل ذلك على الإنترنت، لكننى لا أكتب مقالاتى على الكمبيوتر وإنما أكتبها بخط اليد.
 
 على مدار هذا العمر.. ما الذى لم يفعله الكاتب والصحفى سمير عطا الله؟ أو ما الذى كان يريد أن يفعله؟
الذى لم أفعله هو أننى لم أترك الصحافة مبكراً لكى أنصرف لكتابة الرواية ولأستكمل نظم الشعر كما بدأت، لكن الصحافة كانت ولا تزال تأخذنى من عام لآخر، وكل عام أقرر أن أترك الصحافة لكن أعود، وقررت أن أبدأ فى كتابة مذكراتى هذا العام لأعوض تقصيرى فى إصدار الكتب، لأن ثلاثة أرباع الكتب التى أصدرتها هى مقالات مجمعة لما كتبته فى جريدة النهار، أما ما يستهوينى فى الكتابة فهو العمود الصحفى، وقررت فى عام 1984 أن أتخلى عن أى مسئولية تحريرية، وكانت آخر مسئولياتى هى رئاسة تحرير جريدة الصياد فى لندن.
 
 ما أهم العناوين أو المحطات التى سيكتبها سمير عطا الله فى مذكراته؟
من حظى أننى كنت من الصحفيين اللبنانيين الذين عرفوا العالم العربى بدءاً من رحلتى الصحفية بالكويت، واستطعت التميز بعلاقاتى العربية كلبنانى بدون قصد، وهذه ميزة مهمة، والأمر الآخر هو معرفتى بالعديد من الشخصيات الكبرى بالعالم والعالم العربى بحكم تغطيتى للجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام، أيضاً تغطيتى للانتخابات الفرنسية لعدة مرات وأقمت من خلالها صداقات مع عدد من رؤساء فرنسا، أيضاً أقمت صداقات كثيرة مع ممثلين كبار مثل "شون كونري" و"جريجورى باك"، إلى جانب الكثير من النجوم العرب، وكل هذه أقدار، وبالطبع سأتحدث عن الكثير من هذه المحطات والعلاقات.
 
 من سيكون البطل فى مذكراتك سواء كان شخصية أم حدثا؟
المصادفة هى بطل مذكراتي، بالقدر وجدت نفسى فى فرنسا أثناء ثورة الطلاب، وكنت الصحفى العربى الوحيد الموجود أثناء تلك الأحداث، إلى غير ذلك من الأحداث، فيمكن أن أسمى نفسى "لا بطل" أو "الصحفى التائه"، لوجودى فى أماكن متفرقة من العالم.
 
 ما الذى صنع نجومية الأستاذ سمير عطا الله فى عالم الصحافة؟
بكل صدق أنا لا أكره شيئا بحياتى مثل الغرور، وسر نجاحى – إذا كنت قد نجحت – يمكن أن يكون نابعاً من رغبتى فى التعلم دون تكبر، وأذكر قولاً لأحد أصدقائى السياسيين فى لبنان يقول: "قيل لى إن فلانا أصيب بمرض، فقلت شفاه الله، وقيل لى إن فلانا قد أصيب بالغرور، فقلت رحمه الله".
 
 إذا طلبنا منك اعترافاً صحفياً.. فبماذا تعترف؟
أعترف أننى قد أضعت الكثير من أوقات شبابى وكنت يائسا من الحياة فى شبابى ولا أعطى قيمة لشيء، وهذا أكثر ما أندم عليه بحياتى، فأخطأت فى حق نفسى ولم أخطئ فى حق أحد، فالكثير من الصحفيين قد دخلوا الكثير من المعارك أما أنا فلم أفعل.
 
 نعلم أن هناك علاقة قوية تربطك بسعد الحريرى.. فما الذى يمثله بالنسبة لك؟
أول ما يمثله بالنسبة لى هو أنه ابن رفيق الحريري، فعلاقتى برفيق الحريرى لم تكن على ما يرام أو كانت علاقة فاترة، وكنت أعامله بجفاء، وندمت على هذه العلاقة بعد ذلك، ومن هنا كانت بداية مودتى بسعد الحريرى، وتعرفت إليه عن قرب قبل أن يكون سياسيا وعرفت معدنه الأصيل، فأنا أقدره كسياسى وأمنع نفسى من انتقاده لكى لا أساويه بالكثير من السياسيين الذين أنتقدهم.
 
 كيف ترى مستقبل الصحافة خصوصا الورقية؟ البعض قلق على مستقبل الصحافة والبعض الآخر يرى أنه لا توجد وسيلة إعلامية تلغى الأخرى؟
أنا أرى أن هناك خطرا حقيقيا، وليس صحيحاً أنه لا توجد وسيلة إعلامية تلغى الأخرى، والدليل أن التليفزيون ألغى الإذاعة بنسبة كبيرة، وكذلك الصحافة تأثرت بشكل كبير بالوسائل المرئية ووسائل التواصل الاجتماعى، والكثير من الصحف العالمية لم تعد موجودة على الساحة بعد أن كانت رائدة فى عالم الصحافة، فنحن مقبلون على عصر ستختفى فيه مهن كثيرة عن بكرة أبيها وهذه سنة كونية.

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام