أرشيف المجلة



كتب عنه وقدمه إلى القراء طه حسين.. عبد الله الطيب.. شاعر سودانى فى القاهرة

15-5-2019 | 16:52
نبيل فرج

 
 
احتفلت مصر فى جميع عصورها بعدد كبير من الأدباء والشعراء والعلماء العرب والأجانب باستضافتهم على أرضها، ودعوتهم للاشتراك فى حياتها الثقافية، بالتحرير فى دورياتها الصحفية، وإعداد الملفات عنهم، وطبع كتبهم فى مطابعها، تدعيما لنشاطها، وإقامة الجسور بينها وبين آداب العالم، تكريسا لحركات التحرر فى أكثر من قارة وفى مقدمتها إفريقيا، بحكم الطبيعة المشتركة، ووحدة السلالة الحامية التى تجمع مصر وإفريقيا، والقرابة الواضحة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الإفريقية فى النحو والصرف، التى تثبت أن انتماء مصر الإفريقى كانتمائها العربى، دليل على هويتها القومية والإنسانية.
من هؤلاء الذين اهتمت بهم مصر الكاتب والشاعر السودانى عبد الله الطيب (2003‪ -‬1921) الذى كان على صلة حميمة ببلادنا، وعضوا فى مجمع اللغة العربية لما يزيد على أربعين سنة، منذ 1961 حتى رحيله، ينشر بحوثه فى مجلة المجمع، ويلقى المحاضرات على طلبة معهد الدراسات العربية فى القاهرة، ويتبادل الرسائل مع طه حسين، بعد أن كتب عميد الأدب العربى عن ديوانه «أصداء النيل» 1957.
يعرف به وبإنتاجه الشعرى الذى يتغنى فيه بالنيل، دون أن يتعارض هذا التغنى مع حنينه الجارف إلى سكنه الأصلى فى السودان وإلى نخيله وصخره، بلغة تجمع بين القديم فى الشكل والجديد فى المضمون، بين الحياة البدوية الغليظة، والموضوعات الحديثة، بصياغة تجهد القراء، كما تجهدهم قراءة الشعر الجاهلى والأموى، بأساليبها المهجورة التى لا تصل إلى ذوق المعاصرين، الذين لا يحفلون بالجزالة القديمة ولا تجرى على ألسنتهم إلا الألفاظ السهلة المتداولة.
وعلى كثرة مآخذ طه حسين على لغة عبد الله الطيب، التى يحتاج تفسيرها إلى المعاجم، فإنه لا ينكر أننا مع عبد الله الطيب إزاء شاعر ضليع، يجد المثقف فى شعره ونثره متعة وروعة.
ومما يذكره طه حسين أيضا عن عبد الله الطيب الذى كان يجمعه به، حبهما المشترك للمتصوف الكبير ابن عربى، أن أحدا من الباحثين المعاصرين لم يتعمق فى دراسة الشعر العربى مثل تعمقه، ولا استأثر هذا الشعر بأحد من هؤلاء الباحثين استئثاره به.
وكتاب عبد الله الطيب «المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها»، الذى كتب طه حسين مقدمته فى 1952، وطبع فى بيروت والكويت يفصح عن عمق عبد الله الطيب فى قراءة واستقصاء تراث العرب الشعرى وفنونه، وإدراكه الرقيق لوحدة القصيدة العربية التى كانت محل خلاف حاد بين النقاد وكشف قدرته على الجمع ـ كما يقول طه حسين ـ بين العلم والأدب.
وإحاطة عبد الله الطيب بالشعر الإنجليزى لا تقل عن إحاطته بالشعر العربى.
وفى المقارنة بينهما يرى عبد الله الطيب أن الشعر الإنجليزى بما فيه شعر شكسبير لا يثبت فى هذه المقارنة بينه وبين الشعر العربى الذى يتميز بالإحكام، ويخلو من التطويل والاستطراد.
وأبحاث عبد الله الطيب عن مكانة الحضارة العربية فى مسار الإنسانية، تعد كما تعد أبحاثه فى التفسير الدينى من أهم دراساته خارج السلك الجامعى، وفى تقديره أن عدم العناية بهذه الحضارة العربية يعنى الإشاحة عنها، وعن اللغة التى عبرت عنها على مدى العصور.
وكما كتب طه حسين عن عبد الله الطيب فى شعره ونثره، كتب عبد الله الطيب عن طه حسين فى مناسبات مختلفة، مشيرا فيها إلى تبجيله الشديد له، منذ لقائه الأول به فى معهد اللغات الشرقية بجامعة لندن فى 1949، ولو أن معرفة عبد الله الطيب بمؤلفات طه حسين تعود إلى سنة 1934، وكان أول كتاب قرأه له، ولم يستطع أن يتخلص من تأثيره عليه، كتاب «على هامش السيرة». كما يذكر أنه تعلم من كتاب «حديث الأربعاء» حب المعلقات.
وعن مصادرة كتاب «فى الشعر الجاهلى» لطه حسين يرى عبد الله الطيب بحق أن الصواب كان ترك الكتاب فى الأسواق، يلتمس طريقه بين القراء، وفتح باب المناقشة أو المقارعة بين مؤلفه ونقاده.
هناك أيضا من المناسبات التاريخية التى دعت عبد الله الطيب للكتابة عن طه حسين تكليف وزارة الثقافة المصرية له فى 1998 بالكتابة عنه، فى الذكرى الخامسة والعشرين على رحيله، وكان المفروض لهذا البحث أن يطبع فى كتاب تذكارى، إلا أن الظروف لم تسمح بإصداره.
واكتفى عبد الله الطيب بنشره فى إحدى الصحف، وتتمثل أهمية هذا البحث فى أنه ينفى عن طه حسين كل الأوصاف التى وصف فيها بالكفر والزندقة، وهو بحث يستحق أن تقرأه الأجيال، لأنه بقلم لا يضارع، اعترف طه حسين بتمكنه العلمى، وبطاقته الإبداعية.
وفى رسائل عبد الله الطيب إلى طه حسين التى كتبها فى الخمسينيات والستينيات، كان يخاطبه فيها مخاطبة التلميذ للأستاذ، مكررا فيها بأنه سيده ومولاه العظيم، وبأنه جاحظ العصر ومبرده العبقرى، بحر الأدب، ومعلم الجيل وذخره.
وكان عبد الله الطيب يؤكد فى رسائله إلى طه حسين بأن كتابه «المرشد» دون مقدمة عميد الأدب ستتضاءل قيمته، ولن تكون له فائدة لأحد، ولا يلقى السوق الرائجة التى يلقاها بهذه المقدمة التى يطلبها، ليس من قبيل الجاه أو الصيت، وإنما لفائدة القراء.
ولأن كل تأليف له ما له وعليه ما عليه، فلم يكن عبد الله الطيب يجد حرجا فى أن يطلب من طه حسين، أن يشير إلى ما فى الكتاب من معايب، وهى لديه أهم من إيراد ما فيه من محاسن.
ويذكر عبد الله الطيب من أفضال طه حسين عليه أن دفعه لتعلم اللغة الفرنسية التى أتقنها إتقانه للعربية والإنجليزية، وقد استعان فيها بكتب القواعد والمعاجم وزوجته الفرنسية.
وعبد الله الطيب ينحدر من آل المجذوب الذين كان لهم دورهم فى حضارة شرق السودان، والسودان العربى، واشتغل أبناؤها بالتدريس فى المعاهد العلمية، والتأليف الأدبى، والقضاء الشرعى.

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام