خلط بين الفولكلور والسياسة تضمنته إحدى الأغانى، كادت تكون سببا فى إقصاء «العونيات» النساء المتخصصات فى إحياء الأعراس والاحتفالات المغربية بمختلف اللهجات الخاصة بمدن المغرب. لكن قوة «العونيات» بوصفهن جزءا أصيلا من التراث المغربى، أدت لتراجع الفكرة ورأى البعض أن دورهن يتخطى الغناء فى حفلات العرس . كما تقول الكاتبة المغربية خولة جيفري: الشيخات أو العيطة أو العونيات، يمثلن فنا شفهيا، ويعبرن عن تقليد مغربى أصيل وجزء مهم جدا وأساسى من ثقافة المغرب ماضيه وحاضره، ولذلك فهن فى غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع المغربى.
بينما تحدث الكاتب المغربى جهاد الهاشيمى قائلا: ظاهرة العونيات ظهرت أيام الحروب القبلية وأيام الاستعمار، حيث كانت نسوة القرية يجتمعن فى غياب أزواجهن لإحياء مجالس للبوح بمشاعر الاشتياق لأزواجهن، فكان اللحن والغناء يميل إلى الحزن بأسلوب مؤثر ومعبر جدا، وكن يستعملن فقط الدف أو كما نسميه هنا بالمغرب « البندير»، وكانت قصائدهن لا تحتاج لكتابة مسودة أو كلمات معينة، فهى قصائد وليدة اللحظة وكانت طريقة الإلقاء تنشد حسب اللحن الذى ينبعث من أعماقها، وكل جملة تقولها عندما تنهيها تردد النسوة ما قالته المنشدة بعدها انتشرت الظاهرة وتطورت الأساليب مثل باقى أنواع الفولكلور، كفن «العيطة» و«الحصباوي» و«الركزة» و«العيطة الجبلية» و«تاموايت» فى جبل الأطلس الأمازيغ.
ويضيف الهاشيمي: نسوة العونيات غالبا ما يكن بدينات غلظة النفس والصوت. بمعنى ودارجة مغربية (حرشات). وحتى ثمن حضورهن فى الأعراس لا يكلف صاحب العرس مبلغا باهظا. بل هن من يستجدين الحاضرين من أجل كما نسميه هنا «تنقيط» أو نقطة (غرامة) ويوهمن النسوة الحاضرات بجلب السعد، إذا ما هن أعطين نقطة وصدقن ما يقلن لهن.
من جانبه يقول د. نسيم حداد، باحث فى التراث المغربي: تختلف التسميات وتتضارب الألقاب بين من يلقبهن بـ«العونيات» أو «اللعابات» بل ويذهب البعض إلى ضمهن إلى لائحة «الشيخات» الممارسات لتراث العيطة، لكن العارف بخبايا الغناء الشعبى المغربى، يعى جيدا أن لكل لقب معنى، بل ولكل تسمية إطار فنى يحمل فى طياته حمولة موسيقية مختلفة.
ويضيف حداد، المتمعن فى كلمة «العونيات»، يدرك أنها اشتقاق من جذر منطقة «العونات»، إحدى القرى المغربية من غرب البلاد التابعة لجهة دكالة، والتى تعرف بنشاطها الفلاحى إلى جانب زخمها الفنى الكبير. وبذلك فكلمة «العونيات» لا تعدو لغويا سوى كناية للمرأة المنتسبة لمنطقة «العونات»، بيد أن للكلمة إصطلاحا معنى أعمق مرتبط بنمط فنى شعرى وموسيقى متفرد. «العونيات» اصطلاحا أضحت تعنى ممارسة فنية شعبية متكاملة لنساء ينحدرن من منطقة «العونات»، تنفرد من حيث النص الشعرى والنسق اللحنى عن مثيلاتها من الممارسات الشعبية الأخرى. وردا على رد الفعل السياسى لغنوة «زيد الملك زيد»، التى وجهت بعض المطالب للملك، التى كانت سببا فى انتقاد العونيات، يعلق الكاتب والشاعر المغربى حسن نجمى والرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب، ومؤسس بيت الشعر فى المغرب، قائلا: أولا الفرقة التى غنت الأغنية الشعبية، تكاد تشكل استثناء فهى لم تعتد أن تغنى بتلك الدرجة من الوعى السياسي، مما شكل حالة خاصة ومتفردة ولفت إليها انتباه رواد الفضاء الأزرق وشبكات التواصل وانتقل إلى الصحافة المكتوبة والإلكترونية. عادة هذه الفرقة تغنى أغانى قروية بدوية حول الموضوعات التقليدية فى الغناء الشعبى، مثل المرأة والحب والفروسية والفراق والهموم الاجتماعية التى يعيشها بسطاء الناس، وهذا الغناء التقليدى سائد فى السهول والمناطق القروية.
وبشكل عام «العونيات» تراث تقليدى متجذر فى ذاكرة المغاربة وفى تاريخهم الثقافى والاجتماعى، وهذا الغناء عرفه المغاربة كتعبير عن لحظات ومحطات تاريخية أساسية خصوصا فى مراحل مواجهة الاستعمار الأجنبى، لكن فى مغرب الاستقلال أصبح المنظور السائد لهذه الفرق الشعبية التقليدية منظورا لا يعبر عن الاحترام والتقدير. وإنما هو منظور يحتقر هؤلاء النساء ويخلط بينهن وبين البغايا للأسف. لكن فى السنوات القليلة الأخيرة بدأ هذا المنظور يتغير ويتراجع بفضل بعض الباحثين الجامعيين والمثقفين، الذين أخذوا يشتغلون على هذا التعبير الغنائى والموسيقى التقليدى، ويعيدون إليه الاعتبار.