اقتصاد



الولايات المتحدة الأمريكية والصين تحتلان الصدارة.. صراع الكبار على الاستثمار فى إفريقيا

15-6-2019 | 16:05
سلوى سيد

تبنت روسيا إستراتيجية مختلفة عن الآخرين فى ظل منافسة محتدمة

صراع ضار تشهده القارة الإفريقية، بين أكبر الاقتصادات فى العالم، والتى تتنافس على الاستحواذ على الحصة الأكبر من الاستثمارات فى القارة الغنية بالموارد النفيسة من نفط ومعادن وذهب وغيرها الكثير، ويظهر النزاع جلياً بين أمريكا والصين بشكل خاص على الكعكة الإفريقية، إلا أنهما تتفقان على إخراج الدب الروسى من حلبة المنافسة بجميع الطرق، لا سيما أن الاستثمارات الصينية قفزت خلال السنوات القليلة الماضية، وبلغت نحو 40 مليار دولار، فى حين تمتلك الولايات المتحدة استثمارات بقيمة 58 مليارا، فيما لا يزال الاتحاد الأوروبى يجتهد على نحو موحد أو بشكل منفصل، لكن باستثمارات تظل محدودة مقارنة بالآخرين.

تتسع مجالات المنافسة بعيداً عن الاستثمارات التقليدية فى الموارد غير المتجددة، لتنتقل إلى القطاع الزراعى المتوقع أن يصل إلى تريليون دولار بحلول 2030، مقارنة بنحو سبعة مليارات فقط الآن، وستصبح الصناعات الزراعية هى «النفط الجديد» فى القارة.

لن يفوت الاقتصاد الأكبر فى العالم فرصة الاستفادة من كنوز إفريقيا الهائلة، التى لم تجد حتى الآن من يستطيع استغلالها وإخراج طاقاتها الكامنة على نحو مثالي، وظهر ذلك جلياً من خلال الاستثمارات والصفقات المتواصلة التى تعقدها كبرى الشركات فى جميع أنحاء القارة.

وعلى مدى ثلاثين عامًا على الأقل، كانت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا، تقتصر على استخراج المواد الخام من باطن الأرض، ويمثل النفط والغاز والمعادن نحو نصف الاستثمارات الأمريكية المباشرة فى إفريقيا.

واستندت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا منذ عام 2000 إلى قانون النمو والفرص فى إفريقيا (أجوا)، وهو اتفاق تجارى غير متبادل يمنح نحو 40 دولة إعفاءً من الرسوم لنحو 6400 منتج إلى الولايات المتحدة.

ويهدف القانون إلى تنمية أسواق التصدير الإفريقية، بدلاً من بناء شراكات تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه، كما ساعد على دمج التجارة والاستثمار فى العلاقات بين الجانبين، وأدى إلى خلق أكثر من مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر فى القارة، ومع ذلك لا يتم استخدام سوى نحو 300 من خطوط الإنتاج المتاحة، واستفاد عدد قليل نسبيًا من البلدان منها، من بينها جنوب إفريقيا وكينيا وموريشيوس وإثيوبيا، فيما يتعلق بالصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة.

وتتضاءل المشاركة التجارية للولايات المتحدة فى إفريقيا، حيث بلغ متوسط الصادرات الأمريكية إلى منطقة جنوب الصحراء فى إفريقيا نحو 19 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية، وانخفضت التجارة البينية من 100 مليار دولار فى عام 2008 إلى 39 مليار دولار فى عام 2017، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاكتفاء الذاتى فى الولايات المتحدة من الطاقة.

وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مستثمر فى القارة من خلال 54 مليار دولار من الاستثمار الأجنبى المباشر، وهناك ما يقدر بنحو 600 شركة أمريكية فى جنوب إفريقيا وحدها وأكثر فى جميع أنحاء القارة، من بينها بعض أكبر الشركات الأمريكية.

ويتم الترحيب بالنموذج التجارى الأمريكى فى جميع أنحاء القارة السمراء، نظرًا للممارسة العامة للشركات الأمريكية التى تهتم بتوظيف المواطنين والترويج محليًا والاستثمار اجتماعيًا ورفض الفساد.

وبين عامى 2005 و2017، استثمرت مؤسسة تحدى الألفية الأمريكية أكثر من 6.5 مليار دولار فى 14 دولة فى إفريقيا من خلال التعاقدات المستكملة أو المستمرة فى البنية التحتية والصحة والتعليم وغيرها من القطاعات.

وفى خطوة تعتبر تحولاً جديداً فى الاستثمارات الأمريكية فى القارة، أقر الكونجرس قانون “بيلد” الذى يدشن مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، من خلال دمج أجزاء من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى شركة الاستثمارات الخاصة الأمريكية فى الخارج (OPIC).

وستتمكن المؤسسة من الإقراض حتى 60 مليار دولار، أى ضعف المبلغ الذى يمكن أن تقدمه “OPIC” حاليًا، ويمكن أن تجعل استثمارات الأسهم تصل إلى 20 % من إجمالى أسهم المشروع، وهذا سيجعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة مع الصناديق المدعومة من الحكومة الصينية.

ربما تعد قصة توغل الصين فى الاستثمار فى إفريقيا مألوفة للكثيرين، باعتبارها سيناريو متكررا يتبناه العملاق الآسيوى فى مناطق عدة حول العالم، لكنها بالفعل تجربة تستحق أن تروى، وبدأ النمو الاقتصادى المحلى للصين فى الارتفاع فى نهاية القرن الماضي، ما أجبرها على تغطية الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية وخلق فرص العمل من خلال البحث عن أسواق خارجية، وكانت إفريقيا شريكا مناسباً تماماً بسبب وفرة سلعها والحاجة إلى تطوير البنية التحتية.

وموَّلت “بكين” بالفعل أكثر من 3 آلاف مشروع حيوى فى البنية التحتية فى القارة السمراء، وقدمت أكثر من 86 مليار دولار من القروض التجارية للحكومات الإفريقية والكيانات المملوكة للدولة بين عامى 2000 و2014، بمتوسط يبلغنحو 6 مليارات دولار سنويا.

وفى عام 2015، تعهد الرئيس “شى جين بينج” بتقديم 60 مليار دولار من القروض التجارية إلى المنطقة، مما سيزيد الإقراض إلى ما لا يقل عن 20 مليار دولار سنوياً إذا تم الوفاء بهذا التعهد، وأصبحت الصين أكبر دائن فى المنطقة، حيث تمثل 14 % من إجمالى ديون منطقة جنوب الصحراء الإفريقية، ففى كينيا - على سبيل المثال - يبلغ حجم القروض الصينية المقدمة للحكومة ستة أضعاف فرنسا ثانى أكبر دائن للبلاد.

فى حين أن مستوى الاستثمار الأجنبى المباشر فى الصين منخفض نسبياً، حيث يمثل أكثر من 5 % فقط من إجمالى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر إلى المنطقة فى عام 2015، نمت التجارة الثنائية 40 مرة على مدى العشرين سنة الماضية، وتجاوزت الآن 200 مليار دولار.

كما يسهم الاستثمار الصينى فى إفريقيا، على عكس استثمارات الدول الأخرى فى خلق فرص العمل، وتطوير المهارات، ونقل التقنيات الجديدة والممارسات المرتبطة بشكل عام بمعايير الأعمال الغربية، وفى الوقت الذى تعمل فيه الصين على تنفيذ مبادرة الحزام والطريق - وهى أكبر برنامج للأشغال العامة على الإطلاق - من المحتمل أن تزداد القروض التجارية للصين والديون التى تتكبدها الحكومات الإفريقية، باعتبارها تقع تحت طاولة اهتمامات السياسة العامة.

وتستخدم مشروعات البنية التحتية الجديدة فى تمكين الشركات الصينية من استخراج الموارد الطبيعية مثل المعادن والنفط، وواجهت الصين انتقادات واسعة خاصة بالفشل فى تلبية المعايير التنظيمية والبيئية والأخلاقية.

ويستهدف الحضور المتنامى للصين فى إفريقيا تحويل القارة إلى المصنع الجديد فى العالم، على الرغم من أن الصين تمتلك هذا اللقب حاليًا، إلا أن اقتصادها المتنامى بسرعة من المرجح أن يرفع مواطنيها من خط الفقر، ليكون أكثر توجهاً نحو الخدمات مثل الولايات المتحدة، وأقل اعتمادًا على التصنيع، وتنتقل بذلك المصانع الصينية إلى إفريقيا.
تعتبر العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والقارة الإفريقية تاريخية، لكونه الشريك الرئيسى لإفريقيا فى النشاط الاقتصادى والتجارة، فضلاً عن التنمية والمساعدات الإنسانية والأمن، وفى الوقت نفسه، لطالما نظر مسئولو الاتحاد الأوروبى لإفريقيا، على أنها مصدر قلق رئيسى بسبب الأعداد الغفيرة من المهاجرين غير الشرعيين التى تجتاح يومياً القارة العجوز، وبالفعل توصلوا إلى اتفاق يقضى بإنشاء مراكز للمهاجرين فى الأراضى الأوروبية يمكن الإشراف عليها ويسمح لهم بالدفاع عن حدودهم بشكل أفضل.

لكن يبدو أن الرؤية بدأت فى التحول لتأخذ منحى آخر، لمواجهة المشكلة الرئيسية والاستفادة من الفرص الواعدة للاستثمار فى إفريقيا الغنية بالموارد والثروات، ووصل 119 ألف إفريقى إلى أوروبا فى عام 2018 وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، الأمر الذى يستدعى ضرورة زيادة استثمار بلدان الاتحاد الأوروبى، أكثر من الـ 22 مليار دولار التى أنفقتها فى إفريقيا فى عام 2017.

وأعلن الاتحاد عن تشكيل تحالف يجمع التكتل الموحد بالقارة السمراء، مستهدفاً زيادة الاستثمار فى مشروعات مستدامة تخلق فرص عمل للمواطنين على المستوى المحلي، تسهم فى تقليل الاتجاه إلى ترك بلادهم لإيجاد حياة أفضل فى أوروبا.

واستحوذ قطاع الطاقة على الاهتمام الأكبر فى منتدى الاستثمار فى إفريقيا، الذى عُقد فى “جوهانسبرج” فى نوفمبر الماضي، حيث تربط المبادرة الجهات الفاعلة الرئيسية من قطاع الطاقة المستدامة من القطاعين العام والخاص فى أوروبا وإفريقيا، كما أسفر المنتدى عن الاتفاق على 45 صفقة بقيمة تتجاوز 32 مليار دولار، وهو ما اعتبره الجانبان تطوراً كبيراً فى العلاقات بينهما.

وشملت الصفقات عددا من الدول تشمل جنوب إفريقيا وإثيوبيا وغينيا وغانا ورواندا ونيجيريا والكاميرون والمغرب وكوت ديفوار وتنزانيا والنيجر والجابون، واجتذبت فرص الاستثمار فى الطاقة والبنية التحتية والأغذية والتجارة الزراعية انتباه المستثمرين العالميين بشكل خاص.
وتشكل ثلاث دول أوروبية هى المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا أكبر المستثمرين فى القارة السمراء خلال 2017، وتعهدت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” فى أكتوبر الماضى بتدشين صندوق تنموى جديد بتكلفة مليار يورو لمعالجة مشكلة البطالة فى إفريقيا، فيما تعهد الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون” فى يونيو الماضى بدعم الشركات الناشئة المبتكرة، فى إفريقيا من خلال برنامج استثمارى بقيمة 65 مليون يورو (75.151 مليون دولار).

وتبنت روسيا إستراتيجية مختلفة كلياً عن الآخرين فى ظل منافسة محتدمة بين “واشنطن” و”بكين” على زيادة الهيمنة على الاستثمارات فى إفريقيا، وتحولت الأنظار نحو “موسكو” التى شهد وجودها فى إفريقيا زيادة ملحوظة أخيراً، حيث نشرت المزيد من القوات لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى إفريقيا اعتباراً من 2014 أكثر من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة.

وارتفعت التجارة بين إفريقيا وروسيا بنحو عشرة أضعاف بين عامى 2000 و2012، وفى الوقت الذى حظيت فيه البنية التحتية والقروض التجارية فى الصين باهتمام كبير، يبدو أن الاستثمار الروسى فى إفريقيا لم يلحظه أحد بسبب تنوعه من التعليم العالى والتدريب، إلى الاستثمار فى السياحة، وصولاً إلى الإمدادات العسكرية للقارة الإفريقية.
 

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام