قلما تجود الملاعب العربية بلاعب مثله، فمن من محترفينا لا يأمل أن يسير على دربه الاحترافى وتمثيل الكرة العربية، مثلما فعل الأسطورة الجزائرية رابح ماجر، الذى لعب تألقه المحلى دورا كبيرا فى تصنيفه كواحد من أهم مهاجمى العالم فى الثمانينيات، وأفضل لاعب جزائرى فى القرن العشرين دون منازع، حتى أصبح سفيرا فوق العادة للكرة الجزائرية بل العربية والإفريقية أيضا، ليرفع راية بلاده عالية فى المحافل الأوروبية الكبرى.
شوارع حى «حسين داي» بالجزائر، كانت طريقه فى تعلم أبجديات كرة القدم، فقد ولد ببلدية الأبيار فى الخامس عشر من ديسمبر 1958، ونشأ فى عائلة تتكون من ستة أولاد وخمس بنات، وعاش حياة بسيطة فى الأحياء الشعبية، فولدت موهبته، لتكون بداية «ماجر» الكروية مع نادى نصر حسين داي، الذى شهد بزوغ نجمه، وبعد مشوار جيد محليا. كان ماجر يرغب فى خوض تجربة الاحتراف الخارجي، ومن هنا بدأ طريق النجومية، فلم يتردد ناديه فى قبول عرض راسينج باريس الفرنسي، الذى لعب ضمن صفوفه فى عام 1983، وتألق بشكل لافت للأنظار فى أول موسم مع فريقه الجديد، وكان له الفضل الأكبر فى صعود الفريق لدورى الأضواء، ثم أعير إلى تور الفرنسى لفترة قصيرة . يمكن القول إن مسيرة احتراف النجم الجزائرى الحقيقية، بدأت عندما انتقل إلى نادى بورتو البرتغالى، حيث كان فى أوج عطائه، واستطاع فى أول موسم له مع الفريق الأزرق أن يتأهل لنهائى دورى أبطال أوروبا ليتوج بالكأس الأوروبية عام 87 بهدفه الأسطورى بالكعب الذهبى الشهير أمام بايرن ميونيخ الألمانى ليصبح أول عربى وإفريقى, يفوز ويسجل فى هذه البطولة الأغلى فى أوروبا، ليكون واحدا من أبرز اللاعبين العرب على مر التاريخ .
أسطورة «ماجر» الأوروبية لم تأت من فراغ، بل صنعها وزينها بعدد من البطولات، ليس سهلا على أى لاعب الوصول إليه، مع الأخذ فى الاعتبار أن فترة احتراف اللاعبين العرب فى ذلك الوقت لم تكن طويلة، ففى نفس موسم التتويج الأوروبى فاز «رابح» بكأس العالم للأندية، بمسماها القديم، بعد فوزه مع فريقه فى النهائى على نادى بنيارول الأوروجوايانى وبهدف ذهبى أحرزه النجم العربى ليكون أول عربى يفوز بهذه البطولة.
وإذا أردنا الحديث عن أهدافه، فلا أحد ينكر أنها ستبقى خالدة فى أذهان جماهير الفريق الأزرق، وينهى موسمه المليء بالإنجازات بتتويجه بالكرة الذهبية الإفريقية ليكون أفضل لاعب إفريقى لعام 87، ليفوز فى موسم 87-88 بالثلاثية التاريخية وهى الدورى والكأس والسوبر البرتغالي. بعد تألقه المتواصل انتقل لنادى فالنسيا الإسباني، لكنه تعرض لإصابة خطيرة كلفته المكوث فى البيت، فقرر بعد تكامله للشفاء العودة لناديه بورتو ليحصل معه على الكأس والسوبر البرتغالى عام 1991، ليحافظ على صورته الذهنية المميزة لدى جماهير النادى العريق.
انعكس تألق «ماجر» الأوروبي، على المستوى الدولى، ليستفيد منتخب «محاربو الصحراء» من أسطورته، ويسهم فى فوزه بوصافة أمم إفريقيا فى نسخة عام 1980، بعد الخسارة أمام نيجيريا، رغم غياب استمر 10 سنوات عن المونديال الإفريقي، حيث كان يمتلك منتخب الجزائر جيلا ذهبيا من اللاعبين، منهم الأخضر بلومى وعلى فيرجانى وصلاح أسعد، أكد كفاءته بالوصول إلى دور ربع النهائى بدورة الألعاب الأوليمبية بموسكو، وأذهل به العالم فى مونديال 1982 بإسبانيا، بالفوز 2-1 على ألمانيا الغربية، فى ملحمة «خيخون» وكان هدف الافتتاح لرابح ماجر.
كادت الجزائر تصعد للدور الثانى فى المونديال، لكنها خرجت بفارق الأهداف، لكن ذلك الجيل قد نجح فى التأهل مرة ثانية على التوالى فى كأس العالم نسخة عام 1986، وكان أول منتخب إفريقى ينجح فى ذلك، ثم استطاع ماجر ورفاقه فى أمم إفريقيا 1990 تحقيق اللقب الإفريقى الأول والوحيد لهم حتى الآن، وكذلك الكأس الأفروآسيوية عام 1991، فكان ذلك خير ختام لـ«رابح» لأعظم لاعب فى تاريخ الجزائر.
عندما اعتزل كرة القدم فى عام 1992 كان أفضل الهدافين فى تاريخ بلاده بـ 28 هدفا فى 86 مباراة، وانتقل بعدها مباشرة إلى تدريب المنتخب، ليبدأ رحلة جديدة فى كرة القدم الإفريقية.
وكان تأثير «ماجر» فى الرياضة الجزائرية واضحا جدا، عندما تم تعيينه على رأس اللجنة الوطنية لرياضة النخبة والمستوى العالى واكتشاف المواهب الرياضية فى إطار سعى الحكومة الجزائرية للحد من سياسة الاعتماد على الرياضيين من المدارس الأجنبية فى الخارج، خصوصا فرنسا.
مواقف رابح ماجر الإنسانية كانت حاضرة فى كل وقت، وتضاهى إنجازه الرياضى، كرمز كروى يعشقه الجزائريون، فمثلا بعد اعتزاله قام بوضع حذائه الذى شارك به مع نادى بورتو البرتغالى فى مزاد علنى وتبرع بكامل قيمته لصالح ضحايا الفيضان فى الجزائر، بجانب مشاركته المستمرة فى العمل الخيرى، ومنها برنامج «تلفازي» مع كل من مارادونا وميشيل سالجادو، وهو البرنامج الذى جمع العديد من المواهب الكروية من أجل القيام بالعديد من المنافسات كنوع من الأعمال الخيرية، كما عين ماجر سفيرا للنوايا الحسنة من جانب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» فى أكتوبر 2011.