رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الثلاثاء 22 ابريل 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
فجر الضمير
من خشبة المسرح إلى قلوب الجماهير.. سميحة أيوب مبدعة تجاوزت التحديات
4-3-2025
|
15:44
عادل الشافعى
تعتبر سميحة أيوب واحدة من أعظم الفنانات فى تاريخ المسرح العربي، حيث قدمت مسيرة فنية حافلة بالأعمال المؤثرة التى تركت بصمة واضحة فى عالم الفن، استطاعت أن تجمع بين الموهبة الفطرية والاجتهاد المستمر، مما جعلها تجسد شخصيات متنوعة تلامس قلوب المشاهدين.
اقترن اسم سميحة أيوب بالنجاح على مدار سنوات نجمة متألقة وإدارية ناجحة ورمزا من رموز الفن المصرى والعربي، حيث أدارت المسرح الحديث والمسرح القومى سنوات وتركت بصماتها الخالدة فى تاريخ المسرح المصري.. تملك رصيدا مسرحيا يصل إلى»170» مسرحية، كما أنها تكاد تكون- إن لم تكن - الفنانة العربية الوحيدة التى وصلت إلى عالمية المسرح، حيث قدمت 5 مسرحيات مع مخرجين من ألمانيا وروسيا وإنجلترا وفرنسا... حيث وقفت على خشبة مسرح أوبرا باريس.
فى هذا الحوار نسلط الضوء على مسيرتها الإبداعية وتجربتها الفريدة فى عالم المسرح، ونستعرض لحظات من حياتها الشخصية، وآراءها حول التحديات التى تواجه الفن فى عصرنا الحالي، سيدة المسرح سميحة أيوب تفتح لنا خزائن ذكرياتها وتجاربها لتروى لنا قصتها.
< ماذا عن بدايتك فى عالم الفن؟
المصادفة وحدها هى من قادتنى إلى هذا العالم الساحر بورده وأشواكه، فأثناء فترة الدراسة كنت أخرج بعد انتهاء يومى الدراسى مع زميلاتى اللائى يكبرننى بعدة سنوات، وكان منهن من يحب الفن ويريد دخول المعهد ، وأنا فى تلك الفترة لم أكن أعرف ما هو المعهد وماذا يدرس ، لكنى كنت أذهب معهن لحضور الاختبارات وكنت مرافقه لهم فقط، فقد كان عمرى لا يتعدى الرابعة عشرة عاماً، كنت أرتدى مريلة المدرسة بينما صديقاتى يرتدين ملابس لا تتناسب مع أعمارهن من أجل القبول بالمعهد بينما كنت مازالت أخطو أولى خطواتى فى عالم الأنوثة.
وكان رئيس لجنة الامتحان هو الأستاذ زكى طليمات، الذى نظر لى نظرة شعرت معها أنه لم يرتح لوجودى فى هذا المكان، بينما كان أحد أعضاء اللجنة مرحبا بهذه الفتاة الصغيرة التى تخطو أولى خطواتها فى عالم الصبا، وقد التفت إلى قائلاً: أنتِ يا شاطرة إحنا خلصنا واسمك مش موجود ، فقلت له أنا زائرة فقط مش جاية أمتحن، فسألنى تحبى تمثلى؟ فأجبته بخجل شديد نعم أحب التمثيل، فسألنى تحبى تكونى زى مين؟ فقلت أحب ليلى مراد ويوسف وهبى، ففوجئت بأن الجميع يضحكون وينظرون بجوارهم ناحية أحد الأساتذة وأنا لا أعرف السبب، لكن بعد ذلك علمت أن الأستاذ يوسف وهبى كان ضمن أعضاء اللجنة، المهم أنهم طلبوا منى مشهداً تمثيليا فبكيت بشدة ولم أستطع أداءه، فسمعت أعضاء اللجنة يتحدثون مع بعض ويقولون بنت صغيرة وخائفة، لكن من الممكن أن نقبلها كمستمعة حتى تبلغ عمر السادسة عشرة وهو العمر الذى يسمح بالقيد فى المعهد، وبالفعل قيدت كمستمعة وكنت أذهب للمعهد يومياً كى أستمع للدروس التى يلقيها الأساتذة الكبار، لكن خلال تلك الفترة كان الأستاذ زكى طليمات يتجاهلنى، وكأنى غير موجودة أمامه تماماً.
سميحة أيوب
< كيف كانت الدراسة فى معهد السينما؟
ظل أستاذى زكى طليمات، يتجاهلنى لفترة طويلة، وأنا أشعر أنه لا يحبنى ولا يريدنى فى المعهد، وفى إحدى المرات أعطانى نصاً، وطلب منى حفظه وأعطانى بعض الملاحظات حول النص، وطلب منى أن آتى اليوم التالى بعدما أحفظه بشكل كامل.
فلم أنم فى تلك الليلة، وسهرت على حفظ النص بالملاحظات التى أبداها لي، وبالفعل ذهبت فى اليوم التالى وقدمت النص بدون ملاحظات فنظر لى نظرة لن أنساها فيها إعجاب كبير وحنان لم أشعر به من قبل، وقال «برافوا عليكى أنتى هايله».
ومنذ تلك اللحظة تغيرت وجهة نظر الأستاذ زكى طليمات، وأصبح يركز على بشكل كبير، ويسند لى أدوارا أثناء الدراسة، ويقول هناك تطور كبير فى أدائك، وفى أحد الأيام فوجئت بالأستاذ الكبير يقول لي: تعرفى إن دى أول مرة ذكائى يخونى فيها ، فنظرت له نظرة تساؤل فأكمل حديثه وأضاف: أنا ذهبت لوزير المعارف وعملت ليكى استثناء لتكونى طالبة نظامية، لتحصلى على مكافأة الطلاب وقيمتها ستة جنيهات، لم أستطع أن أخفى فرحتى وقفزت فى الهواء من شدة الفرحة وشكرته على ما قام به، لكنه قال «أريدك ألا تخيبى ظنى فيكي».
< هل واجهت صعوبات عائلية فى تلك الفترة بسبب توجهك للعمل فى الفن؟
بالتأكيد اعترض أهلى على دخولى معهد التمثيل، وأن أكون فنانة، ورفضت العائلة التمثيل إلا أن خالى ساعدنى وتبنانى بعد قبولى فى معهد التمثيل، حيث أقمت فى منزله بمنطقة الزيتون، وتركت منزل أسرتى لعدم اقتناعهم بدراستى للفن، وأطلقت على نفسى فى أعمال قديمة اسم «ناهد شريف» كاسم مستعار لتجنب غضبهم، وحتى إن تم ترشيحى للعمل فى الإذاعة المصرية، كان اسمى فى الإذاعة «سميحة سامى».
والحقيقة أن المعركة مع أهلى كانت فى جوهرها معركة مع المجتمع كله، فقد كان مجتمعنا حتى وقت قريب، يرفض الاعتراف بأن فن التمثيل يمكن أن يكون مهنة، فضلا عن أن يكون مهنة محترمة، وربما لا تزال آثار هذه الفكرة السلبية عن الفن قائمة حتى الآن، رغم ما حققه الفنانون الكبار والرواد.
< من الأستاذ الذى أثر فى مشوارك الفنى واستطاع اكتشاف وتوظيف موهبتك؟
أدين بالفضل الأكبر لأستاذى زكى طليمات الذى آمن بقدراتى التمثيلية، وقدمنى وأنا طالبة، فقد نجح فى تفجير الجانب الإبداعى والحسى لدى، واستطاع أن يأخذ بيدى ليرى إبداعى النور، لأصبح فيما بعد من أهم أعلام المسرح العربى.
كان أستاذاً عظيماً وكل الممثلين الذين عاصرناهم خرجوا من عباءته، فهو من قام بتعليم الأجيال التالية، وصاروا بدورهم أساتذة لأجيال أخرى وهكذا، وقد حارب لينشئ معهد الفنون المسرحية الذى أنشأه عام 1933 ثم تم إغلاقه ليعيد إنشاءه عام 1944، وفى الكويت أسس معهد الفنون المسرحية، كما أسسه فى ليبيا، وفى تونس، فكل العرب خرجوا من عباءته، وصولا لهذا الجيل الذى ورث فنه على أيدى تلاميذه.
< ما أول عمل شاركت فيه؟
بدأت حياتى الفنية فى عام 1947، حيث كانت الدراسة تأخذ شكلا مختلفا، فكنت أدرس على خشبة المسرح وفى المعهد، فقد منحنى أستاذى دور الملكة فى مسرحية (فى خدمة الملكة)، وكان هذا الدور فاتحة خير، وفى إحدى المرات كنت أقوم بدور فى مسرحية «البخيل» فقال لى الدكتور زكى مبارك، إنك تمتلكين حضورا كبيرا على المسرح، وكانت معى فاتن حمامة وسعيد أبو بكر،قدمت بعد ذلك مسرحية «كسبنا البريمو» وحققت نجاحا مدويا، وكنت أقدم فيها شخصية سيدة فقيرة لا تجد قوت يومها، فقررت بيع ابنها، وكانت سناء جميل تجسد دور السيدة التى ستقوم بشراء ابنها، ورغم إنى كنت أرى إن دورى لا يحتاج مجهوداً كبيراً، فعادة الأدوار الطيبة والسندريلا لا تحتاج مجهودا كبيرا، لكنها تحتاج صياغة ممتازة على الورق، وفى رأيى أن أدوار الشر هى الأصعب بالنسبة للممثل لأنه يحتاج مجهودا للتعبير عنها.
< هل إجادتك للغة العربية أفادتك فى مشوارك الفنى؟
منذ أن كنت صغيرة وأنا أحرص على تثقيف نفسى والقراءة فى كل المجالات، فقد كنت فى مدرسة فرنسية، وخرجت منها لأتعلم فى معهد الفنون المسرحية، وقد أفادتنى اللغة الفرنسية فى الاطلاع على الأدب والمسرحيات الفرنسية، وقد أحضر لى خالى مدرس لغة عربية وكان عمرى 14 سنة وقتها، وتعلمت العربية الفصحى وهو ما أفادنى كثيراً فى عملى بعد ذلك.
< لماذا فكرت فى الإخراج المسرحى رغم تركيزك على التمثيل؟
خلال دراستنا فى المعهد، كنا ندرس الإخراج المسرحى على يد أستاذنا زكى طليمات، وعندما دخلت سوق العمل ركزت على مجال التمثيل فقط، لكن فى إحدى المرات كان الفنان عبدالرحمن أبوزهرة يحضر لإخراج مسرحية بعنوان «مقالب عطيات» لكن بعد توزيع الأدوار سافر إلى الأردن لفترة ، فقام مدير المسرح بإسناد عملية الإخراج لى ، وكانت بالنسبة لى تجربة جديدة وجميلة فقد مشيت على خطى أستاذى زكى طليمات حيث قمت برسم كل حركة ورقمتها كما كان يفعل معنا ، وانتظرت لأرى العرض فوجدت الجمهور يتفاعل معها ونجحت نجاحا كبيراً، حتى أن سمير خفاجة صاحب فرقة المتحدين قال تعالى إخرجى لى مسرحية إلا أنى اعتذرت له بأدب، وتكرر الموضوع فى خمس مسرحيات على فترات متباعدة.
< فترة الخمسينيات والستينيات كانت مرحلة ازدهار فى المسرح والسينما..كيف تصنفينها؟
بالفعل كانت تلك الفترة خصبة وكان هناك مناخ ثقافى وعبق فى مختلف المجالات، من تمثيل وغناء وكتاب وشعر وثقافة، وكانت كل روافد الفنون والثقافة عالية جدا.
< فى رأيك ..من أهم فنانى المسرح فى الفترة الحالية؟
إذا تكلمنا عن مسرح القطاع الخاص المحترم، فهناك مسرح محمد صبحى ومسرح الأستاذ جلال الشرقاوى هؤلاء أصحاب مسرح محترم يمكن أن تدخله الأسرة مع أبنائها مطمئنة من عدم وجود أى شىء يمكن أن يخدش الحياء، بل تشعر برسالة داخل الكوميديا التى يقدمونها على المسرح.
< ذكرت المسرح الخاص فقط.. أين مسرح الدولة بعد أن كان متألقا فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى؟
لا شك أن مسرح الدولة فى ذلك العصر، كان منتعشا ومعه أيضا مسرح القطاع الخاص، وكانت هناك فرق مسرحية متنوعة، ولكن هناك أعمالا مسرحية جيدة بدأت تعود لمسرح الدولة فى الفترة الأخيرة.
< فى رأيك أيهما أفضل للفنان أن يكون قريبا للسياسة أم بعيدا عنها؟
أنا أرى أن الفن سياسة لأن ما يقوله الفنان هو عبارة عن منظومة سياسية اجتماعية حضارية، فالفن سياسة بل الحياة اليومية تعد سياسة، فالفنان مرتبط بقدره وبما يدور حوله من أحداث، شخصيا لا أحب الكلام فى السياسة على الرغم من أن كل كلامنا الآن هو سياسة، لكن ما أعنيه أن التنظير السياسى هو أمر متروك للمختصين الدارسين والفاهمين.
< ما رأيك فى شباب المسرحيين وعما يقدمون من أعمال مسرحية؟
إنهم موهوبون، ويحبون المهنة بصدق، ولديهم رغبة فى تحقيق النجاح، وفى ذلك يبذلون جهدًا كبيرًا، وهو ما يعنى أنهم سيحققون النجاح بلا شك، لكن عليهم بالقراءة والاطلاع، وبطلب من الجيل الجديد بضرورة أن تكون لديهم وجهة نظر.
< من أطلق عليك لقب سيدة المسرح العربى.. ولماذا لم ينازعك عليه أحد؟
كنا فى مهرجان دمشق عام 1969 وجاءتنى دعوة من الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد الذى رحب بى قائلا تقدمى يا سيدة «المسرح العربى»، لقد اصطفيتك اليوم بهذا الوسام كرمز لجميع الفنانين المصريين، وشكرته وجلس قرابة الساعة وهو يحدثنى عن أعمالى المسرحية وكيف كانت فى مسرحية كذا وكذا ولكن المسرحيتين اللتين توقف عندهما كانتا «سكة السلامة» و«الإنسان الطيب» بغرابة الشخصيتين وأضاف إليهما «يا سلام سلم الحيطة بتتكلم»، المسرحية التى قدمتها فى المهرجان قبل أيام وشاهدها فى التليفزيون.
هذه اللحظات هى كحلم عشته، والرئيس الأسد يتحدث إلى بود وبساطة، كأنه يعرفنى منذ سنوات، وكأنه قرأ الدهشة فى عينى والتساؤل يخرج منهما، فقال نحن نعيش معك كل يوم من خلال أعمالك، ولهذا نشعر أنك مننا، ولم يكتف الرئيس الأسد بذلك بل وجه لى الدعوة لزيارة مسقط رأسه قرداحة فى اللاذقية فى الصيف المقبل، وقال: يجب أن ترى اللاذقية ولا تأتى إلى دمشق دون أن أراك، فقلت مازحة بعد أن ذهبت عنى الرهبة كيف سأصل إليك؟ هل أقف أمام القصر الجمهورى وأقول بأعلى صوتى سيادة الرئيس أنا جيت.
فابتسم قائلا: بلغى وزارة الثقافة، وشكرته ممتنة وذهبت إلى مكتب رئيس الوزراء، الذى كان فى انتظارى وبرفقته وزير الثقافة، وقالا لى: منذ هذه اللحظة وأجهزة الإعلام سوف تذيع الخبر مقرونا باللقب الغالى سيدة «المسرح العربى»، وسترين كيف أن السوريين سوف يسعدهم الخبر.
غادرت وأنا أحمل فرحتى إلى الفندق، وإذا بصوت سعد الدين وهبة يأتى عبر الهاتف ممزوجا بالسعادة ليقول: سميحة باركيلى لقد عينت وكيلا لوزارة الثقافة لشئون الثقافة الجماهيرية، فرددت قائلاً: ألف مبروك وأنت أيضا بارك لى فقلت له: لقد منحنى الرئيس حافظ الأسد بوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، فأظهر سعد الدين وهبة سعادته لتكريمى، وقال سوف آتى غدا لأشكر.
< ما أهم التجارب فى حياتك على المسرح؟
بالتأكيد مررت بتجارب كثيرة ومنها عندما وقفت لتأدية دور إليكترا فى مسرحية «الندم – الذباب» للفيلسوف العالمى «جان بول سارتر» حينها كنت أعلم بخوضى تجربة قد تقضى على مشوارى الفنى، خصوصاً فى حضور سارتر شخصيا بقاعة جورج أبيض بالمسرح القومى، وفى وجود كوكبة عظيمة من مثقفى مصر مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس ولطفى الخولى وسعد الدين وهبة ود. لويس عوض والكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل.
أيضاً عندما دعانى وزير الثقافة الفرنسى «ميشيل جى» لتقديم مسرحية فيدرا للكاتب الدانماركى راسين على مسرح أوبرا باريس كان تحديا جديدا وكبيرا أيضا، فأنا لم أكن أمثل دورا فى مسرحية عالمية أمام نقاد وجمهور فرنسا فقط، لكنى ذهبت إلى عاصمة النور «باريس»، ولم تكن المرة الأولى التى يقف العالم شاهدا على شموخ وعظمة مصر وفنانيها، فقد سبقتنى كوكب الشرق السيدة أم كلثوم إلى عاصمة النور باريس، لتقدم للعالم أجمع عظمة الفن المصرى الحديث، بعد أن شهد العالم بعظمة ومكانة الفن والحضارة المصرية القديمة.
«كنت أعلم أن الجمهور فى أوروبا لا يصفق للممثلين أثناء العرض بل يصفق فى نهايته، وكان لـ«فيدرا» منولوج مميز لى أصف فيه الشخصية، كيف أحبت وكيف تضرعت للآلهة، وعندما انتهيت من المنولوج فوجئت بعاصفة من التصفيق».
< أنت الفنانة العربية الوحيدة التى قدمت أعمالاً مسرحية عالمية؟
فعلا، أستطيع القول إننى الممثلة العربية الوحيدة التى لعبت أدوارا فى كل المدارس العالمية، فقد عملت مع مخرجين عالميين، وقدمت خمس تجارب لمسرحيات عالمية، من ألمانيا مثل المخرج العالمى»كورت» الذى أخرج مسرحية «دائرة الطباشير القوقازية»، الذى يكاد يكون قد تخصص فى مسرح بريخت، وعندما شاهد «كورت» فنانى المسرح القومى عبر عن سعادته فقال: دون مجاملة عندكم نجوما كبار لا يقلون روعة عن أعظم ممثلى المسرح فى العالم ، كان «كورت» صاحب أول تجربة فى إخراج عمل مسرحى عالمى بممثلين من مصر على خشبة المسرح القومى.
ومن فرنسا عرضت مسرحية «فيدرا» إخراج بيير لاروى التى قدمتها على مسرح أوبرا باريس، ولاقت نجاحاً منقطع النظير، جماهيرياً وإعلامياً، وحضر العرض الكاتب السياسى الكبير محمد عودة، وكان معه الأخضر الإبراهيمى، السياسى العربى الجزائرى، الذى أكد أنه كان فخوراً بى وبالفن العربى الذى جئت لأتحدى به فى قلب باريس، عاصمة النور.
< ماذا عن تجربتك فى إدارة المسرح القومى؟
تحمست كثيرا لترشيحى مديرا للمسرح القومى عام 1973، لكن فجأه اكتشفت أنى رشحت لرئاسة المسرح الحديث وهو ما قبلته بحالة من الغضب والضيق الشديد فقررت ألا أوافق، لكن حدث أن قابلت وزير الثقافة الكاتب يوسف السباعى الذى بادرنى بالقول أنت جديرة بإدارة المسرح الحديث ، فوافقت على مضض، وكنت مقررة أن أستقيل بعد فترة صغيرة وبالفعل كنت أذهب للمسرح وأنا مش مهتمة أعرف مين الناس الموجودين ولا أى حاجة، وفى اليوم الثامن فتحت الراديو على بيان عبور قواتنا قناة السويس وتحطيم خط بارليف المنيع، فقررت عقد جمعية عمومية لكل الممثلين.
كانت لحظة تاريخية، أسطورة سطرتها دماء الأبطال فى سيناء، فأصدرت تعليماتى وقلت «زى ما فيه ناس على الجبهة، عاوزين نعمل جبهة هنا، وفى خلال 48 ساعة لازم نعمل حاجة»، وبالفعل قدم عبد الغفارعودة ومحمد نوح «مدد مدد .. شدى حيلك يا بلد» واكتشفت أن المسرح الحديث أصبح «منارة»، فعلى سبيل المثال كلما حاول أحد ترشيح فنان سينمائى لبطولة مسرحية، كنت أرفض بغرض الاستفادة من العناصر التى يملكها المسرح، لذلك كنت أقول «جيت أشتغل بأدواتى» وفيه مرة رشحوا محمود المليجى لبطولة مسرحية لأنه نجم سينمائى كبير، لكنى رفضت وقالت محمود المليجى على عينى وراسى بس أنا عندى حسن عابدين ولازم أستفيد بالناس اللى عندى فى المسرح، مش هجيب حد من برة.
< متى قررت العودة إلى المسرح القومى؟
فى أغسطس 1975 أى بعد ثلاث سنوات على إدارتى للمسرح الحديث، حيث حدثنى وزيرالثقافة الكاتب يوسف السباعى وبعد التحية قال: لقد نجحتى فى المسرح الحديث وأصبح له جمهوره، وانفض الجمهور عن المسرح القومى، فيجب أن تذهبى إلى بيتك لتعالجيه ويسترد عافيته، كان يقصد أن أنتقل مديرا للمسرح القومى وهو ما رفضته وقلت لقد نجحت هنا وارتبطت بكل شخص وبكل ركن فى المبنى وجددته، لن أذهب إلى القومى فلست «كاسحة ألغام» وبعد مناقشة طويلة وافقت على مضض وقلت للوزير: عندى مشروع «فيدرا» فى المسرح الحديث، ولكن ممثليه من القومى، فقال أرأيت لن تستطيعى أن تهربى من القومى، إذن فلننقل فيدرا إلى القومى.
ظللت بعدها فى إدارة المسرح القومى لمدة 14 عاماً، وهذه أطول مدة لمسرحى أدار فيها المسرح القومى، حتي قدمت استقالتى، وذلك قبل خمس سنوات من بلوغى لسن التقاعد الوظيفى.
ففى رأيى أن المنصب قد يصنع بطلاً بين الأقزام، ويضيع المنصب فى يوم وتدوس عليه الأقدام، أذكر أنى قلت هذه الكلمات أثناء تكريمى من قبل وزارة الثقافة آمام وزير الثقافة فاروق حسنى، بعد تقديمى للاستقالة عام 1987، وكان من أهم ما قدمت خلال فترة رئاستى، مسرحيات «فيدرا» و«أنطونيو وكليوباترا» و«رابعة العدوية» و«الأستاذ» و»دماء على ستار الكعبة».
< لماذا تتحدثين عن المسرح رغم أن لك أعمالاً سينمائية ناجحة؟
السينما عمل جميل ولها سحر خاص، وقد قدمت خلال مشوارى الفنى حوالى 44 فيلماً أعتز بها جميعاً وبعضها حقق نجاحات كبيرة مثل « موعد مع السعادة- هارب من الحب- لا تطفئ الشمس- المتمردة- أدهم الشرقاوي- أرض النفاق- بين الأطلال- فجر الإسلام- شاطئ الغرام- ورد الغرام- القلب له أحكام» ، لكن لا أخفيك سراً أنى أعتبر نفسى بنت المسرح لذلك أعشق كواليسه وأحب مشاهدة الجمهور وجهاً لوجه، لذلك مهما حققت من نجاح فى السينما يبقى المسرح له مذاق خاص بالنسبة لي.
< ماذا عن أعمالك التليفزيونية والإذاعية؟
منذ أن بدأ البث التليفزيونى فى بداية الستينيات، وهو يعتمد بشكل أساسى على فنانى المسرح الذين لديهم قدرة على الحفظ، حيث كانت الأعمال يتم تصويرها بدون وجود مونتاج، وكنت من أوائل الفنانين المشاركين فى المسلسلات التليفزيونية، وقد قدمت على مدار تاريخ قرابة 220 عملاً من أهمها «الضحية- الرحيل- طيور بلا أجنحة- الشك- الضوء الشارد- سعد اليتيم- الخيول تنام واقفة- سكر زيادة- الطاووس- المصراوية- مولد وصاحبه- حضرة العمدة»...وغيرها، وأعتز كثيراً بمشوارى التليفزيونى.
أما الإذاعة، فقد اختارنى الإذاعى الكبير محمد محمود شعبان «بابا شارو»، لتمثيل أوبريت عذراء الربيع، وأنا ما أزال طالبة فى المعهد، ونجحت فيه نجاحاً كبيراً، جعل المخرج يوسف الحطاب يرشحنى لدور فى مسلسل «سمارة»، الذى كان سبباً فى شهرتى لأصبح من الأصوات النسائية الأولى فى الإذاعة، وكان من أبرز العلامات التى قدمتها ونجح نجاحاً كاسحاً حتى وقت إذاعة المسلسل كانت الشوارع تخلو من المارة، لدرجة أن أساتذة الجامعة طلبوا بعدم إذاعة المسلسل لأن الطلبة كانوا لا يحضرون المحاضرات وقت إذاعة المسلسل، وفسر ذلك بأنه نجاح للمسلسل لأنه لأول مرة كان يتناول شخصية الفتاة ابنة البلد وهو ما لاقى نجاحا مع طبقات كثيرة.
< هل حصلت على التكريم المناسب لمشوارك الفنى الطويل؟
التكريم بالنسبة للفنان مكافأة على نجاحه وأن عمره الفنى لم يذهب هباء، فكل تكريم له مذاقه الخاص.
وآخر تكريم كان منذ فترة قريبة فى انطلاق الدورة الـ17 للمهرجان القومى للمسرح المصرى وكانت الدورة تحمل اسمى، حيث أطلق اسمى على الدورة الحالية تقديرا وتكريما لمسيرة رائدات المسرح المصرى وفنانات مصريات تألقن على خشبات المسارح، وكان بحضور الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة السابقة، والفنان محمد رياض رئيس المهرجان.
وفى فترة الستينيات منحنى الرئيس جمال عبد الناصر وسام الجمهورية فى عيد العلم عام 1966، وحصلت عام 1972 على وسام الاستحقاق من الرئيس السورى حافظ الأسد، وحصلت على وسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسى جيسكار دستان بعد تقديمى مسرحية فيدرا على مسرح أوبرا بارى 1975، وكرمنى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى احتفالات الشرطة يناير 2024، وقد اختارتنى وزارة التعليم كفنانة مصرية مؤثرة وإلقاء الضوء على تاريخى، وأتى فى إطار تعريف الطلاب بأبرز الشخصيات المؤثرة فى مجال المسرح بكتاب المهارات والأنشطة للصف السادس الابتدائى .
ولا أنسى كلمات فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى عندما شاهد عرض مسرحية «دماء على أستار الكعبة» قال «ربنا يبارك لكم ويبارك فيكم.. وتقدمون أعمالا تفيد الإنسانية وتنفع الناس، ودعا قائلا: ربنا يبارك فيك يا يوسف شعبان ربنا يكرمك يا سميحة يا أيوب ربنا يبارك فيكم»، وجاء ذلك تقديرا منه للفن الراقى الذى يقدم، كما قال الشيخ أحمد حسن الباقورى، وزير الأوقاف المصرى الأسبق، وأحد علماء الأزهر الشريف، بعد مشاهدته فيلم «فجر الإسلام» أحب اللغة العربية وهى تخرج من فم سميحة أيوب.
< هل ارتباطك بالفنان محسن سرحان أفادك فنيا أم لا؟
عندما ارتبطت بمحسن سرحان لم يكن الزواج قرارى النابع من تفكير، لأنى كنت فتاة صغيرة أحلم بأن أكون عروسة أرتدى الفستان الأبيض والطرحة، ولكن لم أكن أعرف «يعنى إيه جواز»، وأنجبت منه ابننا محمود الذى توفى منذ سنوات. ولكن تعثرت التجربة وانتهت بالطلاق، لأننا لم نكن متكافئين، سواء فى السن لأنه يكبرنى بسنوات كثيرة، وحتى فى التفكير لأنه كان يريد زوجة تجلس فى المنزل ولا تعمل لدرجة أنه أجبرنى على ترك الدراسة بالمعهد.
< وماذا عن الزواج الثانى من الفنان محمود مرسى؟
كان نقيضا لمحسن سرحان، فقد كان إنسانا متفهما ومثقفا وواثقا من نفسه، وأعادنى إلى عملى واستكمال دراستى فى المعهد، لكنه كان شخصية لديها كبرياء ويعتز بنفسه وعندما انفصلنا كان يظن أننا يمكن أن نعود لبعض، ولكنه فوجئ بزواجى من سعد الدين وهبه، لكن أستطيع القول إنه من أفضل الناس الذين تعاملت معهم فى الحياة، وظلت علاقتنا جيدة حتى بعد الإنفصال.
< وبالنسبة لـ سعد الدين وهبة، ما سر هذا الاستمرار حتى رحيله؟
أهم سبب فى الاستمرار هو التناغم الذى كان بيننا، فأنا ممثلة مسرح وهو يكتب للمسرح، وكان يعرض على أعماله كى أقرأها أولًا قبل النشر، وذات مرة طلب منى قراءة مسرحيته «كوبرى الناموس» حتى أبدى رأيي فيها، وعقب قراءتى للمسرحية، اعترضت على مشهد لسيدة تقف صامتة لمدة تقترب من ثلث ساعة، فسألنى وهبة صراحة إذا كان يعجبنى المشهد أم لا؟ وحينما أجبته بـ «لا» رمى النص على الفور، ومنذ هذه اللحظة قررت ألا أقرأ له نصًا إلا وأنا أجلس على طاولة البروفات، مثلى مثل بقية أبطال المسرحية، لمناقشة النص مع مؤلفه، مثلما نفعل مع أى مسرحية أخرى.
فقد كان من حظى أن أعرف الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة عن قرب حتى قبل زواجنا، لذلك فأنا أعرف عن حياته وجهاده الفنى والثقافى والشخصى ربما أكثر مما يعرفه غيرى، خصوصا فى مراحل البداية التى لم يكن قد حقق فيها الشهرة والنجاح الواسع الذى تحقق له بعد ذلك، فقد كان يفرح جدا بنجاحى، وكان يسعد عندما أقدم عملا جيدا وأنا كذلك، وكنا نفهم بعض بمجرد النظر، وإذا غضب أحدنا لا يتكلم مع الآخر وهو ملتهب بل ينتظر حتى يهدأ، بمعنى أنه كان هناك نضوج فى العلاقة، وهذا هو سر نجاحنا كزوجين طوال هذه الفترة، وكان من الصفات التى عرفتها فيه أنه لا «يغالط» نفسه أبدا، فعندما يشعر بشيء فإنه يعترف به ولا يهرب منه ويحاول أن يبذل جهدا كبيرا لتحقيقه فى حياته الواقعية ما دام يشعر به فى أعماقه.
ولا شك أننى استفدت من رحلتى الطويلة مع سعد وهبة، كما استفاد هو منى فى فنه وشخصيته، فسعد الدين وهبة ساعد كثيرا على كشف الجانب الفكرى والسياسى والوطنى فى شخصيتى، وأصبحت بفضل سعد الدين وهبة شخصية عامة مؤثرة وصاحبة رأى فى القضايا الكبيرة إلى جانب مكانتى الفنية العالية.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام