مقالات رئيس التحرير



لحظة العرب

10-3-2025 | 23:55
جمال الكشكي

بلغ مستوى التهديدات والأخطار مداه، الخرائط تعلن عن قلق غير مسبوق، لا شىء فى الأفق يؤكد أن هناك طريقا مفتوحا أمام الاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط.
 
التهديدات والأخطار، لم تستهدف الخريطة الفلسطينية وحدها، بل توجه سهامها إلى خريطة الإقليم العربى بالكامل، كل المعطيات الآن، تؤكد ضرورة وأهمية رسم الخريطة العربية المتماسكة سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بما يوفر لها القدرة والقوة فى الحفاظ على وجودها، وأمنها القومى.
 
القضية الفلسطينية، وما تشهده من مشروعات للتصفية عبر التهجير، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وتحويلها إلى قصة لاجئين، إنما تحتاج إلى موقف عربى مغاير، عما اتخذه العرب خلال العقود الثمانية الماضية، فاللحظة عربية، كل شىء بات مهددا، الجغرافيا والتاريخ، الأمن القومى، والأمن الاقتصادى والاجتماعى، بل الوجود ذاته.
لأن القصة باختصار أبعد من تصفية فلسطين وحدها، بل إن المخططات القديمة المتجددة، تظهر هذه المرة بقوة وعلانية، على لسان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وهو الذى يحكم البلد الذى وقّع، وأسهم فى اتفاقيات السلام العربية - الإسرائيلية، وهى اتفاقيات دولية برسم الأمم المتحدة، وليست اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية، ومن ثم، فإن أى كسر أو اختلاف فى هذه الاتفاقيات، يشكل خرقا للقانون الدولى، وخروجا على القواعد المعمول بها بين الدول.
ولذا، فإن الحديث عن تهجير بهدف التصفية للقضية الفلسطينية، ينافى كل القواعد والمواثيق الدولية والإنسانية، بل يشكل جريمة تطهير عرقى، ولهذا تحرك العرب، لأنهم يدركون حجم الأخطار -غير المسبوقة- التى قد تهدد شعوب ووجود المنطقة بالكامل.
 
من دون شك، أن للعرب أوراقا كثيرة، ولابد من إظهارها الآن بقوة، لمواجهة الأعاصير والعواصف التى تخرج من الأدراج لتنفيذ مخططات قديمة، تهدف لإعادة رسم خرائط جديدة.
 
إن العالم يعرف جيدا أن العرب رقم صعب إذا أرادوا، وقد جرب العالم موقف العرب مع العدوان الثلاثى عام 1956، عندما تغيرت المعادلات فى العواصم العربية، ردا على هذا العدوان الغاشم، الذى ظهر فى تدخل أمريكا والاتحاد السوفيتى السابق، لوقف هذا العدوان، ومنعه من التواصل واستكمال توغله، وقد فشل هذا العدوان، عندما رأى العالم تلك المظاهرات التى اندلعت فى عواصم العرب، بغض النظر أن بعض هذه العواصم، كانت لم تنل استقلالها بعد، وبرغم ذلك اندفعت الشعوب، لتقف بكل قوة فى مواجهة هذا العدوان، لتكشف أنها قوة لا يستهان بها.
 
كذلك وجد العرب أنفسهم بعد نكسة 1967، مطالبين بالرد، وكان يعتقد الغرب وإسرائيل أن العرب سيسلمون، لكن العرب ذهبوا أبعد من هذا الخيال، ودعوا إلى قمة فى الخرطوم، وهى القمة الشهيرة باللاءات الثلاث، وقد تجلت قرارات هذه القمة فى حرب عربية عام 1973، انتصر فيها العرب جميعا، واستخدموا فيها أوراقهم القوية، التى كانت حاسمة أمام العالم، وأفضت إلى انسحاب إسرائيلى من بعض الأراضى العربية، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى، وإلا ما كانت الاتفاقيات، وأبرزها اتفاقية أوسلو عام 1993.
 
لكن بعض المتطرفين فى الحكومة الإسرائيلية، والولايات المتحدة الأمريكية، أردوا أن يمزقوا هذه الوثائق الحقوقية والاتفاقيات، تحت شعار القوة وحدها التى تفرض شروطها، على الآخرين، لكن العرب ليسوا منطقة رخوة أو ميدان رماية لتجريب الأفكار المجنونة، فهناك تصور عربى كامل عن السلام الإستراتيجى «الأرض مقابل السلام»، ولديهم أيضا قوة ردع إذا ما واصل المتطرفون جنونهم، الذى لا يشعل الشرق الأوسط وحده، بل سيشعل العالم أجمع، فضلا عن أن عقلاء الغرب، لاسيما فى الاتحاد الأوروبى يدركون مخاطر التطرف الإسرائيلى - الأمريكى، الذى يريد شطب فلسطين، والاعتداء على سيادة الدول العربية الأخرى المستقلة، على نحو ما ظهر فى البيانات العربية المتتالية.
 
أكثر من بيان مصرى أصدرته وزارة الخارجية المصرية، تلاه البيان الذى أصدرته المملكة العربية السعودية، والبيان الذى أصدرته دولة الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن المواقف العربية القاطعة والحاسمة والرافضة لأى مخططات تصفية أو تهجير، أو اعتداء على سيادة الأراضى العربية بشكل عام.
 
وجاءت الدعوة المصرية، لعقد قمة عربية طارئة يوم السابع والعشرين من فبراير الجارى، لتؤكد أن للعرب موقفا واحدا، ولحظة جامعة لا يتنازلون فيها عن الثوابت العربية، التى تتمثل فى دولة فلسطينية مستقلة، والانخراط فى مفاوضات دولية، لبدء المراحل المتعلقة، بإقامة الدولة، التى هى مطلب عالمى ودولى مستحق، فلا شك أن للعرب أوراقا قوية على المسرح الدولى، أولاها القوانين الدولية، وثانيتها الموقع الإستراتيجى الحاسم، وثالثتها قوة الطاقة والبترول، ورابعتها القوة الحضارية والثقافية، التى تتمثل فى 57 دولة إسلامية وعربية، تدعم جهود وإقامة دولة فلسطينية، من دون التنازل عن هذا المطلب العادل.
 
وأخيرا، أرى أن هذا التوقيت، هو لحظة العرب الفاصلة، لصياغة موقف وطبعة جديدة أمام العالم.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام