انتفض العرب بقوة حين طرحت مشروعات علنية لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا وللأبد، على نحو ما طرحه الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، عندما اقترح تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بل وصل به الأمر أن دعا إلى امتلاك غزة نفسها، وجعلها ريفيرا الشرق.
لم يكن أحد يتخيل أن تأتى هذه الاقتراحات الرهيبة من الولايات المتحدة الأمريكية، راعية السلام بين العرب والإسرائيليين من كامب ديفيد ومدريد، مرورا بأوسلو ووادى عربة، نهاية باقتراحها -هى نفسها- مسألة حل الدولتين، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية، عضو الرباعية الدولية للسلام فى الشرق الأوسط، المكونة من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، والاتحاد الروسى، فأن يأتى الرئيس السابع والأربعون، ويكسر كل هذه القواعد، فإن ذلك لن يمر سهلا.
لذا فإن العرب وضعوا خطوطا حمراء، منعا لتصفية القضية الفلسطينية، ورفضا لصناعة نكبة أخرى بعد نكبة 1948، وقد جاء على لسان أكثر من زعيم عربى، أنه لن يشارك فى هذه المظلمة التاريخية، ولا ينبغى، والحق أقول: إن العرب لديهم أوراق قد يجهلها المجتمع الدولى، أو يتغافل عنها، منها أن العرب يحظون بقاعدة جغرافية إستراتيجية فى قلب العالم، وبقاعدة سكانية تؤمن بحق فلسطين فى تحقيق المصير، واستقلال دولتهم المنشودة.
ولا أظن أن أيا من هؤلاء السكان يتراجع عن هذا الإيمان الراسخ، ثم إن هناك قاعدة سكانية وجغرافية شاسعة من العالم الإسلامى، ترفض المظلمة الواقعة على الفلسطينيين منذ ثمانية عقود، وتدعو المجتمع الدولى إلى رفع هذه المظلمة اليوم قبل الغد.
وقد شاهدوا جميعا الإبادة الإسرائيلية لسكان غزة على الهواء مباشرة، وسمعوا تصريحات الساسة الإسرائيليين، وهم يعتبرون الفلسطينيين حيوانات بشرية، بالضد من القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، واتفاقيات جنيف الأربع، ناهيك عن المعاهدات والمواثيق الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعى والوحيد لفلسطين، وبين المؤسسات الدولية، حماية للقضية الفلسطينية.
كل هذا ضربه الرئيس ترامب بعرض الحائط، فكان لابد من الصوت العربى الواضح لمواجهة هذه الأعاصير والعواصف التى ربما تستهدف مساحات أبعد من غزة.
وقد أدرك العرب خطورة ما يثار الآن من أمريكا وإسرائيل، لذا جاء تحركهم بعقد قمة عربية طارئة، يوم الرابع من مارس 2025، بالاتفاق مع رئاسة القمة الحالية، مملكة البحرين، قبل انعقاد القمة العادية التى تستضيفها العاصمة العراقية بغداد.
ذلك أن الأمر جد خطير، والتحديات كبرى، والأحداث متلاحقة، والمتغيرات الإستراتيجية العالمية تسابق الزمن، ورأينا التغيير الحاد والسريع بين أمريكا وروسيا فى الملف الأوكرانى، فمن الصدام الشرس إلى التعاون الذى يقترب من الشراكة العالمية.
وشاهدنا ذلك فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عندما تقدمت واشنطن بمسودة قرار ينص على إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية سريعا، واعتبارها نزاعا بين بلدين (أوكرانيا - روسيا)، وليس نزاعا روسيا غربيا بالكامل، وقد وافقت الأمم المتحدة على هذا القرار دون اعتراض يذكر، بل اعتبروه وثيقة رسمية تقلب الموازين الإستراتيجية حول العالم، ورحبت به روسيا وأمريكا، ورغم اعتراضات أوروبا، فإن الأمر نفذ.
ومن ثم فالعالم يتغير أسرع مما نتخيل، لذا فإن العرب وسط هذه الرمال السياسية المتحركة يخشون من حلول تفرض عليهم ولا تناسب مستقبل الاستقرار فى المنطقة، ومن هنا جاء نداء القمة العربية واضحا بمركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لهم، ويذكّرون المجتمع الدولى بقراراته المتتالية منذ ثمانين عاما، ويذكرونه أيضا بالخطر الكامن والمستمر من عدم حل هذه القضية التى طال أمدها أكثر مما ينبغى.
إن قمة الرابع من مارس 2025، هى قمة الخطوط الحمراء، والاختبار الصعب، والتأكيد على أن العرب رقم مهم فى المعادلة الدولية، ولا ينبغى تجاهله، ولا يفترض أن يفهم المجتمع الدولى أن العرب قد يتخلون لحظة واحدة عن القضية الفلسطينية. فثمة حل عادل وثوابت مركزية تتمسك هذه القمة بها.
إن العرب اختاروا السلام الإستراتيجى كخيار تام بمحض إرادتهم، على أن يفضى هذا السلام إلى دولة فلسطينية، فمن غير المقبول أن يظل سلاما فى الفراغ أو سلاما على طريقة نتنياهو، التى تكسر كل القواعد.
إن نتائج هذه القمة تضع العرب فى "القمة" على المسرح الدولى.