جاءت قمة الثلاثاء العظيم فى القاهرة، لتضع حدا للمخططات العلنية، سواء كانت من اليمين الإسرائيلى المتطرف، أم من الرئيس الأمريكى الطامح إلى إيقاف الحرب على حساب الشعب الفلسطينى، وهذا لا يناسب لا الاستقرار العربى، ولا الإقليمى أو الدولى. إنما جاءت قمة القاهرة العربية الطارئة لتؤكد الإجماع العربى، وتعترف بأن هناك تحديات عظمى، ولابد من الاستجابة لهذه التحديات، وعبورها وتحقيق جوهر الاستقرار العربى والعالمى.
القمة قدمت خطة مدروسة وإستراتيجيـــــة، وقابــــلة للتنفيذ لتغلق الأبواب، وتسد الذرائع وتسقط الادعاءات، وتبطل مفعول مؤامرات التهجير، وقنابل تصفية القضية الفلسطينية.
خطة العرب بشأن الإعمار لا تعنى البناء بمفهومه التقليدى، إنما صلب وعصب الحفاظ على الشعب الفلسطينى موحدا، وغير منقسم، وهنا أقول لابد من تكوين قيادة فلسطينية واحدة بعيدا عن المفهوم الذى ساد طويلا على مدى ثمانية عقود، أى مفهوم الفصائل التى خضعت طوال الوقت إلى استقطابات إقليمية ودولية، واتخذها البعض فى وقت من الأوقات بندقية للإيجار.
والحقيقة أن الشعب الفلسطينى صاحب أشرف قضية وأطول مظلمة فى العصر الحديث، ويجب ألا يكون بعدة رؤوس، فقد أثبتت التجارب أن هذه الرؤوس تتصادم دائما، وتنحرف عن المسار الحقيقى، أى مسار التحرير من الاحتلال، وأظن أن إسرائيل لعبت دورا فى تغذية هذا المسار حتى لا تدفع استحقاقها.
الخطة العربية على قوتها وأهميتها لن تصبح ذات جدوى، إذا واصلت الحالة الفلسطينية أدبيات الانقسام والتشظى، والسباق نحو السلطة التى لا توجد حقيقة إلى الآن. فالحق أقول إن اللحظة تتطلب السمو عن الصراعات الصغيرة من أجل المصلحة الوطنية الكبرى، والحق أقول أيضا إن قضية فلسطين هى قضية تحرير وطن مثلها مثل أى قضية أخرى حدثت فى التاريخ، ويجب ألا نرمى عليها أردية عقائدية من شأنها عرقلة التحرير الفعلى.
خطة قمة القاهرة - التى لقيت قبولا عربيا ودوليا، عدا أمريكا وإسرائيل، إنما هى خطة بمثابة عصا موسى التى تلقف أفاعى المخططات.
لا شك أن صمود العرب حول خطتهم هذه، وطريقة عرضها على الدبلوماسية العالمية، ستجعلان إسرائيل وأمريكا محشورتين فى الزاوية، فكثير من دول العالم تعترف بدولة فلسطينية ومنها دول أوروبية، ناهيك عن ترحيب الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، وإفريقيا وآسيا بالخطة العربية القابلة للتنفيذ الفورى.
إذن نحن أمام مرحلة فاصلة فى تاريخ القضية الفلسطينية، وعلينا استثمار هذه اللحظة العربية العروبية فى استخدام كل الأوراق التى لدينا وهى كثيرة، لا سيما أن الخطر هنا أبعد من غزة، بل إنه يستهدف الخرائط العربية التى بدأ يتصارع عليها أكثر من طرف إقليمى ودولى.
والعرب ليسوا رجل العالم المريض لتتقاسم هذه الأطراف ميراثه الحضارى، والإنسانى والجغرافى، ومن ثم فإن أوراق هذه القمة وصلت رسائلها إلى من يهمه الأمر.
بقى علينا نحن العرب الاستجابة للتحدى لعبور اللحظة الفارقة فى تاريخ العالم، فثمة نظام دولى يتصدع نهائيا، ويجب ألا نكون ضحية من ضحايا هذا التصدع، وأظن أن العقل العربى قادر على صياغة الموقف حسب مصالحه الإستراتيجية، وهى كثيرة.
إن قمة القاهرة جرس إنذار للجميع، إما أن نكون أو لا نكون، كما قال وليم شكسبير، وأظن أن العرب لا يقبلون الخروج من عربة التاريخ.