مقالات



ربيع الدم: بين أدونيس وسعدى والمذابح المنسية

19-3-2025 | 23:46
مهدى مصطفى

ماذا تعنى سوريا خالية من المسيحيين، العلويين، الدروز، الإسماعيليين، الأكراد، السريان، والآشوريين؟

جاءت مجازر الساحل السورى فى جبلة، طرطوس، واللاذقية لتفتح «الربيع العربي» التسمية الغربية للفوضى، وقد ضربت جمهوريات العرب وحدها، كاشفًا أن المخطط كان تدمير نواة العرب الصلبة، وإفراغها من القوة لصالح إسرائيل والمستعمرين القدامى، الذين عادوا هذه المرة بغطاء جديد، لا عبر الاحتلال المباشر، بل عبر إشعال الحروب الطائفية وتقسيم الشعوب من الداخل.  

فى مارس 2025، هزّت الساحل السورى مذابح مروعة ارتكبتها التنظيمات الحاكمة، موجّهة ضد العلويين الذين طالما كانوا وقود الصراعات السياسية.

 استمر القتل لأيام، وسط صمت عالمي، كأنما هو امتداد طبيعى لمسار بدأ منذ 2011، حين سُمّيت الفوضى ربيعًا.  

أى ربيعٍ عربيٍّ هذا؟كتب الشاعر العراقى العظيم سعدى يوسف، متسائلًا كيف تحوّلت الثورات إلى ساحات مفتوحة للخراب والتدخلات الخارجية. أما أدونيس، على أحمد سعيد، أحد أكبر شعراء العالم، فلم يثق بثورة تخرج من الجوامع، وأدرك أن منابر السياسة حين تُخلط بالدين، لا تُنتج إلا المزيد من الدم.  

المشهد لم يكن جديدًا، فالعلويون، الذين يُنحرون اليوم، هم ذاتهم الذين حملوا السلاح ضد الاحتلال الفرنسى وقبله العثماني.

كان صالح العلي، القائد الذى فجّر ثورة الساحل ضد الفرنسيين عام 1919، وأربكهم بحرب عصابات لا هوادة فيها. وقبله بزمن، كان على بن الحسين يقاتل العثمانيين، فى حقبة لم يكن فيها العلويون مجرد طائفة مهمّشة، بل ثوارًا على أنظمة الهيمنة.  

لكن ما الذى تغيّر؟ لماذا انتقل العلويون من دور المقاوم إلى الضحية؟  

الإجابة تكمن فى طبيعة الثورات الحديثة، أو بالأحرى الثورات المعلّبة، تلك التى تخرج من المساجد، مدفوعةً بتمويل أمريكى وعربي، لا لتُحرّر، بل لتعيد رسم الخرائط وفق مصالح القوى الكبرى. لم يكن من قبيل المصادفة أن الجماعات التى حملت السلاح فى 2011رفعت الرايات ذاتها التى رفعها المقاتلون فى أفغانستان والعراق، وأن المستهدف كان الأنظمة الجمهورية، دون المساس بالممالك الوراثية.  

وهنا يتقاطع نقد سعدى يوسف مع موقف أدونيس. الأول، رأى فى الأمر خدعة كبرى، فالثورات الحقيقية لا تحتاج رعاة دوليين. الثاني، حذّر من أن الثورة التى تُخرجها الجوامع ستعيد إنتاج الطغيان بألوان أخرى.

وما حدث فى الساحل السورى عام 2025كان البرهان الأكثر وحشية: حين تُحكم الشعوب بالكراهية المذهبية، يصبح الذبح مشروعًا، ويُعاد إنتاج التاريخ فى حلقات دموية لا تنتهي.  

فى النهاية، سواء ارتُكبت المجازر باسم الحريةأم الشرعية، يبقى الضحايا هم ذاتهم، يسقطون على مذابح لم يُقيموها، بينما يُعاد رسم الخرائط بدمائهم.  

لا تنسوا، كان هناك بدوى الجبل، الشاعر الذى قاوم الفرنسيين بقلمه وسلاحه، وإبراهيم هنانو، أحد رموز الثورة السورية الكبرى، وزكى الأرسوزي، الذى أسّس الفكر القومى العربى الحديث، وممدوح عدوان، صاحب النقد اللاذع، وسعد الله ونوس، المسرحى الذى كشف فى أعماله زيف الخطابات السياسية، وحيدر حيدر، الذى صدم العالم العربى برواياته الجريئة، وعلى أحمد سعيد (أدونيس)، الذى أضاء بنقده طبيعة الأنظمة والقوى التى تحركها.  

الدماء التى سالت بغزارة فى الساحل السورى كشفت نفاق أوروبا التى تغافلت، ولم تتحرك إلا حين تحدّث ماركو روبيو، وزير خارجية أمريكا فى عهد ترامب.

 فى سياق ما جرى فى الساحل، أقول، كما قال صديقى الشاعر محمد  الفيتورى ذات مرة: إنها مصر، فلا ترتجف، فقد فهمت الرسالة مبكرًا وتخلصت من الوباء فى لحظة حاسمة.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام