حياة الناس



رمز الكرامة والانتماء للتراب الفلسطينى.. حكاية مفتاح العودة

20-3-2025 | 00:34
⢴ د: شاهيناز العقباوى

أغلب الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم منذ نكسة 1948 يحتفظون بمفاتيح بيوتهم
 
بعد أن حرر صلاح الدين الأيوبى مدينة القدس عهد بمفاتيحها إلى عائلة هاشمية
 
د. حسن أبوالراب: «حق العودة» من المطالب الرئيسية للفلسطينيين التى لم تحل إلى الآن
 
د. جاسم يونس الحريرى: تمسك الفلسطينيين بمفتاح العودة من أشكال الحفاظ على الهوية
 
فى ظل التحديات الجيوسياسية التى تهدد وجود الشعب الفلسطينى على أرضه التاريخية، قفز على سطح الأحداث اليومية مصطلح «مفتاح العودة» ومفتاح القدس، ولكل منهما مغزى فى حياة الفلسطينيين، وأحقيتهم فى العودة لبيوتهم المنهوبة منذ نكسة 1948، حيث ترفع صور المفتاح فى المظاهرات والفاعليات الوطنية، كما يزين العديد من المنتجات والأعمال الفنية الفلسطينية، وبسبب النزوح المستمر للشعب الفلسطينى من أرض إلى أرض، تجاوز دور المفتاح العادة التى يقوم بها الفلسطينيون، ليصبح جزءا من الثقافة المشتركة بين فلسطينيى الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك المقيمين خارج حدود فلسطين التاريخية .
 
يحتفظ أغلب الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم، بمفاتيح بيوتهم التى خرجوا منها منذ نكسة 1948، على أمل العودة إليها مرة أخرى، ونظرا للانتشار الواسع الذى حظى به "مفتاح العودة"، أصبح أيقونة الشعب الفلسطينى وتفنن الكثيرون فى كيفية الاحتفاظ به وتقديره، فبعضهم فضل وضعه حول عنقه وآخر يصنع له صندوقا خاصا يتوارثه أبناء العائلة جيلا بعد جيل.
وتشكل ثقافة مفتاح العودة موروثاً تاريخيا غنيا بالمعانى والقيم، وتعبر عن إرادة الشعب الفلسطينى فى البقاء قويا صامدا برغم كل المحن والتحديات، فهو ليس مجرد شيء مادى، بل جزء من هويتهم وتاريخهم، وتتمثل قوته فى قدرته على توحيد الفلسطينيين وتعزيز الروابط الثقافية والعائلية بينهم عبر الأجيال المتعاقبة.
 
ولم يقتصر الأمر على أنه مجرد إرث عائلى، بل تتجسد فى أشكال متعددة، فى الشعر والقصة والفن التشكيلى، وباتت للمفتاح دلالة على الهوية تضاهى دلالة الكوفية، وفى عام 2011 قام مجموعة من الشبان فى مخيم قلنديا للاجئين قرب القدس المحتلة بصناعة العشرات من المفاتيح الخشبية التى تشبه الأسلحة، وتحمل أسماء 81 قرية ومدينة وبلدة هجر منها أهالى المخيم، استعدادا لإشهارها كأحد أهم رموز نكبة فلسطين وحق لاجئيها فى العودة إلى بيوتهم، وتعتمد مشروعية حق اللاجئ الفلسطينى بالعودة إلى دياره على وثائق وقرارات عدة، تستند إلى قواعد القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية، أهمها السند الأول للشرعية الدولية الذى يتعامل مع حق اللاجئ الفلسطينى بالعودة إلى أرضه وممتلكاته، وهو القرار 194، (الصادر فى 11 ديسمبر 1948) ومرارا يعاد التأكيد عليه فى كل عام، وخلال العام الماضى أنزل مفتاح العودة الضخم الذى زين بوابة مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين فى بيت لحم فى الضفة الغربية متجها إلى ألمانيا، ليكون المتحدث باسم الشعب الفلسطينى فى معرض بينالى برلين، وبدأ المفتاح رحلته فى مارس الماضى، حيث زاره أكثر من مليونى شخص، ويزن المفتاح طنا ويبلغ طوله تسعة أمتار من الصلب الخالص، وشارك فى صنعه لاجئون فلسطينيون، من مركز شباب عايدة الاجتماعى فى بيت لحم، وبين غزة والأراضى المحتلة.
 
مفتاح القدس
 
بدأت قصته عندما قام جيش المسلمين تحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح بمحاصرة القدس فى نوفمبر 636 م، وبعد ستة أشهر، وافق البطريرك صفرونيوس على الاستسلام، بشرط قدوم الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس، ليتسلم مفاتيح مدينة القدس، وسلمه البطريرك مفتاح القدس الشريف، ثم عقد بعد ذلك (العهدة العمرية) وتضمنت بنودا كثيرة، حيث أمن فيها سيدنا عمر بن الخطاب أهل إيلياء، كما كان يطلق عليهم وقتها، على أموالهم وممتلكاتهم وكنائسهم، كما ترك لهم أراضيهم ليزرعوها ويؤدون الخراج عنها.
وبعد أن حرر صلاح الدين الأيوبى مدينة القدس سنة 1187، عهد بمفاتيحها إلى عائلة هاشمية، وكانوا فى ذلك الوقت شيوخ وعلماء بيت المقدس، حيث عائلة جودة تمسك بالمفتاح وتتوارثه، ويزن المفتاح 250 جراما وطوله 30 سم وصنع قبل 800 عام.
 
رمزية كبيرة
 من جانبه أكد الدكتور حسن أبو الراب، أستاذ علم اللغة لجامعة القدس، أن الفلسطينيين يعتبرون “حق العودة” إلى وطنهم، من المطالب الأساسية التى لم تحل إلى الآن ذلك فى ظل وجود قرار دولى لعودتهم، الذى نص على أن “اللاجئين الراغبين فى العودة إلى ديارهم والعيش فى سلام مع جيرانهم، ينبغى السماح لهم بذلك فى أقرب وقت ممكن، لكن إسرائيل تقول إن السماح للفلسطينيين بالعودة من شأنه أن ينهى وجود الدولة اليهودية، نظرا لأعداد اللاجئين الفلسطينيين الذى يفوق نحو 5 ملايين فلسطينى مسجلين لدى الأمم المتحدة كلاجئين، ويتضمن هذا الرقم الجيل الأول للاجئين وذرياتهم، ويعيش نحو ثلث هذا الرقم أكثر من 1.5 مليون شخص فى 58 مخيما من مخيمات اللجوء الفلسطينية المعترف بها فى كل من الأردن، لبنان، سوريا، غزة والضفة الغربية المحتلة، بما فى ذلك القدس الشرقية المحتلة بحسب القانون الدولي.
 
وأوضح الدكتور حسن أبو الراب، أن أسطورة مفتاح العودة ليست مجرد شيء مادى، بل هى رمز للحق والكرامة والانتماء للتراب الفلسطينى، وتلك الرموز والمظاهر والمشاهد، رسمت عمق تمسك الفلسطينى بأرضه، ومرت فى الذاكرة الفلسطينية ولم ينسَها الأجداد ولا الأحفاد، فى تأكيد أن الصهاينة طارئون على هذه الأرض، مشيرا إلى أن هذه الرموز أخذت رمزية كبيرة لدى الفلسطينى فى تمسكه بحق العودة، وهى تعد وثيقة رسمية لا يمكن لأى مؤسسة أهلية أو رسمية محلية أو دولية تجاهلها، أو عدم الاستدلال فيها على أحقية الفلسطينيين فى أرضهم.
 
ونوه الدكتور حسن أبو الراب، على أن هناك فلسطينيين هجروا من قراهم منذ سنوات طوال مازالوا يحافظون على مفاتيح منازلهم وأوراق تثبت ملكيتهم لأراضيهم الفلسطينية، ذلك أن الاحتلال اغتصب واحتل فلسطين عبر استقدام بريطانيا لليهود من أكثر من 91 دول أوروبية وعالمية،وحقنا فى العودة لابد أن نسعى إليه بشتى الطرق ومفتاح العودة ما هو إلا رمز ودعوة وأمل .
 
من جانبه أوضح الدكتور جاسم يونس الحريرى، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية صدر العراق الجامعة الأهلية، أنه من المتعارف عليه منذ الأزل، أن الإنسان جبل على الحفاظ على ما يملك بصور شتى، لا سيما إذا شعر أن هناك ما يهدده، وتابع قائلا: أرى أن مفتاح العودة الذى تمسك به الفلسطينيون على مختلف طوائفهم وعبر أجيالهم المتنوعة، ما هو إلا شكل من أشكال الحفاظ على الهوية والحق فى العودة إلى بلادهم وبيوتهم وممتلكاتهم، الأمر الذى يميز مفتاح العودة هو أنه لا يحتاج إلى مواثيق وعهود واتفاقيات، لنخرج منها فى النهاية ببيان يؤكد الأحقية، لكنه وبشكل بسيط جدا يفهمه أقل البشر معرفة بالقضية يدرك أن هذا يرمز إلى الظلم الذى تعرض له الفلسطينيون من تهجير وإخراج وظلم، وبالتالى أصبح أيقونة عالمية.
 
مفتاح باب التوبة فى جوف الكعبة
 
إذا كان مفتاح القدس ومفتاح العودة لهما دلالة خاصة عند الفلسطينيين، فإن هناك مفتاحا ثالثا يمثل أهمية خاصة فى ذاكرة أكثر من مليار مسلم كونه يرتبط بالكعبة المشرفة وهو ما تشير إليه الدكتورة مضاوى دهام القويضى، الباحثة فى الدراسات القرآنية وتؤكد أنه واحد من أعظم ثلاث مفاتيح بالعالم، ثانيها مفتاح مقام إبراهيم عليه السلام، وثالثها مفتاح باب التوبة فى جوف الكعبة، ومنه يصعدون للسطح، وأضافت: يشكل المفتاح فى حد ذاته عبر تاريخ المملكة السعودية قدسية خاصة ويحمل الكثير من المهابة الدينية التى تتوافق مع التقدير الذى يمنح لكسوة الكعبة الشريفة.
وتضيف الدكتورة مضاوى دهام القويضى قائلة: إن مهنة سدنة الكعبة هى الأشرف على الإطلاق، لاسيما أن أحدهم يدعى سادن، أى القائم على شئون الكعبة من حيث غسلها وتعطيرها وحراستها ومالك مفتاحها هو الوحيد على حد قولها الذى يقوم هو وذريته - بنو شيبة - منذ عهد النبوة المحمدية بالعناية التامة بالكعبة وتطبيبها بالعطور ودهن العود بمشاركة حكام الديار السعودية على مدى تاريخها الزاهر وحتى قيام الساعة، لا سيما أن آخر سادن للكعبة هو الشيخ عبد الوهاب بن زين العابدين الشيبى، تولى هذا المنصب بعد وفاة شقيقه الشيخ صالح بن زين العابدين الشيبى، ليكون السادن رقم 78 فى تاريخ سدنة الكعبة المشرفة .
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام