ثقافة



الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»

22-3-2025 | 19:09
⢴ ‪ ‬ حوارات أجراها – السيد حسين

الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، من أرفع الجوائز الأدبية المخصصة للرواية فى العالم العربي، تُكرّم الإبداع السردى وتسهم فى تسليط الضوء على أبرز الأعمال الروائية المعاصرة.. تُعلن الجائزة سنويًا عن قائمة قصيرة تضم ست روايات، يتم اختيارها بعناية من بين العناوين المدرجة فى القائمة الطويلة، بعد تقييم دقيق من قبل لجنة تحكيم متخصصة، تضم نخبة من النقاد والكتّاب والأكاديميين.. القائمة القصيرة محطة حاسمة فى مسار الجائزة، إذ تعكس التنوع الثقافى والفنى فى الرواية العربية، وتقدم لجمهور القرّاء نخبة من الأعمال التى تميّزت بأسلوبها السردى ومضامينها العميقة.. وأعلنت الجائزة فى التاسع عشر من فبراير 2025، عن روايات القائمة القصيرة فى دورتها الثامنة عشرة، وهى «دانشمند»، للروائى الموريتانى أحمد فال الدين، و«وادى الفراشات» للعراقى أزهر جرجيس، و«المسيح الأندلسى» للروائى السورى تيسير خلف، و«ميثاق النساء» للروائية اللبنانية حنين الصايغ، و«صلاة القلق» للروائى المصرى محمد سمير ندا، و«ملمس الضوء» للروائية الإماراتية نادية النجار.. تضم القائمة القصيرة لدورة الجائزة العالمية للرواية العربية الثامنة عشرة كُتّاباً من ستة بلدان عربية، هى الإمارات، وسوريا، والعراق، ولبنان، ومصر، وموريتانيا، وتتراوح أعمارهم بين 38 و58 عاما وتتميز رواياتهم بالتنوع فى المضامين والأساليب وتعالج قضايا راهنة.. ضمت القائمة القصيرة كتابا ترشحوا لأول مرة، هم: أحمد فال الدين، وحنين الصايغ، ومحمد سمير ندا، ونادية النجار. يذكر أنه وصل كاتبان إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقا، هما أزهر جرجيس (القائمة الطويلة عام 2020 عن «النوم فى حقل الكرز» والقائمة القصيرة عام 2023 عن «حجر السعادة» وتيسير خلف (القائمة الطويلة عام 2017 عن «مذبحة الفلاسفة».. وهنا حوارات مع بعض هؤلاء الكتاب.
 

الروائى محمد سمير ندا الكتابة وسيلة للتعبير  عما لدىَّ من هموم

أتعايش مع كل أبطال الرواية كشخوص من لحم ودم

«عندما وجدت اسمى فى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، استعدت ذكرى أبى لذلك، كان انفعالى مليئا بالعاطفة والشجن، أما عندما ظهر فى القائمة القصيرة كان الوضع مختلفًا، وكنت وسط حشد من الناس، لذلك جاهدت للسيطرة على مشاعرى وللمحافظة على القدر الأكبر من الاتزان» ذلك ما قاله الروائى محمد سمير ندا المولود فى مدينة بغداد عام 1978، قضى سنوات الطفولة الأولى فى بلاد الرافدين، لتتشكل طفولته على إيقاعات الحرب العراقية - الإيرانية، عادت أسرته لتستقرّ فى مصر فى الفترة بين عامى 1984و1990، عقب ذلك شد والديه الرحال مجددًا، غربًا هذه المرة، ليقضى مرحلة صباه فى طرابلس - ليبيا، حتى عادت أسرته لتستقر فى مصر مجددًا عام 1996، تخرج فى كلية التجارة، وعمل محاسبًا فى المجال السياحى.. صدرت روايته الأولى «مملكة مليكة» عام 2016، كما صدرت روايته الثانية «بوح الجدران» فى مطلع عام 2021، وصدرت روايته الثالثة «صلاة القلق» فى يونيو 2024، وإلى الحوار.

< لماذا تكتب؟

سؤال الكتابة يُحيّر الكثير من المهتمّين بالشأن الثقافى، ولكن بالنسبة لى فأنا أرى الكتابة لعبة، ووسيلة أحاول من خلالها التعبير عما لدى من أفكار وهموم، وللتخلص من السموم التى تتراكم فى منطقة ضبابية من اللا وعى، لذلك فبعض ما أكتبه يصلح للنشر، وبعضه هو بمثابة تمارين أكتبها للتعافى بشكل دورى.

< وصلت روايتك الأخيرة «صلاة القلق» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، أود أن أسألك عن مشاعرك وأنت تتلقى الخبر؟

فى القائمة الطويلة كان رد الفعل عاطفيًّا، لأنه أثبت لى شيئًا يتعلق بسؤالك الأول، هل هناك جدوى من الكتابة؟، وهل يجب أن تكون هناك جدوى؟، وفى أى صورة يجب أن تتمثّل هذه الجدوى؟ بصراحة لم أطارد الجدوى يومًا، حتى لا يتملك منى الإحباط كما حدث مع أبي، لكن وقتما وجدت اسمى فى القائمة الطويلة، استعدت ذكرى أبى لذلك كان الانفعال شديد العاطفية والشجن. فى القائمة القصيرة كان الوضع مختلفًا، وكنت وسط حشد من الناس، لذلك جاهدت للسيطرة على مشاعرى وللمحافظة على القدر الأكبر من الاتزان.

< ماذا عن مناخات كتابة روايتك صلاة القلق؟

حكاية هذه الرواية غريبة، ثمّة فكرة سيطرت عليّ عن صناعة الوهم، وخلود الزعماء، ولو بصورة فانتازية، فوُلدتْ كقصيدة بالعاميّة المصريّة، وبمرور الوقت، كتبت قصة طويلة أو رواية قصيرة، تمحورت حول ذات الحالة المتخيّلة، ولأننى لست منشغلا بالشكل النهائى، ولا أتعجّل النشر، كنت أترك القصة وأعود عليها بين آنٍ وآخر - فلمّا وجدت أنها قابلة للتوسّع نظرًا لعالمها القابل للتمدّد وتنويع الأنماط، عدت إليها بالمحو والتعديل، حتى وصلت إلى شكلها النهائى الذى قدمته لدار ميسكليانى، بعد عدة محاولات فاشلة مع دور مصرية وعربية.

< هذه الرواية بلا شك تؤثر فى نفسية القارئ ألم ترهقك؟

بداية يسعدنى أن تجد الرواية ثريّة، لكنّى أرى الموضوع أبسط من ذلك، فالأمر وإن لم يخلُ من الاجتهاد الشخصى ومحاولات اللعب بالورقة والقلم والممحاة، فالمقروئية التى حظيت بها هذه الرواية، ناتجة عن ظهورها فى قائمتى الجائزة العالمية للرواية العربية، الطويلة ثم القصيرة، يجب أن أكون صادقًا فى هذا الشأن، والظهور فى القائمة هو توفيق إلهى محض، ناتج عن توافق ذائقة لجنة التحكيم مع مضمون الرواية وطريقة بنائها، وربما لو اختارت الجائزة خمسة محكمّين آخرين، لاختاروا روايات أخرى، لذلك فأنا لا أشعر بالثقة أو الاقتدار، ولا أدّعى أننى تركت بصمة فى الأدب العربى (هذا تعبير أكبر من احتمالى)، أنا فقط حاولت، وسأظل أحاول، الرواية مرهقة نفسيًّا بالتأكيد، وفى هذا شىء من المصداقيّة، فواقع المواطن العربى منذ النكبة وحتى هذه اللحظة، مُرهِق نفسيًّا، هل أرهقتنى؟ لا بالعكس، كنت أستمتع بهذه اللعبة، إلى درجة أننى مررت بحالة من الاكتئاب، بعد مفارقة الشخوص فور تسليم الرواية إلى الناشر.

< القارئ لرواية «صلاة القلق» يجدها مليئة بالخيبات والانكسارات والشخصيات البائسة والمكسورة وبها أيضا جانب مبهج برغم كل هذه الخيبات ماذا قصدت من ذلك؟

الرواية تعبّر عن زمانها، وأثره الممتد من الماضى إلى الحاضر، وربما إلى المستقبل، والوضع الراهن، حالة الانكسار العام أفرزتها الحكاية نفسها، لكن للانكسار عنصر مضاد يقلل من أثره، ألا وهو الأمل وحب الحياة، ومن هنا مثّلت شخصيّة شواهى الغجريّة الحالة المضادة للحرب التى لا تنتهي، وكانت حسب رأيى شخصيّة محوريّة فى النص، أضافت إليه عنصر الأمل الذى افتقده معظم شخوص الرواية، كما أن شخصيّة حكيم، الطفل فى زمن الرواية، يمنح أملًا فى المستقبل، بأن هناك من سيكبر ليوثّق حقيقة افتقدها الناس جميعًا.

< البحث فى التاريخ أو النبش فى مقابر الأسرار أهو للكشف والمراجعة والتذكير أم للتميز خصوصا إذا كان من ينبش روائى؟

أحاول خلخلة أعمدة التاريخ الموثّق، وتحريض القارئ على الشك، ومن ثم البحث والتقصّى، وهذا البحث الذى أحفّز القارئ على القيام به، لا يُشترط به أن يفضى إلى نتيجة مغايرة، لكن البحث يظل فرضًا على كل شخص متعلّم، التحرّى والتوثيق أمران ضروريّان فى زمن السوشيال ميديا. عن نفسى، لا أنبش التاريخ طمعًا فى التميّز، لكن ربّما للتذكير ومن ثمّ الاستفادة من مراجعة التاريخ، من خلال عدم ارتكاب الأخطاء ذاتها.

< إلى أى مدى تتعايش مع بطل روايتك؟

أتعايش مع كل أبطال الرواية كشخوص من لحم ودم، وأشعر تجاههم بمسئولية كبيرة، قد يظن البعض فى هذا مبالغة؛ لكنّى كثيرًا ما أشاورهم وأخاطبهم، كما أننى فى رواية صلاة القلق تحديدًا، شعرت بإحباط وحزن عميقين ساعة فراقى لهم، الأمر أشبه باكتئاب ما بعد الولادة، وفق تعبير الروائية السورية مها حسن. من المؤكد أن شيئًا من الكاتب يتسرّب إلى شخوصه، بعضهم أو أحدهم على الأقل، لا يكون هذا الأمر مُخطّطًا له مسبقًا، ولكنّى أحسبه أمرًا طبيعيًّا أن تتشابه أفكار وطِباع أحد الشخوص مع الكاتب، هذا شىء لا إرادى حسب زعمى، فيما يخص تحديد المسار، فأنا أضع المسارات مستمتعًا بلعبة الخلق المُصغّرة، لكن الشخوص كثيرًا ما تفرض على أثناء الكتابة تغيير وتبديل مصائرها.

< كروائى كيف تشكل مادتك الخام؟

أنطلق من الفكرة، ثم أشرع فى الكتابة، فتنشأ العوالم وتفرض الشخوص حضورها، وبمرور الوقت أحدد القالب الأمثل للحكاية، فأعود للمراوحة بين القلم والممحاة، حتى تكتمل الصورة. سيظل التاريخ بالنسبة لى هو الأداة الأمثل لفهم الواقع ومساءلته، كما أنه الوسيلة المُثلى لاستشراف المستقبل، ولكننى لا أغوص عميقًا فى بئر التاريخ، لأن ما كتبته حتى الآن لم يخرج عن إطار القرن الماضى وصولاً إلى الزمن الراهن.

< هل يمكن لبعض الأعمال الروائية أن تؤرخ لأحداث معينة أكثر من الكتب التاريخية؟

بالفعل، خصوصًا الرواية التى تتزامن كتابتها مع زمن الواقعة أو الحدث، فكاتب الرواية فى الغالب أكثر نزاهة من كاتب التاريخ، هذا حسب رأيي، ذلك أن المؤرخ قد يخضع أو يُفرض عليه تأويل بعينه، بينما كاتب الرواية إما شاهد عيان، أو باحث أمين لا يخضع لأى سلطة، ولا يكتب تحت ظل الخوف.

< ماذا أخذت من الوالد الأديب والإعلامى المصرى الراحل سمير ندا؟

بالأساس، مفهوم الانتماء، بشقيه المصرى والعروبي، ثم هوس القراءة، والاهتمام باللغة ومحاولة تجويدها واستيلاد الجديد من رحمها الذى لا ينضب، على الصعيد الشخصى هنالك الكثير من المُثل والقيم التى أحاول الاحتذاء بها، النّبل والوفاء والطيبة البالغة وحب الخير للغير والإيثار، ولكى لا أستفيض، يكفى أن تسأل عنه كل من عرف سمير ندا، من بقى ممن جايلوه، ومن تتلمذ على يديه أو عمل إلى جواره، سواءً فى مصر أم السعودية أم العراق أو طرابلس، باختصار، كان سمير ندا يقول إنه لو جُرح، فستنزف عروقه الحبر وليس الدم.

< كيف أثرت النشأة على تشكل وجدانك الإبداعى والأدبى؟

ولدت فى بغداد، وعدت إلى مصر منتصف الثمانينيات، وغادرتها فى نهايتها إلى طرابلس، ثم عدت لأستقر فى مصر منتصف التسعينيات. الأثر الذى تقصده ظهر جليًّا فى رواية بوح الجدران، ولكن فى العموم، النشأة بين الكتب أورثتنى حب الكتب، ومن ثم الكتابة، التنقل بين العواصم العربيّة جعلنى أكثر انفتاحًا على الآخر، وأكثر تفهّمًا للثقافات المختلفة ووجهات النظر المتعارضة.

< ما تأثير المكان عليك ككاتب؟

بالنسبة لى، كل مكان هادئ يصلح للكتابة، لذلك أنفر من كل مكان لا يوفر السكينة، ولا يمنحنى مساحة العزلة التى أحبها وأبحث عنها إبان القراءة أو الكتابة.

< هل ممارستك لحرفة الأدب خطوة تجاه الكمال؟

لا أعتقد، الكتابة هى محاولة لترك أثر ما، قد أفلح وقد أخفق، لكن المتعة فى التجربة هى ما تسوقنى وتشجعنى على المواصلة، فيما يخص الكمال، أعتقد أننا نسعى إليه بالفطرة خلال الكتابة، لذلك تتراكم المسودات، لكننى أبدًا لم أشعر بكمال ما كتبت، وأعتقد أننى لن أشعر يومًا بذلك، وربما لو شعرت بحالة الكمال، انتهيت، فالكتابة فعل استمرار وتجدد، ينبغى أن تظل مرتبطة بالفعل المضارع.

< كيف ترى المشهد الثقافى والأدبى المصرى حاليًا؟

لست فى موضع تقييم بالطبع، ولكننى أراقب وأشاهد فى صمت، لكن لنتحدث عن الإيجابيّات، لدينا أجيال شابة واعدة تحاول التجديد والتطوير وتحاربها تستحق الاهتمام، لدينا دور نشر حديثة العهد تتبنى نهجًا ثقافيًّا حقيقيًّا، الأدب المصرى يعيش فترة ازدهار، ولكن المشكلة أن كثرة المعروض تصعّب فرز الصالح عن الطالح، والمبتكر عن المكرور، هذه أزمة حقيقية لدى القراء وأنا أعانى منها بصفتى قارئًا بالأساس. على صعيد النشر، أتمنى أن تولى دور النشر المصريّة اهتمامًا أكبر بالتحرير الأدبى والتدقيق اللغوى لمنشوراتها. هذا فقط ما ينقصنا.

< ما قيمة النقد بالنسبة لك؟

النقد ضرورى لكل كاتب، سواء كان نقدًا أكاديميًّا أم قراءة انطباعيّة، أعتقد أننى أجيد تمييز الخطوط، فأعرف المجاملة الودّية من القراءة الحقيقيّة، من الحتمى أن يتقبل كل كاتب النقد بصدر رحب، لو أراد التطوّر، بطبيعة الحال أنا هنا أعنى النقد الأدبى المهّذب، لا السباب والإهانات التى تصادفنى من آن لآخر عبر وسائل التواصل، كل نقد جاد، بالسلب كان أو بالإيجاب، يحفّزنى على التطوّر والمواصلة.

< إلى أى حد يمكن لجوائز الرواية أن تؤثر بشكل إيجابى فى تأكيد حضور وتطور الرواية العربية؟

الجوائز العربية تسهم بشكل كبير فى تسليط الضوء على الأعمال الأدبية وتعرّف المجتمع القرائى بالعديد من الكتاب، عن نفسى، كمتابع للجائزة العالمية للرواية العربية منذ إطلاقها، تعرفت على عشرات الروائيات والروائيين من خلال الجائزة، وكذلك الأمر مع بقية الجوائز العربية، هكذا تُسهم الجوائز فى انتشار الأدب الذى ترى لجان التحكيم أنه جاد ومتطوّر، كما أن ترجمة العديد الروايات من خلال الجوائز العربية يمثل إسهامًا كبيرًا فى التعريف بالأدب العربى المعاصر.

الروائية اللبنانية حنين الصايغروايتى تتبنى أفكارًا تصطدم مع المجتمع

المثقف اللبنانى كان ولا يزال حاضرا برغم توالى المحن والحروب

تبدأ رواية «ميثاق النساء» للروائية اللبنانية حنين الصايغ برحلة أمل، فتاة درزية من قرى جبل لبنان، وهى فى طريقها خلسة إلى الجامعة الأمريكية فى بيروت، كى تقدم أوراقها من دون علم أبويها أو زوجها، ينبثق من المشهد الأول للرواية صراعات داخلية وخارجية، وعدد من الثنائيات مثل الحرية والتقاليد، القرية والمدينة، الإيمان والشك، الأمومة والشعور بالذنب، كما تعالج الـ «تروما» المتوارثة عبر الأجيال كجزء لا يتجزأ من هوية شعوبنا.. تكشف الشاعرة والروائية اللبنانية حنين الصايغ فى روايتها الأولى «ميثاق النساء»، بجرأة شديدة وجوه السلطة الذكورية والدينية فى لبنان، الرواية أثارت منذ صدورها جدالا كبيرًا داخل الأوساط اللبنانية والدرزية، لأنها تطرح وتعالج واقع المرأة فى الطائفة الدرزية، التى تعد من أكثر الطوائف الدينية والاجتماعية محافظة فى لبنان.. الصايغ المولودة فى عام 1986، جبل لبنان، حاصلة على ماجستير فى تعليم اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية فى بيروت، صدر لها ثلاث مجموعات شعرية، هى، «فليكن»، «روح قديمة»، و«منارات لتضليل الوقت»، وأخيرا رواية «ميثاق النساء» التى وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر، وأكدت أن المثقف اللبنانى كان ولا يزال حاضرا حتى فى أحلك الظروف برغم توالى المِحَن والحروب، وإلى الحوار: < تحولت إلى الرواية، كيف سحبتك غواية السردمن الشعر؟

الشعر يصلح للتعبير عن مشاعر غامضة لا يمكن رصدها إلا بلغة مشفرة ومكثفة، أما حين أردت أن أكتب عن مواضيع وقضايا اجتماعية تعنينى وجدت أن الرواية هى الفن الأدبى الأصلح لمعالجة هذه القضايا، ومع ذلك، لاحظ العديد من القراء أننى لم أتخلَّ عن الشاعرية فى نصى الروائى بل وظَّفته بما يخدم السرد والمونولوج الداخلى، ووصف الطبيعة والأشخاص.

تم اختيار روايتك الأولى ميثاق النساءضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكرالعربية أود أن أسألك عن مشاعرك وأنت تتلقين الخبر؟

تروَّيتُ كثيرًا قبل كتابة هذه الرواية، ولم أبدأ بكتابتها إلا بعد أن أصبحت على يقين أنَّى سأقدم عملًا أصيلًا وناضجًا، الاحتفاء الكبير من النقاد والقراء منذ الشهور الأولى لصدور الرواية، عضَّد إحساسى أنى قدمت عملًا مميزا، ثم جاءت الترجمة الألمانية بسرعة كبيرة تلتها عروض لترجمات أخرى، لتؤكد لى أن الرواية تعالج ثيمات إنسانية عالمية لا تقتصر على المجتمع الشرقى.

أما أن تختار لجنة من نقاد ومترجمين من بلدان مختلفة الرواية كأحد أهم أعمال السنة، فهو شىء مفرح ويجدد أملنا فى أن الأعمال الجيدة حتمًا ستنال نصيبها من الظهور والاحتفاء.

< إلى أى حد يمكن لجوائز الرواية أن تؤثر بشكل إيجابى فى تأكيد حضور وتطور الرواية العربية وتواجدها عالميًا؟

الجوائز الأدبية على تنوعها تسهم فى تنشيط حركة الكتابة والنشر والقراءة والترجمة، وأرى أن انتقاد توجهات وانحيازات بعض الجوائز أيضا شىء مهم لتصويبها وتطويرها وبالنسبة للمآخذ فأنا أظن أن معظمها تأتى غالبا بسبب تعدد الأذواق، وعدم توافق ذائقة بعض القراء مع ذائقة اللجنة المكلفة فى موسم معين، وهذا أمر مشروع.

< الرواية تعالج واقع المرأة فى الطائفة الدرزية، فكيف تلقيت ردود الفعل عليها من القراء؟

من الطبيعى أن تثير رواية تعالج تلك الموضوعات الشائكة جدلًا واسعًا لأكثر من سبب، فالأقليات بطبيعتها لا تحب أن يكتب أحد عنها وتشعر بالتهديد حين توَجَّه إليها بعض الانتقادات، كما أن التعرض لقضية حرية المرأة فى مجتمع منغلق دينيا، يثير حافظة التقليديين والمتزمتين، ومع ذلك فلقد تلقيت الكثير من رسائل الشكر والمحبة، من نساء درزيات متدينات يبدين فيها امتنانهن للرواية، التى سلطت الضوء على معاناتهن وحيواتهن التى لا يعرف أحد عنها شيئا.

< لماذا كل هذا التعاطف مع النساء فى ميثاق النساء؟ ولماذا هذه الحرب على الرجل؟

من قرأ الرواية يعرف جيدًا أن هدفها ليس الهجوم على أحد، الرجال فى الرواية متنوعون كما هم فى الواقع أيضا، فمنهم الرجل الحساس المنسحب، ومنهم المنصاع للتقاليد، ومنهم المتسلط، ومنهم المنفتح المعطاء، وقد تفاوتت أدوار الرجال فى روايتى بين ظالم وضحية ومنقذ. لكن يبدو أن البعض يعتبر أن مجرد تسليط الضوء على الظلم الواقع على النساء، هو بالضرورة حرب على الرجل، أتساءل: لماذا لا يتكلم أحد عن الرجال المظلومين فى روايتى؟ وعلى العموم، لا ينزعج من الحقوق إلا من يريد انتهاكها. ولا ينزعج من الحرية إلا من يريد انتزاعها.

< فى أعمالك هناك انحياز للذاكرة، وانحياز للرواية النسوية، إن جاز التعبير، لماذا؟

لأن الإنسان هو امتداد من الماضى إلى الحاضر، ولا يستطيع أن يفهم الحاضر من دون الذاكرة، أما عن موضوع النسوية، فأنا بالطبع منحازة لتجربة المرأة، وأشعر أنه من واجبى أن أعبر عن قضاياها فى كتاباتى، ببساطة لأنى امرأة، ولأن تجربتى الوجدانية والجسدية فى هذا العالم هى تجربة امرأة، لكن للأسف يتعمد البعض شيطنة النسوية، باعتبارها حربا ضد الرجل، لكن النسوية برأيى ليست إلا الانحياز لحقوق المرأة ورفض كل أشكال العنف ضدها أو الوصاية عليها، وعلى من يرفض الوصاية على المرأة، أن يرفض أيضا الوصاية على الرجل. الحرية لا تتجزأ.

< هل ترين أن كسر التابوهات مشروع؟

كل شىء مشروع فى الأدب، والكاتب وحده هو من يقرر حدوده. لاحظت أن كلمة تابو، تستخدم دائما لردع أى نقد وإسكات أى صوت يخالف الأعراف السائدة، لكن تجريم النقد يصيب أى مجتمع بالشلل والجمود، أما من يكسر التابوهات فقط من أجل الإثارة والشهرة فمشروعه هش وقصير المدى، لأنه لا يفهم هدف الثقافة، ويفتقر إلى الأدوات الأدبية التى تجعل النص يجتاز اختبار الزمن.

< هل أرادت حنين الصايغ من الرواية كشف عوالم الطائفة الدرزية؟

الرواية لا تتناول النص الدينى بقدر ما تسلط الضوء على نماذج متنوعة من النساء والرجال داخل هذا المجتمع، لفهم دينامية السلطة داخله ولمناقشة فكرة أن الكل يصبح جانيا وضحية فى الوقت نفسه، حين تتحكم فى حياتنا عادات قديمة، ليست لديها مرونة التكيُّف مع الواقع الحديث وتحدياته.

من قرأ ميثاق النساء يعلم أن المرأة فى الرواية هى التى كانت تصنع الحدث، معظم النساء كن مستقلات ماديا، أم البطلة كانت تصنع الخبز من أجل توفير التكاليف الدراسية لبناتها، فأين الخضوع والاستسلام فى ذلك؟ بالطبع هناك نماذج فى الرواية لنساء سحقهن الخوف أو الظلم أو الاكتئاب، وهذا جزء من واقع المرأة فى مجتمعاتنا أيضا.

< لماذا كل هذا التحامل على المجتمع والعادات والتقاليد؟

مشكلتنا أننا أحيانًا لا نفرق بين النقد والهجوم، وبين العتاب والشقاق. ولا يوجد مجتمع واحد تقدَّم، من دون السماح للنقد الذاتى أن يأخذ حيزًا فى الحوار المجتمعى، وأنا لا أرى روايتى سوى مساهمة نقدية ذات وجه إنسانى، وقد قرأها البعض على أنها رسالة محبة للمجتمع الدرزى، من الشهادات التى أعتز بها من النقاد والقراء، أن الرواية مكتوبة بلا غضب ومن دون إدانة أحد، وبجانب الفهم والتحليل، كان التعاطف هو مدخلى الثالث لرسم كل الشخصيات رجالا كانوا أم نساءً، ولهذا السبب فقد لامست الرواية قلوب الكثير من القراء من الجنسين.

< هل يمكن للكاتب أن يكون محايدًا حتى وهو يجعل من الأيديولوجيا مدار  اهتمامه؟

من قال إنه على كاتب الرواية أن يكون محايدًا، الحياد مطلوب فقط فى الأبحاث العلمية التى يجب ألا تلعب المشاعر أى دور فى نتائجها، أما كتابة الرواية فهى تجربة ذاتية يختلط فيها وعى الكاتب بلا وعيه، أفكاره بمشاعره، وانحيازاته الفكرية بواقع مجتمعه وعالمه، أما عن الأيديولوجية، فأستطيع أن أقول إنى بعيدة كل البعد عن أى انحياز أيديولوجى، فأنا أعتبر أن التطرف الأيديولوجى لا يختلف كثيرا عن التطرف الدينى، لأنه يقسم البشر حسب أفكارهم ومعتقداتهم، فى حين أن الأدب يبنى جسورًا من التعاطف بين كل البشر على اختلاف توجهاتهم العقائدية والفكرية.

< هل تَسعين فى ميثاق النساءإلى طرح الأسئلة أم محاولة الإجابة عنها؟

تكمن خطورة الأجوبة فى أنها توهمنا أنه لا داعى للمزيد من البحث، فنُصاب بالجمود وسط عالم سريع ومتغير، أما السؤال فهو الذى يعبّد الطريق إلى النسخة الأجمل والأرقى من كل انسان ومن كل مجتمع. وبالعودة إلى سؤالك، فروايتى تطرح أسئلة كثيرة، لكنها لا تخجل من تبنى أفكار معينة قد تصطدم مع المألوف والمقبول فى مجتمعاتنا الشرقية.

< ماذا عن الحد الفاصل بين ما هو شخصى وما هو إبداعى لدى حنين الصايغ؟

لا يوجد حد فاصل بين حنين الكاتبة والإنسانة، أما فيما يخص أحداث الرواية وشخصياتها، فبعضها مستقاة من تجاربى المباشرة أو تجارب ناس أعرفهم، والبعض الآخر من وحى الخيال لمواجهة القارىء بأفكار وأحداث لا يتوقعها ولا تقبلتها بوصلته الأخلاقية والاجتماعية.

إذا أردنا أن نتكلم بصراحة، فحضور الرواية العربية فى الغرب ما زال خجلا ومحدودا، قد يعود ذلك إلى أن التجريب والزخارف اللغوية قد تسلب النص رونقه وقيمته حين يترجم إلى لغة أخرى، لهذا تركز بعض الجوائز على روايات تصلح للترجمة، تختار نصوصًا لها هويتها المحلية الأصيلة، وتتقاطع فى الوقت ذاته مع ثيمات عالمية.

< كيف ترين وضع الثقافة والمثقفين ودرجة تأثيرهم؟

ربما أدَّى تدنى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية فى السنوات الاخيرة، إلى حالة من الإحباط والتشاؤم فى الأوساط الثقافية اللبنانية، خاصة والعربية عامة، لكن المثقف اللبنانى كان ولا يزال حاضرا، حتى فى أحلك الظروف برغم توالى المِحَن والحروب. فالصحافة اللبنانية على سبيل المثال لا تزال الصحافة العربية الوحيدة تقريبا، التى تتمتع بحرية تامة، والأدب اللبنانى لا يزال حاضرا بقوة، ولا ننسى أن بلدًا صغيرًا مثل لبنان كانت له فى هذا العام ثلاث روايات فى القائمة الطويلة للبوكر، كما فاز الروائى اللبنانى محمد الطرزى، بجائزة نجيب محفوظ وجائزة كتارا فى العام الماضى، أما عن السينما فالفيلم اللبنانى حاضر عربيا وعالميا بقوة لبنان يتعافى وتتعافى معه الحركة الثقافية، وأتمنى أن يحدث ذلك أيضًا لكل بلدان المنطقة

< ما الأسماء التى تأثرت بها أدبيا؟

من الصعب رصد جميع الأسماء والأفكار التى أثرت فينا، ولكنى سأذكر الكاتبة نوال السعداوى، الكاتبة الأمريكية أودرى لورد، والكاتبة الكندية ألِيس مونرو، أما من الرجال، فأختار ميخائيل نعيمة، ليو تولستوى، و هرمان هيسه.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام