نحن والعالم



إسرائيل تقترب من حافة الحرب الأهلية

28-3-2025 | 00:40
العزب الطيب الطاهر

قرارات نتنياهو المدعومة من اليمين المتطرف تفجر الخلافات والتناقضات مع مؤسسات إسرائيل الأمنية والقضائية
 
رئيس حكومة الاحتلال يعلن الحرب ضد رئيس الشاباك والمحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة لأسباب سياسية 
 
أكبر عقل قانونى فى تل أبيب: إذا استمر الشرخ الخطير فى المجتمع سنواجه حربا أهلية حقيقية.. والتشرذم الداخلى أخطر من أى تهديدات أمنية خارجية 
 
 
ثمة تحذيرات من نشوب حرب أهلية داخل القوة القائمة بالاحتلال، قد تنطوى على تهديدات تمس مستقبلها السياسى، لم تنطلق من فصائل المقاومة الفلسطينية، فى مقدمتها حركة حماس، التى تأمل ذلك بقوة، أو من أطراف خارجية، وإنما انبثقت قوية أشبه بالصرخة من شخصية قانونية تنتمى لهذه القوة وتدافع عن مصالحها، وتحمل خبرة نظرية وعملية وتتمتع بسمعة ومكانة دولية على صعيد القانون الدولى، هو البروفسور أهارون باراك، أستاذ القانون فى المركز المتعدد المجالات فى هرتسليا ومحاضر فى القانون بجامعة العبرية فى القدس، ومدرسة الحقوق فى جامعة ييل، وجامعة المركزى الأوروبى، ومركز جامعة جورج تاون للقانون، وكلية الحقوق فى جامعة تورنتو.
 
هذا على الصعيد النظرى، أما على الصعيد العملى، فقد تولى رئاسة المحكمة العليا فى الفترة من 1995 إلى 2006، وقبل ذلك، شغل منصب قاض فى المحكمة العليا فى الفترة الممتدة بين 1978-1995، وتولى منصب النائب العام فى الفترة من 1975 إلى 1978، كما كان عميدا لكلية الحقوق فى الجامعة العبرية فى القدس، ما بين عامى 1974 و 1975، واختير ليمثل الكيان الإسرائيلى، أمام محكمة العدل الدولية خلال نظرها الدعوة المرفوعة من جنوب إفريقيا بشأن ارتكاب هذا الكيان جرائم إبادة جماعية فى يناير من العام الماضى، على الرغم من أنه كان أحد أكبر معارضى خطة الإصلاح القضائى، التى تبناها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عقب عودته إلى السلطة فى 2022، وإن كان قد أعلن استقالته من المحكمة فى الرابع من يونيو 2024، بسبب أسباب شخصية وعائلية لم يحددها خاصة أن عمره تجاوز 87 عاما .. أى أن صاحب هذا التحذير من الانزلاق إلى الحرب الأهلية شخص من العيار الثقيل.. ولكن ما دوافعه وراء هذا التحذير؟
انقسام حاد
ووفقا لما طرحه من رؤى وتصورات لصحيفة “يديعوت أحرنوت”، عبر موقعها الإلكترونى” واى نت” يوم الجمعة قبل الماضية حول الوضعية الراهنة، فإن القوة القائمة بالاحتلال قد تكون على وشك مواجهة حرب أهلية إذا استمر الشرخ الاجتماعى والسياسى فى التفاقم، وتوقف فى هذا السياق عند جملة من المعطيات بدأها بتوجيه الانتقاد للقرارات السياسية التى تتخذها حكومة نتنياهو، التى من شأنها أن تفضى إلى إضعاف ما يسمى بالنظام الديمقراطى – حسب تعبيره - بشكل غير مسبوق، معبرا عن قلقه من الانقسام السياسى المتزايد، مؤكدًا أنه لا يشكل تهديدًا فقط للديمقراطية، بل أيضًا لاستقرار البلاد على المدى الطويل، مضيفا: “الشرخ فى المجتمع الإسرائيلى بات يتسع بشكل خطير، وإذا استمر هذا الوضع فقد نرى أنفسنا فى مواجهة حرب أهلية حقيقية”، وحسب تأكيده فإن هذا الانقسام الداخلى أخطر من أى تهديدات أمنية قد تأتى من الخارج، واصفا هذا الشرخ الحاد بين مكونات المشهد الداخلى بأنه يمثل الجبهة الثامنة، إلى جانب جبهات الحرب السبع التى يتحدث عنها نتنياهو، مبديا قلقه من تفاقم أوضاعه على نحو تكون نهايته مثل قطار خرج عن القضبان وينحدر إلى الهاوية، ويؤدى إلى حرب أهلية.
وعلى مدى سنوات، كان باراك صديقا لنتنياهو وكان يشيد بولائه وإخلاصه لسيادة القانون، وعندما سُئل عما حدث له أجاب باراك: “لا أعرف، أستطيع تحليل أفعاله لكننى لا أستطيع تحليل ما يدور فى ذهنه، فى هذه الأثناء، كل ما نحتاجه هو منع استبداد الأغلبية التى تستغل سلطتها باسم الأصوات التى تملكها، داعيا إلى وجوب التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب المتشددة، ولكن المعضلة تكمن فى أنها لا تسعى فيما بينها للتوافق، بل تركز على استخدام القوة فقط، فالحكومة تقول نحن ائتلاف من 64 مقعدا لذا يمكننا إقالة رئيس الشاباك، والمستشارة القضائية للحكومة، وتعيين مفوض شكاوى القضاة من خلفية سياسية، وهى ممارسات يتعين وقفها فورا.
هذا أولا، أما ثانيا فإن قرار حكومة الاحتلال إقالة رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك”، رونين بار، حظى بانتقاد خاص وحاد من باراك، لأنه عكس نزوعا لدى السلطة التنفيذية لإصدار قرارات بناءً على اعتبارات سياسية ضيقة فقط، قد تكون خطوة فى اتجاه خطير يقوض أسس الديمقراطية فى البلاد، وهو يفند هذه الخطوة قائلا: إن الحكومة تمتلك سلطة عزل بار بموجب قانون الجهاز، لكن السؤال هو ما الأسباب الحقيقية وراء القرار؟ الادعاء بأن الثقة به قد تلاشت ليس سببا قانونيا كافيا، فرئيس الشاباك ليس موظفا يخضع لمبدأ الولاء الشخصى، وإقالته يجب أن تمر إقالته عبر لجنة مختصة، لو كنت قاضيا فى المحكمة العليا وقدم إلى هذا الملف، كنت سأحكم بعدم شرعية الإقالة بسبب عدم معقوليتها وتضارب المصالح، وفى السياق ذاته، حذر باراك من خطورة تغيير تشكيلة لجنة اختيار القضاة وفق مشروع القانون الذى أحيل للكنيست للتصديق عليه الأسبوع المقبل، وتتجلى هذه الخطورة فى أنه يمنح السياسيين سلطة اختيار جميع القضاة فى المحاكم، ما يعنى تحويل التعيينات القضائية إلى قرارات سياسية بحتة، وهو أمر يقوض أسس الديمقراطية.
 ثالث هذه المعطيات، يتمثل فى رفض باراك مسعى نتنياهو لإقالة المستشارة القضائية للحكومة”جالى بهراف ميارا”، والتى التى تشغل أيضا منصب المدعية العامة، وعارضت إقالة رئيس الشاباك واعتبرتها خطوة “غير مسبوقة، كما أنها تعدّ المحرك الأساسى لتشكيل لجنة تحقيق رسمية فى أحداث السابع من اكتوبر2023”، وعرفت على مدى السنوات القليلة الماضية بمعارضتها لرئيس حكومة الاحتلال ودفاعها عن استقلال القضاء، وطبقا لقناعته - أى باراك - فإنها أدت عملها بأفضل شكل، حسب المعايير القانونية، ووافقت على معظم قرارات الحكومة، واعترضت فقط على حالات نادرة، فوظيفتها تتمثل فى توضيح ما هو قانونى وما هو غير قانونى، معتبرا أن عزلها يشكل فى حد ذاته ضربة قاسية لمنظومة العدالة ولحقوق المواطنين. 
تهديد لاستقلال القضاء
رابعا: أطلق باراك إلى جانب ما سبق، انتقادات حادة لتصرفات الائتلاف الحاكم الذى يضم حزب الليكود مع مجموعة من أحزاب اليمين المتطرف دينيا وقوميا، تمثلت فى أن الحصول على أغلبية بسيطة فى الكنيست لا يعطى الحكومة الحق فى اتخاذ قرارات مؤثرة، مثل تعيين القضاة أو إقالة شخصيات سياسية رفيعة، لمجرد مصلحة حزبية، وفى رأيه فإن هذا التوجه يمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقلال القضاء، وأن استخدام القوة السياسية لتحقيق مكاسب حزبية يتناقض مع القيم الديمقراطية التى تأسست عليها إسرائيل.
ولم يتوقف باراك عند حد توجيه الانتقادات، لكنه كشف عن مساع بذلها فى فترات سابقة للتوسط بين نتنياهو والمعارضة السياسية من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية، وأنه سعى عدة مرات للضغط على رئيس حكومة الاحتلال من أجل التوصل إلى اتفاق يخفف من حدة الانقسام الداخلي، لكنه لم يحقق أى نتائج ملموسة.
هذا تشخيص عميق لأبعاد الصراع الذى لا يفتأ نتنياهو عن إشعاله بين الفينة والأخرى، من شخصية تستوعب بعمق مخاطره بحكم تجاربه، وهو لم يطرحه من منطلق العداء مع النظام السياسى الذى يحكم القوة القائمة بالاحتلال، وإنما رغبة فى المحافظة عليه وتخليصه من نتوءات من شأنها - إن استمرت - أن تتحول إلى تهديد وجودى له، ويبدو أن نتنياهو ونخبته اليمينية لا يعيرون مثل هذه التحذيرات، سواء من قبل باراك، أم من غيره أى وزن، لأنها بوضوح تتعارض مع مشروعه للبقاء أطول فترة زمنية فى السلطة التى باتت مكونا رئيسيا لشخصيته ومحددا لحركته، لذلك جاء تعليقه فى عبارات قصيرة: “لن تكون ثمة حرب أهلية”، فالحكومة قد صادقت فجر الجمعة قبل الماضية صادقت على إنهاء مهام “بار” والذى سيغادر منصبه كرئيس لـ “الشاباك”، فى العاشر من أبريل المقبل أو عقب تعيين رئيس جديد للجهاز.
لكن المحكمة العليا، هى التى وجهت اللطمة القوية إلى نتنياهو، بمسارعتها إصدار حكم بتعليق قرار الإقالة، معلنة أنه سيظل ساريا حتى الثامن من أبريل، فى انتظار البت فى فى الالتماسات التى قدمها لها رؤساء أحزاب المعارضة وجمعيات ضد إقالة رئيس “الشاباك”، وأهمها أحزاب “ييش عتيد” و”المعسكر الوطني” و”يسرائيل بيتينو” و”الديمقراطيين”، وكذلك الحركة من أجل جودة الحكم والحركة من أجل طهارة القيم وغيرها، مستندة إلى قرار الإقالة “اتخذ فى ظل تناقض مصالح شديد من جانب رئيس الحكومة، واتكاء على اعتبارات غير موضوعية متعلقة بتحقيقات الشاباك فى مكتبه، وبموقف الشاباك الذى بموجبه المستوى السياسى يتحمل مسئولية عن كارثة السابع من أكتوبر، وتتزايد أهمية ذلك فى الوقت الذى يمنع فيه رئيس الحكومة تشكيل لجنة تحقيق رسمية، كما أن الحكومة كلها تعرقل علنا وبشكل متعمد خطوة بإمكانها تحديد المسئولية عن هذه الكارثة، الأمر الذى استفز وزراء اليمين المتطرف الذين صبوا جام غضبهم على قرار المحكمة، وعلى رأسهم وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، الذى شدد على “أن الوقت حان لإجراء إصلاحات فى سلك القضاء”، فى حين علق وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بخشونة، قائلا: إن قضاة المحكمة العليا لن يديروا الحرب ولن يحددوا من يقودها، أما وزير الاتصالات شلومو كَرَي، فاعتبر أنه لا صلاحية للمحكمة العليا بإصدار أمر بتجميد إقالة رئيس الشاباك، بيد أن وزير الداخلية موشيه أربيل أبدى قدرا من المعقولية بإعلانه أن الحكومة لن تنتهك قرارات المحكمة.
نتنياهو يتحدى المحكمة العليا
 بيد أن نتنياهو فيما يشبه التحدى والإصرار على هز المنظومة القضائية، بحكم ما بات يمتلكه من أغلبية تمكنه- بعد عودة بن غفير ونوابه حزبه إلى الحكومة والكنيست، يؤكد أنه أنه لن ينصاع لقرار المحكمة العليا، متسائلا: “هل يعتقد أحد أننا سنستمر بالعمل (مع رئيس الشاباك) من دون ثقة بسبب أمر محكمة؟ هذا لا يمكن أن يحصل، وهذا لن يحصل”، مشددا على القول: “لن يبقى رونين بار رئيسا للشاباك، وهو أمر قد يدفع الأمور إلى أزمة دستورية، وفق خبراء قانونيين، مدافعا عن قراره بإقالته لأنه “يستخدم التضليل فى كلمة ثقة.. وهو يعلم أننى لا أطلب لنفسى التزاما بثقة شخصية.. وكان بالإمكان الاستماع والإنصات إلى اقتراحات، لكن ليس مقبولا أن يدعو علنا بتشكيل لجنة تحقيق حكومية رسمية، وإنما كان يتعين عليه أن يطالب بذلك فى لقاء منفرد وليس جر الجهاز إلى مواضيع سياسية، إن عدم ثقتى بدأت فى السابع من أكتوبر 2023، عندما لم يُحذّرنى أو يُحذّر أى شخص آخر”.
وبدورها، انتهزت المستشارة القضائية للحكومة الفرصة لتحدى نتنياهو، فقد أصدرت بيانا، جاء فيه أنه “بموجب قرار المحكمة العليا يحظر تنفيذ أى عمل يمس بمكانة رئيس الشاباك، رونين بار. ويحظر تعيين رئيس جديد للشاباك وحتى أنه يحظر إجراء مقابلات مع مرشحين للمنصب. كما أنه ينبغى استكمال تقصى الحقائق القانونى المستوجب بالنسبة لإمكانية أن يتدخل رئيس الحكومة فى الموضوع على إثر التخوف من تناقض مصالح ينبع من تحقيقات الشاباك مع مستشاريه“.
ودخل على خط انتقاد إقالة رونين بار، الدبلوماسى والكاتب الإسرائيلى ألون بينكاس فى مقال بصحيفة “هاآرتس” اليسارية والمعارضة لسياسات نتنياهو، فقد وصفها بأنها نقطة تحول واضحة فى تاريخ الكيان، وإهانة للديمقراطية، وحسب منظوره، فإن الصورة تتجاوز بكثير الجوانب القانونية والسياسية للحدث، إذ إنها تكشف عن أزمة دستورية أساسية وليست حالة طوارئ سياسية عادية، داعيا أحزاب المعارضة فى إلى تقديم استقالاتهم بصورة جماعية احتجاجا على هذه الخطوة ، محذرا من أن استمرار نتنياهو فى اتخاذ مثل هذه الإجراءات قد يؤدى ليس فقط إلى انهيار الديمقراطية، بل إلى تحول الكيان الإسرائيلى إلى نظام “شبه استبدادي”، واصفا رئيس الوزراء بأنه رجل مضطرب يحاول إعادة كتابة التاريخ.
وخلص بينكاس فى تحليله إلى أن الحفاظ على الديمقراطية ومستقبلها القريب أمر فى يد الشعب الإسرائيلى أكثر مما هو فى يد نتنياهو، محذرا من التهاون والاستسلام، ومؤكدا أنه لا مجال للتراجع عنه.
ولكن الأخطر من ذلك يتجسد فى بروز مخاوف من أن تندفع الأمور، نحو سلوكيات عنف وربما عنف مضاد، وهو ما ألمح إليها المسئول السابق فى الشاباك “عاميت آسا” نهاية الأسبوع قبل الماضى، بشأن احتمالية اغتيال نتنياهو على يد الجهاز، محذرا مما أسماه بالخطر المحدق به، فقد نقل عنه موقع “سروجيم” العبرى، إشارته إلى ضرورة الشعور بالقلق من أن رونين بار رئيس “الشاباك” الذى أعلن نتنياهو إقالته، يقف على رأس منظمة مسلحة قوية تعمل حول رئيس الوزراء نفسه، مضيفا خلال مداخلة على محطة “جيل إسرائيل” التلفزيونية يوم الجمعة قبل الماضية: “من الناحية النظرية، ينبغى أن نشعر بالقلق من أن رونين بار هو على رأس منظمة مسلحة قوية تعمل حول رئيس الوزراء.. على المستوى العملى لا أعتقد أنه سيتلقى أمرا يمنع إقالته بالقوة.
وحسب وجهة نظره، فإن الخطر على نتنياهو ليس من الشاباك بأكمله، حيث من الممكن جدا فى هذه الأجواء المضطربة الآن أن يتم الدفع بشخص ما على المستوى الشخصى إلى القيام بعمل متطرف “، مشددا على أنه يجب وضع هذا فى الاعتبار دائما، محذرا بشكل خاص المحيطين بنتنياهو. 
استياء من العودة إلى الحرب
ومع إصرار نتنياهو على المضى قدما فى مشروعه العدوانى الجديد فى غزة، الذى أطلقه يوم الثلاثاء قبل الماضى منهيا اتفاقا وقعت عليه حكومته، وبدأ تنفيذه فى التاسع عشر من يناير الفائت، أشعل نيران غضب ضده من قبل عديد الدوائر داخل القوة القائمة بالاحتلال، تنبئ باتساع الفجوة بين ائتلافه اليمينى الحاكم الذى يقوده وبين مختلف القوى والمكونات السياسية، فى صدارتها رئيس الكيان الإسرائيلى إسحق هرتسوج، الذى خرج الأسبوع المنصرم عن صمته المعتاد مهاجما نتنياهو، فى انتقاد نادر لنتنياهو وإن لم يذكره بالاسم، قائلا: “من المستحيل ألا نشعر بالانزعاج العميق من الواقع القاسى الذى يحدث أمام أعيننا – لقد تم توزيع عدة آلاف من أوامر الاحتياط، كما نعلم، أخيرا، ومن المستحيل إرسال أبنائنا إلى الجبهة وفى الوقت نفسه قيادة تحركات مثيرة للجدل تثير استقطابا عميقا بين الناس”، مضيفا : “لا يمكن تجدد القتال من أجل الوفاء بالوصية المقدسة بعودة المحتجزين وفى الوقت نفسه الوقت عدم الاستماع ودعم عائلاتهم القلقة التى تمر بجحيم على الأرض.
وتابع: “الكثير من العائلات الثكلى، آلاف المواطنين الذين ألتقى بهم كل أسبوع، حتى اليوم، يتوسلون، يصرخون لتجنب تعميق الشرخ والانقسام، يطالبون بالوحدة، ومحبة إسرائيل، ويسعون للحفاظ على البلاد. ونود أن نجرى تحقيقا كاملا وشاملا ومستقلا فى الكارثة الرهيبة (7 أكتوبر)، لذلك من المستحيل عدم الانتباه إلى هذا، إلى توافق فى الآراء “، مردفا: “حتى لو كنت آخر من يطالب بذلك، فإننى سأضحى بنفسى من أجل مهمة الوصول إلى التفاهمات والاتفاقيات “ وهو ما يؤشر إلى مخاوف عميقة تنتاب هرتسوج من تداعيات تصرفات نتنياهو وحكومته على حالة الاصطفاف الداخلى التى دخلت نفقا مظلما لا أحد يعلم موعد الخروج منه، وهو ما دفعه للإعراب عن أسفه من سلسلة إجراءات أحادية الجانب، من شأنها – حسب خشيته- أن تؤثر بشدة على الصمود الوطنى.
لكن الصوت الأكثر ارتفاعا فى الاعتراض على قرار العودة لحرب الإبادة فى غزة كان لعائلات الأسرى لدى حركة حماس، الذى تجلى فى خروجهم ومعهم آلاف المتظاهرين احتجاجا على إقدام نتنياهو على إشعالها، فضلا عن قراره بإقالة رئيس الشاباك وتحركاته ضد السلطة القضائية، والذين اتهموه أنه فعل ذلك لأسباب سياسية، وهو ما عبر عنه أحد المتظاهرين من القدس ويدعى” كورين عوفر”، بقوله:”هذه لم تعد حربا من أجل شيء مهم، بل إنها تتعلق ببقاء هذه الحكومة وبقاء بنيامين نتنياهونفسه.
وتنوعت مجموعات المحتجين، إذ ينتمى بعضهم إلى منتدى الدرع الواقي، وهى مجموعة تمثل مسئولى الدفاع والأمن السابقين، والحركة من أجل جودة الحكم، وهى مجموعة مناهضة للفساد نشطت فى معركة مريرة فى 2023 حول الحد من سلطات المحكمة العليا، وخاطب وكتب رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب (يش عتيد) أو “هناك مستقبل”، يائير لابيد، والمنتمى لتيار الوسط ويتزعم المعارضة بالكنيست على منصة إكس “هذه الحكومة لا تتوقف عند الإشارات الحمراء، كفى! أناشدكم جميعا، هذه لحظتنا، هذا مستقبلنا، انزلوا إلى الشوارع”.
وامتدت الاحتجاجات إلى المدن الكبرى داخل الكيان الإسرائيلى، بما فى ذلك قرب منزل نتنياهو، ما أدى إلى قيام الشرطة بممارسة مختلف أساليب القمع للسيطرة عليها بلغت حد الاعتداء على رموز المعارضة، وبينهم رئيس حزب “الديمقراطيين”، يائير جولان الذى دفعه أحد عناصرها بقوة شديدة وأسقطه على الأرض، وليس بعيدا أن يكون ذلك متعمدا، وربما بأوامر سياسية، لاسيما أنه من أكثر من يوجهون الانتقادات اللاذعة لنتنياهو، معتقدا أنه يعمل عمدا على تعميق الانقسامات فى المجتمع، ويريد دولة منفصلة وشعبا مختلفا.
 وفى ضوء هذه الأعداد الضخمة المشاركة فى الاحتجاجات التى تواصلت على مدى الأيام القليلة الماضية، تشير استطلاعات الرأى إلى أن نتنياهو سيخسر الانتخابات لو أجريت فى هذه المرحلة.
اعتراضات عسكريين
ولم يعترض على الحرب سياسيون من المعارضة وعائلات الأسرى فحسب، إنما كذلك منتمون لمؤسسة جيش الاحتلال، سواء من هم يؤدون الخدمة العسكرية حاليا أم من القادة والضباط السابقين، فقد اعتبر الجنرال فى الاحتياط نمرود شيفر استئناف الحرب، خطأ شنيعا من شأنه أن يؤدى إلى قتل المحتجزين، مقرا بمسئولية الحكومة عن انهيار القنوات الدبلوماسية بشكل واضح، قائلا: “نحن الذين انتهكنا الاتفاق مع حماس ووقف النار، فهل نتوقع أن تقبل حماس بذلك وبإملاءاتنا وأن تجلس وتنتظر حتى نذهب إليهم ونقتلهم؟ العالم الواقعى لا يعمل هكذا”، فيما يؤكد الرئيس الأسبق للقسم السياسى الأمنى فى وزارة الدفاع، الجنرال فى الاحتياط عاموس جلعاد، أن معاودة الحرب لن تساعد فى تحقيق الهدف الأعلى المتمثّل باستعادة المحتجزين، لافتًا النظر إلى أن الوقت حان لاستعادتهم كافة دفعة واحدة ووقف الحرب فلا يوجد أهم من ذلك، والأمر نفسه يتفق معه مستشار الأمن القومى الأسبق، الجنرال فى الاحتياط جيورا آيلاند، الذى يعتبر العدوان الجديد مغامرة ربما تتعقد وتصبح أشد خطورة على الأسرى وعلى جيش الاحتلال، مبديا عدم ترجيحه لأن تفضى الضربات العنيفة على غزة إلى دفع حماس للإفراج عن الأسرى، بل ربما يكون العكس، فكلما اشتدت وزادت الضربات لن يتبقى أسرى أحياء لاستعادتهم.
ولقطع الطريق على تزايد أعداد الرافضين للعودة للخدمة العسكرية من ضباط وجنود الاحتياط والمشاركة فى حرب وصفها بعضهم حرب انتقام وليست حربا للدفاع عن البلاد، قرر جيش الاحتلال فصل ضابطى احتياط، بعد اعتراضهما علنا على استئناف العمليات العسكرية فى قطاع غزة، حسبما أفادت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أولهما الضابط فى مديرية الاستخبارات العسكرية مايكل ماجر، الذى كتب على منصة “إكس”: “أكثر ما يساعدنى الآن على حماية شعبى هو رفض المشاركة فى القتال فى خدمة الخونة القذرين، وهو ما يتعارض تماما مع مصالح شعب إسرائيل “، أما الثانى فهو ضابط احتياط فى سلاح الجو بسبب منشور مماثل على منصات التواصل الاجتماعي.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام