رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الثلاثاء 22 ابريل 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
نحن والعالم
انهيار نظام الأسد أحدث اختلالًا فى موازين القوى الإقليمية والدولية.. واشنطن فى سوريا الجديدة
28-3-2025
|
00:46
إلهامى المليجى
أمريكا اختارت سياسة «التموضع المحسوب» عبر قواعد صغيرة ومواقع انتشار محددة فى مناطق شرق الفرات وشمال شرق سوريا
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض استعادت أمريكا خطابها البراجماتى الذى يُغلّب المصالح الأمريكية على الاعتبارات الأيديولوجية
تحضر سوريا كورقة تفاوض مرنة ضمن أجندة المصالح الأمريكية الأوسع لا كأولوية تدخل أو حسم
دخلت الأزمة السورية، فصلًا جديدًا بعد انهيار النظام السابق فى دمشق وخروج إيران من المعادلة، وانكفاء روسيا إلى حضور رمزى فى قاعدة حميميم فى اللاذقية. هذه التحولات المفصلية، التى لم تكن متوقعة قبل عام واحد فقط، قلبت موازين القوى، وأعادت تشكيل المشهدين الإقليمى والدولى، ومع صعود سلطة انتقالية ذات طابع براجماتى، وعودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب، أصبح من الضرورى إعادة النظر فى موقع سوريا ضمن الإستراتيجية الأمريكية الأشمل.
فى خضم هذه التبادلات العميقة، يبرز سؤال محورى: هل بلورت واشنطن سياسة واضحة المعالم تجاه سوريا؟ أم أنها لا تزال تتصرف وفق منطق إدارة اللحظة لا صناعة المستقبل؟
نتناول هنا قراءة تحليلية معمقة للسياسة الأمريكية، فى ضوء التحولات الجذرية التى شهدتها الساحة السورية، مستعرضين التغير فى أولويات واشنطن، وأثر غياب الخصوم التقليديين، وإمكانية صياغة مقاربة جديدة تراعى الحقائق الجيوسياسية المستجدة. ونعرض المحاور التالية لتفكيك المشهد:
أولاً: غياب إستراتيجية أمريكية متماسكة
منذ اندلاع الأحداث فى سوريا عام 2011، لم تعتمد واشنطن سياسة متماسكة أو طويلة الأمد تجاه سوريا. ففى عهد أوباما، رُفعت شعارات «رحيل الأسد» دون وضع أدوات واقعية لتحقيق ذلك، ثم ما لبثت الأولويات أن تحوّلت لمحاربة تنظيم «داعش»، قبل أن يُعاد توجيه البوصلة نحو احتواء النفوذ الإيرانى، ثم لاحقًا نحو تحجيم روسيا. هذا التبدل المستمر فى الأولويات، يعكس ليس فقط غياب رؤية شاملة، بل أيضًا ترددًا فى تحديد المصالح الأمريكية الجوهرية فى سوريا.
ثانيًا: الوجود العسكرى الأمريكى بين الرمزية والإستراتيجية
برغم محدودية العدد، ظلّ الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا حاضرًا بقوة رمزيته ودلالاته الإستراتيجية. فقد اختارت واشنطن سياسة «التموضع المحسوب» عبر قواعد صغيرة ومواقع انتشار محددة، لكنها ذات أهمية بالغة، فى مناطق شرق الفرات وشمال شرق سوريا، حيث تتداخل الجغرافيا مع مصالح الطاقة والخرائط السياسية الهشّة.
أولًا، دعم عمليات محاربة تنظيم داعش لا يزال العنوان الأبرز، وإن بات أكثر رمزية من حيث الفاعلية الميدانية، فى ظل تراجع التنظيم وتحوّله إلى خلايا متفرقة. إلا أن هذا الغطاء الأمنى يمنح واشنطن مبررًا للبقاء وحضورًا ضمن التحالفات الدولية.
ثانيًا، حماية المصالح الأمريكية فى قطاع الطاقة، إذ تنتشر القوات الأمريكية فى مناطق غنية بالنفط والغاز، وتمارس نوعًا من الحراسة غير المباشرة على الموارد، التى تعد أداة تفاوض مستقبلية بيد واشنطن، سواء مع السلطة الجديدة فى دمشق أم مع قوى إقليمية تطمح للنفاذ إلى تلك المناطق.
ثالثًا، منع التمدد الروسى سابقًا، والإيرانى لاحقًا
كان ولا يزال من أهداف الوجود الأمريكي. ومع تراجع النفوذين الروسى والإيراني، بات هذا الوجود يمثل خط دفاع أمامى ضد أى محاولة، لإعادة رسم المشهد السورى بعيدًا عن التوازنات التى ترعاها واشنطن.
ومع تغيّر المعادلة السياسية فى دمشق، وظهور سلطة انتقالية تسعى إلى استعادة القرار الوطني، بدأت تعلو أصوات محلية، تطالب بإعادة النظر فى شرعية أى وجود أجنبى على الأرض السورية، بما فى ذلك الوجود الروسى فى قاعدة حميميم. وفى هذا السياق، يطرح الوجود الأمريكى معادلة معقّدة:
هل تكتفى واشنطن بالحضور الرمزي، حفاظًا على أوراقها الإستراتيجية؟ أم أنها تمهّد لتراجع تدريجى منضبط فى إطار تفاهمات جديدة مع السلطة الانتقالية؟
الجواب لا يزال رهن تطورات الداخل السورى وتفاعلات الإقليم، لكن الثابت أن أمريكا لا تنسحب إلا إذا ضمنت بقاء نفوذها عبر أدوات بديلة، سواء كانت سياسية أم أمنية أم اقتصادية.
ثالثًا: تحولات الساحة السورية بعد سقوط النظام السابق
شكّل انهيار نظام الأسد منعطفًا تاريخيًا، أعاد رسم المشهد السورى من جذوره، وأحدث اختلالًا فى موازين القوى الإقليمية والدولية التى تداخلت لعقود فى تفاصيل الصراع. لم يكن هذا التحول مجرّد تغيير فى بنية الحكم، بل انفجار فى بنية النفوذ، التى ظلّت قائمة على تحالفات متشابكة، من طهران إلى موسكو.
رابعًا: موقف إدارة ترامب الجديدة
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، استعادت واشنطن خطابها البراجماتى، الذى يُغلّب المصالح الأمريكية على الاعتبارات الأيديولوجية، ويعكس توجّهًا واضحًا نحو تقليص الانخراط فى الحروب المكلفة، دون التخلى عن أدوات الضغط والنفوذ فى مناطق التوتر، وفى هذا السياق، تُعَدّ الساحة السورية من أبرز الملفات التى يُعاد النظر فيها، من زاوية التوظيف السياسى أكثر من التدخل المباشر.
تسعى الإدارة الجديدة إلى إعادة تموضع مدروسة فى سوريا، بحيث تُبقى على حضور عسكرى واستخباراتى محدود، يخدم أهدافًا إستراتيجية، أبرزها: منع تمدد الخصوم، وضمان استمرار التأثير فى موازين القوى الإقليمية. فبالنسبة لترامب، تشكل السلطة السورية الانتقالية فرصة سانحة، لإعادة التوازن فى مواجهة التمدد التركى من جهة، ولتوظيف العلاقة مع «قسد» كأداة ضغط مرنة تخدم الرؤية الأمريكية، دون الانجرار إلى التزامات بعيدة المدى.
وفى هذا السياق، تبدو العلاقة مع روسيا محكومة بمعادلة دقيقة: فمن جهة، لا يسعى ترامب إلى التصعيد المباشر مع موسكو، لكنه فى الوقت نفسه يدرك أهمية استخدام الورقة السورية، لتضييق الخناق على النفوذ الروسى فى الشرق الأوسط، خصوصا فى ظل الاستنزاف الروسى فى أوكرانيا. وقد تسعى واشنطن إلى تفعيل أدوات الضغط السياسى والدبلوماسي، سواء من خلال تنشيط المسارات الأممية، أم عبر دعم ترتيبات إقليمية، تُهمّش الوجود الروسى تدريجيًا.
أما على الجبهة الإيرانية، فإن إدارة ترامب تُعيد إحياء نهجها الصدامى القديم، عبر التركيز على سياسة «الضغط الأقصى»، وتشديد العقوبات، وتوسيع هامش المناورة أمام الحلفاء الإقليميين، لا سيما إسرائيل وتركيا، للحد من التمدد الإيرانى فى سوريا ولبنان والعراق. وتُظهر المؤشرات أن واشنطن لن تتورط عسكريًا، لكنها ستُوظّف كل أدواتها المتاحة لدفع طهران نحو الانكفاء الإستراتيجى وإعادة التموضع، لا سيما إذا ما فشلت فى التكيّف مع التحولات داخل سوريا ومعادلاتها الجديدة.
هكذا، تتبلور ملامح سياسة أمريكية أكثر مرونة وتكتيكية، تسعى إلى البقاء كلاعب إقليمى من دون تكلفة مرتفعة، مع استخدام سوريا كساحة مناورة مفتوحة على ملفات أوسع، تمتد من البحر الأسود إلى الخليج العربي.
خامسًا: العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
تُعد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) إحدى الركائز الأساسية للنفوذ الأمريكى الميدانى فى الشمال الشرقى السوري، وقد شكّلت خلال السنوات الماضية أداة عسكرية وسياسية فاعلة، فى الحرب على تنظيم «داعش»، فضلاً عن كونها حائط صد أمام تمدد النظام السابق، أو المجموعات المدعومة من أنقرة.
- واشنطن تسعى جاهدة للحفاظ على تحالفها مع «قسد»، باعتبارها القوة المحلية الأكثر تنظيمًا وتماسكًا، لكنها تجد نفسها أمام معادلة معقدة تتطلب التوفيق بين دعم هذا الحليف الكردى من جهة، وتفادى استفزاز أنقرة من جهة أخرى، إذ ترى تركيا فى «قسد» امتدادًا لحزب العمال الكردستانى، المصنّف لديها كتنظيم إرهابى.
- فى المقابل، بدأت تظهر أصوات متزايدة داخل «قسد»، تدعو إلى فتح قنوات تفاهم مع السلطة الانتقالية الجديدة فى دمشق، فى إدراك واقعى لتحوّل المعادلات الداخلية والإقليمية. هذا التوجه يعكس نزعة براجماتية متصاعدة داخل صفوف «قسد»، تستشعر هشاشة التحالف مع واشنطن فى ظل تبدل الأولويات الأمريكية، واحتمال تراجع الدعم على المدى المتوسط.
- وإذا ما تطورت هذه النزعة إلى خيار إستراتيجى، فقد نشهد إعادة صياغة جوهرية فى العلاقة بين «قسد» وواشنطن، وربما ميلًا نحو تسوية مع السلطة المركزية، تضمن قدرًا من الحكم الذاتى ضمن إطار الدولة السورية، مما سيغيّر قواعد اللعبة، ويعيد رسم الخريطة السياسية والعسكرية فى الشرق والشمال السوري.
سادسًا: تداعيات الحرب على غزة
برغم أن الجغرافيا تفصل بين دمشق وغزة، فإن نيران الحرب الأخيرة لم تقف عند حدود القطاع، بل امتدت بتأثيراتها السياسية والإستراتيجية إلى الساحة السورية، فأحدثت تحولات غير مباشرة، لكنها بالغة الدلالة فى المشهد الإقليمى المرتبط بالملف السوري:
- تصاعد الشراكة الأمريكية–الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، وسط انكفاء إيرانى ملحوظ بفعل الضغوط الداخلية، والعقوبات المتجددة، والانشغال بملفات أخرى، تمتد من العراق إلى لبنان واليمن. وقد انعكس هذا الانكفاء بتراجع القدرة الإيرانية على التأثير المباشر فى التطورات السورية، لا سيما بعد تراجع حضورها العسكرى على بعض الجبهات.
- ظهور محاور وتحالفات إقليمية جديدة، تعيد رسم خارطة النفوذ فى الشرق الأوسط، على وقع الحرب فى غزة، حيث تسعى بعض القوى العربية، بدعم غربي، إلى ملء الفراغ الناتج عن تراجع المحور القديم. وهذا الحراك، إذا ما استمر وتعمّق، قد يُفضى إلى بلورة صفقة إقليمية كبرى تعيد ترتيب الأوراق فى سوريا والمنطقة ككل، وتضع أسسًا جديدة للمرحلة المقبلة.
سابعًا: انتخابات 2024 وعودة الجمهوريين
أعادت نتائج الانتخابات الأمريكية لعام 2024 الجمهوريين إلى سدة الحكم، ما مثّل تحولًا فى أولويات واشنطن الإستراتيجية، وإن لم يغيّر جوهر السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. فقد عاد شعار «أمريكا أولًا» إلى الواجهة، مصحوبًا برغبة واضحة فى تقليص الانخراط العسكرى المباشر، دون التفريط فى ضرورات التوازن الجيوسياسى والحفاظ على مواقع النفوذ الحيوية.
- وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تبنّت مقاربة أكثر حذرًا وواقعية، تقوم على تثبيت نقاط تموضع إستراتيجية فى مناطق مختارة، من بينها شرقى سوريا، مع الحرص على تفادى الانزلاق نحو مواجهات مفتوحة، سواء مع روسيا أم إيران أم الفاعلين غير الدولتين، فى ضوء التجارب السابقة المُكلفة.
- فى هذا السياق، تحضر سوريا كورقة تفاوض مرنة ضمن أجندة المصالح الأمريكية الأوسع، لا كأولوية تدخل أو حسم. فملفها قابل للتوظيف فى مساومات كبرى، سواء فى إطار التفاوض مع روسيا حول أمن أوروبا الشرقية، أم مع تركيا حول ملفات الحدود واللاجئين، أم حتى مع إيران فى أى محاولات لإحياء الاتفاق النووي.
- هكذا، تتحول سوريا فى عهد الجمهوريين من ساحة اشتباك إلى ملف قابل للتدوير السياسي، تُستثمر تعقيداته فى تعزيز النفوذ الأمريكى دون دفع أثمان باهظة، ما يجعل حضور واشنطن فيها مستمرًا ولكن غير تصادمي، يوازن بين الانكفاء المدروس والحضور الضرورى.
ثامنًا: مواقف القوى الإقليمية والدولية بعد التحول السورى
مع تغيّر المعادلة السياسية فى دمشق، أعادت القوى الإقليمية والدولية تموضعها ورؤيتها تجاه سوريا، انطلاقًا من مصالحها المباشرة ومخاوفها الإستراتيجية، فبات المشهد مرهونًا بتفاعلات متشابكة، تتقاطع فيها الحسابات الأمنية والجيوسياسية:
- إسرائيل، التى طالما استفادت من حالة الفوضى والانقسام فى سوريا، لا ترى فى السلطة الانتقالية تهديدًا عسكريًا مباشرًا على المدى المنظور، لكنها تتحسب من أى مسار يعيد توحيد الدولة السورية، أو يُفضى إلى استعادة القرار الوطنى المستقل، خشية أن يُفضى ذلك إلى عودة التنسيق بين دمشق والمقاومة الفلسطينية أو اللبنانية، أو يعيد فتح ملف الجولان المحتل سياسيًا وأمنيًا.
ملامح سياسة أمريكية قيد التشكل
مع انهيار المعادلات القديمة، تدخل السياسة الأمريكية طورًا جديدًا، لا يقوم على الانكفاء الكامل، ولا على الانخراط الشامل، بل على إعادة التموضع الذكى فى ضوء غياب الخصوم الكبار.
لم تعد واشنطن تُحدّد سياستها تجاه سوريا انطلاقًا من الخوف من «الفراغ»، بل انطلاقًا من التحرر من المعوّقات القديمة. ومع صعود قيادة انتقالية منفتحة، يصبح بالإمكان بلورة سياسة أمريكية أكثر وضوحًا، تتأسس على التحالف لا القطيعة، وعلى التفاهم لا الإقصاء.
لكنّ هذا السيناريو يبقى مرهونًا بعاملين حاسمين: أولهما، قدرة واشنطن على استباق التحولات بدلًا من ملاحقتها، وثانيهما، متانة التفاهمات مع الحلفاء الإقليميين، لا سيما فى ظل تراجع القدرة على الحسم العسكرى المباشر.
كلمات بحث
نظام الأسد
موازين القوى
واشنطن
سوريا
نحن والعالم
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
من فرنسا إلى إندونيسيا وقطر والكويت.. نجــــاح كبيــــر للدبلوماسية الرئاسية
يمهد الطريق أمام الكتلة الغربية.. قرار ماكـرون يشعــــل نيران الغضب فى إسرائيل
بعد مفاوضات الساعات الخمس بإسطنبول.. مباحثات أمريكا وروسيا.. دبلوماسية
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام