نحن والعالم



مصر والإمارات.. شراكة الماضى والمستقبل

28-3-2025 | 01:10
د. أيمن سمير

العلاقة بين "القاهرة ـ أبوظبى" أصبحت رافعة سياسية لدعم الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية والشرق أوسطية
 
شكل تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى المسئولية فى عام 2014 نقطة انطلاق قوية للعلاقات المصرية - الإماراتية
 
تعمل مصر والإمارات على تبريد الصراعات وتهدئة التوترات فى منطقة عاشت عقودا من الأزمات
 
مصر والإمارات تعملان على تعزيز مفهوم وقيم وأدوات الأمن القومى العربى
 
البلدان تجمعهما رؤية مشتركة حول التسامح وقبول الآخر ورفض الأفكار الظلامية والتكفيرية
 
 
تؤكد الزيارات المتبادلة بين القيادتين - المصرية والإماراتية - على ما تتمتع به العلاقات بين البلدين الشقيقين من خصوصية فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتعد العلاقات بين القاهرة وأبوظبى نموذجا للعلاقات العربية - العربية القائمة على اكتشاف أكبر قدر ممكن من المصالح المشتركة، والدعم المتبادل فى جميع الأوقات، والتقارب الشديد فى وجهات النظر السياسية تجاه مختلف الملفات العربية والإقليمية والدولية.
 
شكل تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى المسئولية، فى النصف الثانى من عام 2014، نقطة انطلاق جديد للعلاقات التاريخية والأخوية التى تجمع البلدين الشقيقين، حيث وضع الرئيس عبد الفتاح السيسى تعزيز العلاقات المصرية مع أشقائها العرب فى قمة أولويات السياسية الخارجية المصرية، وكانت العلاقة مع الإمارات والزيارات المتبادلة بين القيادة المصرية والإماراتية خير تعبير عن الإرادة السياسية بين البلدين نحو تعزيز وتعميق العلاقات بين القاهرة وأبو ظبى، سواء على المستوى الثنائى أو التنسيق المشترك حيال كل القضايا العربية والشرق أوسطية والدولية.
 
منذ الساعات الأولى لثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، التى تجلت فيها إرادة الشعب المصرى لاستعادة هويته الوطنية، وقفت الإمارات بكل ما تملك من دعم سياسى واقتصادى بجانب الإرادة المصرية، وهذا الدعم مثل امتداداً للعلاقة التاريخية الخاصة التى تجمع شعبى البلدين والتى أرساها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويدعمها الآن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذى قام بزيارة سريعة لمصر يوم الخميس قبل الماضى، كان عنوانها تعزيز أواصر الصداقة والتعاون التى تجمع البلدين والشعبين والقيادة فى مصر والإمارات.
 
ترتبط مصر بعلاقات تاريخية وثيقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وهى علاقات تستند على الوعى والفهم المشترك لطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية التى شهدتها وتشهدها المنطقة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة ترسخ الأمن العربى والإقليمى، وتحافظ على استدامة التنمية فى دولها، ويحظى البلدان بحضور ومكانة دولية خاصة، مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة فى مواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بإرساء السلام، ودعم جهود استقرار المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.
وكانت مصر من أوائل الدول التى دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت للاعتراف بها فور إعلانها ودعمتها دوليا وإقليميا كركيزة للأمن والاستقرار، وإضافة جديدة لقوة
 
العرب، ومنذ ذلك التاريخ استندت العلاقات الإماراتية المصرية على أسس الشراكة الاستراتيجية بينهما لتحقيق مصالح الشعبين ومواجهة التحديات التى تشهدها المنطقة، وقد تعددت لقاءات قيادتى البلدين ومسئوليها على كل المستويات للتنسيق حيال تلك التحديات، وفى عام 2008 تم التوقيع على مذكرتى تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارتى خارجية البلدين، نصت على أن يقوم الطرفان بعقد محادثات ومشاورات ثنائية بطريقة منتظمة لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومن أجل المزيد من التنسيق المشترك تم الاتفاق فى فبراير 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسى ثنائية تجتمع كل 6 أشهر مرة على مستوى وزراء الخارجية والأخرى على مستوى كبار المسئولين.
 
شهدت السنوات الماضية تنسيقا وثيقا بين البلدين على الصعيد السياسى، خصوصا حيال القضايا الرئيسية على الصعيدين العربى والدولي، وتعددت لقاءات قيادتى البلدين ومسئوليها للتنسيق حيال تلك المواقف، وهو ما أظهر نجاحا كبيرا فى العديد من الملفات التى تحظى باهتمام الجانبين.
 
رؤية موحدة
يؤكد تحليل الخطاب السياسى والإعلامى فى البلدين، أن هناك تطابقا شبه كامل فى وجهة نظر الدولتين تجاه القضايا الإقليمية والدولية؛ حيث تتفق القاهرة وأبوظبى على إرساء قيم التعايش المشترك وقبول الآخر، وهو ما أثمر أن يتحول التعاون الإماراتى المصرى إلى رافعة سياسية لدعم الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية والشرق أوسطية، فالإمارات ومصر لديهما توجه واضح بأن أفضل طريق لبناء المستقبل فى الإقليم العربى هو السلام والاستقرار، ولهذا تعمل مصر والإمارات بشكل دائم من أجل تعزيز العمل العربى المشترك، وتوحيد الصوت العربى فى مواجهة كل التحديات والتدخلات الخارجية، ونجح هذا التعاون المصرى الإماراتى عن دعم وتقوية الدولة الوطنية العربية فى مواجهة التنظيمات والمليشيات الإرهابية والظلامية.
 
بعد ثورة 30 يونيو
شهدت العلاقات السياسية بين مصر والإمارات دفعة قوية عقب ثورة 30 يونيو 2013، حيث أيدت أبوظبى تولى عدلى منصور رئاسة مصر، وأكدت دعمها الكامل والمستمر للشعب المصرى فى تنفيذ خارطة الطريق، التى أعلنتها القوات المسلحة بمشاركة القوى السياسية والدينية، كما لعبت الدبلوماسية الشعبية المصرية دورًا بارزا فى دعم العلاقات مع أبوظبي، حيث أعربت عن تقديرها وشكرها لموقف الإمارات الداعم للقاهرة فى محاربة الارهاب والفكر المتطرف، وفى 7 يونيو 2014، شارك وفد إماراتى رفيع المستوى يترأسه الشيخ محمد بن زايد فى حفل تنصيب الرئيس السيسى، ليفتح صفحة جديدة وناصعة فى العلاقات المصرية -الإماراتية فى عهد القيادة المصرية الجديدة، وبعد 3 أشهر فقط أجرى الرئيس محمد بن زايد آل نهيان مباحثات مع الرئيس المصرى شملت ملفات المنطقة، وهى الزيارة التى حددت الطابع الإستراتيجى للقاءات القيادتين، وتوالت بعد ذلك عقد اللقاءات التى وصلت إلى ما يزيد على 50 لقاء وقمة.
 
ثوابت مشتركة
وتشترك مصر والإمارات فى مجموعة من الثوابت، أسهمت فى دفع العلاقات بين البلدين إلى أفاق بعيدة فى جميع المسارات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والرياضية، ومن هذه الثوابت ما يلي:
أولا: تفضل مصر والإمارات الحلول السياسية والسلمية وليس اللغات الخشنة القائمة على الابتزاز والتهديد فى حل الصراعات الإقليمية والدولية، ويشكل الصوت المصرى الإماراتى صوت العقل والحكمة فى الشرق الأوسط فى ظل تداعى الكثيرين نحو الحلول العسكرية ودعم المتطرفين والإرهابيين، فإيمان القاهرة وأبو ظبى بالسياسة والدبلوماسية وطاولة النقاش والتفاوض أمر واضح للجميع فى المنطقة وخارجها.
 
ثانيا: تشكل القاهرة وأوبو ظبى حائط صد قويا ضد الجماعات الإرهابية والفكر المتشدد، وتتفق مصر والإمارات على مقاربة واحدة تجاه التعامل مع الفكر الإرهابى تقوم على مكافحة الفكر المتطرف، وقطع التمويل، والتعاون فى التصدى للمجموعات الإرهابية العابرة للحدود، فالقاهرة وأبو ظبى تؤمن بأن الإرهاب العابر للحدود يحتاج أيضاً تعاونا عابرا للحدود بين الدول.
 
ثالثا: الدعم المتبادل، حيث تؤمن كل من مصر والإمارات بأهمية وحتمية العمل العربى المشترك، وضرورة أن تقف الدول العربية بجانب بعضها بعضا لمواجهة التحديات القائمة أو المستحدثة، من خلال دعم وتعزيز القدرات الخاصة من جانب الإمارات ومصر لبعضهما بعضا فى مواجهة التحديات، ولهذا يعد الشيخ، محمد بن زايد آل نهيان، القائد العربى الوحيد الذى حضر افتتاح وتدشين كل القواعد العسكرية المصرية الجديدة، بداية من مشاركته فى افتتاح قاعدة "محمد نجيب العسكرية" فى يوليو 2017، مرورا بمشاركته فى افتتاح "قاعدة برنيس" على البحر الأحمر فى يناير 2020، وحضوره افتتاح قاعدة "3 يوليو" العملاقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يؤكد ويعكس قوة وخصوصية العلاقات المصرية الإماراتية فى جميع المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فمصر تؤكد دائما التضامن مع الإمارات، كما أن الإمارات كانت وما زالت من أكثر دول العالم دعماً لمصر وشعبها بالفعل والقول، وهذه العلاقة بين البلدين شكلت نموذجاً للعلاقات العربية - العربية، القائمة على الوقوف معاً ضد كل التحديات والمخاطر التى تواجه الأمن القومى العربى، ويمكن القول: إن العلاقة المتميزة الآن بين القيادتين والشعبين المصرى والإماراتى، إنما هى استمرار لمسيرة العلاقات الوثيقة والمتميزة بين البلدين، وما يجمعهما من مصير ومستقبل واحد. 
 
رابعا: احترام القانون الدولى خصوصا القانون الدولى الإنسانى، والتفاعل بإيجابية مع المتغيرات الدولية ومقترحات الأمم المتحدة بما يتفق مع المصالح الوطنية لكل من مصر والإمارات.
 
خامسا: التجاوب مع كل ما يفيد الإنسانية، وهو مظهر واضح جداً جداً فى السياسة الخارجية المصرية والإماراتية فى كل ما يهم الكوكب والاحترار المناخي، حيث استضافت مصر نيابة عن إفريقيا مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ فى نوفمبر 2022 بينما استضافته الإمارات نيابة عن آسيا فى نوفمبر 2023.
 
سادسا: التنسيق الكامل فى الأدوات والأهداف فيما يتعلق بالتعامل مع المتغيرات والمستجدات السياسية والإستراتيجية، التى يمكن أن يكون لها تأثير على الامن القومى للبلدين أو الأمن القومى العربي، ولهذا هناك تطابق شبه كامل فى وجهة نظر الدولتين تجاه الحلول وكيفية التعامل مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وأسهم التوافق فى الرؤى بين الإمارات ومصر فى تعميق وترسيخ العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، التى أصبحت رصيداً لكل الأمة العربية، من أجل التصدى لكل ما يحاك ضد الأمن القومى العربي، وهو ما تعكسه تصريحات ومواقف البلدين، حيث تؤكد القيادة المصرية، والرئيس عبد الفتاح السيسى، دائما أن أمن مصر القومى مرتبط بأمن منطقة الخليج العربى عامة، وبدولة الإمارات خاصة.
 
المؤكد أن زيارات الشيخ محمد بن زايد للقاهرة، ولقاءه بالرئيس عبد الفتاح السيسى، تشكل خير نموذج ليس فقط للعلاقات العربية – العربية، بل نموذج لعلاقة راسخة بين أمة واحدة وشعب واحد يعيش فى بلدين هما مصر والإمارات.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام