نحن والعالم



وثائق كينيدى.. سقوط رواية «الرجل المسلح الوحيـد»

28-3-2025 | 01:24
إيمان عمر الفاروق

تفترض تلك الرواية أن «لى هارفى» تصرف بمفرده فى اغتيال كينيدى
 
وثائق وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالى تشير إلى وجود مؤامرة أوسع نطاقا فى عملية الاغتيال
 
وكالات الاستخبارات الأمريكية سارعت فى أعقاب الاغتيال إلى تجميع خيوط ما حدث إلا أن ثغرات كبيرة ظلت قائمة
 
لا يزال اغتيال الرئيس الأمريكى الخامس والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية جون إف كينيدى، فى 22 من نوفمبر1963 فى دالاس، أكبر ألغاز العالم، ولقد ظلت الأسئلة هى نفسها منذ أكثر من ستة عقود، هل تم اغتيال الرئيس جون كينيدى على يد الغوغاء أم على يد مكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة الاستخبارات المركزية؟ هل المتهم بقتله كان له شركاء على النحو الذى يعتقده، وأعرب عنه الرئيس دونالد ترامب؟ هل أمر بالفعل مسئولو الخدمة السرية موكب جون كينيدى بالتباطؤ فى نفس المكان الذى كان ينتظره فيه لى هارفى أوزوالد؟ 
 
لقد تم إلقاء اللوم على كل هذه الأطراف وغيرها على مر الزمان لمساعدتها فى ارتكاب، أو على الأقل السماح بواحدة من أكثر جرائم القتل خطورة وغموضا فى التاريخ الأمريكى، ومن المحبط للغاية أن الوثائق الجديدة التى تم رفع السرية عنها -بموجب الأمر التنفيذى للرئيس دونالد ترامب - التى يبلغ عددها 80 ألف وثيقة والتى أصدرها الأرشيف الوطنى لم تفعل سوى القليل لكشف شبكة الادعاءات والادعاءات المضادة، لكنها لا تزال تمارس نوعا من التستر يحجب الحقيقة، بينما يراها آخرون «مفتاح القصة» الذى يقوض نظرية «الرجل المسلح المنفرد». لكنها برغم خطورة ما أماطت عنه اللثام لم تقدم إجابة قاطعة حول من قتل كينيدى؟ 
 
إن عملية الاغتيال تمثل جرحا غائرا فى الوعى الأمريكي، صدمة تلك اللحظة التى تجسد صورة مأساوية، وصفتها إحدى القصائد «رأس منحسر يحتضر.. والدم ينزف من جمجمته.. التاريخ كله صارخ فى هذا التدفق»، وترسم هذه الوثائق صورة أكثر تعقيدا بكثير من الرواية المألوفة عن «الرجل المسلح المنفرد». كيف تتحدى ملفات جون كينيدى التى رفع عنها السرية تلك النظرية الأولية عن الاغتيال؟ تشير وثائق وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالى، إلى وجود مؤامرة أوسع نطاقا فى اغتيال جون إف كينيدى.
 
الرجل المسلح الوحيد
ما نظرية «الرجل المسلح الوحيد»؟ تفترض تلك الرواية أن لى هارفى أوزوالد تصرف بمفرده فى اغتيال كينيدى، دون أى تدخل من أى متآمرين آخرين أو وكالات خارجية. ولكن الملفات التى رفعت عنها السرية، بما تتضمنه من معلومات عن الاتصالات الدولية، والإخفاقات الاستخباراتية، والنقاشات الداخلية، تتحدى تلك النظرية التبسيطية من خلال الإشارة إلى أن عملية الاغتيال كانت أكثر تعقيدا.
فلم يكن لى هارفى المتهم بالاغتيال مجرد شخصية غامضة، فقد راقبت المخابرات الأمريكية أنشطته الدولية عن كثب، ففى مدينة مكسيكو على سبيل المثال، راقبت المخابرات المركزية رجلا فى السفارة السوفيتية ادعى أنه أوزوالد، ومع ذلك ، لم تكن الأدلة متطابقة. يكشف أحد الملفات ما يلي:
صورة رجل يزور السفارة السوفيتية مدعيا أنه أوزوالد لم تتطابق مع مظهره المعروف، ومكالمات التنصت باللغة الروسية غير المتقنة زادت من الالتباس، ويشير هذا التناقض الصارخ إلى أن ما اعتقدته أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن مكان وجود أوزوالد ربما كان خاطئا.
 
فى هذه الأثناء، كان سلوك أوزوالد فى الاتحاد السوفيتى، بعيدا كل البعد عن المألوف. فعلى عكس معظم الحالات - التى اقتصرت على الأجانب العابرين أو الطلاب - وقع حدث نادر عندما غادر أوزوالد، المسلح الوحيد المزعوم، الاتحاد السوفيتى مع زوجته مارينا، وقد أشار اجتماع بين مسئول فى وكالة المخابرات المركزية وموظف فى لجنة وارن إلى ما يلي:
ومما زاد الأمر غموضا، أنه فى الأيام التى سبقت الثانى والعشرين من نوفمبر، ورد أن أوزوالد ألمح إلى «أمرٍ كبير». ويذكر أحد تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) بشكل مرعب: ألمح أوزوالد إلى «أمرٍ كبير» سيحدث قبل أسابيع من اغتيال جون كينيدي، ووصفه أحد المصادر بأنه كان «عصبيًا» و»مضطربًا»، حتى أنه حاول الاتصال ببافيل ياتسكوف، وهو مسئول استخبارات سوفيتى، مما مهد الطريق لسرد سيمتلئ لاحقًا بالشكوك.
 
ويأتى تطور آخر من مذكرة لوكالة المخابرات المركزية تشير إلى أن جاك روبى، المعروف بقتل أوزوالد على الهواء مباشرة على شاشة التليفزيون، ربما التقى أوزوالد قبل أسابيع من الاغتيال، ففى ظهيرة يوم 24 من نوفمبر تسلل روبى من بين مجموعة من المراسلين والمصورين فى قبو بمقر شرطة دالاس، وغرز مسدسا فى بطن أوزوالد المكبل بالأغلال، بينما كان المسئولون يستعدون لنقله إلى سجن شديد الحراسة. وكما شوهد على الهواء مباشرة، ضغط على الزناد فقتل أوزوالد على الفور، فى البداية نال جاك روبى قدرا من الشهرة بفعلته تلك، إذ أصبح بالنسبة إلى بعض الأمريكيين، قاتل القاتل، منتقما للرئيس الأمريكي، وعندما انتشر الخبر لأول مرة، عمت الهتافات فى شوارع دالاس، لكن بالنسبة لآخرين بدا أنه شخص متهور ومجرد أداة فى مؤامرة قتل عالمية.
تشير مذكرة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن مصدرًا أبلغ المحققين أن جاك روبى ولى هارفى أوزوالد التقيا قبل أسابيع من اغتيال جون كينيدى.
وتُظهِر سجلات مكتب التحقيقات الفيدرالى أن العملاء كانوا يراقبون عن كثب تفاعلات أوزوالد مع المنشقين السوفيت، الخبراء الذين فروا من الأنظمة الشيوعية، فى تكساس. تشير تفاصيل ما قبل الاغتيال هذه: إلى أن أوزوالد كان مرتبطًا بشبكات دولية أوسع نطاقًا وليس فردًا معزولًا.
 
أثناء وبعد الاغتيال 
فى 22 نوفمبر 1963، عندما أُطلق النار على الرئيس كينيدى، غرقت البلاد فى حالة من الفوضى، وسرعان ما تم تحديد هوية أوزوالد كمطلق النار، مما رسخ رواية «المسلح المنفرد»، إلا أن القصة اتخذت منعطفًا دراماتيكيًا آخر بعد ذلك بوقت قصير عندما أطلق جاك روبي، الرجل ذو الصلات الوثيقة بعصابات المافيا، النار على أوزوالد وأرداه قتيلًا على الهواء مباشرة.
كشفت سجلات مكتب التحقيقات الفيدرالى لاحقًا عن مخاوف عميقة بشأن خلفية روبي. ينص أحد الملفات صراحةً على ما يلي: «إن ارتباط روبى بالمافيا جعل الناس يعتقدون أن اغتيال جون كينيدى، كان جزءًا من مؤامرة أكبر» وعلاوة على ذلك، أضافت رواية أحد المخبرين طبقة أخرى من الغموض: قال روبى «إنه كان عليه قتل أوزوالد»!
تشير هذه الملاحظات إلى أن تصرفات روبى ربما لم تكن عفوية كما كان يُعتقد فى السابق، مما يثير تساؤلات حول الضغوط والتأثيرات التى كانت وراء أفعاله.
فى أعقاب الاغتيال، سارعت وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى تجميع خيوط ما حدث، فإن ثغرات كبيرة ظلت قائمة. إن عدم القدرة على تأكيد هوية أوزوالد فى مدينة مكسيكو، والذى تجلى فى صور غير متطابقة ومكالمات روسية «مُفبركة»، ترك شكوكًا مستمرة حول موثوقية البيانات التى جُمعت. ولا تزال هذه الفجوة تُذكرنا بشدة بوجود ثغرات محتملة فى التحقيق.
ظهرت أيضًا نقاشات داخلية، تضمنت مذكرة داخلية مثيرة للجدل، تحمل ختم «19 يوليو 1967»، تتعلق بجون جاريت أندرهيل، عميل الاستخبارات السابق، وصمويل جورج كامينجز، وهو مستشار ذو علاقات عسكرية وثيقة، ادعاءات استفزازية: فى اليوم التالى للاغتيال، غادر غارى أندرهيل واشنطن مسرعًا. وفى وقت متأخر من المساء، وصل إلى منزل أصدقائه فى نيوجيرسي، كان فى غاية الانفعال. صرّح بأن زمرة صغيرة داخل وكالة المخابرات المركزية هى المسئولة عن الاغتيال، وأنه فى خطر محدق، ظن أنه سيضطر على الأرجح إلى مغادرة البلاد.
كان ج. جاريت أندرهيل عميلاً استخباراتياً خلال الحرب العالمية الثانية، وكان رائداً متقاعداً فى استخبارات الجيش، زعم أصدقاء أندرهيل وكومينجز أن المسدس الذى استخدمه أوزوالد - وهو من طراز كاركانو الإيطالى المزعوم - اشتراه أوزوالد بنفسه. ورغم أن هذه المذكرة تستند إلى تقرير نشرته مجلة رامبارتس، فإنها تظهر أن حتى المطلعين كانوا يهمسون بشأن مؤامرات محتملة.
تكشف الملفات أيضًا عن عالم العمليات السرية المعقد، تُفصّل إحدى الوثائق عمل مواطن كوبى تحول إلى جاسوس، بنى شبكة واسعة فى هافانا: قام AMFAUNA، وهو مواطن كوبي، ببناء شبكة تضم أكثر من 20 عميلاً فرعياً، وأرسل 140 رسالة سرية، وحُذِّر من أنه «قد يقع يوماً ما فى فخ، مُستدرجاً من قِبل العصابات الكوبية». وتسلط هذه العملية الضوء على طبيعة المخاطر العالية التى اتسمت بها عمليات التجسس فى الحرب الباردة، حيث كانت الاستخبارات الأمريكية متورطة فى أنشطة سرية محفوفة بالمخاطر.
 
التفاؤل الحذر
الخبراء فى عمليات الاغتيال برغم تفاؤلهم، فإنهم متشككون بشأن توقيت نشر تلك الملفات السرية، هل يحمل دلالة أو رسالة ما؟ ويتوقع البعض أن تثير تلك الخطوة وتواجه مقاومة من مجتمع الاستخبارات، وصرح عدد من الخبراء الذين أمضوا عقودا فى دراسة عملية اغتيال الرئيس جون كينيدى وبعض أبرز الباحثين لشبكة «إيه بى سى نيوز»، أنهم لا يعلقون آمالا كبيرة على الأمر الذى أصدره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الخاص بالإفراج عن الوثائق.
المؤلف جيفرسون مورلى كتب عبر موقعه الإلكترونى jfkfacts.org قائلا» يعتبر هذا الأمر خطوة جيدة، لكنه يحتوى على ثغرات». وفى إشارة إلى اللغة الواردة فى أمر ترامب، والتى تدعو إلى خطة للإفراج عن هذه الوثائق، أعرب مورلى عن مخاوفه من استمرار التباطؤ داخل مجتمع الاستخبارات بشأن نحو 3600 وثيقة فى مجموعة جون كينيدى بالأرشيف الوطنى، والتى لا تزال تحتوى على تعديلات، وقال مورلي: «لم تتعاون هذه الوكالات مع القانون، ولا مع الكونجرس، ولا مع أى جهة أخرى على مدار الستين عاما الماضية، ولن تتوقف هذه المقاومة للإفصاح الكامل بمجرد إصدار ترامب أمرا رئاسيا».
يقول المحامى لارى شناف، المقيم فى نيويورك، الذى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة فى الماضى لإجبارها على الإفراج عن وثائق جون كينيدي، إن سنوات من الخبرة فى مكافحة جهاز الأمن القومى المتردد تشكل مصدر تشككه، قال شناف: «نأمل أن تكون هذه خطةً آلية، ولكن إذا كانوا سيجرون مراجعةً جوهريةً لكل وثيقة على حدة، فسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل نشر السجلات». ويخشى شناف أيضًا من أن النقص الحالى فى المعينين المؤكدين من قبل ترامب فى أدوار رئيسية فى وكالات الاستخبارات، قد يؤدى إلى إبطاء الكشف عن المعلومات، وقال شناف « أعتقد أننا سنواجه تأخيرا أوليا على أى حال».
 
رحلة الوثائق
فى عام 1992، أقرّ الكونجرس قانونًا يُلزم بالكشف الكامل عن وثائق جون كينيدى بحلول عام 2017. لكن القانون سمح أيضًا باستثناءات، إذا أقرّ الرئيس بأن الكشف عن هذه الأسرار سيُلحق «ضررًا واضحًا» بالأمن القومي، وحتى مع إشرافهما على نشر عشرات الآلاف من الصفحات، رضخ كلٌّ من دونالد ترامب وجو بايدن لمخاوف وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالات أخرى، من ضرورة إبقاء آلاف الوثائق الأخرى محجوبة.
 
وفى مذكرة موجهة إلى البيت الأبيض فى ديسمبر 2022، كتب كبير مسئولى البيانات فى وكالة المخابرات المركزية، أن «التحرير المحدود» لا يزال ضروريا للحفاظ على سرية أسماء موظفى وكالة المخابرات المركزية، وأصول الاستخبارات، والمصادر والأساليب التى لا تزال قيد الاستخدام، فضلا عن «برامج العمل السرية التى لا تزال سرية ولا تزال سارية المفعول».
 
ويبدو أن المؤلف جيرالد بوسنر، الذى كتب كتاب «القضية مغلقة: لى هارفى أوزوالد واغتيال جون كينيدي» عام 1993، أقل تشاؤما مقارنة بأغلب الخبراء بشأن توقيت الإفراج عن هذه الوثائق. وقال بوسنر: «ترامب يحب ألا يهان أو يظهر كأن سلطته محدودة، وإذا عادت الوكالات وأرادت التمسك بالمعلومات هذه المرة، فسيكون طريقها أكثر صعوبة».
 
ويتفق بوسنر والخبراء الآخرون على أن وكالة الاستخبارات المركزية من المرجح أن تشعر بالحرج من هذه التسريبات، حيث من المتوقع أن تسلط الوثائق المحررة المزيد من الضوء على تعقب وكالة التجسس للى هارفى أوزوالد منذ وقت مبكر من عام 1959، المراقبة التى تكثفت فى الأشهر التى سبقت وفاة كينيدى عندما سافر أوزوالد إلى مدينة مكسيكو سيتى.
 
وقال مورلى: «فى عالم مثالي، كنا سنصل إلى حقيقة هذه القصة من خلال معرفة المزيد عن الضباط الذين راقبوا أوزوالد، والمزيد عن عمليات وكالة المخابرات المركزية التى أحاطت بأوزوالد وهو يتجه نحو دالاس»، واصفا ملفات وكالة المخابرات المركزية بأنها «مفتاح القصة».
 
وقال روبرت كينيدى جونيور فى بيان «إن إستراتيجية الكذب والسرية والتضليل والرقابة والتشهير التى استمرت 60 عامًا، التى استخدمها مسئولو الاستخبارات لإخفاء وقمع الحقائق المزعجة حول اغتيال جون كينيدى، قد وفرت الدليل لسلسلة من الأزمات اللاحقة»، مشيرًا إلى مقتل روبرت كينيدى ومارتن لوثر كينج، والحروب فى فيتنام والعراق، وهجمات 11 سبتمبر، وطريقة تعامل الحكومة مع كوفيد- 19.
وأضاف: «لقد أدى كل منها إلى تسريع عملية تقويض ديمقراطيتنا النموذجية، من خلال المجمع الصناعى العسكرى ودفعنا بقوة نحو طريق الاستبداد». المذكرة، التى تم رفع السرية عنها بالكامل لأول مرة أمس، هى جزء من الإصدار النهائى للسجلات المتعلقة باغتيال كينيدى، بموجب قانون جمع سجلات اغتيال كينيدى لعام 1992، وبموجب توجيه من الرئيس ترامب فى 23 يناير، أصدرت الأرشيفات الوطنية 2182 سجلاً (63400 صفحة) فى شريحتين مساء يوم 18 مارس، وأشارت إلى أنه سيتم إصدار المزيد منها مع رقمنتها، ومن ثم تكشف وثائق وكالة المخابرات المركزية غير المحررة، عن أسماء وعملاء ودول ونفقات وعمليات سرية للغاية فى أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى. 
 
وفى 19 مارس 2025، يوم تنصيب الرئيس جون كينيدى يناير 1961 كان «47 فى المائة من الموظفين السياسيين العاملين فى سفارات الولايات المتحدة من عملاء المخابرات الذين يعملون تحت غطاء دبلوماسى يُعرف باسم المصادر الأمريكية الخاضعة للرقابة»، حسبما أفاد مساعد البيت الأبيض، آرثر شليزنجر الابن، فى مذكرة سرية للغاية حول «إعادة تنظيم وكالة المخابرات المركزية». فى السفارة الأمريكية فى باريس، كان 123 «دبلوماسيًا» فى الواقع عملاء سريين لوكالة المخابرات المركزية؛ وفى تشيلي، كان 11 من أصل 13 «مسئولًا سياسيًا» فى السفارة عملاء سريين لوكالة المخابرات المركزية. وأفاد شليزنجر للرئيس كينيدى: «لدى وكالة المخابرات المركزية اليوم عدد من الأشخاص تحت غطاء رسمى فى الخارج تقريبًا مثل وزارة الخارجية - 3900 إلى 3700». «يعمل نحو 1500 منهم تحت غطاء وزارة الخارجية (ويفترض أن 2200 الآخرين يعملون تحت غطاء عسكرى أو غير رسمى آخر غير حكومي)». (الوثيقة 1)
 
يتضمن الإصدار الجديد مئات من سجلات وكالة المخابرات المركزية، بالإضافة إلى وثائق البيت الأبيض ومجلس الأمن القومى المتعلقة بالعمليات السرية فى الخارج، لا سيما فى دول أمريكا اللاتينية مثل كوبا والمكسيك، وهما من المعالم البارزة فى تاريخ اغتيال كينيدى، نُشر معظمها سابقًا، لكن مع تعديلات جوهرية لحماية مصادر وأساليب الاستخبارات والعمليات السرية فى الخارج من الكشف، ولأول مرة، تُنشر هذه السجلات المتعلقة بالعمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية دون رقابة.
 
قال بيتر كورنبلوه، كبير المحللين فى أرشيف الأمن القومي، الذى درس عمليات وكالة المخابرات المركزية لعقود: «لا شك أن قانون سجلات جون كينيدى قد عزز المعرفة العامة بعمليات وكالة المخابرات المركزية السرية، من استهدفت، وكيف أُجريت، ومن نفذها؟ أكثر من أى رفع للسرية فى تاريخ الوصول إلى المعلومات». وأضاف: «لولا هذا القانون وتطبيقه على مدى السنوات السبع والعشرين الماضية، لكانت هذه الملفات العملياتية لوكالة المخابرات المركزية، ستبقى على الأرجح سرية للغاية إلى الأبد».
 
أقر الكونجرس قانون JFK لعام 1992 فى أعقاب ضجة عامة حول الفيلم الذى اخرجه أوليفر ستون الشهير، الذى يدور حول نظرية المؤامرة الخاصة باغتيال جون كينيدى JFK، الذى قام ببطولته كيفن كوستنر، وقد أشارت هيئة مراجعة سجلات الاغتيال (ARRB) فى تقريرها النهائى إلى أن «الشكوك التى خلقتها سرية الحكومة، قوضت الثقة فى صدق الوكالات الفيدرالية بشكل عام وأضرت بمصداقيتها»، «وأخيرًا، بعد إحباطه من نقص الوصول وانزعاجه من استنتاجات فيلم JFK لأوليفر ستون، أقر الكونجرس قانون جمع سجلات اغتيال الرئيس جون إف كينيدى لعام 1992 (قانون JFK)، والذى يفرض جمع وفتح جميع السجلات المتعلقة بوفاة الرئيس».
 
بعد إقرار قانون جون كينيدى، لعب أرشيف الأمن القومى دورًا فى إسداء المشورة إلى مجلس الرقابة المكون من خمسة أعضاء وموظفيه لوضع تعريف شامل للوثيقة «المتعلقة بالاغتيال»، وأصدر مجلس مراجعة الأرشيف قرارًا بالإفراج الكامل عن آلاف الوثائق المتعلقة، ليس فقط بالجريمة المباشرة، بل أيضًا بالعمليات السرية وعمليات التجسس فى كوبا والمكسيك، من بين دول أخرى، وعمليات مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) والمافيا. وحتى الآن، كشفت هذه الوثائق عن عدد لا يحصى من المعلومات، حول تاريخ عمليات وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
 
كتب أعضاء لجنة مراجعة سجلات الاغتيال فى رسالة إلى الرئيس كلينتون فى سبتمبر 1998، عند تقديم تقريرهم النهائى: «لقد بذلت لجنة المراجعة جهودًا حثيثة للحصول على جميع السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس كينيدى، ولإتاحة هذه السجلات على أوسع نطاق ممكن للشعب الأمريكي»، وأضافوا «لقد فعلنا ذلك على أمل أن يُلقى نشر هذه السجلات ضوءًا جديدًا على اغتيال الرئيس كينيدى، ويُثرى الفهم التاريخى لتلك اللحظة المأساوية فى التاريخ الأمريكي، ويُساعد فى استعادة ثقة الجمهور فى تعامل الحكومة مع الاغتيال وتداعياته»، بدأ أرشيف الأمن القومى للتو، بفرز هذا الكنز من الاكتشافات الجديدة. 
 
خطة تفكيك المخابرات
إن نشر خطة تفكيك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1961 يعيد إحياء نظريات المؤامرة القديمة حول من قتل كينيدي. حذر مستشار رئيسى للرئيس جون كينيدى، بعد واقعة خليج الخنازير، من أن الوكالة التى تقف وراءه، أى وكالة المخابرات المركزية قد ازدادت نفوذا، واقترح منح وزارة الخارجية السيطرة علي»جميع الأنشطة السرية» وتفكيك وكالة المخابرات المركزية!
كانت صفحة مذكرة المساعد الخاص آرثر شليزنجر الابن، التى تلخص المقترح، من بين المواد المنشورة حديثا فى وثلئق كينيدي. كما انتشر تصريح شليزنجر: بأن ٪47 من المسؤولين السياسيين فى السفارات الأمريكية يخضعون لسيطرة وكالة المخابرات المركزية. ويرى بعض قراء المواد التى حجبها سابقا فى مذكرة شليزنجر المكونة من 15 صفحة أنها دليل على عدم الثقة بين كينيدى ووكالة الاستخبارات المركزية، وسبب لعدم جعل وكالة الاستخبارات المركزية على الأقل أمن كينيدى أولوية قصوى قبل اغتياله فى دالاس فى 22 من نوفمبر. كما يقوم المؤرخون والصحفيون وخبراء عالم الجاسوسية وجرائم الاغتيالات، وأصحاب نظريات المؤامرة بفحص تلك الملفات والوثائق بحثا عن تفاصيل جديدة: قد تغير الرواية الأصلية التى تنص على: لقد تصرف المسلح لى هارفى أوزوالد بمفرده فى اغتيال كينيدى. 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام