رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الثلاثاء 22 ابريل 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
ثقافة
يعبر عن مقاومة كل ما هو خارجى.. أدب الحواس فى الشرق والغرب
28-3-2025
|
01:57
عزمى عبد الوهاب
تأثر طه حسين بهذه المحنة لأنه أحس من بعض إخوته بالسخرية منه
الطفلة فى «مساج» لم تكن تريد شفقة تعمق لديها الأزمة الخاصة بكف البصر
«صرخة النورس» أول رواية مترجمة للمكفوفين تصدر فى مصر
«أحدب نوتردام» تتناول واحدا من «ذوى الهمم» وتدور أحداثها عام 1482 فى الكنيسة الشهيرة
«فى كل أسبوع يوم جمعة» يقدم إبراهيم عبد المجيد نموذج “المنغولى” كمحور حاضر فى الحوار والسرد والحدث يتحدث العالم عن ذوى القدرات الخاصة أو الاحتياجات الخاصة، ويبحث عن اسم أو لقب يرفع عنهم الحرج أو الضيق، فاستقر أخيرا على إطلاق اسم “ذوى الهمم” على أولئك الصغار الذين تعرضوا لمحنة فى حواسهم، وأبدعوا فى إطارها فى شتى المجالات، من الأدب إلى الموسيقى، فى مختلف أركان المعمورة، فهل يعقل أحد أن “بيتهوفن” الذى تجاوزت موسيقاه الآفاق، وحلقت فى أماكن لا تخطر على بال صاحبها، وقت إبداعها، كان “أصم” لم يسمع جملة موسيقية واحدة من تلك التى جعلت العالم كله يفتح فاه، إعجابا من فرط السحر.. أيضاً كان مصطفى صادق الرافعى، كاتب المحكمة الأصم فى طنطا، يرسم بريشته صورا قلمية، عاشت على مدى الدهر، ويخوض المعارك الأدبية مع عتاة الإبداع، وعلى رأسهم العقاد الذى كان كثيرون يتجنبون الاشتباك معه، كذلك كان الشاعر محمود أبو الوفا، الذى غنى من قصائده محمد عبد الوهاب، أشهر أغانيه: “عندما يأتى المساء” مصابا بالعرج.
وغير هؤلاء كثيرون قدموا للبشرية شيئا تستظل به من هجير الصحراء، هناك أبو العلاء المعرى، رهين المحبسين، وقد جدد ذكراه طه حسين، فى أكثر من كتاب، وكان هو الآخر يعانى من آفة شبيهة، لكنه انتصر عليها، وقدم درسا عميقا للبشرية، وشاعر اليونان هوميروس وملحمته الشهيرة “الإلياذة والأوديسة” التى ألهمت العالم شرقا وغربا، بورخيس الأرجنتينى المؤثر فى أغلب كتاب القصة فى العالم كله، إذا فتحنا باب التسجيل، فلن نكف عن الرصد، أيضا اليمنى الكبير عبد الله البردوني، ولدينا فى الموسيقى الشيخان سيد مكاوى وإمام عيسى وعمار الشريعى.
فى الرواية الصينية “مساج” كانت الطفلة الكفيفة تعزف للحضور مقطوعة موسيقية صعبة لـ”باخ” فشلت فى عزفها بدقة، لكنها فوجئت بمبالغة الحضور فى التصفيق لها، والثناء عليها، وقالت: علمت بعد ذلك أن الناس ينظرون للكفيف على أنه أتى إلى العالم، كى يثير الشفقة فقط، وهذا ما جعلنى أترك العزف بعد ذلك.
الطفلة فى الرواية الصينية لم تكن تريد شفقة من أحد، لأن مثل هذه المشاعر تعمق لديها الأزمة الخاصة بكف البصر، فى حين أن د. طه حسين فى أوائل القرن الماضي، ربما كان يبحث عن نوع من الشفقة فى أصوات ممتحنيه، وهو طفل، حين سعى للالتحاق بالأزهر، فقد غيرت مساره ومشاعره تماما جملة الممتحن القاسي: “اقرأ سورة الكهف يا أعمى” وإن أدرك فيما بعد أنه كان فى حاجة إلى أشياء أخرى، حتى يستطيع تجاوز محنته.
رواية “مساج” للكاتب الصينى “بى فى يو” إحدى الروايات التى نالت إعجاب الكثيرين، وتحولت إلى فيلم سينمائى نال عدة جوائز، تدور أحداثها حول مجموعة من المكفوفين، يحترفون نوعا من التدليك، عبارة عن تدليك علاجى يختلف عن التدليك العادى المتعارف عليه.
وتكشف الرواية عن الحياة الواقعية التى يعيشها الكفيف وسط عالم رحب، لكنه يشعر بأنه ضيق، حالك السواد، وتعكس الرواية نظرة المجتمع الصينى إلى الكفيف، وتضع يدها على نقطة حساسة فى حياة الكفيف، تتعلق بضرورة الاتكاء على عالمه الداخلي، فى كسب قوته، دون مساعدة من أحد.
بطريقة برايل
عندما طبعت “الأيام” للدكتور طه حسين، بطريقة برايل قال فى المقدمة: “ليس أحب إلى نفسي، ولا أحسن موقعا فى قلبي، من أن يقدم هذا الكتاب إلى زملائى وأصدقائى فى المحنة، ولا أرى فيها قسوة أو شيئا يشبه القسوة، وإنما هى آفة من الآفات الكثيرة، التى تعرض لبعض الناس فى حياتهم، فيؤثر فيها تأثيرا قويا أو ضعيفا، والذين يقرؤون هذا الحديث من المكفوفين، سيرون فيه حياة صديق لهم فى أيام الصبا، تأثر بمحنتهم قليلا، حين عرفها، وهو لم يعرفها إلا حين لاحظ ما بينه وبين إخوته من فرق فى تصور الأشياء وممارستها.”
كتب طه حسين فى المقدمة ظروف كتابة “الأيام” بضمير الغائب، وفسر الأمور على نحو نفسي، يستبطن الحالة التى كان عليها، طوال سنوات محنته: “وقد تأثر بهذه المحنة تأثرا عميقا قاسيا، لا لشىء إلا لأنه أحس من أهله رحمة له وإشفاقا عليه، وأحس من بعض إخوته سخرية منه وازدراء له، ولو قد عرف أهله كيف يرعونه دون أن يظهروا له رحمة أو إشفاقا، ولو كان الناس يعرفون رقى الحضارة وفهم الأشياء على حقائقها، بحيث لا يسخرون من الذين تعتريهم بعض الآفات، لا يرثون لهم، ولا يظهرون لهم معاملة خاصة يتكلفونها، ولو قد كان من هذا كله، لعرف ذلك الصبى وأمثاله محنتهم فى رفق، واستقامت حياتهم بريئة من التعقيد، كما تستقيم لكثير غيرهم من الناس”.
هذه المقدمة أملاها طه حسين فى 15 ديسمبر 1954 على من نشرها بطريقة برايل الخاصة بالمكفوفين، أما “برايل” نفسه فقد ولد عام ١٨٠٩ بالقرب من باريس، وكان أبوه يصنع أدوات الخيل، وفى أحد الأيام حاول الابن أن يقلد والده، فأخذ السكين، ليقطع به الجلد، فأفلت وأصاب إحدى عينيه، وبعدها قضت العدوى على العين الأخرى.
وفى العاشرة من عمره حصل على منحة تعليمية، وكانت الكتب التى تستعمل فى المدرسة، تطبع على ورق سميك بأحرف عادية، تضغط على الورق من جهة، لتبرز من الجهة المقابلة، يلمسها الكفيف بيديه، ولم يجد “برايل” فى استخدامها ما يشبع رغبته، فأخذ يفكر فى طريقة تجعله يقرأ بسهولة.
سمع “برايل” أن ضابطا فرنسيا ابتكر طريقة جديدة، يستطيع بها الجنود تلقى الأوامر فى الظلام، وذلك بأن يبرز على ورق سميك أشكالا من النقط أقصاها 12 نقطة يعبر كل منها عن أمر ما، وكانت هذه شرارة، إذ عكف “برايل” على الأمر، ليصل فى عام 1824 إلى الاكتفاء بست نقاط بدلا من واحدة، وألف حروف الهجاء والعلامات الرياضية والموسيقية وغيرها.
لغة الإشارات
كانت رواية “صرخة النورس” أول رواية مترجمة للمكفوفين، تصدر فى مصر، وتتناول السيرة الذاتية لـ”إيمانويل لابورى” وهى فتاة فرنسية صماء، استطاعت أن تتخطى محنة العزلة والإعاقة بالتصميم على النجاح.
تشير المترجمة دينا مندور إلى أن المؤلفة نقلت تجربتها فى الرواية للمطالبة بحقوق الصم، حتى إنها خرجت فى تظاهرات فى فرنسا، للمطالبة باعتماد لغة الإشارات، حتى اعترف القانون الفرنسى بهذه اللغة.
مع بداية دراستها فى مدرسة للصم، تفاهمت المؤلفة هى وأصدقاؤها بلغة الإشارات، التى كانت محرمة فى فرنسا، حيث كان يعتبرها الفرنسيون لغة غير مهذبة، لأنها لغة أصابع.
بدأت “لابورى” التمثيل وهى طفلة وشاركت فى مسرحية أطفال الصمت، ونالت جائزة موليير للمسرح وهى فى سن المراهقة، وكانت أول صماء تحصل على هذه الجائزة، وأصبحت سفيرة لغة الإشارات فى فرنسا، وكانت تشارك فى المحافل الدولية، للتعبير عن مطالب الصم والبكم، وعن قدرة الإنسان على التحدى.
وفى إحدى الندوات التى خصصت لمناقشة الرواية قارن البعض بين ذلك العمل وبين “الأيام” لطه حسين، فرأت د. منى طلبة - الأستاذ بجامعة عين شمس- أن هذا الكتاب يعد فريدا من نوعه، لأنه يكتب سيرة ذاتيه لامرأة صماء.
وهناك تشابهات بينه وبين “الأيام” تتمثل فى الكتابة عن الطفولة، لكن طه حسين ارتفع بذاته، حيث استخدم ضمير الغائب فى الحكاية، لأنه يقدم ذلك إلى جيل قادم، بغرض أن تكون سيرته مشروعا نهضويا، أما مؤلفة هذه الرواية فهى لم تكتب هذا النص وحدها، حيث ساعدتها شقيقتها فى الكتابة.
القضايا التى تتضمنها رواية “صرخة النورس” تختلف عن القضايا التى ركز عليها طه حسين، وتلك القضايا هى هوية الأبكم ورفض الإعاقة، وطرح القضية على مستوى سياسى واجتماعى، ولفت الانتباه إلى أن هناك وسائل أخرى للتواصل فى العلاقة بالآخر، وهى تعرفها لأنها صماء، فقد رفضت أن ينظر لإعاقتها على أنها قصور، لا على أساس أنها قوة، مؤكدة أن الكلام ليس أساس التواصل.
الرواية حافلة باللحظات الإنسانية المؤثرة، خصوصا تلك التى تمثل علامات فارقة فى حياة إيمانويل، ومن ذلك عندما تعلمت لغة الإشارة، وأدركت أنها تستطيع أن تقدم نفسها مثل الأطفال العاديين إلى الآخرين، فقبل سن السابعة لم تكن تتحدث إلا إلى أمها بلغة بدائية، تتكون من بعض الحركات، تعلمت لغة الإشارة وهى فى سن السابعة، وهى اللغة التى أتاحت لها الانفتاح على العالم.
عيد الحمقى
تعد رواية “أحدب نوتردام” لفيكتور هوجو أول رواية تتناول أحد “أصحاب الهمم” وتدور أحداثها عام 1482 فى الكنيسة الشهيرة، والمنطقة المحيطة بها فى باريس، احترقت الكنيسة تماما فى حادث مأساوى شديد، منذ سنوات، لكن بقى فى ذاكرة الأجيال والورق، “كازيمودو” ذلك الأحدب، الذى يعمل فى قرع أجراس الكنيسة العملاقة، حتى أصابته أصواتها بالصمم، فصارت الكنيسة عالمه الوحيد، لا يربطه بالعالم خارجها سوى رئيس القساوسة، الذى كان يصحبه إلى الخارج فى بعض الأحيان، وكان الجميع يتجنبونه، أو يسخرون منه.
فى الاحتفال بـ”عيد الحمقى” شاهد الأحدب “أزميرالدا” الغجرية الحسناء، التى سحرت قلوب الجميع، وأولهم رئيس القساوسة نفسه، ليأمر الأحدب بخطفها، لكنه يفشل، ويصدر الحكم بجلده فى الساحة العامة، بسبب جريمته، لتُشاهد الحسناء الأحدب المسكين، وهو يعانى من الآلام والعطش، فتعطف عليه وتقوم بإعطائه جرعة ماء، ما فعلته “أزميرالدا” كان تحولا كبيرا فى حياة الأحدب، فقد كانت أول من يعطف عليه فى حياته، ما جعله يقع فى حبها.
هموم شخصية
فى سنة 1967 كتب الروائى اليابانى “كينزا بورو” الحاصل على جائزة نوبل عام 1994 رواية “الصرخة الصامتة” وهى تمثل تيارا بدأ بروايته “هموم شخصية” وجسد من خلاله علاقته بابنه المعاق ذهنيا، وهناك رواية “علينا أن نتجاوز جنوننا” ويجسد فيها معاناته، ومحاسبته لذاته على الأخطاء، التى ارتكبها فى حق ابنه.
وحين سئل عن ظهور ابنه كثيرا فى رواياته، قال: أصبحت الكتابة عنه إحدى ركائز تعبيرى الأدبى، إننى أكتب عنه، لأبين كيف يدرك شخص معاق ذاته، ومدى صعوبة ذلك، حين كان صغيرا أخذ يعبر عن نفسه – عن إنسانيته - عبر الموسيقى، وعند مرحلة معينة كان بوسعه أن يعبر عن مفاهيم، مثل الحزن من خلال الموسيقى، لقد دخل فى عملية إدراك للذات، واستمر فى المضى على هذا الطريق.
وفى عام 1999 فاز الروائى الألمانى جونتر جراس بجائزة نوبل فى الآداب، وكانت روايته “الطبل الصفيح” هى الجزء الأول ضمن ثلاثية، تجرى أحداثها قبيل وخلال الحكم النازى فى ولاية مستقلة على الحدود الألمانية البولونية، وتروى الرواية قصة طفل يدعى أوسكار، يقيم فى مصحة للأمراض العقلية، عند بلوغه الثالثة من عمره، تجمد نموه الجسدي، وبدأ مشواره فى الحياة على شكل قزم “بغية التحرر من أساليب التفريق التى تقوم بها التعاليم كبيرها وصغيرها” قرار أوسكار هنا ذو أبعاد دينية وفلسفية.
تعبر الإعاقة عن رغبة أوسكار فى مقاومة كل ما هو خارجى، باعتبار أن البالغين الذين لا يعانون ظاهريا من إعاقة هم المعاقون الحقيقيون، لذا وجبت مقاومتهم، حتى لو كان الثمن المزيد من العزلة، أوسكار طفل عصفت به خيبة الأمل من عقلية الكبار، فانطلق مسلحا بطبله الصفيح وحنجرته، الطبل له وقع سحرى على سامعيه، والحنجرة لها القدرة على تكسير الزجاج، وكلاهما سلاح يستعمله للتمرد على وضع قائم وللانتقام.
خارج العقل
“ميلودي” بطلة رواية “خارج عقلي” للكاتبة “شارون م. درابر” تبلغ من العمر 11 عاما، وتتمتع بذاكرة فوتوغرافية، فدماغها يعمل مثل كاميرا، تقوم بالتسجيل دائما، ويعتقد معظم الأشخاص أنها غير قادرة على التعلم، لكنها تحب الموسيقى، كما تحب الكلمات واللغة، وهى غير قادرة على الكلام، لأن لديها شللا دماغيا، وهذا يعنى أن جسدها متصلب، وتواجه صعوبة فى السيطرة عليه.
تبدأ الرواية عندما تكون “ميلودي” طفلة، ويلاحظ والداها أن جسمها لا ينمو، وإن كان عقلها ينمو بسرعة، ويتم وضعها مع أطفال آخرين من أصحاب الهمم، فتحظى بالاحترام فى مجتمعها التعليمى الجديد، وتشعر بإحساس أفضل، وتدرك ما هو الأهم بالنسبة لها، وتنهى الرواية بالطريقة التى بدأت بها، وتكتب سيرتها الذاتية عن حبها للغة والكلمات.
حين سئلت المؤلفة: لماذا اخترت أن تكتبى “خارج عقلى” عن طفلة من ذوى الهمم؟ قالت: ماذا لو كنت بارعا لكنك لم تستطع التواصل مع الآخرين؟ لدى ابنة من ذوى الهمم، أنا متأكدة أنها ذكية حقا، لكننى أمها، بالطبع أريد أن أصدق ذلك، لذلك ابتكرت “ميلودى” ليس كصورة لابنتي، لكن كشخصية تمتلك كيانها الخاص.
وعندما كَتبت القصة، كنت أصر بشدة على ألا يشعر أحد بالأسف تجاهها، لذا حاولت أن أجعلها شخصية لا تُنسى، ولا يجرؤ شخص أن يشعر بالأسى تجاهها، الأطفال أصحاب الهمم مثلهم مثل أقرانهم، يريدون أن يتم قبولهم، وأن يكون لديهم أصدقاء، وأن يتم إدراجهم فى الحياة الاجتماعية، لقد أعطيتها صوتا لإظهار إنسانيتها.
شخصية محورية
فى رواية “ليلة عرس” للروائى الراحل يوسف أبو رية، شخصية محورية لصبى جزار، أصم وأبكم، مطلع على أسرار وخبايا الحياة السرية لجيرانه، وعبر لغة الإشارة يفضح المسكوت عنه، ليقلقل الهدوء الظاهرى للمجتمع الريفى فى الرواية، فهو يستعيض عن خرسه بعين كالسكاكين: “إنك تقدر المسافات بما ترى عيناك لا بما تسمع أذناك” موقعه الهامشى على المستويين الاجتماعى والاقتصادي، يزوده بحرية كبيرة، ويتيح له أن يرى ما لا يراه الآخرون.
وفى روايته “فى كل أسبوع يوم جمعة” يقدم إبراهيم عبد المجيد نموذج “المنغولى” كمحور أصيل حاضر فى الحوار والسرد والحدث، إذ اصطلح على تعيين وجوده فى دائرة مغلقة، تقبع خارج منظومة العقلى والإنسانى والاجتماعى، إضافة إلى مكتسبات الثقافة التى علمتنا أن التعامل مع هذه النماذج يكون محفوفا بهالة من الإشفاق واكتساب الثواب، لكن حضور المنغولى فى الرواية لم يكن محفوفا بالشفقة، بقدر ما كان محفوفا بالغرائبية، إذ تكلل بنزعة عدوانية غير واعية، فهو فى النص يحب ويكره، ويقتل ويحلم ويبكى، نموذج مكتمل المشاعر، قادر على الاختيار، وقد حضر فى النص بجوهره الإنسانى الكامل، ذلك الجوهر الذى يتحول بحسب ميل السلطة، التى تحركه، وتسهم فى تحولاته، عندما جعلت منه قاتلا، دون وعى منه.
هناك نموذج لافت فى الثقافة المصرية ونقصد به الكاتب صبحى الجيار (27 فبراير 1927– 25 فبراير 1987) الذى أصيب وهو فى الرابعة عشرة من عمره بمرض تيبس المفاصل، ما جعله لا يستطيع المشى أو الجلوس، كل ما كان يفعله هو أن ينام على ظهره، ويحرك نصف ذراعه الأيمن.
وهكذا قضى عمره نائما فى السرير، بسبب المرض، وسافر إلى لندن للعلاج، وفشلت رحلة علاجه، ورغم الظروف الصعبة أصدر ثلاث مجموعات قصصية، وسيرته الذاتية “ربع قرن فى القيود” فى ثلاثة أجزاء، وقد تمكن من إنهاء الجزء الثالث منها، فى العام الذى رحلت فيه هيلين كيلر، التى تمكنت هى الأخرى من قهر الإعاقة.
مطربة الزهور
كانت “شافية أحمد” فنانة كفيفة تربت فى “حوش أدم” ووالدها كان مقرئا، نزح من السودان إلى الزقازيق، وكان يمتلك صوتا جميلا، ولما استقر فى القاهرة رزق بطفلته الوحيدة شافية، وكانت فاقدة للبصر فى 8 ابريل عام 1923 وحفظت القرآن الكريم فى طفولتها.
قام محمد القصبجى بتبنى موهبتها، وعندما نضجت بدأت بالغناء فى الإذاعة المصرية، وكان أول أجر لها فى الأفراح 150 قرشا فى عام 1942، وظل يرتفع إلى أن وصل إلى 125 جنيها عن ربع الساعة، وقد شاركت بالغناء فى 22 عملا سينمائيا.
“الجوز الخيل والعربية” أغنية ضمن أوبريت شاركت “شافية أحمد” بالغناء فيه مع سيد مصطفى وكارم محمود، وتم تصويرها فيما بعد، بطريقة الرسوم المتحركة، وفى أوبريت “الليلة الكبيرة” سمعنا مقطع: “يا أم المطاهر رشى الملح 7 مرات” بصوت “شافية” أيضا ولها الكثير من الأغنيات عن الورود، حتى إنها حازت لقب “مطربة الزهور”.
فى أواخر الخمسينيات، أصيبت شافية أحمد بمرض شديد فى حنجرتها، جعلها تتوقف عن الغناء عدة سنوات، قبل أن تعود مجددا فى مطلع الستينات، وذلك قبل أن تنسحب تدريجيا من الساحة الفنية، لتفارق الحياة فى 9 أغسطس عام 1983 عن عمر ناهز الـ 60 عاما.
كلمات بحث
أدب الحواس
طه حسين
صرخة النورس
أحدب نوتردام
ثقافة
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
عروض فنية وموسيقية على مسارح الدولة المختلفة.. مهرجان أبوظبى للثقافة والفنون
ماريو فارجاس يوسا.. طفولة مضطربة وأفكار متناقضة
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام