فنون وفضائيات



الكاتب الكبير محمد السيد عيد: أنا متفائل والقادم أفضل.. ومصر ولادة

28-3-2025 | 02:21
حوار أجرته - حسناء الجريسى

سعيد بخروج مسلسل «طلعت حرب» للنور بعد أن ظل حبيس الأدراج لسنوات
 
أنا مؤمن بالعقل والحرية والتقدم وأظهرت ذلك فى أعمالى 
 
الأسرة المصرية مازالت بخير ومتماسكة برغم كل التحديات 
 
عبد الوهاب البارودى أول من ساعدنى وغير مسار حياتى 
 
أنا أول من كتبت عن عالم نجيب سرور فى كتاب 
 
الكاتب الكبير محمد السيد عيد، المبدع المفعم بالأسرار والحكايات، التى لا نمل من سماعها، يملك رؤية استشرافية للواقع الثقافى فى مصر، تجعله يتفاءل ويبشرنا بمستقبل واعد للجيل الحالى من الكتاب والمبدعين، ذلك الكاتب الذى يملك مشروعا كبيرا، وهو الكتابة عن الشخصيات، التى أسهمت فى كتابة التاريخ الحديث، لتكون قدوة للأسر المصرية وللأجيال الجديدة، كان يحلم بخروج مسلسل طلعت حرب للنور، وكذلك مسلسل مصطفى كامل، لكن ظروف الإنتاج الحالية جعلت بقية أعماله حبيسة الأدراج.. فى هذا الحوار، نفتح خزينة أسراره لنتعرف على عالمه.
 
< عملت لسنوات فى الثقافة الجماهيرية، إلى أى مدى أفادك العمل الإدارى؟
العمل الإدارى لم يكن بحتا، لكنه كان إداريا ثقافيا، مثلا حين توليت إدارة الثقافة العامة لم تكن المسألة مسألة إدارة، أنا كنت مسئولا عن الثقافة العامة فى كل قصور الثقافة 
حين توليت منصب رئيس الإدراة المركزية، للشئون الثقافية، كنت مسئولا عن الإدارة العامة للمكتبات، مسائل عديدة كنت أجمع فيها بين الإدارة والثقافة، كنت حريصا أن أقدم للأدباء ما ينفعهم، وكنت أقدم للجمهور زادا ثقافيا، قدمت عدة موضوعات منها مشروع النشرالإقليمى، كل مؤتمرات الأقاليم بدأت من الإدارة المركزية، دائما كانت تمر وتصب عندى، والعمل الإدارى بالنسبة لى لم يكن مجرد وظيفة، بالمناسبة كان الأستاذ أنس الفقى رئيسا للهيئة وقتها وكان أن بقائى فى الثقافة الجماهيرية يضر بموقفى المالي، لأنى كنت كاتبا كبيرا، وعائد الكتابة أفضل بكثير من الراتب الوظيفى، لكنى كنت أرى أنها مهمة وطنية، وكنت أقوم بها، وصلت لقمة العمل الوظيفى، وكنت حريصا على أن أقدم ما ينفع الأدباء والعمل الوظيفى .
 
< طوال الوقت يلقى باللوم على الثقافة الجماهيرية، برغم أن العمل فيها يجرى فى ظل إمكانيات مادية ضعيفة ما تعليقك؟
الثقافة الجماهيرية ينطبق عليها المثل القائل “ تغزل برجل حمار“ هى تعمل بأقل الإمكانات الممكنة، أذكر أنى كنت أقوم وأشارك مع الدكتور أحمد نوار بمناقشة الميزانية فى مجلس الشعب، ذهبت إلى المجلس وأخذت معى شاشة عرض، وكلفت أحد العاملين باعداد قاعدة بيانات توضح حالة المواقع الثقافة التابعة للهيئة ومدى ترديها، وبينت أن المبالغ المخصصة للثقافة الجماهيرية، لا يمكن أن تكون كافية لصيانة المواقع، بينت أن متوسط المكافآت التى وزعناها بالعدل لا تزيد على 12 جنيها شهريا، الوضع إذن كان مترديا تماما، أزعم بأن مسرح الثقافة الجماهيرية ركيزة من الركائز التى يعتمد عليها المسرح، فلديها مسارح عديدة و180 ناديا أدبيا كل المواهب التى تخرج من الأقاليم، تخرج من الثقافة الجماهيرية، بالضرورة،إذن كل هذا العمل لا يقابله إمكانات كبيرة، أتصور أنه لا بأس من أن يكون هناك إعادة نظر فى بعض الأشياء فى الثقافة الجماهيرية، وأن يكون هناك دعم من الدولة للثقافة، وقد قدمت ورقة فى هذا الشأن، وأعتقد أنه لا أحد نظر فيها أصلا. 
 
< دعنا نسترجع معك شريط الذكريات ونغوص للحظات فى بحر عالمك الإبداعى وبداية الولوج لهذا العالم الملئ بالحكايات فمتى كانت البداية؟
هناك مثل شعبى يقول: ”أول الرقص حنجلة، البداية كانت حنجلة، بدأت فى المرحلة الابتدائية كنت أكتب بعض الأشياء، وأتخيل أنها أبيات شعرية، وهى كانت محاولات طفل لديه شيء فى داخله يريد أن يخرج، لكن حين وصلت إلى المرحلة الثانوية كانت الأمور بدأت تتضح، واهتممت بالقصة، وكنت مهتما بالمسرح واشتركت فى فريق المسرح المدرسى، وكنت فى المرحلة الثانوية فى المدرسة العباسية الثانوية حصلنا على جوائز على مستوى الجمهورية، ثم انتقلت للجامعة، وكنت أكتب وأقوم بالتمثيل، وبعد الجامعة تم تجنيدى بالقوات المسلحة لمدة خمس سنوات، وخلال فترة التجنيد، كنت أجمع بين الكتابة والتمثيل والإخراج وأخرجت أعمالا أعتز بها، منها عمل ثالث للفرقة الثالثة فى الجامعة، بعد أن خرجت من التجنيد حسمت الأمر لصالح الكتابة، ومنذ 74 أنا كاتب فقط 
 
< كتبت عن المسرح المعاصر، وتعمقت فى عالم عبد الرحمن الشرقاوى وصلاح عبد الصبور، لكن دعنا نتحدث عن عالم نجيب سرور لأن هذا الرجل ظلم برغم أنه كان مبدعا من طراز فريد؟
بالمناسبة أنا أول من ألف عنه كتابًا، أنا قرأت نجيب سرور منذ بداياتى، قرأت له” ياسين وبهية” وأعجبت بها جدا، ثم قرأت بقية أعماله وشاهدت بعض هذه الأعمال على المسرح، برغم أنى مواطن سكندرى أعجبت به جدا وقرأت أشعاره، وأذكر أننى زرت زميلى سامى فهمى فى معهد الفنون المسرحية، وقابلت نجيب سرور وتعرفت إليه هناك، الحقيقة كنت أراه كاتبا مسرحيا شديد التميز، وبدأ اهتمامى به منذ فترة مبكرة، وقررت أن أكتب عن مسرحياته الشعرية والنثرية المؤلفة، وكان له أعمال معادلة، كتبت هذا الكتاب  عنه وصدر مبكرا جدا أنا سعيد به، وأعطيت هذا الرجل شيئا من حقه، وأظن أن الذين كتبوا عن نجيب سرور بعد ذلك، رجعوا إلى كتابى .
 
< اهتممت بشكل كبير بروائع الأدب العالمى ما تعليقك؟
اهتمامى بالأدب العالمى، بدأ فى المرحلة الإعدادية، قبلها كنت أقرأ الكتب المدرسية، أذكر هنا فى الصف الثانى الإعدادى، عرفنى أحد زملائى على طريق سور محطة مصر بالإسكندرية، كنا نشترى الكتاب أول مره بقرشين طبعا، ثم نقوم بتغيير الكتاب بنصف قرش، وكانت الكتب المتوافرة فى ذلك الوقت الروايات العالمية، وبعض الروايات الرومانسية خصوصا الأدب العالمى، استمرت معى مسألة الأدب العالمي، لأننا كنا نجد ثراء فى المطبوعات، كان لدينا المكتبة الثقافية وسلسلة روائع المسرح العالمي، وكانت بخمسة قروش الكتب، برخص التراب فى هذه المرحلة، قرأنا قراءات لا حد لها، وهناك سلسلة من الروايات العالمية المترجمة، بالإضافة إلى أن إسكندرية كان بها عدد من المكتبات، وكنا نستعير الكتب، كانت المصادر المتوافرة لنا شديدة الاتساع، فى مرحلة تاسيسية مهمة، أيضا كان هناك مجلة السينما تصدر فى هذه الفترة، وتنشر سيناريو لعمل عالمى كل عام، وكانت السيناريوهات التى كنت أقراها فى هذه المجلة مفيدة جدا لى.
 
< من الذى نبش فى نفس محمد السيد عيد وكان له رؤية استشرافية لمستقبله؟
 ضحك متنهدا قبل أن يقول: “أحكى لك قصة فى هذا الشأن، عندما خرجت من الجيش فى مايو 74 قبل الخروج، أرسلت بالبريد خطابا لمجلة السينما للمسرح وكان يرأس تحريرها خضر جوهر، ويترأس قسم المسرح فيها الأستاذ عبد الفتاح البارودى، الخطاب وصل لعبد الفتاح البارودى، رد عليا فى بريد القراء، وقال:” إن هذا المقال جيد برغم أن الموضوع له مدة، ولكنى سأقوم بنشره“ وهذا شجعنى، وقتها وكنت أسكن فى القاهرة فى غرفة مفروشة، جئت إلى القاهرة لأجمع أشيائى للعودة ثانية للعيش فى الإسكندرية، لكنى قمت بزيارة قصيرة للأستاذ عبد الفتاح البارودى، وأعطيته مقالا عن مسرحية الفرس “أسخليوس” لكاتب يونانى، واخترتها لأننا كنا فى أعقاب حرب أكتوبر، وكان هناك اهتمام بأدب الحرب، وهو كان شديد الاهتمام بالأدب الإنجليزي، وحينما قرأ المقال أعجب به جدا وطلب منى الجلوس، وجلست وقال: “لى يا بنى لازم تكتب نقد ولابد أن تبقى فى القاهرة من أين أنت؟ قلت له: من الإسكندرية! فطلب منى أن أستمر فى العيش فى القاهرة، وكانت فترة صعبة قال لي: ابق فى القاهرة وسأعطيك ثمانية جنيهات شهرية مقابل مقال نقدى فى مجلة السينما والمسرح، هذا الكلام غير مسار حياتي، فبدلا من أجمع متعلقاتى وأعود إلى الإسكندرية، جمعت متعلقاتى من الإسكندرية، وعدت إلى القاهرة للعيش بها، ومنذ هذا الحين بقيت فى القاهرة، وهذا الشخص هو من ساعدنى فى بداية المشوار، ومن ساعدونى كثيرون، منهم على شلش حينما كان سكرتير تحرير لمجلة الكاتب وكان ينشرلى بشكل منتظم، وكنت أسبب له مشاكل وكان يتحمل المسألة،وكان يقول من يشكو من حقك أن ترد.
فيما يتعلق بالإذاعة، قدمنى أحمد سويلم ومصطفى الشندويلى للمخرج مدحت ذكى، كان هو بداية علاقتى بالإذاعة والتليفزيون، تعاملت معه ككاتب برامج ودراما ومن هنا كانت الانطلاقة، إلى الاذاعة ثم انتقلت إلى التليفزيون ووصلت للكثير.
 

الكاتب الكبير محمد السيد عيد خلال حواره مع الأهرام العربي
 
< مقدمة ابن خلدون كانت بداية المسيرة للعمل الدرامى؟
 أنا خريج قسم الفلسلفة وعلاقاتى بالفلاسفة علاقة طيبة، طلب منى مدحت ذكى أن أكتب له مسلسلا، وقال لى ماذا ستكتب قلت له: أكتب عن مقدمة ابن خلدون، كانت الفكرة غريبة بالنسبة له، قال لى مقدمة كتاب يلزمه نظريات فلسفية، وقلت له سأقدم المقدمة، وإذا لم تعجبك لن أكتب الأمر بسيط، ولا تقم بإخراجه وفعلا كتبت وأعطيته إياها واحتفظ بها فى الدرج، بالمناسبة كنت أعرف أننى قادر على تطويع الأمر والصعوبة فى هذه المقدمة جعلت البطل ابن خلدون موجودا فى القلعة التى كتب فيها المقدمة، وجاء أحد التلاميذ وبدأ يملى على تلميذه نص المقدمة، وطبعا التلميذ يسأل وابن خلدون يجيب، وجعلت لهذا التلميذ قصة حب رومانسية شديدة، بحيث كان الحدث والمعلومات الثقيلة مقابلها أحداث رومانسية جميلة تخفف من وطأتها، لذلك نجح العمل نجاحا لم نكن نتخيله، أمين بسيونى كان يقوم بدور الراوى مع سامية صادق، حين سافر أمين بسيونى وكان يعمل مستشارا للسلطان قابوس إلى عمان، حينما نظر المسئول إلى جواز سفره فى المطار عرفه من المسلسل، فكلمنى أمين بسيونى من عمان كنا فى غاية السعادة أن نصل بمسلسلنا إلى أقصى البلدان العربية، كتب عنه خيرى شلبى مقالا جيدا أظن أننى منذ أول عمل صرت كاتبا كبيرا .
 
< ماذا عن مشروعك الخاص بالشخصيات التى أسهمت فى كتابة التاريخ المصرى الحديث؟
مشروع تقديم تاريخ مصر الحديث الذى لعبت فيه هذه الشخصيات أدوارا حقيقة، هذا المشروع فى تصورى يساوى مشروع عبد الرحمن الرافعي، الذى كتب تاريخ مصر الحديث، قدمت فى مشروعى هذا ثلاثة أجزاء وكتبت فى الجزء الرابع عن طلعت حرب وتوقفت عن استكماله، وأتمنى أن أستكمل هذا المشروع، لأنه ليس أهم من أن نقدم لأبنائنا تاريخا ونقدم لهم مع هذا التاريخ القدوة، أنا اخترت شخصيات قدمت للوطن الكثير، ماذا استفاد قاسم أمين حين نادى بتحرير المرأة بالعكس أصابته خسائر جسيمة أحد الأشخاص ذهب إلى بيته ليسبه، قاسم نادى بتعليم المرأة، وأن تخلع المرأة النقاب وطالب بحرية المرأة فى قضايا معينة، وكل كلمة قالها دعمها بنصوص دينية من القرآن والسنة، لم يحصل على مكاسب وكذلك على مبارك وهو فلاح، لكنه غير نسبة التعليم من مصر وقتها كان التعليم يضاهى التعليم فى ايطاليا وهذه نماذج تصلح قدوة للشباب مثلا شكل الأسرة وشكل التعاون بين الرجل وزوجته، وهذه الأشياء أصبحنا نفتقدها فى الكثير من المسلسلات اليوم. 
أنا أحاول أن أقدم شيئا ينفع الناس أنا سعيد بخروج مسلسل طلعت حرب للنور 
 
< ما فلسفتك فى الحياة وفى أعمالك؟
 أنا مؤمن بالعقل والحرية والتقدم، وأظهرت كل هذه الأشياء فى أعمالى، مثلا فى مسلسل مصطفى مشرفة أظهرت قيمة العلم، وفى الإمام الغزالى قيمة الفكر الدينى ومواجهة التطرف وغيرها، دائما أركز على القدوة وتماسك الأسرة المصرية.
 
< فى ظل الظروف والمتغيرات العصرية والاجتماعية كيف ترى الأسرة المصرية وكيف تقدم لها معالجة فى الدراما؟
برغم كل شيء مازال الجوهر موجودا فالأسرة المصرية بخير، ولولا أنها بخير لما استمر المجتمع المصرى بهذه الصورة المتماسكة. 
 
< ما مشاريعك؟
عندى أربعة مسلسلات ولكنها تنتظر إنتاجا، وأن تخرج للجمهور، فى مجال الكتب انتهيت من مسرحية الحاكم بأمر الله، ومنذ أيام صدرت لى مسرحية عن محاكمة بايدن ونتنياهو، وأكتب الآن فى كتاب بعنوان “أدب الرحلات وأثره فى الرواية المصرية، وأيضا لدى كتاب تاريخى، فالمشروعات كثيرة المهم العمر يسمح .
 
< من من جيل الشباب لفت انتباهك بأعماله؟
فى التليفزيون عبد الرحيم كمال وسماح أبو بكر عزت ومحمد سليمان، هناك عدد كبير من الكتاب المجيدين فى الرواية العدد يفوق الحصر، ولا أريد أن أغفل أحدا وكذلك فى الشعر أهم شيء فى مصر أنها ولاده للمبدعين، ولدينا المئات وبعض المحافظات فيها حركة أدبية، أهم من بلدان أخرى كاملة، مصر ملئية بالمبدعين .
 
< أنت دائم البحث فى عالم الزعيم مصطفى كامل؟
 كتبت عنه كتابين و الطبعة الثالثة على وشك الصدور، وهذه الكتب كانت البديل عن المسلسل التليفزيونى الذى حكم عليه بالتوقف بسبب ظروف الإنتاج.
 
< ما رؤيتك الاستشرافية للواقع الثقافى المصرى وأنت كاتب مخضرم وعاصرت فترات عدة؟
 أنا متفائل وأتصور فى ظل هذا الكم من المبدعين والتنوع، القادم أفضل،وسيكون هناك متميزون فى كل الأجيال ننتظر أن يتواصل التميز .
 
< تترأس نادى القصة حاليا ما دوره فى الوسط الثقافي؟
نادى القصة هو الوعاء الذى يضم النقاد وكتاب الأطفال فى مصر، ويسهم فى صقل المواهب وتقديمها، لدينا مجلة القصة وسلسلة الكتاب الفضى لتقديم المواهب، بعد أن تصل إلى مرحلة النضج، وندوات تسهم فى صقل المواهب، ونتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة ومكتبة الإسكندرية، ونفتح مجالات عديدة، ونفعل هذا فى ظل إمكانات تساوى صفرا .
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام