فنون وفضائيات



إلغاء بعض المهن داخل العمل الفنى.. الـ «A I» يعيد الشباب لكبار الفنانين

5-4-2025 | 18:12
⢴ أحمد سعد الدين

 
الجمهور لم يتقبل لحن عمرو مصطفى بـ «صوت أم كلثوم»
 
جدل عميق اجتاح الحقل الفنى على مستوى العالم، بسبب التطور التكنولوجى الكبير، والطفرة الهائلة التى تسمى حالياً باسم الذكاء الاصطناعى، المنتشر أخيرا بشكل كبير فى كل المجالات الفنية، وهو ما يجعلنا أمام عدة أسئلة، هل تتوغل التكنولوجيا فى مناحى الصناعات الفنية وتحل مكان العقل البشرى؟ أم يتم توظيف الذكاء الاصطناعى ليكون يداً بيد بجوار العنصر البشرى فى تطوير الصناعات الفنية؟، هذه القضية تشغل بال العديد من المهتمين بالفن فى مصر، والعالم أجمع.
 
 
خلال شهر يوليو 2023، شهدت مدينة السينما «هوليوود»، إضراباً عاما، أصاب جميع الاستوديوهات بالشلل التام، حيث بدأ من جانب المؤلفين ثم انضمت إليهم نقابة الممثلين، وذلك بسبب نقطتين الأولى تتمثل فى عنصر الأجور والمعاشات، أما النقطة الثانية والأهم، كانت بسبب الحد من توغل الذكاء الاصطناعى، وظلت الاستديوهات خاوية قرابة الأربعة أشهر، حتى تم الاتفاق على زيادة الأجور والمعاشات، وأصر الممثلون على تقييد استخدام الذكاء الاصطناعى، الذى من الممكن أن يقوم بشخصياتهم وأدوارهم أمام الكاميرا، برغم غيابهم مما يجعل شركات الإنتاج فى أمريكا تستغل تلك النقطة، وتستخدم التكنولوجيا المتقدمة فى رسم وأداء الشخصيات، وتستغنى عن الممثلين الحقيقيين، ولا تمنحهم أجورهم، مما يزيد من معدلات البطالة، ويقلص عدد العاملين فى الإنتاج الفنى.
المهم أن الأزمة تم حلها بالاتفاق وعادت المياه إلى مجاريها، لكن يبقى الخوف موجوداً من توغل الذكاء الاصطناعى فى السينما.
 
أخيرا توصلت التكنولوجيا الحديثة، إلى أنه من الممكن أن تأخذ طبقة الصوت وصورة لممثل معين،  ويتم تركيب ذلك على الشاشة بإحداثيات هندسية معينة، تستطيع أن تعطى نفس الدور الذى يقدمه الممثل ذاته بشحمه ولحمه، وهو ما يجعل شركات الإنتاج، تميل لاستخدام تلك التكنولوجيا بدلاً من وجود الممثل الذى قد يتقاضى أجراً عالياً.
 
الذكاء الاصطناعى له وجهان، أو جانبان فى صناعة السينما أحدهم إيجابياً والآخر سلبياً، الجانب الإيجابى يتمثل فى كيفية استدعاء شخصية ممثل ما، برغم مفارقته للحياة، أو عدم وجوده فى التو داخل البلاتوه، أيضاً يتمثل فى العودة بالزمن إلى الوراء سنوات طويلة، كما حدث فى فيلم The Fabelmans للمخرج العالمى ستيفن سبيلبرج، عام 2023 ، فقد استطاع سبيلبرج، أن يقدم مشاهد ممتازة، خصوصا فى عودة الممثل هاريسون فورد إلى عمر الشباب، حيث تم تقليص عمره من 80 عاما إلى سن أصغر بكثير من 30 عاماً، وظهوره بشكل جيد وقوام ممشوق على الشاشة، يتطابق مع ما تحتاجه الشخصية المكتوبة على الورق.
 
أيضا من الممكن أن يتدخل الذكاء الاصطناعى، فى صناعة بعض المشاهد التى تحتوى على الحركة، ومطلوب أن يؤديها فنان متقدم فى العمر، ففى هذه الحالة سهل جداً أن تتم تلك المشاهد على شاشة الكمبيوتر، ثم تنتقل للشاشة الكبيرة، دون أن يشعر المتفرج بأى اختلاف بين شخصية الممثل الكهل، وبين شخصية نفس الممثل الذى يؤدى على الشاشة، لكن فى مرحلة الشباب .
أضف إلى ذلك، أنه فى بعض الأوقات، يحتاج المخرج لاستدعاء إحدى الشخصيات من الماضى، وقد تكون تلك الشخصية قد فارقت الحياة، لكن بوجود الذكاء الاصطناعى، يستطيع استدعاء الشخصية وتجسيدها للمشهد بالصوت والصورة، كما فى الحقيقة،.
 
بالإضافة إلى الخلفيات السينمائية المصنعة «الكروما»، وهى عبارة عن تصوير الكادر على خلفية زرقاء ثم تركيب الصورة عليها، فتظهر وكأنها حقيقية، وخير مثال على ذلك هو فيلم «تايتنك»، فقد تم تصوير مشاهد الفيلم داخل بلاتوه، وتم تركيب الخلفيات على الصورة لتظهر، وكأنها حقيقية 100 %، حتى إن أجمل مشهد رومانسى بين البطل والبطلة وهما على ظهر المركب، وهى تفتح يديها وهو يقف خلفها، كانت صورة مركبة لكنها جميلة بشكل مذهل.
 
أيضاً يدخل الذكاء الاصطناعى فى رسم بعض شخصيات أفلام الخيال العلمى،  ورسم العالم الخاص بها داخل الفيلم، وخلال الفترة الحالية أصبحت الشركات الكبرى مثل والت ديزنى، وتايم وارنر، وسونى إنترتينمنت، وسى بى إيه، وسى بى إس  ومارفيل، وغيرها من كبريات الشركات، تعتمد على وجود الذكاء الاصطناعى فى أعمالها .
 
الجانب السلبى، يتمثل الجانب السلبى للذكاء الاصطناعى فى صناعة السينما فى نقطة مهمة، فكلما زاد معدل التكنولوجيا، كلما تقلص عدد العاملين، فعلى سبيل المثال مشاهد المعارك التى تحتاج إلى عدد كبير من المجاميع، بالإضافة لمخرج معارك وعدد من المصورين وميزانية كبرى، أصبحت الآن بعد اختراع الجرافيك، وتطوره بشكل مرعب، من الممكن أن يتم تقليص عدد الممثلين وتصويرهم بشكل وزوايا معينة، ثم يتم تركيب اللقطات بشكل مختلف على الكمبيوتر، فتظهر الصورة وكأنها معركة حقيقية، ويشارك بها آلاف من البشر، لكن فى نفس الوقت، يتم الاستغناء عن عدد كبير من مخرجى المعارك والفنيين العاملين بهذا المجال.
 
الذكاء الاصطناعى فى الأغنية
 
لا شك أن التطور التكنولوجى، أحدث ثورة هائلة فى مجال الموسيقى والطرب، فبعد أن كنا نرى المطرب على المسرح، وخلفه فرقة موسيقية كاملة، مثل حفلات عبد الحليم وأم كلثوم، تدخلت التكنولوجيا واختصرت عدد أفراد الفرقة، بعد اختراع ما كان يطلق عليه «التراكات» ثم «الدولبى»، وأصبحت الأغنية يتم تسجيلها على فترات مختلفة، فكل مجموعة من عازفى الآلات المتشابهة يسجلون اللحن مع بعضهم، بمعنى أن عازفى الكمان يعزفون، ثم يأتى عازفو الإيقاع ثم عازف العود، وهكذا، ثم يأتى دور مهندس الصوت فى الاستوديو، ويتم تركيب كل الآلات على بعضها كلاً فى مكانه داخل الجملة اللحنية، فيأتى فى النهاية اللحن مكتملاً، ثم يتم تركيب صوت المطرب على الموسيقى، فتصبح الأغنية مكتملة وجاهزة للإذاعة.
 
وقد استطاعت الآلات الحديثة، أن تضيف إلى صوت المطرب بعض النقاء، لكنها على الجانب الآخر، أعطت أنصاف المواهب الموجودين على الساحة الغنائية، مساحة أكبر من التى يستحقونها، بعدما سجلوا أغانيهم على إسطوانات مدمجة بصوت ممتاز، لكنهم يظهرون بشكل مختلف تماماً أثناء حفلات اللايف، فيكتشف الجمهور أن من يقف أمامه على المسرح هو فى الأصل مؤدى، وليس مطربا وأن طبقة صوته الحقيقية أقل بكثير من الطبقة التى يسمعها فى الأغانى المسجلة داخل الاستديو، بعد تدخل التكنولوجيا الحديثة فيها.
 
خلال الفترة الأخيرة، وبعد الثورة التكنولوجية الهائلة، انتشر ما يطلق عليه حفلات «الهولوجرام»، وهى بالفعل نقلة نوعية تعتمد على استدعاء مطرب راحل بصورته، وحركاته على المسرح، مصاحباً بفرقة موسيقية تعزف لحن الأغنية، ويشاهد الجمهور الموجود فى المسرح المطرب أو المطربة يغنى، وكأنه عاد بالزمن 60 أو 70 عاما، كما حدث بحفلات كوكب الشرق أم كلثوم، التى رحلت منذ خمسين عاماً، لكن أخيرا تم عمل حفلات غنائية لها بصوتها، بمصاحبة فرقة موسيقية تعزف ألحان أغنياتها، ووقفت أم كلثوم على المسرح تكنولوجيا الهولوجرام، وهى ترتدى فستانها الوردى تتمايل، وتغنى أغنيات أنت عمرى والأطلال وغيرها، مما أعطى الفرصة لأجيال لم تلحق أم كلثوم وهى على قيد الحياة بأن تستمتع بحضور حفلاتها الآن، كأنها بيننا على المسرح.
 
منذ عامين أقدم الملحن والمطرب عمرو مصطفى، على تجربة هزت الوسط الفنى فى مصر، حيث استحضر صوت أم كلثوم، وركبه على أغنية من ألحانه، وقال إنها أمنية بداخله أن يقدم عملاً لـ أم كلثوم، وما إن نزلت الأغنية على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى قامت الدنيا وانقلبت على عمرو مصطفى لأسباب عديدة.
أولها: العبث بأصوات رموز الغناء فى مصر، والوطن العربى، ثانياً: أن هؤلاء الرموز كانت لهم مهاراتهم فى اختيار كلمات أغنياتهم، وجملها اللحنية، وقد تميزوا فى هذا الجانب، وأصبحت لهم شخصيتهم ومكانتهم التى لم يصل إليها آخرون.
 
ثالثاً أن لهؤلاء المطربين العظماء، ورثة ولهم حقوق الملكية الفكرية، وأن أى استغلال لأعمالهم، أو أصواتهم يعتبر تعديا صارخا على حقوق الورثة، وبالفعل هاجت الدنيا خوفاً من أن يكون الذكاء الإصطناعى، مدمرا للتراث الغنائى المصرى، خصوصا للرموز الكبرى التى تعيش معنا بأصواتها حتى الآن، فالخطورة تكمن مع وجود الـ « A I» يستطيع أى شخص متخصص، أو غير متخصص، بأن يركب صوت مطرب على أغنية مطرب آخر، أو أن يؤدى صوت مطرب لحن، وكلمات أغنية تافهة، تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى، وتشوه اسم وصورة المطرب الأصلى فى نظر بعض الشباب الذين لم يحضروا، ولا يعرفون تاريخ المطرب الرمز، فهل سيقبل الجمهور المصرى والعربى، أن يستمع لصوت عبدالحليم حافظ، وهو يغنى أغنية مهرجانات؟ بالتأكيد لا لكن من الممكن أن تحدث للأسف بسبب هذا الذكاء الاصطناعى، لو تم استخدامه بشكل سلبى.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام