مقالات رئيس التحرير



28 عاما مع الحلم العربى

5-4-2025 | 18:51
جمال الكشكي

ليس سهلا على الصحفى أن يحكى تجربة البدايات، لأنها دائما مليئة بالأشواك.
ليس بسيطا عليه أن يكون صحفيا عابرا، خصوصا إذا كانت بدايته مع نخبة من كبار الصحفيين والكتاب والمفكرين.
ليس عاديا أن ترتبط نفسيا ومعنويا بمطبوعة جديدة متخصصة عابرة للحدود.
ليست رفاهية أن تكون أحد «الطباخين» لهذه المطبوعة فى أعدادها التحريرية الأولى.
 
أتحدث عن مجلة «الأهرام العربى» التى يبلغ عمرها الآن ثمانية وعشرون عاما، فقد صدر العدد الأول منها فى يوم 29 مارس عام 1997، كمشروع عربى صاغه الكاتب الصحفى الكبير أسامة سرايا، مشروع له وجاهته وأهميته لمصر والعرب.
 
فخور بأننى واحد من أبنائها المؤسسين الأوائل، شاركت فيها منذ اللحظة الأولى حينما كانت فكرة، مارست كل فنون الصحافة، وعملت فى جميع الأقسام الصحفية المهنية، تعلمت فيها كيف تصنع الصحافة الجادة، ولم لا؟!، فهى كانت الملاذ الآمن لكل صاحب موهبة وطموح وأمل، وقد جمعت بالفعل زملاء من شتى المدارس، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تعلمنا فيها مفهوم وفلسفة التكامل، وليس التفاضل، لم يفرقنا خلاف أو اختلاف، تجمعنا سياسة تحريرية مسئولة، برغم اختلاف المشارب والأقلام. هى مدرسة قدمت مشاهير ونجوما وكتابا وأصحاب تجارب كبرى، اقتحموا عوالم الإعلام والصحافة بأختام «الأهرام العربى».
 
بعد تجربتى فى المجلة ومشاركة زملائى الكثيرين، دخلت تجربة جديدة فخورا بها فى جريدة «الأهرام» ، ذهبت إليه محملا بصناعة صحافة المجلات والاستقصاء، ورفع الأوزان الثقيلة، فكانت التجربة اليومية محملة بميراث صحفى تعلمته فى «الأهرام العربى»، فاستطعت ممارسة العمل اليومى بنكهة المجلات.
 
هذه التجربة الرائعة استمرت على مدار ما يقرب من عشرين عاما فى صالة التحرير وسط عمالقة كبار أعطونى تجربة جديدة فى المسار المهنى، قادتنى إلى العودة إلى «الأهرام العربى»، بمسئولية فى توقيت دقيق تمر به مصر والمنطقة العربية والعالم.
 
منذ أن توليت مسئولية رئاسة تحرير «الأهرام العربى» شاءت الأقدار أن تجعل المجلة فى قلب اللحظة والحدث، حافظت على موقفها الوطنى، ولم تتخل عن انفراداتها الصحفية، ترى العرب بعين القاهرة، وترى القاهرة بعين العرب، هّى الجسر الممتد أفقيا ورأسيا بين العواصم العربية، وكذلك العالمية، تركت بصمتها من خلال سياسة تحرير مهنية، وبأدوات صحفية، وأقلام عربية، سجلت أمام التاريخ كل مرحلة بمعلومات وأرقام موثقة، لم تتنازل لحظة عن مبادئ الوطنية المصرية، كانت عصية على تجاوز ثوابتها مهما كانت مشقة المرحلة.
 
مثلما كان عددها الأول يحمل عنوان «القدس.. معركة السلام الأخيرة»، فإن فلسطين لم تغب عن صفحاتها على مدى ثمانية وعشرين عاما، بل كل القضايا الوطنية العربية، كانت ولا تزال حاضرة بقوة من العراق ولبنان وسوريا إلى اليمن والسودان وليبيا، كذلك كانت فى العواصم الخليجية، بل إنها كانت تضع عينا على ما يدور فى العواصم العالمية الكبرى، وانعكاساتها على خرائط المنطقة العربية. كان لديها عين على واشنطن ولندن وباريس وموسكو وبكين، بالإضافة إلى القارة الشابة «إفريقيا»، وكذلك بالطبع جميع العواصم العربية.
 
كنت أتابع فى أعدادها الأولى صدى العرب فى ليل مطابع الأهرام بقليوب، أشم رائحة الحبر السياسى والاقتصادى والثقافى والرياضى الذى يحمل رسالة «الأهرام العربى» إلى الرأى العام العربى، فهى لم تكن مجرد مطبوعة تصدر يوم السبت من كل أسبوع، بل حالة صحفية سياسية تتجدد أسبوعيا، كأنها تبدأ للمرة الأولى، حالة أبطالها يتنافسون على حجم ما لديهم من ثقافات وإبداعات، وأقلام رشيقة.
 
إن هذا المشروع العربى استطاع الاستمرار والتفوق انطلاقا وارتكازا على فكرته الجديدة والمتجددة القائمة على ضرورة أن تكون العواصم العربية وحدة واحدة، وقضاياها واحدة، وصوتها واحد، فضلا عن الإيمان الذى لم ولن يتزعزع فى تقديم الدعم الكامل لمفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى، والتأكيد على ثوابت الدول المصرية ومؤسساتها.
 
أخيرا أهنئ كل زملائى من كتيبة «الأهرام العربى» بمناسبة مرور 28 عاما على إصدارها، واستمرارها بقوة مهنية من عام إلى آخر.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام