حياة الناس



مشروعات التحول الرقمى بمنهجية OECD/DAC

5-4-2025 | 19:36
⢴ د محمد خليف

مقرر لجنة الثقافة الرقمية بالمجلس الأعلى للثقافة
 
يمثل التحول الرقمى الشامل إحدى دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاسيما فى البلدان العربية حيث الحاجة لمواجهة الزيادة المطردة فى إعداد الشباب المطلوب دخولهم فى سوق العمل سنويا، وكذلك الحاجة الملحة للحصول على عوائد تناسب الاستثمارات الضخمة للحكومات فى البنية التحتية الرقمية والخدمات الحكومية الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، لذا يبرز هنا دور المنهجيات العلمية الحديثة للمتابعة والتقييم لمشروعات التحول الرقمى، والتى تتجاوز قياس المخرجات إلى الوصول للأثر الحقيقى لتلك المشروعات، وتمثل منهجية OECD/DAC إطارا ومنهجية معترفا بهما عالميا ضمن منهجيات أخرى كثيرة، وذلك لتقييم ملاءمة وفاعلية وكفاءة وتأثير واستدامة المبادرات الرقمية، ويستعرض هذا المقال كيفية تقييم مشروعات التحول الرقمى للحصول على دورة حياة صحية وفاعلة للمشروع، مما يضمن نجاحه على المدى الطويل.
 
التحول الرقمى بتعريفاته المختلفة لا يقوم فقط بدمج التكنولوجيات فى الأعمال، لكنه أيضا يغير نماذج العمل وأسس التشغيل، وبالتالى أصبح التحول الرقمى لا غنى عنه، وأصبح الأداة الأهم بل القوة الدافعة لتشكيل مستقبل الدول وإعادة هيكلة الاقتصاد والصناعات والحكومات حول العالم بأسره.
 
أصبح من الثابت أن المشاريع الرقمية لا يمكن أن تؤتى ثمارها، إلا إذا عكست رؤية المؤسسة وأسهمت فى تحقيق كفاءة العمليات، وتعزيز تجربة ورضاء المستفيدين والمستخدمين، وتقليل الهدر مما يجعل التقييم المستمر ضرورة لا غنى عنها لضبط المسار وتوجيه الجهود نحو تحقيق أثر الحقيقى، ولا تقتصر أهمية التقييم على قياس مدى التوافق مع الإستراتيجيات.
 بل تمتد إلى تحسين إدارة الموارد وضمان أعلى مستويات الكفاءة نظرا لن المشاريع الرقمية تحتاج إلى استثمارات ضخمة فى البنية التحتية والتكنولوجيا والموارد البشرية، وإذا لم تخضع لرقابة دقيقة، فقد تتعرض لمخاطر إهدار الأموال وتجاوز حدود الميزانيات المحددة، بالإضافة إلى ضعف الأداء، وتعثر التنفيذ.
 لذا، فإن عملية التقييم ليست مجرد إجراء إداري، بل هى أداة لضبط الأداء، وتحقيق أعلى عائد على الاستثمار وضمان تحقيق الأهداف بطريقة تحقق الكفاءة الاقتصادية، والأهم تحقيق  تناغم كامل بين جهود التحول الرقمى المختلفة مع الأهداف الإستراتيجية المطلوبة وامتلاك قدرة على التكيف مع المتطلبات المتغيرة
 
إلى جانب ذلك، فإن التكنولوجيا وحدها لا تكفى، إذ يتعين علينا قياس الأثر الفعلى لمشاريع التحول الرقمى، فما جدوى الأنظمة الرقمية إذا لم تُحدث تغييرًا ملموسًا فى نسب تبنى المستخدمين للحلول الرقمية والوصول لأعلى قيمة مضافة مؤثرة فى حياة الأفراد والمؤسسات؟ وما جدوى تبنى حلول رقمية دون تحسينها للعمليات والخدمات، أو تحقيق أفضل تأثير اقتصادى واجتماعى؟ وما القيمة الحقيقية التى تمنحها تلك الحلول الرقمية حتى لا تصبح مجرد مشاريع استعراضية لا تمتد فائدتها إلى المجتمع أو الاقتصاد الفعلى.
 
على الجانب الآخر، فإن تقييم مشروعات التحول الرقمى يسهم فى وضع أطر واضحة للمساءلة والشفافية، هذان المحوريان هما حجر الزاوية فى نجاح أى مبادرة رقمية، خصوصا على المستوى الحكومى والمؤسسى، إذ لا يمكن لمثل هذه المشاريع أن تحقق أهدافها دون أن تخضع لآليات متابعة دقيقة تضمن وضوح الرؤية واتخاذ الخطوات التصويبية فى الوقت المناسب لأن  التحول الرقمى ليس مجرد محطة يتم بلوغها، بل هو رحلة مستمرة تتطلب القدرة على التكيف السريع مع المستجدات.
لهذا، فإن التقييم المستمر لا يهدف فقط إلى رصد الأداء، بل إلى تمكين الإدارة من إجراء التحسينات والتصويبات الدائمة، والتعامل بمرونة، وكفاءة وفاعلية، والتأكد من أن المشاريع الرقمية تبقى مواكبة للتطورات التكنولوجية والاحتياجات المتغيرة.
وبدون هذه القدرة على التكيف، قد تتحول المبادرات الرقمية إلى كيانات جامدة غير قادرة على تلبية تطلعات المستقبل.
وهكذا، فإن التقييم فى سياق التحول الرقمى ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو الضمانة الحقيقية لتحويل الطموحات الرقمية إلى واقع ملموس، ينعكس إيجابا على المجتمعات والاقتصادات، ويضمن استمرار الابتكار الرقمى فى خدمة الإنسان.
معايير OECD/DAC لتقييم التحول الرقمى
 
توفر معايير OECD/DAC منهجية منظمة لتقييم مشاريع التنمية بصفة عامة، ويمكن أن يتم استخدام هذا الإطار على نطاق واسع من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والجهات المانحة لقياس الفاعلية والتأثير لمشروعات التحول الرقمى، نظرا لأنه أحد أكثر الأطر فاعلية لتقييم المشاريع بشكل شامل وموضوعى ويعمل هذا الإطار على أساس خمسة معايير رئيسية هى الملاءمة، الفاعلية، الكفاءة، الأثر، والاستدامة ويساعد تطبيق هذه المعايير على ضمان الشفافية والمساءلة وتحقيق القيمة المضافة والتحقق من العائد على الاستثمار وضمان اتخاذ الإجراءات التصويبية والتصحيحية بناء على الدروس المستفادة أولا بأول، وبشكل يتيح نوعا من أنواع التراكم المعرفى تفتقر إليه الكثير من المؤسسات لاسيما فيما يتعلق بالتحول الرقمى الذى يبنى عادة حول بناء أو مصمم للحل فى وقت ما بظروف معينة، وهى ظروف متغيرة دوما بالإضافة لتغير القيادات بصفة مستمرة، لذا تفتقد فى كثير من الأحيان المشروعات لنفس القوة الدافع التى بدأت بها إلا فيما ندر من مشروعات، لذا فإن منهجيات التقييم والمتابعة تمثل أولوية خاصة لاسيما فى مشاريع التحول الرقمى التى تضخ فيها أموال طائلة و استثمارات عملاقة، وينبغى أن يكون لها تأثير إيجابى على فئات المستفيدين المختلفة وأصحاب المصلحة وأن تؤسس لقاعدة علمية لتحسين الأداء ومقارنة المشاريع، وتوجيه السياسات العامة الرقمية بشكل أكثر فاعلية.
وفيما يلى نظرة تمهيدية على كل معيار وتطبيقه فى تقييم مشاريع التحول الرقمي:
1 - الملاءمة  (Relevance)
يقيس هذا المعيار مدى توافق مشروع التحول الرقمى محور التقييم مع الأولويات الوطنية المعلنة، والتى يستهدفها المشروع، والأهداف التنموية، واحتياجات أصحاب المصلحة حيث يجب أن تواكب المشروعات الرقمية إستراتيجيات الحكومات، مثل رؤية مصر 2030، لكن المهم فى النهاية أنه يصبح هناك تكامل شامل بين بين المبادرات الرقمية المختلفة وصولا إلى بيئة رقمية شاملة تتيح تقديم خدمات عابرة للمؤسسات وتحقيق قيمة مضافة مستدامة.
أمثلة لأسئلة تقييم رئيسية للملائمة:
هل يتماشى المشروع مع الإستراتيجيات الرقمية الوطنية والإقليمية؟
هل توجد آلية للتكامل والتناغم، مع المبادرات الرقمية المماثلة فى المؤسسات والجهات الأخرى أو حتى إقليميا فى الدول العربية الأخرى؟
هل يعالج المشروع احتياجات ملحّة يمكن قياسها ويمكن قياس أثر الحل؟
هل يتماشى المشروع مع الإطار القانونى والتنظيمى المعمول به؟
2 – الفاعلية  (Effectiveness)
تشير الفاعلية فى سياق تقييم مشاريع التحول الرقمى إلى مدى قدرة المشروع على تحقيق الأهداف التى تم تحديدها مسبقًا، وقياس النتائج الفعلية مقارنة بما كان مخططًا له، والفاعلية تركز على الإجابة عن سؤال جوهرى ألا وهو هل أحدث المشروع التغيير المطلوب؟ أى إن الفاعلية لا تقتصر فقط على تنفيذ الأنشطة بشكل استعراضى، بل على العكس فإنها تتطلب الوصول بالمساهمات إلى النتائج المرجوة وتحقيق القيمة المضافة للمستفيدين وأصحاب المصلحة.
وقد تتمثل تلك الأهداف فى زيادة الاعتماد، والتبنى للخدمات الحكومية الرقمية وتقليل زمن الوصول إلى المخرجات بشكل يحقق نسب رضاء كبيرة للمستفيدين وأصحاب المصلحة، وتسريع الإجراءات الإدارية، وهو ما يتطلب فى كثير من الأحيان هندسة الإجراءات وأسس التشغيل فى المؤسسة الحكومية بشكل يواكب العالم الرقمى أو زيادة نسب نضوج وتمكين المؤسسات من استخدام الأدوات الرقمية فى تعاملاتها، وعلى سبيل المثال، إذا أطلقت جهة حكومية منصة إلكترونية لتقديم خدمات التراخيص التجارية، فإن الفاعلية تُقاس بمدى استخدام الشركات لهذه المنصة، وانخفاض الوقت اللازم لاستخراج التراخيص مقارنةً بالنظام الورقى الاعتيادى السابق، وإذا نفذت الدولة نظامًا للذكاء الاصطناعى فى اتخاذ قرارات تخص توزيع الموارد أو التخطيط الإستراتيجي، فإن الفاعلية تُقاس بقدرة هذا النظام على تقديم قرارات دقيقة، تقلل من الهدر فى الوقت أو المال، الخ بالإضافة للإسراع بتلبية الاحتياجات الفعلية للمجتمعات، ويمكن تعميم هذه المفاهيم على مؤسسات القطاع الخاص أيضًا فإذا قامت شركة بتطبيق نظام تخطيط موارد المؤسسات (ERP) بهدف تحسين كفاءة العمليات، فإن الفاعلية هنا تُقاس بمدى تقليص الأخطاء اليدوية، وتسريع دورة العمل، وزيادة التعاون بين الأقسام المختلفة.
من أجل التقييم الدقيق للفاعلية، أمثلة من الأسئلة لقياس الفاعلية:
هل تمكن المشروع من تحقيق أهدافه الأساسية كما تم تحديدها فى البداية؟
ما العوامل التى حالت دون تحقيق النتائج المرجوة؟ وهل هى متعلقة بالبنية التحتية، ضعف التدريب، مقاومة التغيير، أو غيرها؟
هل يشعر المستفيدون أو أصحاب المصلحة بأنهم استفادوا فعليًا من التحول الرقمي؟
التركيز على الفاعلية يُعدّ خطوة حاسمة لتحديد ما إذا كان المشروع قد أحدث فرقًا حقيقيًا، ويساعد على توجيه التحسينات المستقبلية استنادًا إلى الأدلة والتجارب العملية.
 3 –الكفاءة  (Efficiency)
تشير الكفاءة إلى مدى استخدام الموارد المتاحة سواء كانت مالية أم بشرية أو تكنولوجية بشكل رشيد أو أمثل لتحقيق الأهداف المحددة، فالكفاءة لا تُعنى فقط بالنتائج، بل بكيفية تحقيقها بأقل تكلفة ممكنة، وبأعلى قدر من الإنتاجية وقلة الهدر واستغلال الموارد بأفضل شكل ممكن فالمشروع الرقمى قد يكون فاعلية من حيث الوصول إلى النتائج، لكنه قد يكون غير كفء، إذا يتطلب تحقيق تلك النتائج موارد أو وقتًا يفوق المتوقع أو الضرورى وفى سياق التحول الرقمي، تُقاس الكفاءة من خلال مجموعة من المؤشرات، مثل تكلفة الخدمة قبل وبعد التحول الرقمى والوقت المستغرق لإتمام المعاملات ومدى الاعتماد على رقمنة العمليات فى مقابل العمليات اليدوية، ومستوى الهدر فى النظام فعلى سبيل المثال، إذا قامت جهة حكومية بإطلاق بوابة رقمية لتقديم الخدمات، فإن المشروع يكون كفء إذا استطاع أن يُنجز عددًا أكبر من المعاملات فى وقت أقل، وبنفقات تشغيلية أقل، مقارنة بالأسلوب الاعتيادى وكذلك، إذا طبقت مؤسسة خاصة نظام ذكاء اصطناعى لمعالجة الفواتير، فإن الكفاءة تقاس هنا بعدد الفواتير التى يتم التعامل معها تلقائيًا، مقارنة بالموارد البشرية التى كانت مطلوبة مسبقًا، ومعدل الأخطاء التى تم تجنبها، وفى هذا الشأن، فإنه يجب الإشارة إلى أن الكفاءة لا تعنى تقليص الإنفاق فقط، بل تعنى تحقيق أفضل النتائج بأفضل استخدام ممكن للموارد، فعلى سبيل المثال، قد تكون هناك حاجة لاستثمار أولى مرتفع فى البنية التحتية الرقمية أو تدريب الكوادر، لكن إذا كان هذا الاستثمار يؤدى إلى خفض التكاليف التشغيلية وتحسين الإنتاجية على المدى المتوسط والطويل، فإن المشروع يُعتبر كفئا.
ولقياس الكفاءة بدقة، ينبغى النظر فى عدة عناصر، أمثلة لقياس الكفاءة:
هل تم تنفيذ المشروع ضمن الميزانية والجدول الزمنى المحددين؟ وهل كان بالإمكان تحقيق نفس النتائج بتكلفة أو موارد أقل؟
ما مدى الاستفادة من الأدوات التقنية المتاحة، مثل الحوسبة السحابية أو الذكاء الاصطناعي، لتحسين كفاءة العمليات؟
هل تم استخدام الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية المتاحة بشكل فعّال؟
هل توجد بدائل كان يمكن أن تحقق نفس النتائج بكفاءة أعلى أو بتكلفة أقل؟
هل ساهمت الأدوات الرقمية المستخدمة فى تقليل الوقت والجهد مقارنة بالأساليب التقليدية؟
يُعدّ التركيز على الكفاءة خلال تصميم وتقييم المشاريع الرقمية أمرًا حاسمًا لضمان الاستدامة المالية والتشغيلية، ولتقديم خدمات ذات جودة عالية دون تحميل الدولة أعباء غير ضرورية.
وإذا نظرنا عن قرب إلى تقييم الكفاءة والفاعلية كل على حدة، فإنه من المفيد التطرق إلى مفهوم الكفاءة الفاعلة  (Efficacy)، وهو مصطلح يجمع بين تحقيق الأهداف المرجوة (الفاعلية) واستخدام الموارد بشكل مثالى (الكفاءة) ويشير مفهوم الـ Efficacy إلى قدرة المشروع على تحقيق النتائج المطلوبة بأقل تكلفة وجهد ووقت ممكن، دون التضحية بجودة المخرجات أو رضاء المستفيدين، ففى مشاريع التحول الرقمي، قد يحقق المشروع أهدافه (مثل زيادة عدد المستخدمين أو تحسين الوصول للخدمات)، لكنه يفعل ذلك بتكاليف باهظة أو بفترات تنفيذ طويلة أو بتوظيف موارد تفوق الحاجة، مما يعنى أنه فاعل لكنه غير كفء، والعكس صحيح، فقد يستخدم المشروع موارد محدودة بكفاءة، لكنه لا يحقق الأثر أو لا يصل إلى الجمهور المستهدف، فيكون كفء دون أن يكون فاعلا، وتحقيق الـ Efficacy يتطلب تصميماً متكاملاً للمشروع منذ البداية، بحيث تُحدد الأهداف بوضوح، وتُرسم آليات التنفيذ بناءً على أفضل استغلال للموارد، وتُدمج آليات التقييم فى كل مرحلة، ويُعد هذا المفهوم هدفاً إستراتيجياً لأى جهة تطمح إلى تنفيذ مشاريع رقمية ذات أثر حقيقى ومستدام.
 -4 الأثر (Impact)
يقيس “الأثر” فى تقييم مشاريع التحول الرقمى النتائج بعيدة المدى التى تتجاوز الأهداف القريبة مثل تأثير التحول الرقمى الشامل على الاقتصاد والمجتمع وسلوك الأفراد.
 ويجيب السؤال الأهم وهو لماذا نتحول رقميا هل نتحول رقميا لأنه توجه عالمى أو محلى أو لأنه تحول رقمى من اجل التغلب على تحديات أو حل مشكلات تواجه المجتمع والاقتصاد والتحول الرقمى هنا لديه  تأثير إيجابى فى مواجهة تلك التحديات أو حل تلك المشاكل، وبالتالى يكون الأثر على المدى البعيد محققا لأهداف الدولة ككل الطويلة المدى، ومثال على ذلك التحول الرقمى فى الأولويات الإستراتيجية للدولة مثل السياحة، هل رقمنه تجربة السائح من الألف للياء سوف توفر له أفضل تجربة سياحية وتزيد من أعداد السياحة الوافدة، وتغير من الصورة الذهنية السلبية فى بعض الأحيان؟ أم أن التحول الرقمى سوف يبقى فى هذه الحالة استعراضيا شكليا ومثال على ذلك أيضا التحول الرقمى فى الخدمات الحكومية، فإنه فى هذه الحالة لا يكون قياس الأثر من خلال قياس عدد الخدمات الرقمية المقدمة، بل من خلال قياس مدى صداها التنموى فى الاقتصاد من خلق وظائف جديدة ذات قيمة مضافة أعلى وتقليل الوقت والجهد اللازمين لدخول مستثمر جديد للعمل فى مصر زيادة عدد المثقفين رقميا، وبالتالى خلق ثقافة عامة تتجه لاستخدام التكنولوجيا فيما يفيد، بل يمكن أن يكون هناك أثر أيضا فى انتشار ثقافة الابتكار، التى تؤثر مجتمعيا فى ثقافة المجتمع ككل وتوجهه نحو استقبال العلم و كما هو واضح فان التحول الرقمى قد يكون جزءا من كل يسبب تلك الآثار طويلة المدى، ولكن هذا لا ينبغى أن يثنينا عن وضع تلك الآثار بعيدة المدى فى الحسبان وقياسها والضغط عليها عاما بعد عام حتى تتحقق مشروعات التحول الرقمى عائدا على الاستثمار يناسب الجهد والوقت والأموال المنفقة، ويتعدى المخرجات الآنية للمشروعات من خدمات محسنة وما إلى ذلك، وهو ما يؤسس أيضا لأطر عملية وممارسات حكومية يمكن البناء عليها عند دراسة جدوى مشروعات جديدة، وهذا المفهوم يغيب عن الكثيرين عند الحديث عن الأثر، لأن المشروع يصبح ذا أثر عميق إذا أسهم فى تحولات ملموسة تعكس تغييراً حقيقياً.  
أمثلة على أسئلة تقييم رئيسية:
هل أسهم المشروع فى التقدم الاقتصادى والاجتماعى والشمول المالى والتمكين الاقتصادى للمرأة؟
كيف أثر المشروع على محو الأمية الرقمية وتبنى الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي؟
هل ساهمت المشروعات أو البرامج المقدمة فى صنع حلول مستدامة الأثر لمشكلات أو مواجهة تحديات قائمة وكيف؟
إلى أى مدى أسهم المشروع فى تحقيق تقليص للفجوة الرقمية؟
هل أدى المشروع إلى تحوّل إيجابى فى سلوك المستخدمين أو المؤسسات تجاه استخدام التكنولوجيا الرقمية بشكل مستدام؟
هل هناك أدلة على أن المشروع كان له أثر فى خلق وابتكار سياسات جديدة إيجابية فى قطاعات مرتبطة به؟
 -5الاستدامة  (Sustainability)
تشير “الاستدامة” فى سياق تقييم مشاريع التحول الرقمى إلى قدرة المشروع البنيوية على الاستمرار فى تقديم القيمة المضافة بعد انتهاء التمويل الخارجى أو المراحل التنفيذية الأولى، وتأتى أهمية ذلك فى حالة الجهات التى تتلقى منحا أو معونات وتقوم بمشاريع التحول الرقمى ثم لا تعد نفسها للاستمرار بعد نهاية المشروع، لأن الاستدامة لا تقتصر على بقاء الأنظمة التكنولوجية متاحة بل تشمل أيضًا الاستمرارية المؤسسية لها من حيث وجود خطط للتطوير ومواكبة العصر وتوفير الميزانيات اللازمة لذلك بشكل مستدام، وتأمين الموارد اللازمة على المدى الطويل. ويتطلب تحقيق الاستدامة وجود أطر حوكمة، ونقل للمعرفة وللتكنولوجيا، وبناء قدرات مؤسسية لضمان أن الأنظمة والخدمات لا تنهار بمجرد انتهاء المشروع أو تبدل السياسات أو الأفراد، كما تشمل الاستدامة المرونة ومقاومة الصدمات، بحيث يمكن لمشروعات التحول الرقمى التكيف مع التغيرات المستقبلية.
أسئلة تقييم رئيسية:
هل لدى المشروع خطة تمويلية وتشغيلية طويلة الأجل؟ وهل هناك إستراتيجية للصيانة والتحديثات والتحسينات المستمرة؟
هل توجد هياكل مؤسسية لضمان استدامة المشروع؟
هل هناك ميزانية يتم تخصيصها بشكل دائم من إيرادات المشروع أو هل هناك شراكات مع القطاع الخاص لتمويل التشغيل بطريقة مشاركة الإيراد أو نماذج عمل أخرى مبتكرة؟
هل يمتلك الفريق التنفيذى المهارات والقدرات الفنية الكافية للحفاظ على استمرار نجاح المشروع؟
هل تم دمج المشروع ضمن سياسات وإستراتيجيات وطنية أو قطاعية طويلة الأجل لضمان استمراريته؟
هل تم بناء شراكات طويلة الأجل لدعم استدامة الموارد والتكنولوجيا والخدمات المرتبطة بالمشروع؟
هل توجد بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة لاستمرار المشروع بعد انتهاء التمويل أو فترة التنفيذ؟
هل أُدخلت تعديلات أو إصلاحات تشريعية لضمان دمج المشروع ضمن السياسات العامة مستقبلاً؟
لضمان نجاح مشاريع التحول الرقمى وتقييمها بشكل فعّال وفقًا لمعايير OECD/DAC، من الضرورى أن تُصمم المشروعات بطريقة تُمكّن من جمع البيانات بصورة منهجية ودورية، وتسمح بتطبيق آليات التقييم عبر مراحل متعددة من دورة حياة المشروع، ويتطلب ذلك إدماج مؤشرات أداء قابلة للقياس تتماشى مع الأهداف المعلنة، ولوحات تحكم وتحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعى، لتقليل الاعتماد على التقارير اليدوية ليسمح بتقييمات شهرية لتتبع الأداء التشغيلي، وتقييمات ربع سنوية لقياس الكفاءة التنظيمية والمالية، وتقييمات سنوية لقياس الأثر لكى توفّر فهما عميقا لمستوى النضج الرقمى واكتشاف التحديات، واتخاذ قرارات مبنية على الأدلة والبيانات.
إن المشروع الرقمى المؤهل للتقييم الشامل هو ذلك الذى يُصمم منذ بدايته بمنهجية تدمج بين الرصد، والتحليل، والتكيف، والاستدامة، مما يتيح استخراج رؤى معمّقة تدعم صنع السياسات والتحسين المستمر، وتعزز الأثر الفعلى على الاقتصاد والمجتمع.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام