فنون وفضائيات



بات ركنا أساسيا فى هوليوود.. رحلة سينمائية مع الروبوتات

5-4-2025 | 19:39
ريم عزمى

اجتاح الذكاء الاصطناعى عالمنا، بهدف تحسين حياة الإنسان،  البعض يتقبله والبعض الآخر يقلق منه، وعلى الجانب الفنى خصوصا فى السينما والتليفزيون، شاهدنا منه نوعيات مختلفة منها: الخيال العلمى والكوميديا، كما دخل فى برامج المقالب! ومن أحدث الأعمال التى تناولته المسلسل التليفزيونى الألمانى "كاسندرا"، من نوعية الرعب!
هذا النموذج من الأعمال الفنية، يمثل اتجاها فكريا وروحانيا، يفترض أن الجماد لديه مشاعر أيضا، لكن طالما لديه مشاعر فربما تتأثر أيضا حالته المزاجية ويتمرد على دوره المصمم له، وهنا تكمن الخطورة! وباختصار، الفرق بين الروبوت والذكاء الاصطناعى فى الأداء والوظيفة، لأن الروبوت يستخدم غالبا فى المهام التى تتطلب تحريك الأشياء أو تنفيذ أعمال محددة، بينما يستخدم الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات واتخاذ القرارات وتنفيذ المهام بشكل مستقل، وغالبا ما نرى عملية الدمج بينهما. 
وسعت هوليوود للتنبؤ بالقادم، ونحن نتابع المجريات، فقد انتقلت المخاوف من السينما إلى الواقع، ولا ننسى صدمة الأب الروحى للذكاء الاصطناعى، جيفرى هينتون الذى عمل على تطوير منتجات متعددة، كان أحدها تطوير روبوتات الدردشة القائمة على تقنية "جى. بى تى"، تقدم باستقالته من عمله، على خلفية مخاوف متصاعدة من أضرار جسيمة، ربما يسببها الذكاء الاصطناعى مستقبلا!
وتوصلت دراسة حديثة نشرت فى مجلة "نيتشر" العلمية البريطانية، إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعى مثل شات جى بى تى، تظهر مستويات متقلبة من "القلق"، عند تعرضها لمحتوى صادم!! وانتقلت المخاوف من مرحلة منافسة شرسة مع البشر فى جميع مجالات العمل، إلى طرح أسئلة مهمة خصوصا مع دخول الذكاء الاصطناعى الآن فى مجالات حساسة، كالصحة النفسية، حيث يطرح العلماء أسئلة مهمة: كيف تتفاعل نماذج الذكاء الاصطناعى هذه مع المحتوى العاطفى؟ وهل يُمكن التأثير عليها؟
وشهدنا سابقا تطور عقل ومشاعر الذكاء الاصطناعى فى فيلمى "ذ. أ: ذكاء اصطناعى" فى 2001، و"سيمون" فى 2002، و"أنا روبوت" فى 2004، وفى آخر جزء من سلسلة العميل السرى جيمس بوند "لا الوقت للموت" فى 2021. 
بحر العلم
منذ سنوات نشرت صحفية "ديلى ميل"، البريطانية، تقريرا حول ما يقوله العلماء إن التحدث إلى حيواناتك الأليفة، وحتى سيارتك علامة على الذكاء الاجتماعى! فى حين أنه من الشائع أن يتحدث الأطفال إلى ألعابهم المحشوة، أو حيواناتهم، يميل البالغون إلى تجاوز هذا الأمر، وينظر إليهم على أنهم غريبون إذا فعلوا ذلك؟ لكن هناك سبب علمى وراء ميل البشر إلى التحدث إلى الحيوانات أو الأشياء، وهو مرتبط بالذكاء الاجتماعى. قال الدكتور نيكولاس إيبلى، أستاذ العلوم السلوكية بجامعة شيكاغو الأمريكية إنه تاريخيا، تم التعامل مع التجسيم، باعتباره علامة على الطفولية أو الغباء، لكنه فى الواقع نتيجة ثانوية طبيعية للميل، الذى يجعل البشر متفردين بذكائهم على هذا الكوكب "! فيقول "لا توجد أنواع أخرى لديها هذا الاتجاه".
وقال سواء أدركنا ذلك أم لا، فإن البشر يجسدون الأشياء والأحداث فى كل وقت، وأكثر أنواع التجسيم شيوعا هو تخصيص أسماء بشرية للأشياء، وهناك ثلاثة أسباب فطرية وراء تجسيم الأشياء: نحن مجبرون على رؤية الوجوه فى كل مكان، وننسب العقول المدروسة إلى الأشياء التى نحبها، ونميل إلى ربط عدم القدرة على التنبؤ بالإنسانية، ونحن كبشر، نحن مجبرون على رؤية الوجوه، وهذه الغريزة تساعدنا على التمييز بين الأصدقاء والحيوانات المفترسة، التى يحتمل أن تكون خطرة. فى بعض الأحيان، تكون هذه الغريزة قوية، لدرجة أننا نرى الوجوه فى الأشياء - وهذا ما يسمى باريديوليا. 
كما وجدت دراسة استقصائية، شملت 900 مستمع لبرنامج "حديث السيارة"، أنه عندما قال الناس إنهم أحبوا سيارتهم، فمن المرجح أن يشيروا إليها كما لو كانت لها شخصية وعقل، وأظهرت دراسة أن عدم القدرة على التنبؤ، هو السبب وراء احتمال التحدث إلى سيارتنا إذا تعطلت، أو كانت تعمل بشكل غير متوقع. فى حين أن الدراسات لم تثبت وجود صلة واضحة بين التجسيم والذكاء الاجتماعى، قال الدكتور إيبلى، إن الارتباط قوى على الأرجح، لأنه كلما زاد تفاعل البشر مع العقول الأخرى، كلما نجحنا فى تفسير نياتهم، مما يجعلنا أكثر ذكاء اجتماعيا. 
روبوتات عجيبة
فى فيلم "ذكاء اصطناعى"، من إخراج ستيفن سبيلبرج، وفى إطار يشبه الحدوتة، يحدثنا الراوى فى المستقبل القريب فى القرن الثانى والعشرين، أدى ارتفاع مستوى سطح البحر، بسبب الاحتباس الحرارى إلى القضاء على المدن الساحلية، مما أدى إلى انخفاض عدد سكان العالم، تم إطلاق خط إنتاج روبوتات ميكا التى تشبه البشر، والتى تبدو قادرة على التفكير المعقد، ولكنها تفتقر إلى العواطف، لكن سرعان ما تم اختراع أول نموذج لديه مشاعر لطفل ميكا اسمه ديفيد، قادر على تجربة الحب، ويتبناه هنرى سوينتون وزوجته مونيكا، التى أصيب ابنها مارتن بمرض نادر، ويخضع لعلاج ميئوس منه، وتشعر مونيكا فى البداية بعدم الارتياح مع ديفيد، لكنها فى النهاية تتعامل معه كما يصادق الدب تيدى، وهو دمية روبوتية خاصة بمارتن، ويشفى مارتن بشكل غير متوقع من مرضه ويعود إلى المنزل،  ويشعر بالغيرة من ديفيد، ويحثه على القيام بأعمال مقلقة، ويتهم ديفيد بأنه يشكل خطرا على البشر، يقنع هنرى مونيكا بإعادة ديفيد إلى مبدعيه ليتم تدميره، معتقدا أنه إذا كان ديفيد يمكن أن يحب، فيمكنه أيضا أن يكره! ويتركاه فى الغابة، فيتعرف بروبوت شاب يساعده ويوضح أن الروبوتات تقدر الصداقة، وتتغير الدنيا، فبعد ألف عام، تنقرض البشرية وتدفن أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية، تحت الجليد، وتطورت الميكا إلى شكل متقدم، وأصبحت مجموعة منها، تسمى المتخصصين مهتمة بالتعرف على الإنسانية، ويعثرون على ديفيد وتيدى ويعيدون إليهم الطاقة، كما أعادوا بناء منزل عائلة سوينتون من ذكريات ديفيد وشرحوا له، عبر صورة تفاعلية للجنية الزرقاء التى يؤمن أنها ستحقق له الأمنيات، أنه من المستحيل جعله صبيا حقيقيا، ومع ذلك، وامام إصراره، يستخدمون معرفتهم العلمية لإعادة تكوين مونيكا من خلال مادة وراثية من خصلة الشعر التى احتفظ بها تيدى، ويمكن أن تعيش مونيكا ليوم واحد فقط، ولا يمكن تكرار العملية،  يقضى ديفيد أسعد يوم له مع مونيكا، وبينما كانت تنام فى المساء، أخبرت ديفيد أنها كانت تحبه دائما "اللحظة الأبدية التى كان ينتظرها" كما يقول الراوى. 
وفى فيلم "سيمون"، الذى يجمع بين الخيال العلمى والسخرية، بطولة النجم آل باتشينو، يتم استخدام الذكاء الاصطناعى فى السينما نفسها، عندما يتعرض مخرج متلهفا لنجاح باهر، للخطر عندما تغادر نجمة الفيلم موقع التصوير، وهو مجبر على التفكير بسرعة، لذا يقرر المنتج إنشاء ممثلة رقمية اسمها "سيمون"، وهو اسم امرأة وفى نفس الوقت يشير لتصميم النموذج "سيم وان"، لتحل محل النجمة، لتصبح أول ممثلة مصطنعة قابلة للتصديق تماما، وتصبح "الممثلة" بين عشية وضحاها نجمة لامعة، ولها مسيرة غنائية رائعة، ويظنها الجميع شخصا حقيقيا من شدة قدرتها على الإقناع، لكن مع صعود شهرة سيمون، لا يستطيع المنتج الاعتراف بخداعه لنفسه أو للعالم، وسرعان ما بدأ الاستديو، والعالم، بالتساؤل "من هى سيمون"؟ ويتم إجراء مقابلات عبر الهاتف والكاميرا لكن يصعب الاستمرار فى ذلك! ويتعرض المخرج للإلحاح كى يقدم سيمون على الهواء مباشرة، وتترشح سيمون لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة وتفوز بها!وبعد فترة، يقرر المخرج قتلها! 
وفى 2013، عرضت فى أوروبا دراما سويدية تروج للنفس الفكرة، أن أوروبا ربما تكون مهددة بثورة الروبوتات مستقبلا! ربما لم تقترب الدراما من تناولها للطموح التكنولوجى، مثلما اقترب هذا المسلسل التليفزيونى الذى يطل علينا من أقصى الشمال، وتصل الدرجة لأن يتخذ الرجل خليلة مكانيكية أو تتخذ المرأة عشيقا آليا، وأن تعارض هذه الروبوتات التى تشحن بطاريتها بالكهرباء تصرفات البشر ومنها الانحرافات مثل زواج المثليين، فهذه مرحلة شديدة التعقيد!ويبدو أن الأمر لم يعد خيالا خالصا، فالعلوم كل يوم تبشر بمفاجآت فى المستقبل، وكل مدى نجد المبتكر فى الحياة العادية للأوروبى، وتحتل الماكينات أرضا جديدة كل يوم، وفى الجزء الأول من المسلسل السويدى بعنوان "بشر حقيقيون "، من نوعية الخيال العلمى، وتدور أحداثه فى المستقبل القريب عن روبوتات على هيئة البشر يطلق عليها اسم "هيوبوت"، وفقط تختلف اختلافات طفيفة مثل لون العين وملمس الشعر، وتنقسم إلى ذكور وإناث، وتقوم بوظائفها مثل الخادمة والمربية والشرطية ومراقب العمال وحتى اللصوص التى تعمل لدى زعيم العصابة الإنسان! ومن ناحية بدأ يشعر بعض البشر بالكراهية تجاهها، لأنها غزت حياتهم بشكل زائد، وفى المقابل تشعر الروبوتات بالظلم، فتقرر التمرد على احتقار واستغلال الإنسان لها، وتبدأ فى انتقاد أسلوب حياته، بل وفى عمل تنظيم سرى للقيام بثورة! وهناك بشر يتعاطفون مع قضيتها بالتأكيد، ويمكن أن تنطبق الفكرة على المهاجرين العرب والأفارقة والآسيويين، الذين قدموا للعمل فى أوروبا وقبلوا بظروف صعبة، ومن بينها العنصرية لكى ينالوا حظا من الحياة الكريمة فيما بعد، لكن المسلسل يتيح لنا السفر بخيالنا لأبعد من ذلك. 
وسبق أن رأينا "أنا روبوت"، بطولة ويل سميث، حيث تتهم أحد الروبوتات فى جريمة قتل إنسان! لكن هذه المرة تتعمق الفكرة أكثر بحيث تبدو روبوتات استثنائية، وجديرة بأن تحل محل الإنسان! وهى قصة من قصص الخيال العلمى للأديب، والعالم الأمريكى الراحل إسحق أسيموف، وهو ينحدر من أصول روسية يهودية، وقد جمح بخياله ليحدد قوانين تحكم العلاقة بين البشر والروبوتات.
القوانين الثلاثة:
القانون الأول
لا يجوز للروبوت أن يؤذى إنسانا، أو يسمح للإنسان من خلال التقاعس بإيذائه. 
القانون الثانى
يجب أن يطيع الروبوت الأوامر الصادرة عن البشر إلا فى الحالات التى تتعارض فيها هذه الأوامر مع القانون الأول. 
القانون الثالث
يجب أن يحمى الروبوت وجوده طالما أن هذه الحماية لا تتعارض مع القانون الأول أو الثانى. 
كما شهدنا تفاعلا هائلا بين الروبوتات والبشر، وكيف تتبادل معها الأحاديث بشكل مبهر وفلسفى وروحانى فى فيلم "بين النجوم"، إنتاج 2014، حيث يعرض الفيلم روبوتين، كيس وتارس، بالإضافة إلى روبوت ثالث مفكك اسمه كيب، وأراد المخرج والمؤلف كريستوفر نولان تجنب جعل الروبوتات مجسمة، فاختار تصميما رباعى الأضلاع بطول متر ونصف المتر، وقال"لهذا التصميم فلسفة وهو تصميم معقد للغاية، فهو مبنى على الرياضيات، لديك أربع كتل رئيسية، ويمكن ربطها بثلاث طرق. 
ثم ننتقل إلى "لا وقت للموت"، الذى يتخذ أسلوبا إنسانيا وفلسفيا حول الحياة والموت، على عكس اتجاه سلسلة جيمس بوند المليئة بالمغامرات مع لمحة مرح، وقدم النجم الأمريكى الذى ينحدر من أصل مصرى، رامى مالك دورا فذا عن عدو جيمس بوند، الذى يقوم بدوره النجم الإنجليزى دانييل كريج، لكن هذه المرة هو فائق السيكوباتية، ونال راميدى مالك، إشادة من النقاد عن دور لوتيسيفر سافين الإرهابى مشوه الوجه، وعالم فى السموم، ويقوم بمهمة انتقامية ضد منظمة سبيكتر الإرهابية السرية وكذلك أصبح خصم بوند، وصف مالك الشخصية على أنها شخص يعتبر "نفسه بطلا بنفس الطريقة التى يعتبر بها بوند نفسه بطلا".  وصف المخرج الأمريكى الذى ينحدر من أصول يابانية، كارى جوجى فوكوناجا سافين، بأنه "أكثر خطورة من أى شخص واجهه بوند على الإطلاق" و "خصم فائق الذكاء وجدير بالتحدى"! وفيها يتم اختراع سلاح شرير قائم على روبوتات متناهية الصغر، نانوية تلتحم مع الحمض النووى للشخص، أو الأشخاص وتنتقل عبره للآخرين، فيتحول الإنسان نفسه لسلاح دمار شامل!
كذلك فيلم رجل اسمه أوتو، وهو من نوعية الدراما، ويطرح أسئلة عن الحياة والموت أيضا، وكما لو كان يحمل نبؤة عن دمار الحياة الغربية المتمثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تغول التكتولوجيا، وهو مأخوذ عن رواية الأديب السويدى فريدريك باكمان، بعنوان "رجل اسمه أوفى"، ومستوحاة من قصة حقيقية لرجل متقاعد ووحيد ومتبرم. ونجد رموزا واضحة جدا، مثل تحكم شركات العقارات فى البشر، والشركة تحمل اسم "داى آند ميركا"، وجاء على لسان البطل، ويقوم بدوره توم هانكس أن المعنى بالإنجليزية كما لو كانت أمريكا تحتضر! وكذلك انتقاد البطل الدائم للتكنولوجيا وتشغيل الروبوتات، بدلا من البشر، مثل الرد على العملاء فى الهاتف، وهوس الناس بالموبايلات ومواقع التواصل الاجتماعى، فلم يتحرك سواه عند سقوط رجل مسن على قضبان القطار، والقمار قادم، والباقون صوروا الحدث بكاميرات الموبايل، ونشرتها على وسائل التواصل الاجتماعى، وبعد تطور الأحداث وتحول رغبة أوتو من رفض الآخرين ورفض الحياة، إلى تقبل كل شىء، أن النهاية واحدة فى جميع الحالات، لأنها الحقيقة الوحيدة فى حياتنا، وهى الرحيل والانتقال للعالم الآخر! ولا شك أنه عالم ثرى وملىء بالتطور، وما زالت هناك جولات بين الفن وبين الروبوتات والذكاء الاصطناعى. 
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام