رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الثلاثاء 22 ابريل 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
نحن والعالم
من أدوات السياسة الخارجية فى عالمنا اليوم.. الدبلوماسية الرقمية القوة الناعمة فى مواجهة آلة الحرب
6-4-2025
|
19:24
هانى فاروق
فى عصر يشهد تحولات سريعة فى العلاقات الدولية، أصبحت التكنولوجيا الرقمية لاعبًا رئيسيًا فى تشكيل السياسة الخارجية للدول، فمع تزايد الأزمات والحروب، لم تعد الدبلوماسية تقتصر على الاجتماعات المغلقة أو الاتصالات الرسمية، بل باتت منصات التواصل الاجتماعي، والبيانات الضخمة، وتقنيات الذكاء الاصطناعى أدوات فاعلة فى التواصل بين الدول، والتأثير على الرأى العام، وإدارة الأزمات.
ومع تصاعد الحروب والأزمات الدولية، تزداد أهمية الدبلوماسية الرقمية كأداة رئيسية فى السياسة الخارجية للدول، ورغم أن اللقاءات المباشرة والاتصالات التقليدية لا تزال ضرورية، فإن العصر الرقمى فرض واقعًا جديدًا يجعل من المستحيل تجاهل تأثير الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعى على العلاقات الدولية..
على الرغم من أن استخدام التكنولوجيا فى الدبلوماسية يعود لعقود، فإن مصطلح "الدبلوماسية الرقمية" ظهر بشكل واضح مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد بدأت الحكومات تدرك أهمية التفاعل المباشر مع الشعوب، وليس فقط مع الحكومات الأخرى، خصوصًا بعد ظهور "القوة الناعمة" كمفهوم مؤثر فى العلاقات الدولية، وتتميز الدبلوماسية الرقمية بالسرعة، والوصول المباشر للجماهير، وإمكانية تخطى الوسائل التقليدية لنقل الرسائل السياسية، ففى الوقت الذى كانت البيانات الرسمية تأخذ وقتًا للوصول إلى الجمهور، باتت التغريدات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعى تصنع الحدث وتوجهه فى لحظات.
أحد أبرز الأحداث التى كرست الدبلوماسية الرقمية، كان أحداث "الربيع العربي" عام 2011م، حيث استخدمت الحكومات والمنظمات الدولية مواقع التواصل الاجتماعى للتواصل مع الشعوب والتأثير على الأحداث، ومنذ ذلك الحين، أصبح التواصل الرقمى أداة دبلوماسية أساسية، سواء فى أوقات السلم أم أثناء الحروب والأزمات.
"كورونا" صنعت واقعًا جديدًا
وقد لعبت جائحة كورونا دورًا رئيسيًا فى تسريع التحول نحو الدبلوماسية الرقمية، فقد فرضت الأزمة الصحية العالمية قيودًا على السفر والاجتماعات المباشرة، مما دفع الدول والمؤسسات الدولية إلى تبنى أدوات الاتصال الرقمى على نطاق واسع.
فعلى سبيل المثال، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 2020م اجتماعاتها عبر الإنترنت، كما نظمت الدول الكبرى قممًا افتراضية لمناقشة إستراتيجيات التعامل مع الجائحة. فى الوقت نفسه، استخدمت الدول الدبلوماسية الرقمية لتعزيز التعاون الصحي، مثل تبادل المعلومات حول اللقاحات والإجراءات الوقائية.
وتتخذ الدبلوماسية الرقمية عدة أشكال، منها الدبلوماسية العامة الرقمية حيث تستخدم الدول وسائل التواصل الاجتماعى لنشر رسائلها السياسية والثقافية، والتفاعل مع الشعوب الأخرى، ودبلوماسية وسائل التواصل الاجتماعى، حيث تعتمد على منصات مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب لنقل مواقف الدول والتأثير على الرأى العام العالمي، والدبلوماسية السيبرانية التى تركز على حماية المصالح الوطنية فى الفضاء الإلكتروني، ومكافحة القرصنة والهجمات السيبرانية، ودبلوماسية البيانات من خلال استخدام المعلومات الضخمة والذكاء الاصطناعى لتحليل الاتجاهات السياسية والاستفادة منها فى صنع القرار.
مصر ودبلوماسية المستقبل
وبدأت العديد من الدول العربية فى تبنى الدبلوماسية الرقمية كجزء من سياساتها الخارجية، ومن أبرز التجارب الناجحة، التجربة المصرية الرائدة التى تعتمد على الدبلوماسية الرقمية من خلال صفحات الرئاسة ووزارة الخارجية على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى البيانات الرسمية والحملات الرقمية التى تشرح مواقفها السياسية.
وأصبحت السياسة الخارجية المصرية تعتمد بشكل متزايد على الدبلوماسية الرقمية، حيث تستخدم الدولة وسائل التواصل الاجتماعى لشرح مواقفها، والرد على الانتقادات، والتواصل مع الجاليات المصرية فى الخارج.
وتعد صفحة المتحدث الرسمى للرئاسة المصرية، وصفحات وزارة الخارجية، والسفارات المصرية على فيسبوك وتويتر أدوات رئيسية فى هذا المجال، حيث يتم نشر الأخبار والتصريحات الرسمية، إضافة إلى الحملات الرقمية للترويج للسياحة والاستثمار فى مصر.
بينما عززت المملكة العربية السعودية من وجودها الرقمى ضمن رؤية 2030م، حيث أصبحت وزارة الخارجية السعودية نشطة على المنصات الرقمية، كما تستخدم الحكومة الدبلوماسية الرقمية لتحسين صورتها الدولية، إضافة إلى ذلك، أطلقت السعودية مبادرات رقمية فى مجالات مثل مكافحة التطرف، وتعزيز الحوار الثقافي، والتعاون الاقتصادي، مما جعلها واحدة من أكثر الدول العربية تأثيرًا فى الدبلوماسية الرقمية.
كما تعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة فى الدبلوماسية الرقمية، حيث استثمرت بشكل كبير فى الذكاء الاصطناعى والتواصل الرقمى لتعزيز علاقاتها الدولية، كما نظمت قممًا رقمية وفعاليات كبرى عبر الإنترنت مثل "إكسبو 2020"، ولم تكتفِ الإمارات باستخدام الدبلوماسية الرقمية كأداة تواصل، بل جعلتها جزءًا من إستراتيجيتها الشاملة، حيث تستثمر بكثافة فى الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والتواصل الرقمى لتعزيز علاقاتها الدولية.
فعلى سبيل المثال، لعبت الإمارات دورًا بارزًا فى الدبلوماسية الصحية الرقمية خلال جائحة كورونا، حيث قدمت المساعدات الطبية عبر منصات رقمية، كما استضافت مؤتمرات دولية عبر الإنترنت لمناقشة القضايا العالمية.
الدبلوماسية الجديدة فى زمن الحروب
وتؤدى الدبلوماسية الرقمية دورًا معقدًا فى أوقات الصراعات والحروب، حيث تُستخدم بعدة أشكال، منها حشد الدعم والتأثير فى الرأى العام حيث تستخدم الدول المتحاربة وسائل التواصل الاجتماعى لحشد التأييد لمواقفها، سواء داخل حدودها أم على المستوى الدولي، فعلى سبيل المثال خلال الحرب الروسية الأوكرانية، استخدمت أوكرانيا تويتر وفيسبوك وتيك توك لنقل صورة المعاناة الإنسانية، بينما استخدمت روسيا وسائل الإعلام الرقمية لتبرير موقفها، وهناك مثال آخر، حيث لجأ الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إلى الدبلوماسية الرقمية بشكل مكثف، عندمت استخدم مقاطع الفيديو المباشرة والرسائل عبر تويتر لحشد الدعم العالمى ضد الغزو الروسي، ونجح فى استمالة الرأى العام الغربى لصالح بلاده.
كما أن هذا النوع من الدبلوماسية الجديدة، كشف انتهاكات الحروب وجرائم الحرب، وفى النزاعات الحديثة، تلعب وسائل التواصل الاجتماعى دورًا رئيسيًا فى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، حيث يتم نشر مقاطع فيديو وصور عن الهجمات ضد المدنيين، ما يضع ضغطًا دوليًا على الأطراف المتورطة.
وخلال الحرب السورية، تم استخدام تويتر ويوتيوب لنشر صور وفيديوهات عن القصف والهجمات الكيميائية، ما دفع المجتمع الدولى للتدخل دبلوماسيًا وفرض عقوبات على النظام السوري.
وفى عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية، تم استخدام الدبلوماسية الرقمية لنقل صور القصف والانتهاكات ضد المدنيين فى غزة، مما أدى إلى تحركات دبلوماسية وضغوط دولية على إسرائيل.
ومن أدوارها أيضًا، وعلى الجانب الآخر، تُستخدم الدبلوماسية الرقمية كأداة للحرب النفسية عبر نشر معلومات مضللة أو داية تهدف إلى التأثير على معنويات الخصم، ففى خلال الحرب فى أوكرانيا، نشرت روسيا وأوكرانيا معلومات متضاربة حول سير المعارك، وحاول كل طرف التأثير على نفسية الجنود والمواطنين من خلال الأخبار المزيفة، وفى الحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناجورنو كاراباخ، تم استخدام مواقع التواصل الاجتماعى بشكل مكثف لنشر معلومات مضللة، وتحفيز الدعم الشعبى لاستمرار القتال.
وفى ضوء ذلك، أصبحت الشركات التكنولوجية الكبرى جزءًا من الصراع، حيث قامت منصات مثل فيسبوك وتويتر بفرض قيود على حسابات مسئولين حكوميين خلال النزاعات، فخلال الحرب الروسية الأوكرانية، قامت ميتا (الشركة المالكة لفيسبوك وإنستجرام) بحظر وسائل الإعلام الروسية مثل "روسيا اليوم" و"سبوتنيك"، مما جعل روسيا تتخذ إجراءات مضادة بحجب المنصات الغربية. كما قامت منصات مثل تويتر ويوتيوب بحذف محتوى تعتبره "مضللًا" عن الحروب، مما يثير جدلًا حول حرية التعبير واستخدام هذه المنصات كأداة للضغط السياسي.
الدبلوماسية الرقمية وسيلة للتفاوض
فى بعض الحالات، استخدمت الدبلوماسية الرقمية كأداة للتواصل غير المباشر بين الأطراف المتصارعة، فخلال الأزمة النووية الإيرانية، لعبت منصات التواصل الاجتماعى دورًا فى تسهيل التفاهمات بين الدبلوماسيين الإيرانيين ونظرائهم الغربيين، وفى أزمة أفغانستان عام 2021م، استخدم دبلوماسيون أمريكيون حساباتهم على تويتر للتواصل مع حركة طالبان بعد سيطرتها على كابل، حيث تم تبادل رسائل علنية حول إجراءات الإجلاء.
كما استُخدمت الحسابات الرسمية لقادة الدول لتوجيه الرسائل السياسية مباشرة إلى الشعوب، مثل تغريدات الرئيس، عبد الفتاح السيسى، التى تعد أبرز مثال لاستخدام الدبلوماسية الرقمية من قبل القادة فى تعزيز العلاقات العربية والعالمية، وأيضًا تغريدات الرئيس الإماراتى، محمد بن زايد آل نهيان، وتغريدات وزير الخارجية الإماراتى، أنور قرقاش، التى كانت تعكس مواقف بلاده تجاه أزمة الرباعى العربي. ويعد موقعا التواصل الاجتماعى (X, Facebook) هما الأكثر شيوعًا واستخدامًا من قبل الدبلوماسيين ووزارات الخارجية أو المسئولين وقادة الدول، حيث يشهد موقع تويتر سابقًا، إكس (X) حاليًا، أبرز مظاهر الدبلوماسية الرقمية ذات الطابع التفاعلي، مما أدى إلى ظهور مصطلح دبلوماسية تويتر (Twiplomacy)، وتشير الدراسات إلى أن نحو 97 % من زعماء وحكومات الدول لهم حسابات رسمية على تويتر، ونحو 93 % من 179 دولة لها على الفيسبوك.
أيضًا لعبت الدبلوماسية الرقمية دورًا متميزًا فى الحرب اليمنية، حيث اعتمدت الحكومة اليمنية الشرعية على المنصات الرقمية لحشد الدعم الدولى ضد الحوثيين، ومن جانب آخر، استخدمت جماعة الحوثى وسائل التواصل الاجتماعى لنشر روايتها للأحداث، والتأثير على الرأى العام المحلى والإقليمي.
وفى عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة والضفة الغربية فى 7 مارس 2023م، الذى لا يزال مستمرًا حتى الآن، كانت وسائل التواصل الاجتماعى ساحة مواجهة إعلامية لتزييف الحقائق والخداع جراء المجازر وحرب الإبادة التى يرتكبه رئيس وزرائهم، بنيامين نتنياهو، وتم استخدام حملات إلكترونية لفضح الانتهاكات الإسرائيلية، ما أدى إلى زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل وفضح كذب ادعاءاتها وممارساتها الإجرامية.
ورغم القوة التى توفرها الدبلوماسية الرقمية، فى عصرنا هذا إلا أنها تواجه تحديات عديدة فى مقدمتها التضليل الإعلامى وصعوبة التحقق من صحة المعلومات المنشورة خلال النزاعات، والرقابة الرقمية، حيث إن تحكم الشركات التكنولوجية فى المحتوى قد يؤدى إلى انحيازات سياسية، والهجمات السيبرانية من خلال استهداف مواقع التواصل الاجتماعى ضمن الحروب الإلكترونية لتعطيل الرسائل الدبلوماسية، ولعل من أهم التحديات أيضًا تأثيرها المحدود على المدى الطويل، رغم تأثيرها السريع، فإن الدبلوماسية الرقمية وحدها لا تحل النزاعات، بل تحتاج إلى مفاوضات فعلية على الأرض.
ومع تطور التكنولوجيا، يتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات الضخمة أدوات جديدة فى الدبلوماسية الرقمية، مما يجعلها أكثر تأثيرًا ودقة، كما أن الواقع الافتراضى قد يسمح بإجراء مفاوضات دبلوماسية عن بُعد بطرق أكثر تفاعلية، وبدور أكبر فى تشكيل السياسات الخارجية، مما يفتح الباب أمام تطور جديد فى مفهوم الدبلوماسية الرقمية، لكن فى المقابل، ستزداد محاولات الدول للسيطرة على الإنترنت وحجب المحتوى المعادي، مما قد يؤدى إلى "حروب رقمية" موازية للحروب التقليدية.
كلمات بحث
هانى فاروق
نحن والعالم
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
من فرنسا إلى إندونيسيا وقطر والكويت.. نجــــاح كبيــــر للدبلوماسية الرئاسية
يمهد الطريق أمام الكتلة الغربية.. قرار ماكـرون يشعــــل نيران الغضب فى إسرائيل
بعد مفاوضات الساعات الخمس بإسطنبول.. مباحثات أمريكا وروسيا.. دبلوماسية
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام