مقالات



ترامب.. على مفترق الطرق

10-4-2025 | 17:43
د. عمرو بسطويسى

نعاصر جميعا الأحداث والمتغيرات الأخيرة التي يمر بها العالم كله، التي تماثلت على أرض الواقع وتبلور شكلها بعدما تولى الرئيس دونالد ترامب مدة حكم بلاده للمرة الثانية، وظهر بوجه جديد وسياسات فجة قوية تميزت بإيمان مطلق بمنطق القوة والسيطرة والضرب بعرض الحائط بكل شيء من أجل ما يعتقد ترامب أنه لمصلحة بلاده أمريكا . 
 
وقد شاهدنا كيف انطلق الرئيس الأمريكي في سماء الأحلام الصهيو - إمبريالية ضاربا بعرض الحائط كل المواثيق الدولية والإنسانية واقترح تهجير فلسطينيي غزة لإقامة "ريفييرا" عالمية على أنقاض مدنهم وأحلامهم وأشلاء ضحاياهم. كما شهدنا كيف تلقفت حكومة الاحتلال هذا الفكر المتطرف، وبدأت ترسم خططها لتحقيق أحلامها التوسعية المريضة حتى وبعد أن أبدى الرئيس الأمريكي درجة من إعادة النظر استجابة للإجماع العربي في قمة القاهرة، وما صدر عنها من خطة مصرية عربية لإعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها . 
 
وإلى جانب الذراع السياسية الغريبة في منظومة السياسة الأمريكية الحالية، فقد شاهدنا أيضاً ذراعاً اقتصادية عجيبة الشأن حيث أطاح الرئيس الأمريكي بأقرب حلفاء أمريكا حينما أصدر تعريفات جمركية على واردات أمريكا من كل دول العالم دون تمييز مما أشعل حرباً رباً . تجارية تسببت في خسائر للاقتصاد الأمريكي قبل غيره ولأقرب أصدقاء ترامب من المليارديرات بما يزيد على الثلاثين مليار دولار خسرهم ايلون ماسك في يومين فقط، بينما كان مجموع ما خسره أغنى 500 رجل أعمال على مستوى العالم قد تعدى 500 مليار دولار ذاهبا باقتصاد العالم إلى حالة من الركود العالمي لن تحمد عقباها، والذي طال أيضاً الشعب الأمريكي والذي انطلق في تظاهرات تندد بسياسة الرئيس الأمريكي وقرينه إيلون ماسك.
 
في خضم هذا كله وبينما التحالفات الدولية تتأرجحوالاستقطاب العالمي يتغير، ورائحة حرب عالمية جديدة، تفوح في سماوات العالم منذرة بالخطر، وبينما مجازر غزة والضفة الغربية تتصاعد مدعومة بسياسات الرئيس الأمريكي الباحث عن لقب رجل السلام جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر لترسل رسائل ورموزا للعالم بشكل عام والقيادة الأمريكية خاصة. 
 
 
نعم، فما لم يتمكن الرئيس الأمريكي من قراءته بشكل جيد، فقد بلوره الرئيس الفرنسي بزيارته للقاهرة في هذا الوقت الحساس مدعوماً بالاتحاد الأوروبي والذي بهذه الزيارة يؤكد على أن مصر رمانة الميزان للمنطقة. هذه الريادة لم يمنحها أحد المصر بل منحها لها التاريخ ومنحها لها صعودها أمام كل المؤامرات ونجاتها من كل المكائد. هنا نقف احتراما وإجلالاً للقيادة المصرية لما آلت إليه سياستها الراقية من تقدير واحترام العالم، والقيادتين للصرية والفرنسية لما أرسلنا من رسائل رمزية للعالم والقيادة الأمريكية مقادها، أن مصر، ومصر فقط هي التي يمكنها قيادة المنطقة لما هو أفضل، ذلك عندما تدرك أمريكا ذلك . 
 
إن السياسة المصرية الهادئة الرزينة الثابتة على المبادئ هي التي جعلت أوروبا كلها تقف إلى جانب مصر بالدعم السياسي والمادي، وأنت بالصديق الفرنسي الكبير إلى أحضان المحروسة في ضيافة الرئيس المصرى ليزور أجمل مناطقها الأثرية وأكثرها ازدحاما فيرسل بذلك رسالة مفادها أن مصر هي بلد الحضارة والتاريخ والأمان، وليحل أيضاً ضيفاً مميزاً على أقدم جامعاتها وأعرقها جامعة القاهرة ليرسل رسالة مفادها أن مصر هي منشأ العلم ومنارة العلوم. 
 
دخل الرئيس الفرنسي بطائرته الأجواء المصرية في حراسة طائرات الرافال المصرية ليدرك العالم أن التسليح ليس مقصوراً على دولة بعينها وإن دول العالم ستلجأ في تسليح جيوشها الى الدول التي تحترم تاريخها وحقها في الحياة وبذلك أيضا يدرك العالم أن السلام الذي صنعته مصر له قوة جبارة تحميه وتحافظ عليه. 
 
لم تنته زيارة الرئيس ماكرون قبل أن يكتمل تألقها بانضمام العاهل الأردني في ضيافة مصر لتتبلور قمة ثلاثية تدعو إلى السلام وتنادي بإحكام العقل وتدد بالرعونة السياسية الدولة الاحتلال وتؤكد على الثوابت العربية بشأن القضية  الفلسطينية، هذه القمة تواصلت مع الرئيس الأمريكي ولعل لهذا التواصل الأثر الطيب فيما ستراه لاحقا. 
 
هنا نقف احتراما وإجلالاً للقيادة المصرية لما آلت إليه سياستها الراقية من تقدير واحترام العالم، والقيادتين المصرية والفرنسية لما أرسلنا من رسائل رمزية للعالم والقيادة الأمريكية مفادها، أن مصر، ومصر فقط هي التي يمكنها قيادة المنطقة لما هو أفضل، ذلك عندما تدرك أمريكا ذلك . 
 
و كما كانت مصر الرائدة في نصرها العسكري في السادس من أكتوبر 1973 والرائدة في تحقيق السلام بعد زيارة الزعيم السادات التاريخية ومعاهدة كامب ديفيد، فإن الطريق إلى السلام اليوم أيضا لن يكون إلا عن طريق القاهرة. 
 
إذا أراد ترامب جائزة نوبل للسلام فليس أمامه إلا القاهرة أما إذا أراد أن يضع اسمه في وضع مختلف، فليس أمامه إلا طريق نتنياهو قاتل الأطفال والطلوب للعدالة الدولية. 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام