مقالات



رسائل السيسى وماكرون للعالم من خان الخليلى والعريش

10-4-2025 | 17:43
أسامة سرايا

دار الزمن دورته التاريخية بين مصر وفرنسا، وها نحن أمام صورة تاريخية جديدة، عدنا لنكتب التاريخ الإنسانى ونفتح صفحات جديدة للأمل، بين الشعوب والحضارات، بين شطآن المتوسط (غربا وشرقا)، والسجل مفتوح منذ كشف شامبليون، سر الحضارة المصرية القديمة عبر حجر رشيد،  وإرسال محمد على باشا لمبعوثين مصريين للدراسة بقيادة رفاعة الطهطاوى، عدنا فى الربع الثانى من القرن الراهن، الواحد والعشرين عندما اهتزت منطقتنا بأطول حرب مع إسرائيل والحصار الجائر على سكان غزة، سيتذكر المصريون زيارة نبيلة للتاريخ بين رئيسين ما زالا يسجلان للحضارة الإنسانية صفحات جديدة مبهرة للسلام والتنمية لشعبيهما وللمنطقة وللعالم.
 
الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، زعيم مصر، والرئيس الفرنسى ماكرون. تلك الزيارة جاءت لمصر فى توقيت دقيق وحساس، إبريل 2025، لم تكتف بمباحثات أو شراكة إستراتيجية بين البلدين، ولقاءات بجامعة القاهرة واتفاقيات للطاقة والتكنولوجيا والتعاون الاقتصادى، لكن كعادة الحضارات القديمة والعريقة، التحمت بالناس، وزار والتقى السيسى وماكرون أهل الحسين وخان الخليلى فى قلب مدينة القاهرة، فى مشهد يعكس روح القاهرة القديمة والحديثة معا، ويرد على من حاولوا إظهار مصر على عكس حقيقتها، بل بصمودها وعملها لتغيير وجه الحياة لأهلها من المصريين الذين يدفعون ثمن البناء، ويتحملون خسائر ضخمة نتيجة الصراعات والحروب الدائرة حولنا، والمصريون متمسكون بدعم الشعب الفلسطينى وبقاء أهل غزة فى مدينتهم التى هدمتها إسرائيل فى أطول حرب  مر عليها أكثر من عام ونصف العام، ولا يتحرك أحد، حتى عندما يلتقى زعماء العالم ويتحدث الرئيس الأمريكى ترامب مع فريقه، أو مع نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، لا يتكلمون عن ضحايا غزة وحصارهم دون طعام ومياه، ويعيشون بلا كهرباء وبلا أى مستلزمات فى الحياة، وتهدمت مدينتهم تماما على رؤوس أهلها بالطائرات التى تقتل وتشن غاراتها، هنا كان لقاء الرئيسين -المصرى والفرنسى- فى العريش هو الآخر، بالقرب من مجزرة الإسرائيليين والإبادة الجماعية، للوقوف على صورة حقيقية لما يحدث لأهل فلسطين، الذين يعيشون مهاجرين بلا هوية وبلا دولة، وأرضهم استولت عليها إسرائيل وأقامت عليها دولتها، ولا تريد أن تترك جزءا من الأرض لهذا الشعب المسكين لكى يقرر مصيره.
 
كانت القمة المصرية - الفرنسية التى حضرها ملك الأردن، قمة ثلاثية وكان هدفها كشف العدوانية الإسرائيلية، وأن يلتقى الجميع فى القاهرة لإعادة تعمير غزة التى سبق عقد قمة فى أوائل مارس، وأعطت للعالم مشروعا لإعادة إعمار غزة وأهلها إلى الحياة، وإنقاذ الفلسطينيين ولكى ترمم وجه العالم الذى أصابته ندوب، وأصبحت دماء أطفال غزة عنوانا للكراهية والعنف الذى يسود بين العرب والإسرائيليين منذ النصف الثانى من القرن العشرين، العرب يمدون أيديهم بالسلام والتعايش الإقليمى، والإسرائيليون يرفضون بل يبيدون الفلسطينيين على أرضهم.
 
القمة المصرية - الفرنسية - الأردنية، التى انضم إليها الرئيس ترامب هاتفيا، كانت رسالة إيجابية وتحركا على المستوى الدولى، لوقف هذه الحرب المهلكة لكل الشرق الأوسط، والتى تفتح أبواب الجحيم واستمرار شرارات الحروب الدينية والكراهية العنيفة بين الشعوب، لكن إسرائيل لم تتعظ وأمريكا ترامب وقبلها أمريكا بايدن، تشعر بالضعف والهزال أمام هذا اليمين المجحف المتطرف.
لا يسعنا إلا نشكر ونثمن فاعلية مصر، ونزكى دورها لوقف الحرب، وأن نشير إلى أن زيارة ماكرون والقمة الثالثة ثم الرابعة بالقطع سيكون تأثيرها على الأوضاع المتردية فى المنطقة العربية والأراضى الفلسطينية (غزة والضفة والقدس)، وأن الرسالة التى خرجت من القاهرة موجهة ضد التوحش والعدوانية الإسرائيلية، ستلجم التيارات المتطرفة فى أمريكا وإسرائيل، وأنها بمثابة طوق إنقاذ للإنسانية وللمؤسسات الدولية التى غابت عنها ضرورات وقف هذه الحرب التى خرجت عن كل السوابق، وأصبحت بمثابة إطلاق شرارات العنف والتطرف فى كل جزء من عالمنا، وأصبحت الحرب المهلكة، ليس للشرق فقط، لكن للغرب أيضا.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام