رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الثلاثاء 22 ابريل 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
مقالات
«سلام القوة» المضلل
10-4-2025
|
17:46
مهدى مصطفى
الجانب المظلم من التاريخ يطفو على سطح السياسة الأمريكية، فتغرق الحداثة، وما بعدها، فى مستنقع من الوحل، ويظهر مفهوم «السلام الروماني» من تحت الركام، كما لو أن التاريخ قرر العودة مرتديًا درعا من البلاستيك وبوقا من النفاق.
تبدو فلسفة توماس هوبز عن «الوحش الإمبراطورى الضروري» كأنها الكتيب الإرشادى غير المعلن للبيت الأبيض.
الإنسان، حسب هوبز، هو «ذئب لأخيه الإنسان»، وإن لم يُخضع بالقوة القاهرة، فإن الفوضى ستعم الجميع، وهنا تتجلى نصيحة ميكافيللى عن «محاكاة الجنون» بوضوح مزعج فى وجوهنا جميعًا، بينما ينهض كارل شميت – ذلك المفكر النازى الأنيق بأفكاره الكالحة – من قبره ليتنزه بين دهاليز المحركات الجيوسياسية الحديثة.
السلام الرومانى لم يكن يوما سلاما حقيقيًا، وكان سلامًا داخليًا للإمبراطورية الرومانية على حساب سحق الأطراف بقسوة مبرمجة.
يعتقد محبو الإمبراطورية وعشاقها أن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، يلوح بمفهوم “سلام القوة” عن اطلاع واسع، ويأتون له بشخصيات تاريخية يتخذها مثالًا وقدوة.
بالطبع لا.
ترامب يقود سياساته بالغريزة الخام، غريزة “الإمبراطورية الوحش”، التى يجب أن يخضع لها الجميع، وإلا... فليبحثوا عن جحور آمنة.
فى تصريحات جديدة، وفى حضور بنيامين نتنياهو – الذى يبدو أحيانًا كأنه الناطق الرسمى باسم سفر إشعياء – كرر ترامب مرة أخرى حديثه الساخر عن “غزة الفارغة من السكان”، متسائلًا باندهاش الطفل المدلل: “لماذا تركتها إسرائيل؟ حسنًا، سيكون اسمها مدينة الحرية”.
حرية ماذا؟ حرية الخراب؟ حرية الصمت بعد المجازر؟ حرية الفراغ؟ لقد اخترع ترامب فنا جديدا من السخرية السوداء دون أن يدري.
من خلال هذا السؤال الاستنكاري، يتضح تمامًا أن ترامب لم يقرأ هوبز ولا شميت، ولا يعرف شيئًا عن السلام الروماني، ولا يعير اهتمامًا للتاريخ أصلًا، ذلك التاريخ الذى لا يتناسب مع مزاج لاعب الجولف.
لا يعرف أن غزة أقدم من الدولة التى يحكمها، ولا يدرك أن فلسطين الكنعانية كانت جزءًا من الحاضرة الإنسانية الكبرى، حين ولدت الحنطة قبل أن يمر عليها الأنبياء، وقبل أن يجعلوها مقدسة، كما يقول محمود درويش.
فى 2 إبريل 2025، فرض ترامب تعريفات جمركية على معظم دول العالم، معتبرًا أنه “يوم التحرير الثاني” بعد تحرير جورج واشنطن – ذلك الرئيس الأول الذى يتقافز الآن فى قبره من فرط الحرج.
لا يهم، إن انهارت الأسواق والبورصات، أو تمزقت اتفاقيات التجارة الحرة، أو سقطت دول بكاملها تحت وطأة الفقر، فالمهم أن يحافظ على “سلام الداخل الأمريكي”، كما كان يفعل الإمبراطور الرومانى أغسطس قيصر.
“سلام القوة” أيضًا هو الوصفة السحرية التى يعتاش عليها نتنياهو، الذى يرى أن العرب لا يفهمون إلا لغة السلاح – ويا لها من فكرة عبقرية من رجل لم يفهم غير الحرب، يعتدى على سوريا بالغارات، كما فعل من قبل فى فلسطين ولبنان واليمن، ويرى فى دمشق مسرحًا ملائمًا لتصفية الحسابات مع تركيا، التى أصبحت، بقدرة قادر، جارة لصيقة طارئة.
قرروا تسخين العالم إلى درجة الغليان، حتى تتبخر الحقيقة، وتبقى أمريكا “العظيمة مرة أخرى” شعارًا براقًا يصلح لتلميع مشهد الخراب العالمي.
لا ترامب ولا نتنياهو يدركان أن هذه السياسات لن تضمن لأمريكا السلام، ولا حتى البقاء على المدى الطويل، فالشرق الأوسط ليس كومة قش تنتظر شرارة ليشتعل، بل هو ساحة معقدة من التاريخ والمقاومة والتوازنات.
أما نبوءات إشعياء التى يتلوها نتنياهو كما يتلو القائد الروحى تعاويذ الحرب، فلا تعدو أن تكون تميمة مؤقتة ضد الواقع، لا تمنح حاملها قدرة على قيادة الشرق الأوسط، ولا تجعل من ضعفاء التاريخ منتصرين على أقوياء القلوب الشجاعة.
سلطة “سلام القوة” الغاشمة تمنحهم نصرًا زائفًا، وتجعلنا نستفيق، ونستخدم أوراقنا الحقيقية التى أهملناها طويلًا عن عمد أو جهل، حتى تتكشف لهم الحقائق بعد صراع طويل – صراع الغزو والاحتلال والحروب المتتالية.
نحن نسعى لتحقيق العدالة فى سياق عالمى عادل، أو نحاول على الأقل، بينما هم يواصلون العودة إلى سيرة “سلام القوة”، كأنها آخر تعويذة فى جيب مفلس.
من قال لهم إن هوبز وميكافيللى وشميت جزء من ميراثنا؟ إنهم “بضاعتهم”، وتُرد إليهم، مختومة بختم الإفلاس الأخلاقي.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
الأفاعى فى غرف النوم
البداية (1)
جيش مصر الأبيض
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام