مقالات



تأمل العالم بطريقة أخرى

10-4-2025 | 17:48
د. إيمان طاهر

بات الحديث عن نظريات المؤامرة وحكومة العالم الجديد وعولمة الاقتصاد والمجتمعات أمرا مألوفا، ودخلت عليه أقوال أكثر فأكثر رتابة وتكرارا، وهذا لا يعنى أنها ليست حقيقية، لكن يعنى أن هناك واقعا ملموسا بصورة يومية، ولا يستطيع أى شيء لجم اندفاع صيرورتها نحو الإجمالية فى دمج الاقتصادات الوطنية، والانفتاح على التجارة العالمية والاستثمارات المباشرة الأجنبية على المستوى الدولى، والذين يرفضون التجاوب مع هذا الواقع هم الخاسرون، لأن من سيتخلف عن ركب هذه الحضارة الجديدة والتقدم التقنى لن يستطيع الارتقاء أو المضى قدما أو حتى البقاء صامدا..
 
ولسنا هنا بصدد رصد أو إبراز آثارها السلبية المتعددة، بل محاولة لإعادة النظر بشكل مختلف يمنحنا القوة على مواجهة الواقع بنزعة تفاؤلية إيجابية، تمكنا من التأقلم والاندماج فى مستقبل مغاير وحلول مبتكرة للمشكلات الكبيرة التى تواجهنا، والسعى للتأمل النقدى فى بناء هذا العالم المختلف الحديث بدون سطحية لفهم منطق كل القضايا الجوهرية خصوصا الاقتصادية.
 
وحتى نستطيع أن نفهم بوضوح وضعنا الحالى، لابد أن نعود للسبعينيات الماضية، حين تم تطبيق تلك العولمة الاقتصادية الدولية، حيث كانت دول العالم الثالث كما يطلقون علينا، قد اتخذت موقفا مشتركا أمام
الجمعية العامة للأمم المتحدة بديسمبر 1974، واستطاعت توفير عدة عناصر تحفظيه، عن تطبيق تلك العولمة الاقتصادية، وبالفعل تم اعتماد ميثاق للحقوق والواجبات الاقتصادية للدول يضمن لها التماسك والحماية. ولأنها كانت فى ذروة نفوذها بعد انتصارات 1973، استطاعت فرض حق سيادة الدول على مواردها الطبيعية والعمل على استقرار الطاقة والمواد الأولية الأخرى، وإزالة الحواجز التى كانت تعترض صادرات بلدان العالم الثالث للبلدان الصناعية الكبرى.
 
لكن فى ظل التحولات الكثيرة وترصد الغرب لنا والتوازنات الجيوساسية بالقرن الحادى والعشرين، أصبح ذلك الميثاق منسيا. ولأننا لن نبكى على اللبن المسكوب  مرة أخرى وتستوقفنا اللحظة، ولن نظل مصدومين من التغييرات المتتابعة والمستمرة سنتخطى تحليل تلك العقبات للأحداث، ومنها أزمة الديون الخارجية للبلدان النامية فى الثمانينيات، والذى فرض طوقا اقتصاديا تحت لواء أمريكا أن ذاك الوقت كان هدفه الأول والأهم مزيدا من الحصار الاقتصادى، وإلزام العالم كله بتطبيق سياستها الاقتصادية الجديدة، ومن ثم استطاعت بلدان سميت بالنمور الآسيوية كسر تلك الحلقة المفزعة للتحكم والسيطرة، ودخلت بنجاح دوائر التجارة العالمية بفترة زمنية قصيرة، وأصبحت لها أكثر قدرة على المنافسة وتداخل اقتصادها بقوه فى الإجمالية الاقتصادية، وهكذا الصين فكسرت تلك الدول الاحتكار الثنائى الأمريكى الأوروبى السائد.
 
وشكلت مجموعة العشرين ‪G20‬ وسرعان ماضمت دولا كبرى فى العالم الثالث ذات نمو مرتفع فى أعقاب 2007. وهكذا بات للاقتصاد العالمى ظاهرة جديدة تعيد التوازن للقوى ضمن نظام العولمة، فاستفادت تلك الدول من منافع العولمة وحاولت تجنب آثارها السلبية بقدر الإمكان. المسألة المهمة الآن وبوسط عالم تجتاحه الحروب والنزاعات المشتعلة وتملئه المخاوف والمخاطر.. هل من الآمن أن نقف متفرجين ورافضين وعاجزين؟ أم نحاول الانخراط تدريجيا وفتح أبواب الاستثمارات الصناعية لنتجاوز أزمتنا؟
 
تلك هى محاولات التحرر والاستقلال عن هيمنة القوة الغربية الرأسمالية، حين نتجاوز عن التقوقع والانسحاب، ونحاول إخضاع العلاقات الخارجية فى كافه المجالات لمنطق التعاون المتبادل المشترك، واستيعاب التكنولوجيات وابتكاراتها التى ستمكننا من التوصل لاستقلالية القرار. هذا التوسع فى فضائيات التعاون والاستثمار، هو من سيشق لنا دروبا فكرية جديدة ورؤى لمشكلات العالم  بشكل مختلف أكثر مرونة، ويخلصنا من حالة الجمود المتناقض ما بين الفكر والتطبيق فى مجالات عديدة، وخاصة الاقتصادية والسياسية ودخولنا للعالم الواقعى الدولى، سيمكنا من فهم القضايا على نحو مغاير تتيح إعادة البناء من حتمية عقلانية اقتصادية.
 
من هنا فقط نستطيع تغيير الكثير من الأخلاقيات الاقتصادية التى تؤرقنا.. من هنا فقط قد نعيد بناء مضمون جديد للإصلاح وآليات إجمالية اقتصاديه بشكل واقعى يتم فيه اعتماد معاير أخلاقية عادلة كل هذا لن يتحقق إلا إذا أحرزنا تقدما حقيقيا بكل مجالات التنمية ومن منطق القوة وليس الضعف، فعجلة التقدم لا تنطلق إلا بالتفاعل مابين الثقافات المختلفة وتبادل الخبرات هذا الفضول الفكرى المتعلق بالحضارات المختلفة وتجاربها، هو من يدفع بأى دولة نامية لواحدة من أكثر اقتصاديات العالم تقدما، ومهما استغرقنا من زمن للوصول لهذا التوازن كل جهد وطاقة ستكون بمثابة نجاح لكيان جديد على المسرح الدولى.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام