نحن والعالم



بالتفاصيل.. من داخل مصانع تحويل الشباب إلى أسود.. يوم فى معسكرات التدريب بالقوات المسلحة

10-4-2025 | 17:51
⢴ قاعدة المشير حسين طنطاوى: هانى بدر الدين تصوير: أحمد عبد الظاهر

تدريب على أنواع وأعيرة مختلفة للمدفعية وذخائرها.. والانضباط سر النجاح
اختبارات نفسية ورياضية قبل توزيع المجندين على أنواع المدفعية
رعاية طبية وتوفير الأدوية وإتاحة الاتصال اليومى بين الجنود وذويهم
إعداد وتأهيل الأفراد فى مختلف تخصصات المدفعية من خلال برامج تدريبية متطورة
مدة التدريب 12 أسبوعا بعدها يتم التحويل والتوزيع إلى السلاح الذى سيخدمون به
 
طوال سنوات عملى محررًا عسكريًا، كان لدى تساؤل شغل بالى لسنوات عديدة، خصوصا فى فترة سنوات الحرب على الإرهاب، وهو أن الشاب المصرى، فى سن التجنيد، والذى يعيش الحياة المدنية بما فيها من راحة، وربما بعض المظاهر التى دخلت علينا حديثا، نجده يتحول إلى وحش أسطورى، يتسابق مع زملائه للمشاركة فى القتال ضد الإرهابيين، فور التحاقه بالجيش المصرى، وارتداء الأفرول، فى تحول غريب يتم فى أيام قليلة، ففور أن يدخل الشاب ذو الحياة المدنية إلى مركز التدريب، يخرج منه وقد تحول إلى مقاتل من خير أجناد الأرض، لا يضع نصب عينيه إلا التضحية والفداء بل الإقدام على الشهادة.
 
«الأهرام العربى» زارت أحد مراكز التدريب، لمعرفة الحياة فى مراكز تدريب القوات المسلحة، مصانع التحويل إلى الأسود.. وفى داخل قاعدة المشير حسين طنطاوى العسكرية (الهايكستب)، كانت بداية الرحلة، التى كانت فى مركز تدريب المدفعية المشترك، حيث استقبلنا قائده اللواء أ.ح/ محمد سيد حسين، وضباط وضباط صف وجنود مركز التدريب، وقضينا معهم يوما كاملا.
 
 
الخطوة الأولى فى رحلة التجنيد، تكون فى مراكز التجنيد المنتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية، وبعدها، يتم تحويل الجندى إلى مركز التدريب، وأوضح اللواء حسين، أن مراكز التدريب تتولى مهمة شديدة الأهمية، وهى تحويل الشاب المدنى لاكتساب الشخصية العسكرية والقدرات اللازمة لتكوين الفرد المقاتل، وذلك فى فترة تمتد 12 أسبوعا، هى مدة التدريب بمراكز التدريب، وبعدها يتم تحويله وتوزيعه إلى السلاح الذى سيخدم به. كما أن مركز تدريب المدفعية يركز على إعداد وتأهيل الأفراد فى مختلف تخصصات المدفعية، من خلال برامج تدريبية متطورة، تجمع ما بين العلم وما بين التدريب العملى، كما أن المركز يعد جزءا من منظومة تدريبية متكاملة، تهدف إلى بناء وتطوير كوادر سلاح المدفعية، وتعزيز قدراتهم القتالية، بما يواكب أحدث التطورات فى العلوم العسكرية.
اللياقة البدنية
 
من المعروف أن اللياقة البدنية أحد الأمور المهمة فى الحياة العسكرية، ومن هنا وبعدما شاعت السمنة والترهل بين الشباب، فإن العمل على التخلص منها، وإكساب الشباب اللياقة البدنية يكون أمرا شديد الأهمية. ويبدأ اليوم فى مركز تدريب المدفعية المشترك بعد الاستيقاظ، بطابور اللياقة البدنية الذى يستمر لمدة ساعتين، ويستهدف أن يكون على قدر رفيع من اللياقة البدنية التى تؤهله لتنفيذ المهام الموكلة له. ويشمل مركز التدريب على صالة للإعداد البدنى بها العديد من الأجهزة التدريبية، بالإضافة إلى اختراق الضاحية الذى يتم وفقا لتوقيتات محددة، لزيادة لياقة الفرد البدنية.
وبعد الانتهاء من طابور اللياقة البدنية، يتناول الجنود طعام الإفطار، فى صالة الطعام (الميز)، والتى يتناول فيها المجندون طعام الإفطار والغداء والعشاء،  وهناك اهتمام وحرص على توفير الطعام للجنود بجودة عالية، وبحسب السعرات الحرارية، حيث تقوم إدارة التعيينات التابعة لهيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة، بتحديد الطعام وكمياته للجنود والحرص على تنوعه، ما بين المواد الكربوهيدراتية كالأرز أو المكرونة، والمواد البروتينية كاللحوم أو الدواجن، وغيرها.
 
الرعاية الطبية
 
كما أن مركز تدريب المدفعية المشترك، يتضمن تقديم خدمة الرعاية الطبية للجنود، وهو ما شاهدناه على الطبيعة، حيث زرنا العيادة الطبية بالمركز، وهناك استقبلنا ملازم أول طبيب جلال عبد الوهاب جلال، موضحا أن عند وصول الجنود المستجدين لمركز التدريب، يتم إجراء الكشف الظاهرى عليهم جميعا، والاستماع لأى منهم لديه شكوى طبية، وعندها يتم التعامل معها سواء فى الوحدة الطبية بالمركز، أم إرسال الحالة لتلقى العلاج المناسب فى مستشفيات القوات المسلحة، بحسب تخصص ونوع الحالة المرضية، كما أن الجنود المستجدين يتلقون بعض التطعيمات مع بدء وصولهم لمركز التدريب، ومنها على سبيل المثال المصل السحائى.
 
ولفت أيضا إلى أن فى حال وجود أى حالة مرضية طارئة، يتم الكشف عليها وتشخيصها، وتقديم الأدوية بالمجان، أما لو كانت الحالة تحتاج إلى مستوى أعلى من الرعاية الطبية، فيتم نقل الحالة إلى مستشفيات القوات المسلحة، بحسب نوع الحالة، لتلقى العلاج، كما أن هناك أيضا خدمة تقديم العلاج والأدوية بالمجان من خلال الصيدلية الملحقة بالعيادة.
وتتضمن الوحدة الطبية بالمركز، غرفة لمن يحتاجون لأن يكونوا تحت الملاحظة، حيث يتم متابعتهم على مدار الساعة طوال اليوم، وتقديم الأدوية لهم فى التوقيتات المحددة من خلال الطبيب. كما أكد أنه فى حال وجود أى أمراض معينة تعوق الجندى عن أداء الخدمة العسكرية، يتم إجراء الكشف الطبى عليه، ومن ثم يتم تحويله إلى اللجنة الاستشارية المختصة لتحديد مدى لياقته وكفاءته لآداء الخدمة العسكرية من عدمه.
 
أسابيع التدريب
 
لفت العميد أحمد محمد البحيرى، قائد ثانى مركز تدريب المدفعية المشترك إلى أن فترة التدريب بمركز التدريب تمتد إلى 12 أسبوعا، يكون الأسبوع الأول منها هو أسبوع الاستقبال، وفيه يتسلم المجند المهام من ملابس وخلافه، ويتم فيه أيضا إجراء الكشف الطبى والأمنى على الجنود المستجدين. ويتم توجيه المستجدين فى أسبوع الاستقبال إلى تسلم المهمات، حيث يتسلمون كل الملابس العسكرية، ويتم التأكد من المقاسات المناسبة لكل منهم، كما يتوجهون إلى العنابر ويكون لكل مجند سرير وبطانية، كما أن العنابر مجهزة بشكل جيد للغاية، وبها أيضا سخانات تعمل بالطاقة الشمسية، لتوفير المياه الساخنة، خصوصا فى ظل درجة البرودة الشديدة خلال الشتاء القارس.
 
ويتم تدريب المستجدين من الجنود، بهدف تحويلهم من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية، حيث يتعلمون الانضباط العسكرى والخطوة المعتادة والتعامل مع الأسلحة، وأداء التحية العسكرية، وغيرها من التدريبات العامة، بالإضافة إلى التركيز على الحرب الكيميائية والأسلحة الصغيرة مثل البندقية الآلية، ويكون فيه التدريب جافا أى يتعرف فيه الجندى المستجد على أجزاء السلاح، ويتعلم طريقة فكه وتركيبه وكيفية استخدامه، ولكن بدون استخدام الذخيرة الحية.
الاتصالات والزيارة العائلية
 
ولا يكاد يمر يوم من أيام مركز التدريب، إلا ويتواصل فيه المجند فى مركز تدريب المدفعية المشترك مع أهله، وذلك مراعاة من القوات المسلحة للحالة النفسية للمستجدين من الجنود، فتحرص على أن يكون هناك تليفونات بمراكز التدريب، ليستخدمها الجنود للتواصل مع ذويهم، ويمكنه الاتصال بهم يوميا.
وإذا كان الاتصال ما بين الجندى المستجد، وما بين أهله، يتم بشكل يومى من خلال التليفونات المتوافرة بمركز التدريب، فإن ذلك لا يغنى عن اللقاء الفعلى، حيث يرغب الأهالى فى لقاء أبنائهم، وهو ما يحدث فى الفترة ما بين الأسبوع الرابع والسادس، حيث يستقبل مركز التدريب أهالى المجندين، فى مكان مخصص للزيارة، ويتم ذلك بالتنسيق مع بعض الإدارات والهيئات بالقوات المسلحة، مثل إدارة الشئون المعنوية، وهيئة التنظيم والإدارة بالقوات المسلحة، وإدارة المدفعية.
 
وفى أثناء توجهى إلى مسجد مركز التدريب، والذى علمت أنه تم تجديده حديثا، لفت انتباهى وجود بعض الجنود يجلسون تحت مظلات، ولما سألت المساعد أول إبراهيم عبد القوى أحمد عنهم، أوضح أنهم يجلسون ويقرأون أمام المكتبة، وبالفعل توجهت إليهم، ووجدت عددا آخر منهم يجلسون داخل المكتبة، ويقرأون بعض الكتب والروايات، فالحياة فى مراكز التدريب لا تقتصر فقط على التدريبات والطوابير، بل إن هناك مساحة للترفيه، فى أشكال متنوعة، منها صالة اللياقة البدنية، ومنها صالة الكانتين، والتى تتضمن المشروبات وبعض الأطعمة، وجهاز التليفزيون بها، الذى يعرض بعض الأفلام السينمائية التى تعمل على رفع الروح المعنوية، وتبرز بطولات القوات المسلحة، وأيضا تعرض بعض المباريات الرياضية، خصوصا مباريات المنتخب الوطنى.
أما يوم الجمعة من كل أسبوع، فيكون شبه راحة من التدريبات، ليستعد الجنود للأسبوع التدريببى الجديد، ويمكن للجنود فيه غسل الملابس فى المغسلة المجانية الملحقة، كما أن مركز التدريب به أيضا العديد من الخدمات المجانية الأخرى للمجندين مثل الحلاق والترزى.
 
الانتقاء والتوجيه
 
عندما تقترب مسيرة المستجدين فى رحلة مركز التدريب من الانتهاء فى التدريب بالقسم العام، بنهاية الأسبوع الخامس من أسابيع القسم العام، وبعد الرماية باستخدام الذخيرة الحية، يكونون على أبواب التوزيع على مختلف أنواع المدفعية للتدريب عليها فى القسم الخاص، فكيف تتم عملية التوزيع؟ ووفق أى محددات؟
 
وفى فرع الانتقاء والتوجيه بالمركز، استقبلنا الرائد ريمون عادل قائد طاقم الانتقاء والتوجيه بالمركز، موضحا أن مهمة الفرع هى توزيع الجنود المستجدين على التخصصات المناسبة لكل منهم، وذلك من خلال 4 معامل، الأول هو معمل الاختبارات النظرية، وتتركز مهمته على قياس السمات الشخصية لدى الجندى، من خلال اختبارات الصحة النفسية والتوافق النفسى، ومعمل الاختبارات البدنية، وتتركز مهمته فى قياس القوة الجسمانية للفرد، سواء فى التناسق البدنى أم قياس قوة قبضة اليد والظهر، أم عجلة بذل الجهد، أما المعمل الثالث فيكون فيه المقابلة الشخصية، من خلال مقابلة إخصائى نفسى للجندى المستجد لجمع البيانات عن حالته الصحية والنفسية، وبعدها يأتى دور المعمل الرابع والأخير وهو معمل الاختبارات العملية، ومهمته قياس مدى التوافق العضلى والفكرى، وذلك من خلال إجراء 4 اختبارات؛ اختبار شدة الضوء والذى يقيس مدى حساسية العين للضوء، واختبار شدة السمع لقياس مستوى السمع، واختبار تآذر الذراعين لقياس مدى حركة الذراعين مع حركة العين، والاختبار الرابع والأخير، هو إدراك العمق، لقياس قدرة الجندى على تمييز الأهداف المختلفة.
 
وأضاف قائد طاقم الانتقاء والتوجيه بالمركز، أنه بنهاية تلك الاختبارات، يتم تجميع بيانات الجندى المستجد، لتوزيعه على تخصصات سلاح المدفعية؛ وهى المدفعية غير المباشرة والمدفعية المباشرة واستطلاع المدفعية. وبعد انتهاء تدريب القسم العام، يبدأ التدريب الخاص، ولمدة 5 أسابيع للتدريب على أنواع المدفعية المختلفة. وبنهاية التدريب الخاص، يكون الجندى المستجد قد اكتسب القدرات العسكرية التى تجعله مقاتلا، ويكون جاهزا للتوزيع على التشكيلات القتالية بأعلى مستوى من التدريب والجاهزية القتالية.
 
ولفت قائد مركز تدريب المدفعية المشترك الانتباه إلى أن القيادة العامة للقوات المسلحة، تولى اهتماما كبيرا بمراكز التدريب، وتحرص على أن تكون بقيادة ضابط لديه خبرات كبيرة، ليتولى نقل تلك الخبرات إلى المستجدين من الجنود المقاتلين، وتأهيلهم على أعلى درجة من التدريب والاستعداد والجاهزية القتالية. وأضاف أن التركيز يكون منصبا على الانضباط، باعتباره أساس النجاح، مؤكدا أن القوات المسلحة، وسلاح المدفعية يركزون على الانضباط، موضحا أن أساس النجاح فى الرماية بالمدفعية يقوم على الانضباط، نظرا لأن رماية المدفعية تقوم على عدة حلقات، ولا بد من أن تكون كل حلقة من حلقاتها فى منتهى الدقة، حتى تتم بشكل صحيح، وتتم إصابة الأهداف بدقة، حيث يقوم الاستطلاع بتحديد مكان الهدف بدقة ونوعه، وإبلاغ ذلك للمدفعية، والتى تقوم بتوجيه المدافع وفقا للإحداثيات، وبعدها يتم الضرب، ويقوم الاستطلاع بتأكيد مدى إصابة الهدف من عدمه، كل تلك الحلقات تحتاج إلى دقة وانضباط شديدين.
التعاون مع الإدارات
 
أكد اللواء حسين، قائد مركز تدريب المدفعية المشترك، أن المركز يعد جزءا من المنظومة التدريبية المتكاملة، وتلعب القيادة العامة للقوات المسلحة من خلال مختلف هيئاتها وإداراتها دورا كبيرا فى هذه المنظومة التدريبية، مشيرا إلى وجود تعاون كامل من مختلف الإدارات والهيئات، التى تحرص على تلبية وتوفير سائر الاحتياجات.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام