سوق ومال



بعد فرض ترامب تعريفات جمركية جديدة.. فرصة ذهبية أمام الاقتصاد المصرى

13-4-2025 | 19:16
سلوى سيد - هاجر بركات

د. عز الدين حسانين: انتقال الاستثمارات إلى مصر لتفادى التعريفات الأمريكية أمر مكلف
مصطفى النجارى: عبء الرسوم الأمريكية يطال الجميع.. والتريث قبل رد الفعل الخيار الأنسب
فاضل مرزوق: لا رسوم على صادرات الملابس فى «الكويز».. وقرارات أمريكا فرصة ذهبية لمصر
محمد أنيس: تفتح فرصا للاقتصاد المصرى رغم مخاطر الركود العالمى
 
القرارات الصادرة عن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والخاصة بفرض تعريفات جمركية جديدة شاملة، بنسبة 10 %، على جميع الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة، ضمن حزمة تعريفات شملت 185 دولة، للوهلة الأولى قد يراها البعض أزمة جديدة، قد تعيق بالاقتصاد الوطنى فى الوقت الحاضر وتحول بينه وبين السوق الأمريكى الكبير، لكن هناك من يرى أنها بمثابة فرصة ذهبية متعددة الأوجه تارة، لاستقطاب الشركات ورؤوس الأموال العالمية المتضررة من التعريفات الكبيرة التى فرضت على غالبية دول العالم، والتى تزيد كثيرًا عما فرض على مصر، حيث بلغ معدل الجمارك فى السوق الأوروبية نحو 20 %، بينما تتجاوز الـ35 % فى دول أخرى مثل الصين وفيتنام.
 
وتارة أخرى للاستفادة من الاتفاقيات التجارية السارية بين مصر، وفى طليعتها «الكويز»، التى تعزز من فرص صادرات مصر من الملابس الجاهزة للسوق الأمريكية فى مقابل نظيرتها، من الهند والصين وبنجلاديش وتركيا، وهناك عدة قطاعات يمكن أن تكون فى مقدمة القطاعات المستفيدة من تلك التحولات الجذرية، التى تمر بها التجارة الدولية فى طليعتها السيارات الكهربائية والآلات والمعدات، وكذا الأجهزة المنزلية.
 
تشير لغة الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت قيمة التجارة بين مصر وأمريكا، بنسبة 37.4 %، خلال العام الماضى، ليصل إجمالى التبادل التجارى بين البلدين نحو 9.8 مليار دولار، مقابل 7.1 مليار دولار خلال 2023، فيما تستحوذ أمريكا على نحو7 %، من إجمالى قيمة التجارة الخارجية لمصر خلال العام الماضى.
كما تستحوذ السوق الأمريكية على نحو 5 %، من إجمالى صادرات مصر، إذ بلغت قيمة الصادرات نحو 2.2 مليار دولار، مقابل 1.9 مليار دولار خلال 2023 ، بزيادة بلغت نحو 12.3 % ، وكشف البيانات الصادرة عن الجهاز المركزى، عن زيادة صادرات بعض السلع، منها الملابس، لتصل إلى نحو 739.8 مليون دولار فى 2024، مقابل 659.7 مليون دولار خلال 2023 بنمو 12.2 %، كما ارتفعت قيمة الصادرات من محضرات خضر وفواكه بنسبة 17.5 % ، لتبلغ 113.7 مليون دولار، مقابل 96.8 مليون دولار فى 2023.
 
الهدف الأساسى
يقول الخبير الاقتصادى الدكتور عز الدين حسانين، إن الهدف الأساسى للحرب التجارية التى أعلنها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، هو إضعاف قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية، ونتائجه موجعة لكل مصدرى العالم الرئيسين للسلع غير البترولية فى آسيا وأوروبا، وكذلك لمصدرى النفط والغاز من الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن الدولار الضعيف يعنى عوائد أقل فى القيمة الشرائية لكل المصدرين للولايات المتحدة، وكان البعض يعتقد أن مصر قد تجدها فرصة لانتقال بعض الصناعات الصينية أو الأوروبية، لمصر للاستفادة من التعريفة الجمركية الأقل، لكن لا أعتقد ذلك، لأن عمليات انتقال الاستثمارات، غير أنها تتكلف وقتاً زمنياً كبيراً من الإنشاء أو الاستحواذ حتى الإنتاج والتصدير، هناك عوامل واعتبارات أخرى تعوق هذا التحول.
وأضاف أن ترامب لديه إستراتيجية واضحة، لهدف محدد هو استعادة مكانة أمريكا فى صدارة أكبر الدول المصنعة فى العالم، مثلما كانت فى فترة الحرب العالمية، بالإضافة إلى أن هدفه الآخر هو خلق نظام مالى ونقدى عالمى جديد تهيمن عليه الولايات المتحدة من جديد، ويرى الخبير الاقتصادى أن قرارات ترامب، تصب بالتأكيد فى مصلحة بلاده، لكن الدول الكبرى التى فرض على سلعها التعريفات الجمركية، بنسب غير مسبوقة، لن تقف مكتوفة الأيدى وسترد بقوة، ما يجعلنا أمام حرب تجارية عالمية.
 
سلاسل الإمداد
أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وصول صادرات مصر إلى 44 مليارا و846 مليون دولار، خلال العام الماضى 2024، بينما كانت نحو 42 مليارا، و553 مليون دولار، خلال العام المناظر له عام 2023، بزيادة بلغت مليارين و293 مليون دولار، وجاءت السلع تامة الصنع، فى صدارة قائمة السلع الوطنية الأعلى تصديرا خلال عام 2024، وبلغت قيمة صادراتها نحو 23 مليارا و890 مليون دولار، مقابل 21 مليارا و674 مليون دولار، بنهاية العام السابق له 2023، بزيادة بلغت قيمتها ملياريان و216 مليون دولار.
وتضمنت القائمة أيضا، صادرات السلع نصف المصنعة، والتى بلغت قيمتها نحو 10 مليارات، و136 مليون دولار، بنهاية عام 2024، مقابل 8 مليارات و449 مليون دولار، فى العام السابق له 2023، بزيادة بلغت مليارا و686 مليون دولار، بالإضافة إلى صادرات المواد الخام، والتى بلغت قيمتها نحو 5 ملايين و79 ألف دولار فى عام 2024، مقابل 4 ملايين و489 ألف دولار، فى العام السابق له 2023، بزيادة بلغت 590 مليونا و241 ألف دولار.
ومن جهته يرى مصطفى النجارى، رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن التأثير الكامل لقرارات الرسوم الجمركية الأمريكية لا يمكن تقييمه فورًا، بل يحتاج لمتابعة تطورات سلاسل الإمداد وإعادة هيكلة خطوط الشحن، وأضاف أن معظم الدول المتأثرة ستدخل فى مفاوضات تجارية مع الولايات المتحدة، لتفادى صدامات اقتصادية محتملة، مشيرًا إلى أن التريث لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، سيكون خيارًا حكيمًا حتى تتضح نتائج هذه المفاوضات، ويشبه النجارى تلك القرارات بـ»التغيرات المناخية»، التى ستطال جميع الدول بدرجات متفاوتة، مؤكدًا أن بعض الأسواق قد تتضرر، بينما قد تستفيد أخرى على مستوى الأسعار.
 
اتفاقية الكويز
يعد قطاع الملابس الجاهزة، فى صدارة القطاعات المساهمة فى هيكل الصادرات المصرية للسوق الأمريكى، بنسبة 45.6 %، وذلك فى ظل الاتفاقيات المبرمة، والمنظمة لحرية التجارة، والتى يأتى فى مقدمتها بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة، والمعروف باسم الكويز، وتدرس الحكومة المصرية، وفقا لرؤية مصر 2030، حزمة تحفيزات جديدة لقطاع صناعة الملابس والمنسوجات، لزيادة حصة القطاع من الصادرات السلعية خلال السنوات المقبلة، وقال المهندس فاضل مرزوق، رئيس المجلس التصديرى للملابس الجاهزة، إن صادرات الملابس الجاهزة غير خاضعة لأى رسوم جمركية، طالما تُصدر ضمن نظام الكويز، مؤكدًا أن المنتجات المندرجة تحت هذا النظام معفاة تمامًا من الجمارك الأمريكية.
ويشير إلى أن القرارات الحمائية التى اتخذها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ضد دول منافسة مثل بنجلاديش وماليزيا، تفتح بابًا واسعًا أمام المنتج المصرى، لتعزيز وجوده فى السوق الأمريكية، موضحًا أن القطاع استعد لهذه التغيرات منذ أكثر من تسع سنوات، حيث إن حجم صادرات الملابس، ضمن الكويز بلغ 1.2 مليار جنيه، فى عام 2024، مع استهداف نمو يتراوح بين 25 % إلى 30 % خلال الفترة المقبلة.
ومن المعروف أن اتفاقية «الكويز»، تضم كلا من مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، وتسمح الاتفاقية للمنتجات المصرية بالدخول إلى أمريكا، دون جمارك بشرط أن يدخل فيها مكون إسرائيلى بنسبة محددة، وكانت نسبة المكون الإسرائيلى، عند بداية تفعيلها 11.7 %، وانخفضت بعدها بعامين إلى 10.5 %، وبموجب الاتفاقية تعفى الصادرات المصرية مثل الملابس الجاهزة والمنسوجات من الرسوم الجمركية، وبعد استبعاد هذه المنتجات الداخلة ضمن الاتفاقية، يصبح المتبقى من حجم الواردات إلى الولايات المتحدة نحو 5 % فقط، مما يعنى محدودية تأثير قرارات ترامب على حجم التجارة المصرية إلى أمريكا.
 
ركود عالمى
يتضمن برنامج عمل الحكومة المصرية تحت عنوان «معًا نبنى مستقبلًا مستدامًا» بعض المؤشرات، والمستهدفات التى وضعتها الدولة لزيادة الصادرات، حيث حددت قيمة الصادرات المستهدفة بنحو 130 مليار دولار، فى العام المالى 2026/2027، وترتفع إلى 145 مليار دولار خلال عام 2030، وتشمل محاور خطة الحكومة لزيادة الصادرات 23 إجراء لتشجيع زيادة الصادرات، وعدد المصدرين، وفتح أسواق جديدة منها: تحديث الأنشطة التصديرية المستهدفة ومراجعة الفجوة التصديرية بعد كل تغيير فى سعر صرف الدولار، وإعادة هيكلة منظومة دعم الصادرات مع الاستمرار فى تنفيذ برنامج رد الأعباء التصديرية للشركات المصدرة، واستكمال مراحل مبادرة السداد النقدى الفورى.
 وكذلك وضع برامج تمويلية بفوائد مخفضة، لدعم المصانع المصدرة لزيادة الاستثمارات الصناعية والإنتاجية، مع العمل على توفير حزمة من الإعفاءات الضريبية، وغير الضريبية التحفيزية للشركات التصديرية تحدد كنسبة من زيادة الصادرات المحققة، وتوفير الغطاء النقدى اللازم للمصانع التى تقوم بالتصدير، وذلك بالتزامن مع إعداد جيل جديد من المصدرين المؤهلين للنفاذ للأسواق العالمية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية، وكذلك العمل على تعزيز الشراكة جنوب - جنوب، مع دول إفريقيا فى إطار وثائق التعاون، التى يتم إعدادها من وزارة التعاون الدولى، ناهيك عن التوسع فى إنشاء مناطق متخصصة فى صناعات محددة تضم المصانع الكبرى، والمغذية لها مع التوسع فى إقامة المعارض الخارجية، وزيادة أعداد المكاتب التجارية.
من ناحية أخرى، يرى الخبير الاقتصادى محمد أنيس، أن القرارات الجمركية الأخيرة التى اتخذتها الولايات المتحدة، قد تحمل جانبًا إيجابيًا للاقتصاد المصرى، حيث إن بعض المنتجات التى ستتأثر بصعوبة التصدير قد تتجه للسوق المحلية، ما يسهم فى خفض أسعارها وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين، كما أن تغير خريطة الاستثمارات العالمية نتيجة هذه السياسات، قد يؤدى إلى جذب استثمارات جديدة إلى مصر، وبالتالى توفير فرص عمل وزيادة الإنتاج، ما يدعم دخل الأسر على المدى المتوسط.
وفى المقابل، حذر أنيس من التداعيات السلبية المحتملة لهذه الرسوم، والتى قد تؤدى إلى موجة ركود اقتصادى عالمى، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتراجع حركة التجارة العالمية، مؤكدًا أن الاقتصادات الناشئة والعربية قد تتأثر بشكل غير مباشر، ومن المعروف أن الصين والاتحاد الأوروبى والمكسيك هم الأكثر تضررًا من هذه الإجراءات، فى حين أن الدول العربية ستظل بعيدة نسبيًا عن التأثير المباشر، بسبب استثناء أغلب صادراتها من هذه الرسوم. 
وبشكل عام فإن هذا الصراع الاقتصادى بين أمريكا والصين له أبعاد إستراتيجية، تهدف إلى إبطاء نمو الصين كقوة عالمية منافسة، وليس مجرد خلاف تجارى.
 

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام