سوق ومال



أوروبا تصف قرار ترامب بالخطير.. حرب تجارية على ضفتى الأطلسى

13-4-2025 | 19:24
رشا عامر

أدت عودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض فى يناير 2025، إلى إشاعة حالة من عدم اليقين إلى ديناميكيات التجارة العالمية، خصوصا بالنسبة لأوروبا، وقد تسبب التركيز المستمر من جانب الإدارة الأمريكية على التعريفات الجمركية موجة من التوترات، أدت إلى خلق تحديات فورية، واعتبارات إستراتيجية طويلة الأجل للشركات الأوروبية، فإعادة فرض الرسوم الجمركية فى عام 2025 التى تهدف إلى خفض العجز التجارى الأمريكى، بدأت بالفعل فى إحداث تأثير على أوروبا.
 
 
ارتفعت التكاليف بشكل حاد، بالنسبة للصناعات التى تعتمد على الواردات الأمريكية، بما فى ذلك البناء والسيارات والطاقة المتجددة، كما تواجه السلع الفاخرة والآلات والأدوية الأوروبية، تعريفات جمركية أعلى مما يقلل من ميزتها التنافسية فى السوق الأمريكية المربحة، ويواجه قطاع السيارات الألمانى الذى صدر أكثر من 650 ألف مركبة إلى الولايات المتحدة فى عام 2023، إلى انخفاض الطلب بسبب زيادة الرسوم الجمركية.
 
رد الفعل الأوروبى
تستعد أوروبا وفرنسا، للرد على دونالد ترامب فى قضية الرسوم الجمركية، حيث طالب إيمانويل ماكرون من قادة الأعمال تعليق استثماراتهم فى الولايات المتحدة، وقال إن هذه الزيادة فى التعريفات الجمركية بنسبة 20%، على الدول الأوروبية هى «قرار خطير وغير مبرر»، لكن جاء الرد من الاتحاد الأوروبى على لسان جون بلاسار المتخصص فى الاستثمار، بإنه يجب الضغط، ولكن دون تعريض الاقتصاد الأوروبى للخطر، فالتوازن هو الذى يجب أن يوجد على الجانب الأوروبى كما أن هناك عدة أدوات فاعلة وأكثر أهمية، مثل أن يكون هناك اتفاقيات عبر الحدود بين الاتحاد الأوروبى، وبين كندا وبين بريطانيا العظمى، وأن يتم اتخاذ تدابير مشتركة للرد والانتقام ضد الولايات المتحدة، ولكن هناك مشكلتين.
 
المشكلة الأولى هى أن هذه الإستراتيجية هى طويلة الأمد، ولم يتم البدء فيها بعد، أما المشكلة الثانية، فهى أنه فى حال وجود مفاوضات مع الإدارة الأمريكية، فسوف تواجه أوروبا طرفًا لن يغير نهجه، لكنه قادر بالتأكيد على التفاوض على الأرقام لتصبح المسألة، ليس فقط صراع نفوذ بحت، لكنه صراع عميق للغاية، ولكن يظل الرهان قائما على انخفاض سعر الدولار، ليصبح هو الدافع الوحيد لدفع الرئيس الأمريكى إلى إعادة التفكير فى قرارته.
 
لكن إلى أن يحدث هذا، فإنه لا يمكن لأوروبا أن تتحمل الرد السلبى، فاتباع نهج استباقى، ومتعدد الأوجه أمر ضرورى للتخفيف من آثار الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب مثل تشجيع الشركات على إعطاء الأولوية للتجارة داخل الاتحاد الأوروبى، والذى من شأنه أن يقلل الاعتماد على السوق الأمريكية، وسعى الاتحاد الأوروبى للعمل على تسريع إبرام الصفقات التجارية مع الاقتصادات النامية فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولعل الاتفاقيات الأخيرة مع فيتنام وميركوسور هى أفضل نموذج لذلك.
 
كذلك إعادة التفكير فى مواقع الإنتاج، والتعامل مع المكسيك كمركز إستراتيجى، حيث يمكن الوصول إلى السوق الأمريكية بطريقة معفاة من الرسوم الجمركية، كما يمكن أيضا استغلال إمكانات أوروبا الشرقية والتى تعد مناطق ذات قدرة تنافسية من حيث التكلفة، مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك، حيث توفر بدائل جذابة لنقل الإنتاج إلى الخارج، وكذلك الاستثمار فى الابتكار والتحول الرقمى والذكاء الاصطناعى، ودمج التقنيات المتقدمة، والذى سيساعد فى خفض تكاليف الإنتاج وتعويض تأثير التعريفات الجمركية، وأخيرا التحول الأخضر الذى لا يعمل على خفض التكاليف فقط، إنما يتوافق أيضًا مع أهداف الحياد الكربونى طويل الأمد فى أوروبا.
 
وكل ذلك لا يتعارض بالطبع، مع الدعوة الدبلوماسية والسياسية للمفاوضات الثنائية، حيث يجب على الاتحاد الأوروبى الدخول فى حوار نشط مع الولايات المتحدة، للحصول على إعفاءات للصناعات الرئيسية والاستفادة من منظمة التجارة العالمية، كما ينبغى على أوروبا أن تستخدم أطر التجارة الدولية لرفض ممارسات التسعير غير العادلة.
وبرغم التحديات التى تفرضها الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب، فإنها توفر لأوروبا أيضا فرصة للابتكار، مثل تقليل الاعتماد على سوق واحدة، والاستفادة من جودة العلامات التجارية الأوروبية للتميز فى الأسواق العالمية، وتعزيز مهارات القوى العاملة، والتى تمكن أوروبا من البقاء قادرة على المنافسة فى الصناعات ذات التقنية العالية.
 
البقاء يدا بيد
لا يزال الاتحاد الأوروبى، يأمل فى أن يتمكن من التفاوض مع دونالد ترامب لتجنب حرب تجارية ذات عواقب تعتبر كارثية، لكن الأوروبيين أيضا مستعدون للتحرك، وهذا ما هددت به رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وما هدد به أيضا الرئيس الفرنسى، واعدا برد مماثل على الرسوم الجمركية.
 
لكن كل هذه الحلول السابقة، تستلزم من الأوروبيين البقاء متحدين فى مواجهة الضغوط الشديدة من واشنطن، لأنه فى ظل كل ذلك تميل البلدان الأكبر إلى اللعب منفردة، وبالطبع هى ليست فكرة جيدة لأنه إذا لعب الأوروبيون كمجموعة، فسيمكنهم تحقيق هدفهم وتفكيك الرسوم الجمركية، ولكن بالنسبة لبريطانيا هناك شكوك تحوم حولها فى ردود فعلها تجاه هذه الرسوم الجمركية، فقد أولى رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر أهمية كبيرة لعلاقته الشخصية مع دونالد ترامب، كما أنه رفض اتباع نهج متسرع مع حليفه القديم، برغم أن هذه الرسوم تأتى فى أسوأ وقت بالنسبة للحكومة، كما يصادف الأول من أبريل بداية السنة المالية فى بريطانيا، وهو مايعنى دخول الزيادات فى الأسعار والرسوم المنظمة (من فواتير المياه إلى ضريبة السكن)، حيز التنفيذ الأمر الذى يدفع التضخم إلى ذروته.
 
وبرغم كل هذا ورغم الرسوم الجمركية التعسفية، فإن الإدارة البريطانية لم تبد استعدادها نهائيا للرد بالمثل على هذه الرسوم، وذلك من أجل إتاحة الوقت للمناقشة، حيث إنها فى اتفاقية التجارة المصغرة التى يجرى الإعداد لها يوجد ثلاثة خيارات، وهى إعفاء قطاعات معينة من هذه الرسوم أو زيادة الحد الأدنى فوق 25 مليون جنيه إسترلينى، أو الاعتماد على الأرباح، وليس الإيرادات وهو ما من شأنه أن يقلل الرسوم بشكل كبير، كل ذلك يعنى أن المحادثات التجارية ستستمر مع إدارة ترامب، وأن بريطانيا ستتجنب الصدام، وستحاول ان تظهر فى صورة المقاتل الذى سيحارب من أجل أفضل صفقة لبريطانيا، ولكن عن طريق الرد بعقلانية وهدوء ورصانة، لأنه لا أحد يفوز فى الحرب التجارية، وفق تعبير رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر.
 
عصر جديد مع آسيا الوسطى
وفى الوقت الذى تتفاوض فيه بريطانيا بشكل فردى، فإن الاتحاد الأوروبى، يبدو أنه بدأ فى اتخاذ اجراءات سلمية لمواجهة هذا التعنت الجمركى الأمريكى من جانب وللرد على “طرق الحرير الجديدة” التى تروج لها بكين من جانب آخر، وذلك مع دخول “عصر جديد”، فى علاقاته مع آسيا الوسطى، خلال قمة فى أوزبكستان جمعت الاتحاد الأوروبى والجمهوريات السوفيتية الخمس السابقة فى هذه المنطقة، ورحبت أورسولا فون دير لاين “بدخول عصر جديد”، من العلاقات بين الاتحاد الأوروبى وآسيا الوسطى، وأطلقت “شراكة إستراتيجية”، تم تقديمها على أنها “التزام بالوجود من أجل بعضهم البعض، وأعلنت عن تقديم مساعدات بقيمة 12 مليار يورو، لآسيا الوسطى كجزء من مشروع البنية الأساسية “البوابة العالمية”.
 
وركزت الزعيمة الأوروبية، على أربعة مجالات هم النقل، والمواد الخام والطاقة النظيفة، والاتصال الرقمى، ويطمع الجميع فى الحصول على الاحتياطيات الهائلة من المواد الخام فى آسيا الوسطى، وهى منطقة بحجم الاتحاد الأوروبى، ولكن عدد سكانها لا يتجاوز 80 مليون نسمة، وتتمتع بموارد هائلة هى عصب الاقتصاد العالمى المستقبلى، ووصفت زعيمة الاتحاد الأوروبى، استقلالية أوروبا فى مجال المواد الخام، بأنها مصلحتها الإستراتيجية.
 
بالنسبة لآسيا الوسطى، التى تحاول الظهور بمظهر القطب الموحد بعد ثلاثة عقود من التوترات، فإن هذا التقارب مع الاتحاد الأوروبى يسمح لها بالحصول على ما لا تستطيع القوى الروسية والصينية توفيره، خصوصا بعض التقنيات المتقدمة، ويعد الاتحاد الأوروبى المستثمر الإقليمى الرائد بنحو 550 مليون يورو، للفترة 2021-2027،  والموفر الرائد للمساعدات الإنمائية فى هذه المنطقة المعرضة بشكل خاص لتغير المناخ والمغطاة بالصحارى والجبال، وأصرت رئيسة المفوضية الأوروبية على العرض المختلف لأوروبا متمسكة بالعقيدة الأوروبية، والشراكة غير المشروطة لتمييز نفسها عن الصين، وعلى ضرورة المضى قدماً فى مشروعها الخاص بممر النقل عبر بحر قزوين، وهو طريق تجارى يتجاوز روسيا، ويربط أوروبا بآسيا عبره.

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام