سوق ومال



تسونامى الرسوم الجمركية يجتاح العالم

13-4-2025 | 19:31
حنان البيلى

أشعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فتيل حروب تجارية مع دول العالم، بدعوى يوم تحرير الاقتصاد الأمريكى، حيث وقع أمرا تنفيذيا بفرض “رسوم جمركية متبادلة”، على دول العالم، قائلا: إن ما يفعلونه بنا نفعله بهم، مضيفا هذا فى رأيى أحد أهم الأيام فى التاريخ الأمريكى.
وتشمل هذه الرسوم الجمركية الجديدة 34 %، على الواردات من الصين لتصل الرسوم المفروضة على الصين إلى 54 %، و20 %، على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبى، وهما من أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
 
ولم يتأخر رد الصين كثيرا، حيث فرضت رسوم جمركية على كل الواردات الأمريكية، بنسبة 34 %، وأتى الرد سريعا مطالبا بضرورة إلغاء تلك الرسوم، وإلا فإنه سيتم فرض 50 % رسوم أخرى ليفوق إجمالى ما فرض على الصين 100 %، وأتى الرد الصينى بأن الصين سترد وأنها ستتحول إلى حرب تجارية.
 
كما أعلن ترامب أنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 31 %، على واردات بلاده من سويسرا، وتبلغ كذلك 24 % على اليابان، و26 % على الهند، وتفرض الولايات المتحدة 17 % على إسرائيل، بينما تفرض رسوم بنسبة 10 % على بريطانيا، وسنغافورة والبرازيل والسعودية والإمارات ومصر، وعدد من الدول العربية، وبذلك يكون الحد الأدنى للرسوم الجمركية نسبته 10 %، سيفرض على الكثير من الدول، فى حين تصل الرسوم الجمركية المفروضة، على جنوب إفريقيا إلى 30 %، وتصل تلك النسبة إلى 49 %، على الواردات من كمبوديا.
كرد أولى انخفضت أسواق الأسهم فى الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، بسبب المخاوف من التأثير الاقتصادى السلبى، لتلك الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب، خصوصا بعد إجابته فى مقابلة تليفزيونية، عندما سئل عن احتمالية حدوث ركود اقتصادى؟
 أجاب ترامب، بأن أكبر اقتصاد فى العالم يمر بـ»فترة انتقالية»، وكانت السوق الأمريكية أكبر الخاسرين بعد هذا الإعلان، حيث انخفض «مؤشر ستاندرد آند بورز 500»، بنسبة 8.4 %، وكان التأثير فى أسواق أخرى أقل مقارنة بالسوق الأمريكية، فقد انخفض مؤشر الأسهم الآسيوية العام بأقل من 1 %، وانخفض مؤشر “ستوكس أوروبا 600” بنسبة 2. 6 %، بينما ارتفع اليورو بنحو 6.1 % مقابل الدولار. وزادت خسائر الأسواق المالية، بعد التصعيد الجارى من الولايات المتحدة والصين، وبوادر نشوب حرب تجارية بين أكبر اقتصاديين فى العالم.
 
عمد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، منذ ولايته الأولى إلى فرض الرسوم الجمركية على الصين والاتحاد الأوروبى، لكن دخل الاتحاد الأوروبى فى مفاوضات مع الولايات المتحدة، وتم تجميد تلك الرسوم. واتخذ من شعار «لنجعل أمريكا عظيمة» شعار حملته الرئاسية الثانية، وقد عمد ترامب منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض، على تنفيذ خطته الخاصة بالرسوم الجمركية، التى لم يستطع تنفيذها فى فترته الرئاسية الأولى.
 
وتعد الرسوم الجمركية ضرائب إضافية، تفرض على السلع المستوردة من دول أخرى، وعادة ما تكون التعريفة الجمركية نسبة مئوية من قيمة المنتج، وأكد الرئيس الأمريكى ترامب بأن “التعريفة”، هى كلمته المفضلة، وأنه كان منذ فترة طويلة انتقد اتفاقيات التجارة الحرة الدولية، ويرى أن التعريفات الجمركية، ستشجع المستهلكين الأمريكيين على شراء المزيد من السلع المصنعة فى الولايات المتحدة، ما يعزز اقتصاد البلاد ويزيد من مقدار الضرائب المحصلة.
 
مراحل فرض الرسوم الجمركية
تضمنت خطة ترامب للرسوم الجمركية، عدة مراحل، بدأت بطلب تقارير تحقيقات تجارية أمر بإعدادها منذ يوم تنصيبه، والتى استهدفت تقييم العلاقات التجارية الأمريكية مع عدد كبير من دول العالم، وقد رفعت نتائج له تلك التحقيقات فى الأول من إبريل، تمهد للإعلان الرسمى فى اليوم التالى عن رسوم “متبادلة”، تهدف لمعادلة ما تراه الإدارة الأمريكية بضرائب غير عادلة، ودعما صناعيا مفرطا، أو حواجز تنظيمية تفرضها الدول الأخرى على المنتجات، أو تقييم للعملة بأقل من قيمتها لمنح منتجات تلك الدولة ميزة تنافسية فى مواجهة المنتجات الأمريكية.
وكانت البداية، بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم، من كل دول العالم، وفى 10 فبراير الماضى، وقع مرسوما بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 %، على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم من كل دول العالم، ودخولها حيز التنفيذ فى 12 مارس الجارى بدون استثناءات أو إعفاءات.
ولم يكد العالم استيعاب تلك الرسوم على الصلب والألومنيوم، حتى أعلن الرئيس الأمريكى، فرض تعريفة جمركية جديدة بقيمة 25 %، على واردات الولايات المتحدة من السيارات، وقطع غيار السيارات، وقال ترامب إن هذه الرسوم الجمركية، سوف تدخل حيز التنفيذ فى الثانى من إبريل المقبل، وستتحملها الشركات الأمريكية المستوردة للسيارات، بينما سيؤجل فرض هذه الرسوم على قطع غيار السيارات إلى مايو المقبل أو بعد ذلك.
 
وذكر الرئيس الأمريكى، أن فرض مثل هذه القيود التجارية من شأنه أن يؤدى إلى تحقيق "نمو هائل"، لقطاع السيارات فى بلاده، واعدا بأن يعزز ذلك نمو الوظائف والاستثمارات فى الولايات المتحدة، فقد بلغت واردات الولايات المتحدة من السيارات العام الماضى ثمانية ملايين سيارة، وتقدر قيمتها بنحو 240 مليار دولار، أى نصف إجمالى المبيعات.
 
وجاءت المرحلة الأخيرة فى الرابع من إبريل الحالى، حيث أعلن ترامب عن جدول التعريفة الجمركية التى ستفرض على أكثر من 180 دولة، أقلها 10 % وأعلها 50 %، وينص المرسوم التنفيذى الذى تم توقيعه فى 4 إبريل على أن “جميع المواد المستوردة إلى الإقليم الجمركى للولايات المتحدة ستكون، وفقا للقانون، خاضعة لسعر إضافى للرسوم الجمركية بنسبة 10%”، ما لم يذكر خلاف ذلك، كما يحتفظ ترامب بالحق فى زيادة هذا السعر الأساسى “إذا استمرت قدرة وإنتاجية التصنيع الأمريكى فى التدهور”.
 
كما وقع الرئيس الأمريكى، أمرا تنفيذيا، ألغى بموجبه الإعفاء الجمركى الممنوح للطرود الصغيرة المرسلة من الصين، وهى آلية سمحت لشركتى التجارة الإلكترونية الصينيتين “شين”، و”تيمو”، بالتوسع فى الولايات المتحدة، وقال البيت الأبيض إن “الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة ستدخل حيز التنفيذ فى 5 و9 الجارى”، ونشر ترامب عبر منصته “تروث سوشيال”، للتواصل الاجتماعى الأربعاء هذا هو يوم التحرير فى الولايات المتحدة، وقالت كارولاين ليفيت - المتحدثة باسم البيت الأبيض - ينتهى نهب أمريكا مؤكدة أن حزمة الرسوم الجديدة ستدخل حيز التنفيذ فورا بعد أن يعلنها الرئيس ترامب، وحذر سكوت بيسنت - وزير الخزانة الأمريكى - دول العالم أجمع من الرد على الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب على صادراتها إلى بلاده، مخاطبا قادة هذه الدول “استرخوا، تحملوا الضربة، لأنه إذا رددتم سيكون هناك تصعيد”.
 
الأهداف المعلنة
تهدف سياسة ترامب التجارية، إلى تقليص العجز التجارى الأمريكى وحماية الصناعات المحلية، وسط توقعات بتصعيد التوترات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، حيث ارتفع عجز الميزان التجارى الأمريكى خلال ديسمبر الماضى إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من عامين، وفقًا لبيانات وزارة التجارة الأمريكية الصادرة 4 فبراير الماضى.
 
وقد أوضحت بيانات الوزارة التجارة الأمريكية أن العجز التجارى ارتفع إلى 4.98 مليار دولار فى ديسمبر 2024، مقابل 9.78 مليار دولار خلال نوفمبر الماضى، وفقا للبيانات المعدلة، وجاء ارتفاع العجز التجارى بأكثر من التوقعات ليسجل أعلى مستوى له منذ مارس 2022 عندما بلغ 9.101 مليار دولار، كما أشار تقرير الوزارة إلى ارتفاع عجز ميزان تجارة السلعية خلال ديسمبر الماضى، إلى 123 مليار دولار ، مقابل 5.104 مليار دولار خلال الشهر السابق، فى حين تراجع فائض ميزان تجارة الخدمات إلى 5.24 مليار دولار، مقابل 1.25 مليار دولار خلال الفترة نفسها، فقد زادت الفجوة التجارية بنسبة 17 % فى عام 2024 إلى 918 مليار دولار، عما كانت عليه فى فترة رئاسة ترامب الأولى.
 
وعندما أعلن الرئيس الأمريكى ترامب، عن فرض تلك رسوم جمركية “المتبادلة”، بنسبة 20 % على بضائع الاتحاد الأوروبى التى تدخل الولايات المتحدة، أوضح أن الاتحاد الأوروبى الذى يضم 27 دولة وأنه يسرق أمريكا، بفرض ضريبة بنسبة 39 % على المنتجات الأمريكية التى تدخل أسواقها، فى حين تقول المفوضية الأوروبية إنها تفرض تعريفة جمركية بمتوسط 1 %، فقط على المنتجات الأمريكية التى تدخل سوق الاتحاد الأوروبى، وكذلك تشير تقديرات منظمة التجارة العالمية (‪WTO‬)، إلى أن متوسط معدل التعريفة الجمركية على المنتجات الأمريكية، التى تدخل الاتحاد الأوروبى أعلى قليلاً عند 8.4 %.
 
وأوضحت بروكسيل عند النظر إلى التجارة الفعلية فى السلع، نجد أن الإدارة الأمريكية جمعت نحو 7 مليارات يورو، من التعريفات الجمركية على منتجات الاتحاد الأوروبى فى عام 2023، مقارنة بـ3 مليارات يورو التى فرضها الاتحاد الأوروبى على السلع الأمريكية!
بينما تشير الإدارة الأمريكية، إلى عدم التماثل غير العادل فى بعض معدلات التعريفة الجمركية، على سبيل المثال، يطبق الاتحاد الأوروبى تعريفة جمركية بنسبة 10 %، على واردات السيارات الأمريكية، بينما تفرض الولايات المتحدة 5.2 %، فقط على الواردات من السيارات الأوروبية.
وتوضح بروكسل، أن هذا الأمر لا يأخذ فى الاعتبار حقيقة أن الولايات المتحدة، تفرض تعريفة جمركية بنسبة 25 %، على الشاحنات الصغيرة المصنوعة فى الاتحاد الأوروبى، والتى تعد المفضلة لدى المستهلكين الأمريكيين، والتى تمثل نحو ثلث مبيعات السيارات.
 
وعادة يتم حساب التعريفة الجمركية بمعادلة حسابية معروفة، ففى حالة الاتحاد الأوروبى، وحين نأخذ فى عين الاعتبار أرقام عام 2024، التى قدمتها المفوضية الأوروبية، فإن ذلك يعنى عجزا تجاريا قدره 2.198 يورو، مقسوما على إجمالى صادرات بروكسل إلى الولايات المتحدة البالغ 6.531 يورو، ما يؤدى إلى معدل تعريفة جمركية بنسبة 37‪,‬2 ٪ قريب من نسبة 39 %  التى حددها ترامب.
وقد أجرت صحيفة نيويورك تايمز، نفس العملية الحسابية باستخدام الأرقام التى حددها الممثل التجارى الأمريكى، ووجدت أن النتيجة تقع بالضبط عند نسبة 39 %، وقد أوضح خبراء تجاريون أوروبيون حقيقة أن التعريفات الجمركية تستند إلى حجم الخلل فى الميزان التجارى، مما يعنى أنها ليست فى الواقع تعريفات متبادلة بالمعنى الذى قد يفهمه معظم الناس، وهى الطريقة التى تم بها تفسير كلمة “متبادلة”. وقد أوضح الممثل التجارى الأمريكى، أن التعريفات الجمركية المتبادلة الشاملة التى فرضها ترامب تم حسابها باستخدام معادلة معقدة تهدف إلى “موازنة العجز التجارى الثنائى”، بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين بما فيهم الاتحاد الأوروبى، وأضاف الممثل التجارى الأمريكى أننا نأخذ فى الاعتبار “مجموعة من العوامل الجمركية وغير الجمركية التى تمنع توازن التجارة”.
أما عن العجز التجارى الأمريكى مع الصين، والتى تعد الشريك التجارى الأكبر المنفرد مع الولايات المتحدة، والتى صدرت إلى واشنطن بضائع بقيمة تتخطى 406 مليارات دولار، خلال عام 2024، وبلغ إجمالى الفجوة فى التجارة السلعية 295 مليار دولار، فى عام 2024 مع واشنطن، وذلك على الرغم من انخفاض العجز التجارى مع الصين بشكل حاد منذ أن فرض ترامب لأول مرة تعريفات جمركية كبيرة على البلاد فى عام 2018 خلال ولايته الأولى، التى أبقى عليها فى عهد الرئيس جو بايدن، وتمت توسعتها، ونتيجة لذلك، تقلصت الفجوة التجارية مع الصين من مستوى قياسى بلغ 418 مليار دولار، فى عام 2018، ومع ذلك، استمر العجز التجارى الأمريكى الإجمالى فى الارتفاع منذ ذلك الحين، لأن الشركات نقلت الإنتاج إلى مواقع أخرى منخفضة التكلفة، مثل المكسيك وفيتنام.
 
خسائر أسواق المال
أدى قرار الرئيس الأمريكى ترامب، بفرض رسوم جمركية أحادية الجانب على السلع المستوردة من جميع البلدان، إلى اضطرابات كبيرة فى الأسواق المالية العالمية، والتى تضمن القرار فرض رسوم أساسية تتراوح بين 10 % و50 %، على بعض الدول والمناطق، إلى حدوث خسائر مرعبة فى اليوم الأول للإعلان عن تلك الرسوم، فقد أنهت البورصة تعاملاتها فى نهاية الأسبوع، على خسائر بلغت 6‪,‬6 تريليون دولار، وقد قال ترامب فى تصريحات للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: إن على الحكومات الأجنبية دفع الكثير من المال، إذا أرادت رفع هذه الرسوم الجمركية، التى وصفها بأنها بمثابة دواء لعلاج ما وصفه بسرقة ممتدة من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وأضاف: لا أرغب فى أن تتأثر الأسواق، ولكن أحيانا، لا بد من تناول الدواء لعلاج شىء ما.
وكان التأثير المباشر على بورصة وول ستريت، حيث شهدت الأسهم تراجعا كبيرا، وألقى اللون الأحمر بظلاله على الشركات الكبرى، وأدى إلى تراجع فى ثروات أغنى الشخصيات فى العالم، وجلهم من المؤيدين لسياسات ترامب. فقد تكبد إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا، خسارة قدرها 9.30 مليار دولار، ليصل صافى ثروته إلى 302 مليار دولار. كذلك جيف بيزوس، مؤسس أمازون، الذى انخفضت ثروته بمبلغ 49.23 مليار دولار، ليصل إجمالى ثروته إلى 193 مليار دولار. وكذلك مارك زوكربيرج -رئيس شركة ميتا- فقد فقد 34.27 مليار دولار من ثروته، ليصل صافى ثروته إلى 179 مليار دولار، وفقا لمؤشر بلومبرغ.
 
من جهة أخرى، كانت الشركات الكبرى فى قطاع التكنولوجيا، التى تعتمد على التصنيع فى دول مثل الصين والهند وتايوان، الأكثر تأثرا بالقرار، فقد وصلت الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات من الصين إلى 54 %، و32 %، على الواردات من تايوان، و26 %، على السلع الهندية.
وكانت الأصول الأمريكية، هى أكبر الخاسرين بعد الإعلان عن تلك الرسوم الجمركية، حيث انخفض "مؤشر ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 8.4 %، وكان التأثير فى أسواق أخرى أقل مقارنة بالسوق الأمريكية فقد انخفض مؤشر الأسهم الآسيوية العام بأقل من 1 %، وانخفض مؤشر “ستوكس أوروبا 600” بنسبة 6.2 %، بينما ارتفع اليورو بنحو 6.1 % مقابل الدولار.
واستمرت معاناة بورصة وول ستريت من خسائر حادة، ودخل مؤشر داو جونز الصناعى منطقة التصحيح، بعد أن انخفض بمقدار 2063 نقطة، أى بنسبة 1.5 %، يوم الجمعة، مسجلا أكبر انخفاض له منذ يونيو 2020، أثناء فترة جائحة كورونا. يأتى هذا بعد انخفاض قدره 1679 نقطة، ليصل الانخفاض من مستوى قياسى بلغ 14 %، ولا تزال التخوفات مستمرة من استمرار الخسائر من الافتتاح بعد الإجازة الأسبوعية.
 
وافتتحت الأسواق الآسيوية تداولاتها بعد الإجازة الأسبوعية، على تراجع حاد غير مسبوق، إذ تهاوت المؤشرات فى هونج كونج بنسبة تجاوزت 12 %، وفى تايوان قدرت الخسائر بنحو 10 %، بينما فقدت السوق اليابانية أكثر من 5.6 %. وفى الصين، خسر مؤشر ‪CSI‬ 300 نحو 5 % ، متأثرا بتصاعد القلق حول تداعيات تجارية محتملة على ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، وتراجعت أيضا بورصة سول بنسبة 5.4 %، وقد سجل مؤشر السوق الأسترالية انخفاض بنسبة 6 % عند الافتتاح.
 
وكذلك افتتحت البورصات الأوروبية، على تراجع حاد عند بدء التداول فى أعقاب البورصات الآسيوية، وسجل مؤشر داكس الألمانى خسائر تصل إلى 10 %، وهبط مؤشر الأسهم الفرنسية بنحو 7 %، عند الافتتاح، كما تراجع مؤشر فوتسى البريطانى بنحو 6 %، كما تراجعت العقود الآجلة للمؤشرات الرئيسية، التى تعكس المبادلات الجارية قبل الافتتاح، بنسبة 4.4 % فى بورصة فرانكفورت، و58.2 %، فى بورصة باريس، 43.2 % فى بورصة لندن، 3.5 % فى ميلانو، وفق وكالة فرانس برس.
كذلك، تراجعت أسعار النفط عند الفتح فى التعاملات الآسيوية على إثر التخبط، الذى هز الأسواق العالمية، بعد فرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رسوماً جمركية حادة، على عدد كبير من الدول من الحلفاء التجاريين، وانخفض الدولار 1 % مقابل الين اليابانى إلى 15.145 ين، تحت ضغط إصرار البيت الأبيض على موقفه الخاص بفرض الرسوم الجمركية.
 
ردود فعل الشركاء التجاريين
كانت الصين أول دولة تعلن عن فرض رسوم جمركية على السلع الأمريكية، وأنها ستفرض رسوما جمركية متبادلة بنسبة 34 %، على جميع الواردات من السلع الأمريكية، بالإضافة إلى وضع قيود على تصدير مجموعة من العناصر المعدنية النادرة، ومن المتوقع أن تحظر الصين استثمار شركاتها فى الولايات المتحدة، كما تفرض بكين قيودا على مغادرة المهندسين والمعدات المرتبطة بسلاسل توريد حساسة فى محاولة منها للحفاظ على ريادتها فى الصناعات الإلكترونية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية: "تحت ستار السعى إلى "المساواة"، و"العدالة"، فى لعبة محصلتها صفر، تسعى الولايات المتحدة أساسا إلى أمريكا أولا، فى محاولة لتقويض النظام الاقتصادى والتجارى الدولى القائم من خلال التعريفات الجمركية، وإعطاء الأولوية لمصالح الولايات المتحدة على الصالح العام للمجتمع الدولى، والتضحية بالحقوق المشروعة للدول فى جميع أنحاء العالم لخدمة المصالح الهيمنة الأمريكية.
 
وأعلن الرئيس الأمريكى، إذا لم تلغى الصين الرسوم التى فرضها على البضائع الأمريكية، سيتم فرض رسوم أخرى بنسبة 50 %، ولم يتأخر الرد الصينى، حيث أعلنت الصين أنها سترد على أى رسوم أمريكية جديدة، وأنها ستدافع عن مصالحها محذرة من نشوب حرب تجارية ستؤثر على الاقتصاد العالمى.
وتسعى كذلك دول الاتحاد الأوروبى إلى تشكيل جبهة موحدة ضد الرسوم الأمريكية، قبل دخولها حيز التنفيذ فى التاسع من إبريل الجارى، ومن المرجح أن توافق الدول الأعضاء فى الاتحاد على حزمة أولية من التدابير المضادة الموجهة، ضد الواردات الأمريكية تصل قيمتها إلى 28 مليار دولار، حيث يواجه الاتحاد الذى يضم 27 دولة، رسوم جمركية بنسبة 25 %، على واردات الصلب والألومنيوم والسيارات، ورسوم جمركية متبادلة بنسبة 20 %، على جميع السلع الأخرى تقريبا.
وتغطى رسوم ترامب الجمركية نحو 70 %، من صادرات الاتحاد الأوروبى إلى الولايات المتحدة، التى بلغت قيمتها الإجمالية 532 مليار يورو، العام الماضى، بينما لم تتجاوز الواردات 4.333 مليار يورو، علما أنه فى الوقت نفسه يعانى الاتحاد الأوروبى، من عجز تجارى مع الولايات المتحدة فى قطاع الخدمات، هذا بخلاف تزايد احتمالية فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية على النحاس، والأدوية وأشباه الموصلات والأخشاب.
 
وقد طرحت فى اجتماع وزراء التجارة الأوروبيين فى لوكسمبورج، مسألة الرسوم الجمركية المضادة الأولية التى أقرها الاتحاد الأوروبى، وبلغت الرسوم نسبة 25 % ردا على الرسوم الجمركية التى فرضت على الصلب والألومنيوم وستدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ على مرحلتين، المرحلة الأولى فى 15 إبريل الجارى، وأنه من المتوقع التصويت على الحزمة الثانية، من الرسوم فى وقت لاحق من الشهر الجارى أو بداية الشهر القادم، فى حال فشلت المفاوضات بين الجانبين.
 
كما أجرت أورسولا فون دير لاين - رئيسة المفوضية الأوروبية - مناقشات منفصلة مع الرؤساء التنفيذيين لقطاعات الصلب والسيارات والأدوية لتقييم أثر الرسوم، وتحديد الخطوات التالية، مع الدخول فى مفاوضات مع الشريك الأمريكى فى محاولة للتوصل لحل مشكلة تلك الرسوم الجمركية، وقد عبر إيلون ماسك عن اختلافه مع الرئيس ترامب بشأن سياسة التعريفات الجمركية، مشيرا فى تصريح له إلى أنه يأمل فى التوصل إلى وضع خال من التعريفات بين الولايات المتحدة وأوروبا، مع التركيز على إنشاء منطقة تجارة حرة بينهما.
 
الآثار المتوقعة
بعيدا عن الهزة العنيفة التى شهدتها أسواق المال والبورصات العالمية، وتراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، إلى أدنى مستوى لها فى أكثر من خمسة أشهر، مما عزز التوجه إلى الملاذات الآمنة الين اليابانى والذهب، اللذين لامسا مستويات قياسية مرتفعة، وكما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية إن تلك الرسوم فى حال دخولها حيز التنفيذ فإنها ستؤثر على ملايين البشر حول العالم، وهذا صحيح وسيكون المستهلكون الأمريكيون هم أول المتضررين، حيث سيدفعون تكلفة هذه التعريفات الجديدة، عندما يقوم المستوردون بتحميل تلك الرسوم على المستهلكين، مما يرفع من أسعار كل السلع المستوردة، وهنا تزداد معدلات التضخم لديهم أو ما يعرف بالتضخم المستورد، وقد ارتفعت احتمالية حدوث ركود فى الولايات المتحدة إلى 50 %، وزيادة فى توقعات التضخم لتصل إلى 5.3 %، وكذلك
 
زادت احتمالية نشوب حروب تجارية إذا قامت الدول المتضررة بالرد من خلال تعريفات مضادة.
وكذلك من المتوقع حدوث تضخم فى الأسعار حول العالم، لأن نحو 70 % من الإنتاج العالمى، يعتمد على سلاسل التوريد الدولية التى تربط الشركات والمصانع فى دول مختلفة ببعضها البعض، إذ لم يعد من الممكن لأى دولة مهما بلغت قوتها الاقتصادية، أن تمتلك سلسلة توريد متكاملة خاصة بها، لأنه غير مجد اقتصاديا مما سينعكس فى نهاية المطاف على الأسعار والنمو الاقتصادى، حيث من المتوقع زيادة التضخم وانخفاض معدلات النمو.
 
ومن أهم التغيرات المتوقعة نتيجة لتلك الرسوم الأمريكية، حدوث تحالفات جديدة فى المشهد التجارى العالمى، وبدأت إرهاصاته الأولى بالفعل بين اليابان وكوريا الجنوبية والصين، برغم تنافسها وغياب الصداقة التقليدية بينها، فقد تمكنت من الاتفاق على سياسة موحدة لمواجهة التعريفات الجمركية الأمريكية. وهذا يشير إلى أن العديد من الدول قد تبدأ بالفعل فى إعادة رسم خططها التجارية وبناء مسارات جديدة للتبادل التجارى، كشراكات بين أوروبا والصين، أو بين أوروبا وبعض الدول الآسيوية، وقد تمتد تلك التحالفات لتشمل إفريقيا والشرق الأوسط بعيدا عن الهيمنة الأمريكية، وهذا ما حذر منه الاقتصادى محمد العريان، موضحا أن تلك الرسوم الجمركية قد تحقق مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل، ولكنها قد تضر بقدرتها الاقتصادية على المدى الطويل. والتوقعات على المدى الطويل ليست فى صالح الولايات المتحدة إذا تحولت التعريفات الجمركية إلى لعبة متكررة، وكلما زاد اللجوء إليها زادت قوة الحافز لدى البلدان الأخرى، لتقليل اعتمادها الاقتصادى والمالى على الولايات المتحدة، وتسريع تفتيت نظام اقتصادى دولى خدم أمريكا تاريخيا بشكل جيد.
 
وصرح كيفن هاسيت - مدير المجلس الاقتصادى الوطنى بالبيت الأبيض- أخيرا بأن أكثر من 50 دولة، تواصلت مع الولايات المتحدة لمحاولة التفاوض بشأن التوصل لاتفاقيات حول الرسوم الجمركية منذ أن أعلن الرئيس دونالد ترامب عنها فى الأسبوع الماضى.
وقد أعلن ترامب، أن الدول تأتى إليه بالفعل سعيا لعقد صفقات، فى إشارة إلى انفتاحه على التفاوض مع القادة الأجانب، قبل حلول الموعد النهائى لبدء تنفيذ الرسوم الجمركية منتصف ليل الجمعة الماضية، وفى اليوم التالى نشر قبل وصوله إلى ملعب الجولف، على منصة تروث سوشيال: «إلى العديد من المستثمرين القادمين إلى الولايات المتحدة، والذين يستثمرون أموالا طائلة، لن تتغير سياساتى أبدا، هذا وقت مثالى للثراء، ثراء أكثر من أى وقت مضى».
 

الاكثر قراءة

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام