مقالات



جيش مصر الأبيض

17-4-2025 | 21:26
د. عمرو بسطويسى

طال بى التفكير والتأمل، فيما آل إليه وضع الطبيب المصرى فى السنوات الأخيرة، ليس فقط من تدهور وضعه المادى وصعوبة دراسته الجامعية، وما بعدها، وكذلك ظروف عمله بعد التخرج، لكن ما شد انتباهى ودعانى للتأمل والبحث فى الأسباب، هو ذلك الهجوم والنفور المجتمعى تجاه الطبيب ومهنة الطب بشكل عام.
 
هذه حقيقة واقعة نراها فى الهجوم الإعلامى ضد الأطباء بشكل دائم، ولا أقصد هنا الإعلام المصرى الرسمى الواعى بمصلحة الوطن، بل أقصد شكلاً معيناً من الإعلام التجارى المُتربِّح، والذى يعتمد على ما يسمى «الترند»، والمقصود بهذا المصطلح كل حادث أو خبر غريب يشد انتباه الناس، مما يسمح بلصق إعلانات والتربح من وراء ذلك، ورأينا ذلك أيضاً على صفحات التواصل الاجتماعى، فى تعليقات العامة على أى خبر يخص الأطباء ومعاناتهم، أو أية مشكلة طبية تحدث لأى مريض، فنجد الأغلبية، وقد انهالوا على الأطباء هجوماً وتقريعاً، فى شكل اجتماعى مريض لم نعهده فى مصر من قبل، ولا نراه فى الدول المتقدمة.
 
زاد الطين بلةً، عندما أتينا إلى معركة قانون المسئولية الطبية، الذى ظهر فى أول صوره، مُعبراً عن تلك الحالة المجتمعية المريضة التى ذكرتها تواً، ولولا وقفة جموع الأطباء ومجهود نقابتهم، لظهر إلى العلن فى صورةٍ سيئة، كانت ستدفع ما تبقى من أبناء هذه المهنة إلى مغادرة الوطن، أو العزوف عن الطب برمته، وعلى الرغم من تحسن صورة هذا القانون بشكل كبير، فإنه لا تزال به ثغرات، وعيوب تضر ولا تنفع، وهذه تفاصيل خارج سياق هذا المقال.
 
عودةً إلى محاولة تفسير تلك الحالة المجتمعية المريضة ضد الطبيب المصرى، فمن المعروف فى طرق البحث عن الأسباب، أن نبحث عمن سيستفيد من وضع معين، ونتعقب ذلك المفهوم، لنضع يدنا على السبب أو الفاعل الحقيقي.
 
وحيث إن الكل يعلم، أن أوضاع الأطباء الصعبة دراسةً وعملاً، والهجوم المجتمعى المدفوع والمُحَفَّز من قبل الإعلام التجارى، إضافة إلى سنّ قوانين ظاهرها الرحمن وباطنها العذاب، كل هذا دفع بالآلاف من الأطباء المصريين إلى الهجرة، وتشهد على ذلك الإحصاءات الحكومية فى أعداد الاستقالات، وكذلك إحصاءات نقابة الأطباء، كما دفع كبار الأطباء المخضرمين إلى التفكير ملياً فى اعتزال المهنة. وانطلاقاً مما ندركه يقيناً أن الرعاية الصحية السليمة، هى أحد أعمدة وركائز الأمن القومى للدول، هنا يمكننا أن ندرك أننا أمام حملة ممنهجة، قادمة من خارج الوطن، وتهدف لتدميره.
 
وإننى هنا من منبر الصحافة القومية الراسخة فى المبادئ والقيم، أهيب بجموع الشعب المصرى، العموم منهم وأصحاب المناصب الحيوية، أن يدعموا جيش بلادهم الأبيض، ذلك أنك يا عزيزى المواطن المصرى الوطنى الأصيل، وأنت تقرأ هذه الكلمات، هناك المئات من خيرة شباب مصر من الأطباء يحطون رحالهم فى بلاد غربية، لينضموا لمن سبقهم من قوافل الأطباء المصريين، وهناك أيضاً الآلاف يخططون لنفس الطريق.
 
إذا لم يدرك المصريون قيمة جيش بلادهم الأبيض، ويعلموا يقيناً أنهم ضحايا لمؤامرة ضد وطنهم الغالى الحبيب، فسيأتى يومٌ قريب، لن يجدوا من يعالجهم ويداوى جروحهم، وستصبح مقدراتهم الصحية فى يد أطباء أغراب أقل كفاءة، وليس لهم انتماء لهذا الوطن.
 
حافظوا على الجيش الأبيض.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام