نحن والعالم



يمهد الطريق أمام الكتلة الغربية.. قرار ماكـرون يشعــــل نيران الغضب فى إسرائيل

17-4-2025 | 23:06
⢴ رشا عامر

تصريحاته فتحت الطريق أمام فرنسا لتصبح الدولة 149 التى تعترف بالدولة الفلسطينية
 
أعلن إيمانويل ماكرون، أن فرنسا قد تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية بحلول يونيو 2025، وهذا حدث لا يستهان به إطلاقا، وقد يمهد الطريق أمام الكتلة الغربية التى لا تزال غائبة عن الاعتراف بهذه الدولة، فهل إعلان فرنسا عن احتمال اعترافها رسميا بالدولة الفلسطينية مجرد تصريح آخر فى صراع مستمر منذ 80 عاما أم أنه حدث حقيقى؟
 
الباحثة فى المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية، أميلى فيرى، تحلل الحدث بأنه قد يكون تمهيدا بالفعل لاعتراف آخر كتلة، وهى الكتلة الغربية بالدولة الفلسطينية، فضلا عن أنه يأتى أيضا فى وقت تتذبذب فيه القيادة الأخلاقية للعالم الغربى، المتمثلة فى الولايات المتحدة ما يجعل القيادة الفرنسية تسعى لاستعادتها، وذلك لإعادة فرض عالم يحظى فيه القانون الدولى بالأهمية، ويكون الحق فى السيادة وتقرير المصير للشعوب أمرا ذا قيمة.
 
فقد فتح إيمانويل ماكرون، الطريق أمام فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية لتصبح الدولة رقم 149، التى تتخذ هذا الموقف، وسيكون هذا موقفا مهما بالنسبة لفرنسا، لأنها ستكون دولة غربية كبرى تعترف بفلسطين، ويمكن أن يكون لها تأثير حقيقى، وعلاوة على ذلك، فإن هذا من شأنه أن يسمح لها بالعودة إلى شكل من أشكال السياسة العربية الفرنسية، وقد يكون هذا بمثابة إشارة قوية لإعادة فرض عالم تكون فيه للقانون الدولى أهمية، وحيث يكون للشعوب الحق فى السيادة وتقرير مصيرها.
 
وقد يتساءل البعض عما يجعل هذا الموقف الفرنسى، أكثر تأثيرا من موقف إسبانيا، أو النرويج أو إيرلندا التى اعترفت بفلسطين فى عام 2024؟
 
والإجابة أن دور ووزن فرنسا داخل المعسكر الغربى، باعتبارها عضوا فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما لا ينطبق على الدول السابقة يجعل لها دورا ثقيلا باعتبارها أيضا قوة نووية، وهكذا فهى تعمل على ترسيخ نفسها كلاعب رائد داخل الاتحاد الأوروبى، وبهذا يمكن لفرنسا أن تكون الدولة الغربية العظيمة، التى تقدم رؤية بديلة للعلاقات الدولية مع مسار بديل هو احترام القانون الدولى، وهذا هو الوقت المناسب لفرض السلام بشكل أعم فى المنطقة، حيث يعتبر اعتراف فرنسا وسيلة للدفع فى هذا الاتجاه، وبرغم أنه لا يمكن صنع السلام نيابة عن الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن ما فعلته فرنسا من شأنه أن يعقد خطة الحكومة الإسرائيلية الحالية لنقل الفلسطينيين قسرا، وتجب قراءته باعتباره توازنًا للقوى.
 
ويوجد اليوم 148 دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية، أهمها روسيا والصين والهند، وهى ليست قوى صغيرة، لكن هناك أقلية صغيرة لا تعترف بذلك، وهى فى الواقع الكتلة الغربية مثل الولايات المتحدة، وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا واليابان وأستراليا، وبالتالى فمن الممكن أن يكون لفرنسا من خلال وضع نفسها فى موقف يتعلق بالدولة الفلسطينية، تأثير مضاعف على القوى الغربية الأخرى التى لا تريد أن تتبع الأمريكيين فى مسارهم الجديد، ما قد يمهد الطريق أمام إزالة آخر العقبات المتبقية أمام الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
 
صحيح أنه من الناحية العملية لن يكون لهذا تأثير فورى، لأن الوحيدة التى تملك فى واقع الأمر أداة ضغط حقيقية على إسرائيل هى الولايات المتحدة، وذلك بفضل مساعداتها العسكرية التى تبلغ 3.8 مليار دولار سنويا، فإنه يجب النظر إلى هذه المبادرات باعتبارها أدوات تفاوض لمحاولة تشكيل أو تغيير توازن القوى، فالواقع أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس العلاج المعجزة الذى سيمكن الفلسطينيين من العيش فى سلام، حيث لن يكون هناك استقرار فى الشرق الأوسط، حتى يكون هناك سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن مبادرة فرنسا هى طريق للسلام وذلك فى مواجهة الولايات المتحدة، التى تهدف إلى تقويض النظام الدولى الذى تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية، وهو عالم من التكامل الاقتصادى والقانون الدولى، الذى يحد من طموحات الدول، ويحظر الإمبريالية، ويستند إلى نظام متعدد الأطراف ولهذا تسعى فرنسا إلى حمل هذه الشعلة.
 
لكن لكى تظل دولة فلسطين قائمة، فإنها لا تحتاج إلى اعتراف بقية العالم بها كما يوضح رومان لوبوف، أستاذ القانون الدولى فى جامعة إيكس مرسيليا، فالاعتراف بدولة أو عدم الاعتراف بها ليس له أى تأثير على حقوقها والتزاماتها الدولية، لكن اعتراف فرنسا هذا من شأنه أن يعطى الشرعية للفلسطينيين فى لعبة التفاوض فقط مع إسرائيل، كما أنه يمكن أن ينظر إليها كشكل من أشكال الدعم، كما أنه هو أيضًا وسيلة لتهدئة الناشطين المؤيدين للفلسطينيين فى أوروبا.
 
إعادة حل الدولتين
 
هدف الاعتراف ليس مجرد مسألة رمزية، أو مسألة موقف سياسى، بل أداة دبلوماسية تخدم حل الدولتين اللتين تعيشان جنبًا إلى جنب، وكان هذا هو الحل الوسط الذى اتفق عليه الإسرائيليون والفلسطينيون، عندما تم توقيع اتفاقيات أوسلو فى عام 1993، التى فشلت فى نهاية المطاف، كما أن الاعتراف بفلسطين هو أيضا السبيل الوحيدة لاستعادة الأمل فى عملية السلام، وهو ما جعل السلطة الفلسطينية ترحب بإعلان إيمانويل ماكرون، وتصفه بأنه خطوة فى الاتجاه الصحيح ومتسقة مع الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، كما أنه سيسمح أيضا لفلسطين بفتح سفارة فى فرنسا، حيث إنها فى الوقت الحالى ليس لديها سوى تمثيل دبلوماسى هناك.
 
أما ماكرون بدوره، فيحلم بأن يصبح صانع سلام فى الشرق الأوسط، ولذلك قرر تسريع جدول أعمال الاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية من قبل فرنسا، ويظل هذا الموقف وفيا للخط الدبلوماسى الفرنسى المؤيد لحل الدولتين، وفى مايو 2024، أعلنت فرنسا على لسان رئيسها أنها مستعدة للاعتراف بفلسطين، لكن فى الوقت المناسب وليس تحت تأثير العواطف، وصرح إيمانويل ماكرون، نفسه بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ليس من المحرمات بالنسبة لفرنسا، ويقول ديفيد ريجوليت روز، رئيس تحرير مجلة أورينت ستراتيجيك، فى تحليله إن اعتراف فرنسا بفلسطين هى إستراتيجية ذات حدين، فإيمانويل ماكرون يعتمد على منطق الأداء، لأن الاعتراف المحتمل، لن يجعل فلسطين دولة عضوا كاملة العضوية فى الأمم المتحدة، إذ ستفتقر إلى السمات الضرورية للسيادة، لكن الاعتراف هو مؤشر سياسى، لأن فرنسا لا تزال عضواً فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتدعم السلطات الفرنسية بشكل واسع خطة إعادة إعمار غزة التى أقرتها جامعة الدول العربية، فى الرابع من مارس بمبادرة من مصر، وبذلك تصر باريس على إصلاح وتجديد السلطة الفلسطينية التى تعتبرها السلطة الوحيدة التى يحق لها حكم قطاع غزة.
 
لقد كان لفرنسا لفترة طويلة للغاية، موقف يمكن وصفه بالنموذجى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية، وهذا يعود إلى الجنرال ديجول وخلفائه من جميع الأطياف السياسية الذين اتبعوا نفس المسار، وهو مسار القانون الدولى، أى ضمان أمن إسرائيل والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وإمكانية إنشاء دولة، وإذا كانت قوة فرنسا فى وقت ما تتمثل فى قدرتها على التحدث إلى الجميع، فمعنى ذلك أنها لو استطاعت أن تتحلى بهذه الشجاعة مرة أخرى، فإنها قد تلهم الآخرين، وهذا من شأنه أن يساعد على استعادة صورتها التى تدهورت، خصوصا أن السياق فى الشرق الأوسط تغير خلال العام الماضى مع الغارات التى يشنها الجيش الإسرائيلى على غزة، التى أسفرت عن مقتل المدنيين وفشل وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه فى يناير.
 
والسبب فى ذلك ليس فقط هو أن المفاوضات، وصلت إلى طريق مسدود سواء فيما يتصل باستئناف الهدنة فى غزة، أم التوصل إلى حل سياسى طويل الأمد، لكن أيضًا لأن وصول دونالد ترامب إلى السلطة فى الولايات المتحدة بإدارة مواتية لإسرائيل يدعم سياسة استعمار الضفة الغربية، وقد يصل الأمر إلى الضم المباشر، وهذا هو وسيلة الإليزيه لإثبات معارضته، ووضع حدود لها، لكن بشروط، لأن إيمانويل ماكرون فى بحثه عن التوازن، لا يريد فصل القضية الفلسطينية عن قضية أمن إسرائيل، لكن يظل الثمانية عشر شهراً من الحرب، وآلاف القتلى الفلسطينيين سببا كافيا لجعل تطبيع العلاقات مع الدول العربية أكثر تعقيدا، ولذلك يظل نهج إيمانويل ماكرون افتراضيا للغاية، حيث إنه يعتبر بمثابة محاولة لإحياء عملية متوقفة، كما أنه ستكون له أيضا عواقب ملموسة على العلاقات بين البلدين، وسيسمح لفرنسا بتعزيز مكانتها كلاعب رئيسى فى المفاوضات الجارية لحل الصراع فى الشرق الأوسط، ففرنسا كدولة ذات نفوذ سياسى، وعضو دائم فى مجلس الأمن، لديها القدرة على توجيه الحلول العادلة، والدفع نحو إنهاء الاحتلال، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطينى، وتذكير بحق الفلسطينيين فى تقرير المصير وفوق كل هذا، فإذا انضم الأوروبيون بأعداد كبيرة إلى نحو 145 دولة، تعترف بالفعل بدولة فلسطين، فإن إسرائيل سوف تصبح أكثر عزلة على الساحة الدولية.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام