رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 25 مايو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
ثقافة
ماريو فارجاس يوسا.. طفولة مضطربة وأفكار متناقضة
17-4-2025
|
23:57
⢴ عزمى عبد الوهاب
فى الأسبوع الماضى فارق الكاتب البيروفى ماريو فارجاس يوسا الحياة، عن عمر ناهز الـ89 عاما، بعد معاناة مع المرض، وقد نعاه نجله ألفارو قائلا: “بحزن عميق نعلن وفاة والدنا ماريو فارجاس يوسا فى ليما بهدوء، محاطا بعائلته” وكان قد قال فى أكتوبر الماضى: “شارف على التسعين وهو عمر ينبغى فيه التخفيف من نشاطاته”.
فى عام 2010، أعلنت الأكاديمية السويدية منح جائزة نوبل فى الأدب للكاتب البيروفى «ماريو فارجاس يوسا»، وذلك لتصويره المفصل للصراع على السلطة، ومن خلال أكثر من 20 رواية ومسرحية، طور أسلوب سرد الحكاية الواحدة، ما وضعه فى مكانة رفيعة بين أدباء أمريكا اللاتينية والعالم.
عرف يوسا المولود فى 28 مارس 1936 التقلب بين الأفكار والبلاد فقد غادر عاصمة بلاده ليما، ليستقر فى مدريد بإسبانيا، مثلما انتقل بأفكاره من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، فبعد أن كان مؤيدا للثورة الكوبية، عاد وهاجم فيدل كاسترو، ما أثار ضده غضب أصدقائه ممن ينتمون لليسار، وأصبح داعية للأسواق الحرة وللأفكار الليبرالية، حتى إنه رشح نفسه فى انتخابات الرئاسة فى بلاده عام 1990، مدعوما من قبل قوى اليمين، لكنه خسر الانتخابات.
أصدر يوسا عدة روايات منها «زمن البطل» و»حفلة التيس» و»شيطنة الطفلة المشاغبة» و»فى مديح زوجة الأب» وغيرها من الروايات والمجموعات القصصية، لكنه بعدما أنهى روايته «المنزل الأخضر» سنة 1965 وبينما كان يلتقط أنفاسه، قبل الشروع فى كتابة روايته الثالثة، قرر كتابة قصة كانت تجول بخاطره، عندما كان فى التاسعة والعشرين من عمره، وكان يومئذ أصغر الكتاب فى اتجاه أدبى، يضم بورخيس وأستورياس وفوينتس وكورتاثار وكاربنتيير، وقد انتهى فعلا من روايته “الجراء” سنة 1965 لتظهر فى نهاية 1967.
الحادثة المركزية فى هذه الرواية جرت بالفعل فى بيرو ـ كما تقول هالة عبد السلام فى تقديمها للجراء ـ وقرأها يوسا خبرا فى إحدى الجرائد، وبدأ الموضوع يتبلور فى ذهنه، إلى أن خرجت للنور قصة قصيرة “رواية قصيرة إذا جاز التعبير” ونسج الكاتب خيوطها حول البطل الضحية، وأحاطه بشخوص وذكريات وحكايات، انبعثت من محيط وفترة زمنية، لا تزال تغذى مخيلة الكاتب.
تبدو “الجراء” ـ كما تقول هالة عبد السلام ـ رواية شديدة البساطة ذات إيقاع سريع، إلا أنها مركبة، فالرواية قائمة على تناوب صوت الراوى فى ضميرى الغائب والمتكلم، والقصة يمكن قراءتها على مستويين، مستوى القصة الواقعى والمستوى الرمزي، وهذا الأخير يمكن بدوره أن يكون شجبا للتربية الدينية، التى بترت وقمعت جيلا بأكمله، هو جيل ماريو فارجاس يوسا نفسه، أو يمكن اعتبارها رمزا لمصير الفنان فى أمريكا اللاتينية، وفى كل الأحوال، أيا كانت الرموز والتأويلات التى تحيل عليها القصة، فإن “الجراء” هى من التكثيف بمكان، وتتمتع بالطابع المبهم الذى تتسم به كل الأعمال الروائية العظيمة.
ينتمى “ماريو فارجاس يوسا” إلى مجموعة ذات موهبة عالية من الكتاب الذين دفعوا بأدب أمريكا اللاتينية إلى صدارة الأدب العالمي، فقد قام هذا الكاتب الكبير، بجوار بورخس وماركيز وكارلوس فوينتس بتحرير الكتابة الأدبية من إقليميتها، وصنع منها أداة للتعبير عن قيم إنسانية عالية.
لقد أعلنت عبقرية بارجاس يوسا عن نفسها مبكرا، فى روايته الأولى المنشورة عام 1962 عندما كان فى السادسة والعشرين من عمره، وهى عمل يبدو سيرة ذاتية لسنوات مراهقة الروائى فى أكاديمية عسكرية، وقد اندهش معظم النقاد من “زمن البطل” بسبب تمكنه من التقنية الروائية ومعالجته الحساسة لمادة فكرة رئيسية صعبة، فالرواية تتحدث عن البدء الجماعى للطلاب العسكريين للحياة، لكنها فى الوقت نفسه عالم مصغر للمجتمع البيروفى فى طبقاته المتباينة والمتمايزة بخبث، العنف والخداع والازدواجية التى تسود فى الأكاديميين على جميع المستويات داخل جدرانها، تعكس النفاق والمظالم فى العالم الخارجى.
فى “البيت الأخضر 1966” يمثل مشهد “بيورا” وهى مدينة صحراوية ساحلية فى أقصى الشمال وسانتا ماريادى نييفا، وهى ميناء تجارى صغير فى منطقة الأمازون، انقسام بيرو إلى ثقافتين منفصلتين ومتمايزتين، بنائيا تعتبر هذه هى أكثر روايات يوسا تعقيدا، حيث روى خمس روايات منفصلة بالتبادل عبر الأقسام الأربعة الرئيسية فى العمل والخاتمة.
أما فى رواية من قتل بالمينو موليرو؟ “فقد دعا يوسا القارئ كما يبدو إلى رواية بوليسية، للأدب الشائع، لرحلة أدبية لكنها تافهة، لقد حصل القارئ على رواية بوليسية، لكن الرواية بها ما هو أكثر من ذلك، إنها دراسة مكثفة للعلاقات الإنسانية فى أكثر المستويات أساسية، وأهم من هذا دراسة النظام الطبقى الاجتماعى، وآثاره الخبيثة على هذه العلاقات الإنسانية.
يحاول “يوسا” فى أدبه تكوين إجابة عن سؤال: ماذا يحدث عندما يوضع عالمان مختلفان ومنفصلان فى مواجهة؟ فبيرو عند فارجاس يوسا ليست موضوعا واحدا متناغما، ولا حتى فى إطار الاشتراك فى الحدود القومية، وتصادم الحضارات والثقافات أمر يصعب استيعابه، كما أنه مأساوى التبعات، إن إعادة تنظيم الكاتب للبنى الزمانية والمكانية، التى تسم العديد من أعماله نادرا ما تكون غارة غير مبررة على الواقع التجريبى بقدر ما تمثل أسلوبا متمكنا يستخدم، ليحرض على عملية تحويل الواقع إلى رؤية أدبية خيالية للواقع.
ينسب “يوسا” إلى الجيل التالى مباشرة لجيل جابرييل جارثيا ماركيز (ولد يوسا فى 28 مارس عام 1936) وكان فى بداية حياته الأدبية من أشد المعجبين به، فكتب عنه دراسة ضخمة، من حوالى 700 صفحة، نشرت فى إسبانيا عام 1971، لكن الأيام فرقت بين الأستاذ والتلميذ، وتباعدت بينهما المسافات، ومن ثم أحجم يوسا عن إعادة طبع الكتاب مرة أخرى.
كان يوسا قد أصدر كتابا تحت عنوان «سيوف ويوتوبيات: رؤى من أمريكا اللاتينية» يميل فيه إلى تسويق مواقفه الليبرالية، ودعمه للديمقراطيات على الطراز الغربي، وهجومه غير المبرر على فيدل كاسترو، والتجربة الاشتراكية الكوبية، التى وضعها فى سلة واحدة مع نظام بينوشيه فى تشيلى، ما يمثل سقطة فكرية، تسببت فى قطيعة مع الروائى الكولومبى ماركيز، وغيره من مثقفى اليسار.
لفت ماريو فارجاس يوسا نظر النقاد إليه، منذ شبابه الباكر، حتى إن ناقدا كبيرا مثل لويس هارس جعله عاشر عشرة أدباء كبار من أمريكا اللاتينية، وبدأ حديثه عنه بقوله: «نحن فى عام 1966، نواصل الطريق نحو اكتمال فن القصة فى بلادنا، ونحن نصعد باستمرار، وحتى الآن لا تدرك رأس القمة بوضوح، لكن المحرك تتولد عنه يوما بعد يوم طاقات أكثر، والدليل على ذلك هو فارجاس يوسا، فمنذ أربع سنوات تقريبا، عندما كان عمره 26 عاما، وله من الأعمال الأدبية عملان فقط، هما مجموعة قصص قصيرة ورواية، منذ ذلك الحين برز اسمه بقوة بصفته أحد كتابنا الشبان، وكان يتميز عن غيره بموهبته الفذة وبإخلاصه لفنه، كان ملهما وبدا كأنه ولد وفى مهده لغة من نار وعصا سحرية، كان يملك القوة وحرارة الإيمان والطاقة الإبداعية الحقيقية، وقد جاءته الشهرة بسرعة لكنه كسبها بشرف واستحقها بكفاءة واقتدار”.
العملان اللذان أشار إليهما الناقد هما مجموعة “القادة”، القصصية التى نشرت عام 1959، والعمل الثانى هو «المدينة والكلاب»، وتعتبر هذه الرواية البداية الحقيقية ليوسا، ويدور موضوعها حول تجربته الشخصية فى المدرسة العسكرية فى ليما، التى دخلها عام 1950 وتركت انطباعا سيئا فى ذاكرته، وقد وصف أوضاع المدرسة بكثير من السخرية، مستخدما تقنيات فن القص الجديدة، وبالرغم من أن الرواية نشرت فى إسبانيا، أى خارج بلده بيرو، فإنها بيعت فى ليما بأعداد كبيرة، لدرجة أن المسئولين فى المدرسة العسكرية، أصيبوا بكثير من الحنق تجاه هذا الكاتب الشاب، فأصدروا بيانا وصفوه فيه بفساد العقل، وذلك بعد أن جمعوا ألف نسخة من الكتاب، وقاموا بإحراقها فى احتفال رسمى، وتحدث اثنان من الجنرالات فقالا، إن هذه القصة نتاج عقل مريض، ووصف كاتبها بأنه عدو بيرو، وهدداه بسحب الجنسية منه، لكن الهجوم الشرس على الرواية زادها شهرة وشعبية، ولفت الأنظار بقوة تجاه كاتبها الشاب، الذى أصبح بين يوم وليلة أحد الكتاب المعدودين.
عاش يوسا طفولة مضطربة نظرا لانفصال والديه، وكان لالتحاقه بالمدرسة العسكرية أثر سيء فى حياته، لكنه استفاد منها فائدة كبيرة فى التعرف إلى عالم مغلق قائم على العنف والاستغلال، وخلال فترة وجوده بالمدرسة أخذ يكتب بشكل متقطع فى الصحف، وظل يتنقل فى بعض الوظائف الإعلامية حتى حصل على الليسانس فى الآداب من كلية الفنون الحرة، ثم حصل على الدكتوراه فى الفلسفة والآداب من جامعة مدريد عام 1958 وكانت رسالته “قواعد لشرح شعر روبن داريو”.
ظهر يوسا فى بلد يشغل فيه الأدب جانبا هامشيا، ويعود ذلك لأسباب كثيرة من بينها الأزمات الاقتصادية، والحكومات الديكتاتورية، والفروق الطبقية الهائلة والتخلف والمظالم الاجتماعية، وغير ذلك من أسباب تحول بين الأدب، وبين أن يصبح عاملا مهما من عوامل التوعية الجماهيرية، ومن خبرة يوسا بالحياة فى أمريكا اللاتينية، وتمرسه فيها رأى كيف يكون الظلم فى هذه البلاد هو القانون، وأمام هذا الواقع المؤلم يجد الكاتب، أنه مطالب بشحذ أسلحته الدلالية والجمالية.
كلمات بحث
ماريو فارجاس يوسا
ألفارو
الأكاديمية السويدية
جائزة نوبل
ثقافة
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
بعد إعلان الفائزين فى الدورة الخامسة.. «جائزة المبدع الصغير» سلاح فى معركة الوعى
«الغجر».. من سرقة مسامير صلب المسيح إلى قراءة الكف
عبد المنعم القصاص.. فنان أخرج الجمال من صمت الورق
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام