رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 25 مايو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
فنون وفضائيات
مسلسل «قهوة المحطة».. الدراما المصرية ثروة إستراتيجية كبرى
20-4-2025
|
23:30
لحسن العسبي - كاتب وصحفى مغربى
وفرت الدراما التليفزيونية المصرية هذا الموسم (رمضان 2025) مادة فنية مختلفة تماما عن مواسم سابقة، مما جعل ممكنات المتابعة والفرجة للجمهور المصرى والعربى تسجل تنوعا فى الاختيار غير مسبوق. بدليل أنه سيكون من الصعب تصنيف مسلسل درامى بعينه كأفضل مادة درامية هذه السنة. لأن التنافس كان عاليا فى «الجودة» وليس فى غيرها.
أكثر من ذلك لقد سمح ذلك التنافس فى «الجودة»، إلى أن يكتشف المشاهد جيلا جديدا من صناع الفرجة الدرامية ببر مصر دفعة واحدة، القاسم المشترك بينهم جميعا، هو «الفنية الاحترافية العالية» فى الأداء. على القدر نفسه الذى برز جيل جديد من كتاب السيناريو والحوار (عبد الرحيم كمال ومريم نعوم وراجية حسن)، وجيل جديد من المخرجين الشباب (كريم الشناوى وإسلام خيري)، شرع فعليا فى تحرير الذائقة الفنية والإبداعية المصرية، من خلال صناعة الصورة والصوت من بركة الفن التجارى، الذى ظل يطوق ممكنات الإبداع المصرى دراميا منذ أكثر من 30 سنة. مما يجدد التأكيد فعليا أن «مصر ولادة» ضمن مجال ثروتها الإستراتيجية الكبرى التى هى الفن، منذ سيد درويش وشركة مصر للتمثيل والسينما (برائدها طلعت حرب).
مثلا، وبعيدا عن أى نزوع للمفاضلة بين الأسماء الفنية الجديدة بالدراما المصرية، كما اكتشفناها فى مسلسلات رمضان (2025)، يقدم الفنان الشاب مصطفى عماد من خلال أدائه دور شاب من مرضى التوحد، وعدا جميلا أن السينما والتمثيل بمصر ربحا ممثلا واعدا بمسافات عالية من الجودة والاحترافية. حيث ظل أداؤه على امتداد حلقات مسلسل «سيد الناس» بذات الألق الفنى الرفيع، بدون هنات أو هفوات، تجعله خامة فنية إبداعية رفيعة، مؤكدا أن وراءها معرفة رصينة بالصنعة السينمائية والتمثيلية.
إن الثيمات التى تمت مقاربتها فى الدراما المصرية الجديدة هذه، تسجل لتطور نوعى فى الوعى الفنى ببر مصر، يصالحها مع أزمنة الألق الخالدة لأعمال تمثيلية، صنعت مجد البلد والناس كمنارة كانت تنتج منظومة قيم عبر الصوت والصورة (السينما والتليفزيون)، بالشكل الذى وهبها أن تكون صانعة معنى قيمى عند كامل أهل لغة الضاد مهما اختلفت وتباعدت جغرافياتهم الثقافية والدينية والسياسية والفكرية.ها هنا يكمن ما نقصده بأن الفن «ثروة إستراتيجية كبرى» لمصر، البلد الذى لا ثروات طبيعية له غير ثروته الأكبر التى هى الإنسان المصري.
لقد نجحت دراما هذه السنة أيضا من خلال إبداعية «الفكرة التمثيلية» (الأكبر والأعمق من الحدوتة)، كونها امتلكت جرأة ليس فى بناء القصص، بل فى الجغرافيات الجديدة للموضوعة الدرامية.حيث بدأت تبرز أسماء جديدة فى كتابة السيناريو والحوار والقصة، تغرف من الواقع المصرى بخلفية الجَرَّاحِ العارف بتفاصيل عروق الدم الطازج لأسئلة الناس وهمومهم وتحديات زمنهم. مثلما بدأت تبرز أسماء مخرجين شباب جدد، يصدرون عن رؤية سينمائية متصالحة مع دفتر تحملات الصنعة على كل مستويات الأداء من التحكم فى الممثلين، إلى الصوت، إلى الإنارة، إلى الديكور، إلى اللباس، إلى المونتاج، وكل ذلك محكوم بعين كاميرا، لا تتحرك بدون بوصلة مقاصدية.
نعم لقد نجحت هذه الدراما المصرية الجديدة، من خلال جرأة ثيمات قصصها الدرامية التى قاربت جغرافيات واقعية من قبيل جرائم التحرش الجنسى ضد الأطفال (مسلسل «لام شمسية»)، وشرنقة الهجرة من الجنوب صوب الشمال ومن التخوم صوب المركز، ومن روح التراب صوب سواد الإسفلت (مسلسل «قهوة المحطة»).. وغيرها من مواضيع الأزمات المركبة للعلائق الإنسانية المعقدة ضمن منظومة مجتمعاتنا الجديدة.
إنه إذا جاز للواحد منا أن يختار (والذوق الفنى اختيار فى الأول وفى الأخير) مسلسلا مركبا وعالى القيمة فنيا هذا الموسم، فإنه لن يتردد فى اعتبار مسلسل «قهوة المحطة» متعة المتع دراميا فى موسم رمضان 2025. كونه عملا تليفزيونيا مركبا تقاطعت فيه صناعات فنية متعددة، من أول الممثلين حتى مهندس المونتاج، مرورا بالديكور واللباس والإنارة والصوت، مع عين كاميرا رهيبة فى اقتناص التفاصيل الواجبة للتعبير الفني. كل ذلك ضمن خيمة صلبة السارية للإخراج.
إن التركيب الفنى للقصة قد أعلى ليس فقط من القيمة الدرامية ليس للمسلسل بل من قيمة الدراما المصرية كلها. كونها قدمت شخوصا نابتين من تربة السؤال المصري، القلقِ بذاته فى علاقته بأسباب الحياة. وأن الأزمة ليست فى الحلم (حلم البطل الذى أدى دوره باقتدار رفيع الفنان الشاب أحمد غزى الذى طموحه أن يكون رفاعة طهطاوى جديدا بصيغته الخاصة شكسبيريا صاعدا من عمق صعيد مصر)، بل هى فى المسافة بين طراوة الجنوب البدوى الفلاحى وصلافة إسمنت الشمال البارد الأسود الذى لا يرحم، والذى يفرم الرغبات الندية للحالمين بالأجمل. بل إنه فى مكان ما يكاد هذا المسلسل أن يلخص أزمة التحول فى المجتمع المصرى من مجتمع طامح للأفضل المرتجى، وواقع أزمة مركبة لفشل نظام المدينة بشروط التحديث الكونية الواجبة. فالبطل (الضحية القتيل) ليس فردا حالما كما قد يُعتقد، بل هو ضميرُ ثقافةِ بلدٍ بكامله غنى بتاريخه وبمنظومة قيمته الأصيلة. فكان التركيب الموفق بين مختلف الشخوص عنوانا هائلا للوجع. الوجع الهائل بين طراوة الحلم وبين صلافة الواقع. الأمر الذى جعل مسلسل «قهوة المحطة» يصدر عن معرفة بالدربة الفنية تُنضجُ أسباب السؤال لدى المشاهد، وأنها رفعت سقف التأمل لديه نحو براح الرؤية النقدية، ولم تغازله بكذب سفاسف الفرجة الهابطة.
بصيغة أدق فإن المسلسل قد أعلى فيه ملكة النقد والتحليل والعقل، لا خدر الدروشة. لدرجة أن العديد من مشاهد المسلسل المركبة تواليا أمام المتفرج، تكاد تقنعنا بواقعية الشخوص، وأن الأمر ليس مجرد تمثيل درامي. هنا اكتشفنا جميعا جيلا شابا جديدا من الممثلين المصريين ثقال فى ميزان الصنعة الفنية.
إنه بفرح من خلال القيمة الفنية لمسلسل مثل «قهوة المحطة» كما لو أن الدراما المصرية رجعت للجد ثاني، وهذا مكسب هائل للثروة الإستراتيجية، التى ظل يمثلها الفن فى مصر.. كما لو أن مصر عادت لنيلها الأصيل، شخصيةً قائمة الذات، تخلصت من قشور ماكياج البترودولار الذى غزانا جميعا منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي..
هل حققت مصر إذن «تجاوزها الثاني» فنيا وقيميا؟
واضح أن أعمالا درامية مثل «لام شمسية» و»قهوة المحطة» تؤكد ذلك برسوخ.
برافو لشبيبة مصر الجديدة فنيا ودراميا. الخير أمام.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
فى دورته العشرين وعنوانها «متغيرات صناعة الإعلام».. الذكاء الاصطناعى على
الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكى للسينما: نختار الأفلام المشاركة
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام