فنون وفضائيات



وداعا يا طيب القلب والضحكة الصافية.. سليمان عيد صاحب البصمة الخاصة

27-4-2025 | 20:24
أحمد أمين عرفات

نعاه البيت الفنى للمسرح واصفا إياه بصاحب المسيرة الحافلة بالعطاء والإبداع 
 
كان أكبر داعم للفنانين الشباب ونجومية الكثيرين كانت عن طريقه
 
تعرض لورطة كبيرة فى شهر العسل فكان هذا موقف «الزعيم» 
 
 
جاء رحيل الفنان سليمان عيد عن عمر 63 عاما، بمثابة الصدمة الكبيرة لزملائه فى الوسط الفنى ولمحبيه من الجماهير العريضة، حيث فاجأهم هذا الرحيل دونما إنذار، فبكى عليه الكثيرون، وجاءت صلاة الجنازة عليه كتظاهرة حب له، حيث صلى عليه المئات، وأخلصوا له فى الدعاء بالرحمة والمغفرة، وودعوه إلى مثواه الأخير ليرحل عنهم بجسده، لكنه ظل باقيا بأعماله الفنية، ومواقفه الجميلة التى لا يمكن أن ينساها من تعاملوا معه وعرفوه عن قرب.
 
لعب المسرح دورا كبيرا فى حياة الفنان سليمان عيد، منذ أن كان طالبا فى المعهد العالى للفنون المسرحية، قسم تمثيل وإخراج، وبعد تخرجه فيه سنة 1990، وحتى رحيله عن عالمنا، وبسبب إخلاصه الشديد له أصبح  أحد بصماته، وبرغم شهرته فى عالم السينما والدراما التليفزيونية، فإنه ظل وفيا لأبى الفنون حتى وفاته، لذلك سارع البيت الفنى للمسرح فور وفاته بنعيه، مؤكدا أنه كان صاحب مسيرة فنية حافلة بالعطاء والإبداع، مؤكدا أن الراحل كان أبرز وجوه الكوميديا فى مصر، وأنه استطاع كممثل أن يرسم البسمة على وجوه الجمهور، وأن يترك بصمة لا تنسى فى ذاكرة الفن المصرى والعربى.
 
12 شخصية
بدأ سليمان رحلته مع التمثيل من خلال خشبة المسرح، حيث كانت أولى خطواته على مسرح كلية التجارة بجامعة القاهرة، عندما شارك فى مسرحية «جمهورية فرحات»، تأليف يوسف إدريس، ومن إخراج زميله وائل زكريا، كما اختاره المخرج شاكر خضير ليشارك معه فى مسرحية من إخراجه، وهى «أيضا كلام فارغ»، وكان وقتها لا يزال فى الفرقة الثانية بالمعهد العالى للفنون المسرحية، واستطاع خلال هذه المسرحية أن يؤكد موهبته، خصوصا أنه قدم فيها 12 شخصية مختلفة، فى 12 مشهدا، وبسبب ذلك أتاح له الفرصة، أن يعمل مع الفنان سمير غانم فى مسرحية «حجا يحكم المدينة»، التى كانت من إخراجه، وتأليف وحيد حامد، فكانت هذه المسرحية التى جسد فيها دور «عسكرى»،  تعد بدايته الحقيقية فى عالم الاحتراف.
توالت رحلة سليمان مع المسرح، بجانب بعض الأدوار الصغيرة فى السينما والدراما التليفزيونية،  إلى أن جاءت مشاركته فى مسرحية «جوز ولوز»، بطولة أحمد بدير، وعايدة رياض، وحسن حسنى، وبرغم أنها كانت محطة مهمة، فإنه تعرض بسببها لورطة شديدة ، حيث كان وقتها قد تزوج حديثا ولا يزال فى شهر العسل، ولديه التزامات عليه سدادها، فإذا به يفاجأ بتوقف المسرحية، وفقد الأجر الذى كان قد رتب نفسه عليه، بصورة جعلته يطلب من صديقه الفنان فتوح أحمد، أن يساعده فى العمل حتى لو كان ذلك ضمن المجاميع، لأنه لم يتعود أن يمد يده لأحد أو يستدين،  وكما يقولون «رب ضارة نافعة»، ففى تلك الأثناء كان بصبحة زميله وصديقه محمود البزاوى، فعرض عليه أن يذهب معه ليراه فى البروفة النهائية لمسرحية الزعيم، استعدادا لعرضها فى اليوم التالى، فسأله ألا يوجد دور له فيها؟ فاستغرب البزاوى من سؤاله لأنه لا مجال له، حيث كل الأدوار قد تم تسكينها، والعرض ساعات ويشاهده الجمهور، لكن المصادفة لعبت دورها، عندما ذهبا إلى المسرح، فعلما بأن الافتتاح قد تأجل لمدة أسبوع بسبب مشاكل فى الإضاءة، وشاء القدر أن يلتقى بطل العمل الفنان عادل إمام، الذى كان شاركه من قبل فى دور قصير فى فيلم «الإرهاب والكباب»، فعندما سأله الزعيم عن أخباره، حكى له ظروفه الصعبة التى يعيشها، وطلب منه أن يمنحه دورا فى المسرحية، فما كان من عادل إمام إلا أن سأل مخرج العرض شريف عرفة، الذى كان أيضا مخرج فيلم «الإرهاب والكباب» ، عما إذا كان هناك دور يناسب سليمان، فأخبره بأنه لا يوجد إلا دور «أبو سيد» الرجل العجوز، فعلى الفور تحول سليمان إلى رجل عجوز فى محاولة لإقناعهم بقدرته على تجسيده، فحضنه الزعيم، وطلب عمل عقد له، وسأله كم كان يتقاضى فى «جوز ولوز»، فأخبره بأنه كان يتقاضى 400 جنيه، وكان هناك وعد بزيادته إلى 600 جنيه فى الموسم الجديد الذى توقف،  فأمر عادل إمام بأن يكون أجره فى مسرحية «الزعيم»  1500 جنيه، واستطاع سليمان أن يتغلب على صعوباته المادية بسبب هذه المسرحية التى استمرت نحو 6 سنوات.
 
قلبى وأشباحه
بدأت شهرة سليمان عيد تتزايد، خصوصا مع ما تحقق له من انتشار فى السينما من خلال أدوار فى أفلام «جاءنا البيان التالى، عسكر فى المعسكر، جواز بقرار جمهورى، الطريق إلى إيلات»، وغيرها من الأعمال التى شكلت ملامحه الفنية، وكان لا شك لنشأته  فى حى إمبابة واختلاطه بأولاد البلد دورها فى اكتسابه خفة الدم وقدرته على تجسيد النماذج التى كان يحتك بها بشكل يومى، واستطاع بها أن يسطر تاريخه فى عالم التمثيل حتى أصبح صاحب رصيد كبير فى المسرح والسينما والتليفزيون.
طوال رحلته مع المسرح قدم سليمان عيد العديد من العروض منها «عربى منظرة، حوش بديعة، عفرتو، فارس وبنى خيبان، سبع صنايع، تفاحة يوسف»، بجانب مشاركته فى عروض تياترو مصر « فى موسمها الأول سنة 2013 ، وكان آخر أعماله على خشبة المسرح  مسرحية «قلبى وأشباحه»  التى شاركه بطولتها مى عز الدين وعمرو يوسف من إنتاج وتأليف صلاج الجهينى الذى روى كواليس هذا العرض فى منشور له على الفيسبوك، وكيف أن فى آخر يوم عرض أصابه المرض ووصلت درجة حرارته إلى 40، فرفض رغم مرضه أن يتم تأجيل العرض، فما كان منهم إلا طلبوا عربة الإسعاف لتنقله إلى المستشفى، خصوصا أنه كان يرتعش بشدة، وما إن انتهى من دوره رفض أن يغادر المسرح حتى يخرج ليحيى الجمهور فى نهايته قائلا «عايزينى أمشى ويفوتنى السوكسية «تصفيق الجمهور «دا إحنا عايشين علشان الشوية دول».
 
حب كبير
لم يأت حب الوسط الفنى للفنان سليمان عيد من فراغ ، فقد كان لهم جميعا سندا وداعما، يقف إلى جوار الجميع ولا يخذل أحدا، حتى أن الفنان الشاب محمد أنور كشف فى منشور له أن فى عام 2011، شارك ومجموعة من الشباب غير المعروفين فى مسرحية بعنوان «شيزلونج» على مسرح الدولة، وذهب لمشاهدتها الفنان سليمان عيد فأعجب بالعرض وبهؤلاء الشباب، فما كان منه إلا أن دعا العديد من المخرجين والنجوم ليشاهدوا هذا العرض، وكان منهم الفنان أشرف عبد الباقى الذى أعجب بهم وأخذ العديد منهم للعمل معه فى مشروع «مسرح مصر»، وأضاف أنور  قائلا بأن «عم سليمان» - كما وصفه - كان يأخذهم ويذهب بهم لشركات الإنتاج ليقدمهم للمنتجين، واختتم منشوره قائلا « كان ممكن يتفرج ويقول كلمتين حلوين وخلاص، لكنه فعلا كان أطيب واحد شوفته فى حياتى وعمره ما زعل حد».
عاش الفنان سليمان عيد حياته مخلصا لفنه ومحبا للجميع، ورحل فى مشهد مؤثر يؤكد على أن ما قدمه فى حياته لم يضع هباء، وأنه سيظل فى قلوب كل من أحبهم وأحبوه، وستظل ضحكته عبر أعماله باقية لترسم البسمة على الوجوه ومعها الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام