حياة الناس



الحوادث المفزعة تتكرر والحل فى منع فقرة الحيوانات.. دماء على جدران «السيرك‪ !«‬

27-4-2025 | 20:29
د. شاهيناز العقباوى

منظمات حقوقية: حيوانات السيرك تتعرض لإجهاد بدنى ونفسى يشكل تهديدا مباشرا وعدم توقع لردود فعلها
 
د. عبده الأسمرى: الأطفال الأكثر تأثرا وإصابة بالأمراض النفسية والصدمات بسبب تلك النوعية من المشاهد
 
لبنى عبد الحليم : غياب الرقابة وضعف المنظمات الحقوقية سبب تكرار حوادث السيرك
 
آيات الحداد: عدد من الدول اتخذ قرارات صارمة بحظر هذه الممارسات لآثارها السلبية على السلامة العامة
 
د. أسماء أبو زيد: الأسرة عليها دور كبير فى تحرى الدقة عند اختيار أماكن التنزه للأطفال
 
تاريخ حافل للسيرك  فى الذاكرة المعاصرة فى المنطقة العربية والعالم، فمن  أفلام، ومسلسلات، إلى كتب  وروايات أدبية، جميعها تذخر بعشرات القصص عما يدور فى كواليسه من حكايات ومغامرات.
السنوات الأخيرة  شهدت تغييرات كبرى، وتحولت عروض السيرك من فقرات ترفيهية،  تبعث على نفس المشاهدين الفرح والسرور، إلى مصدر للقلق  والفزع، بعد أن  شاعت  حوادث افتراس الأسود والنمور،  وغيرها للمدربين  والعاملين فى السيرك.
تعالت أصوات بعض نواب البرلمان، والمنظمات الحقوقية، وجمعيات الرفق بالحيوان، تطالب بأن  تنتهى مثل  تلك الفقرات التى تعتمد على ترويض الحيوانات المفترسة، وأن تقتصر عروض السيرك على الحركات الأكروباتية،  والفقرات الكوميدية، مع اتخاذ ما يلزم من إجراءات تضمن أمن وسلامة مقدميها، والحفاظ على الحالة النفسية للمشاهدين ولاسيما الأطفال‪ .‬
 
يعتبر استخدام الحيوانات المفترسة فى عروض السيرك، واحدة من الممارسات التى يتم الاحتجاج عليها حول العالم، وتعد من الأنشطة التى تثير جدلا واسعا على المستويات الأخلاقية والحقوقية، ففى الوقت الذى يعتبرها بعض تمثل جزءا من التراث الثقافى والتاريخى، ومصدر دخل رئيسيا فى صناعة الترفيه،  يراها آخرون انتهاكا  لحقوق الحيوان وتدميرا لكرامته.
ووفقا لتقرير صادر عن «منظمة الرفق بالحيوان»،  فإن 96 % من الحيوانات المستخدمة فى العروض لا تتمتع بحياة طبيعية، حيث تعيش فى ظروف  قاسية، تتمثل فى قلة المساحة، وعدم توفير بيئة مناسبة لاحتياجاتها البيولوجية، بالإضافة إلى أن الكثير من هذه الحيوانات تجبر على أداء العروض بالقوة والإكراه، وهو ما يتسبب فى تعرضها للإجهاد البدنى والنفسى المستمر، الذى بدوره يشكل تهديدا مباشرا، وعدم توقع ردود فعله نتيجة لهذا الكبت.  
وتطرقت  دراسة أجرتها جامعة “شيكاغو” عام 2015، إلى آثار تربية الحيوانات المفترسة فى الأسر، حيث تبين أن 80 %، من الحيوانات البرية فى السيرك تعانى من اضطرابات سلوكية مرتبطة بالضغط النفسى، مثل العدوانية والاكتئاب، اللذين بدورهما ينعكسان على ردود الفعل غير المتوقعة منهما تجاه المتعاملين معها، أو المحيطين بها، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبى فى 2019،  إلى إقرار ميثاق ملزم  بحظر استخدام الحيوانات البرية فى العروض الترفيهية‪.‬
 
حوادث  متكررة
لم  تكن المأساة التى شهدتها جدران السيرك فى مدينة طنطا أخيرا، من قيام حيوان مفترس بالتهجم على عامل فى السيرك، وتسببت فى بتر ذراعه أمام أعين المشاهدين، لم تكن الأولى من نوعها،  فقد سبقتها  سلسلة من الحوادث المتفرقة، شهدتها عروض السيرك فى أنحاء متفرقة، أبرزها  فى  حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، عندما انقض أسد على مدربه  فى السيرك القومى بالعجوزة، أثناء أحد العروض، لينهى بها حياته.  
بدأت الواقعة خلال بروفات السيرك، حين قام المدرب بمعاقبة الأسد، وضربه نتيجة تقصيره فى أداء الحركات المطلوبة، وبرغم أن الحادث مر دون رد فعل مباشر منه، لكن كانت المفاجأة فى بداية العرض، حين استغل الأسد لحظة إدارة المدرب ظهره له، وانقض عليه أمام الجميع، وسط ذهول الحضور،  ولم يتمكن أحد من التدخل لإنقاذه فى الوقت المناسب‪  .‬
وفى عام 2002، نجا عامل  من الموت المحقق، بعد أن هاجمه نمر فى سيرك الحلو، أثناء مروره فوق أقفاص الحيوانات، قفز النمر عليه وافترسه، مما اضطر الأطباء إلى بتر ساقه، وفى صيف عام 2003، خلال العرض الصيفى للسيرك المصرى والأوروبى، فى منطقة الشاطبى بالإسكندرية، أصيب نمر بحالة هياج غير متوقعة، وانقض بعنف على مدربه  أثناء العرض أمام الجمهور،  وتدخل الحراس فى الوقت المناسب، وتم إنقاذ المدرب،  بعد أن أطلقوا رصاصات مباشرة على رأس النمر، ما أدى إلى مصرعه، ونقل المدرب إلى المستشفى فى حالة حرجة، وفى عام 2014، بينما كان لم  مروض الأسود الشهير، مدحت كوتة،  يؤدى عرضه المعتاد، اندلع شجار بين أسدين داخل القفص، وحين تدخل للسيطرة عليهما، انقض عليه الأسد وأسقطه أرضا، قبل أن تلتحق به مجموعة من الأسود الأخرى، وينتهى المشهد بمأساة  تركت أثرا بالغا فى نفوس المشاهدين‪!‬
وفى فبراير 2015، شهد سيرك الحلو بمدينة طنطا مأساة  أخرى،  عندما فوجئ الجمهور بأسد ضخم يهاجم المدربة، ويسقطها أرضا وسط صرخات الحضور، ولم يكد يمر عام على هذه الحادثة، إلا ولقى الشاب إسلام شاهين مصرعه، متأثرا بجروح قاتلة إثر تعرضه لهجوم عنيف من أسد خلال أحد عروض السيرك فى “قرية الأسد”، بالإسكندرية‪.‬
 
اللائحة التنفيذية
قائمة الحوادث المرعبة التى شهدتها عروض السيرك، دفعت بعض أعضاء مجلس النواب أخيرا، للمطالبة بضرورة إصدار اللائحة التنفيذية لقانون حيازة واقتناء الحيوانات الخطرة، وحظر استخدامها فى السيرك، وغيرها من الأماكن الترفيهية، ووضعها فى محميات طبيعية، وتقدمت آيات الحداد، عضو مجلس النواب، باقتراح إلى رئيس المجلس، بشأن حظر استخدام الحيوانات المفترسة فى فقرات السيرك،  وأضافت أن العديد من الدول اتخذت قرارات صارمة بحظر هذه الممارسات، لما لها من آثار سلبية على السلامة العامة، والحياة الفطرية، وحقوق الحيوان، منوهة بأن هذا الاقتراح يشكل رؤية حديثة ومتكاملة، لإلغاء استخدام الحيوانات المفترسة فى السيرك المصرى، بما يحقق التوازن بين الترفيه الأمن، وحماية البيئة، وضمان عدم وقوع كوارث مستقبلية، إذ يهدف إلى حماية المواطنين من المخاطر المحتملة، بعد أن سجلت العديد من الحوادث الدامية نتيجة هروب الحيوانات المفترسة من السيرك، أو مهاجمتها للعاملين والجمهور، بالإضافة إلى تقليل الضغط على الجهات الأمنية والبيئية، لما تتطلبه هذه الحيوانات من إجراءات مشددة لضمان السيطرة عليها، الأمر الذى يشكل عبئا إضافيا على الأجهزة المختصة‪.‬
ومن جهتها تؤكد  لبنى عبد الحليم، الناشطة فى مجال حقوق الإنسان تكرار حوادث السيرك إلى غياب الرقابة المباشرة من قبل المنظمات الحقوقية، المسئولة عن متابعة أوضاع الحيوانات أو العاملين فى السيرك، لذا من الضرورى، تأسيس كيانات تهتم بهذه الفئة وتضمن تحقيق العدالة والكرامة للجميع، وذلك طبقا لما يكفله لهم القانون الدولى أم المحلى.
هذا إلى جانب الإسراع فى وضع قوانين رادعة، تحمى حقوق  الإنسان والحيوان، وتحد من التجاوزات التى تحدث فى مثل هذه المناطق الترفيهية‪ .‬
وبررت استمرار عرض هذه العروض، برغم التحذيرات القانونية والحقوقية والصحية، هو تحولها إلى تجارة ضخمة لا تهتم بحقوق الحيوانات، ولا تراعى أمن  الجمهور، حيث تضع نصب عينيها تحقيق أعلى عائد، فضلا عن زيادة أكبر عدد من الزوار، الذى بدوره يحتاج إلى وقفة مؤثرة من قبل المنظمات الحقوقية، فضلا عن دعم قانونى‪ . ‬
وبدوره  حذر الدكتور عبد الله الأسمرى، أستاذ الصحة النفسية بالمملكة العربية السعودية، من خطورة الاستعانة  بالحيوانات المفترسة فى العروض الترفيهية، ذلك أن  هذه الممارسات تهدد  سلامة الإنسان، ذلك أن الطبيعة البيولوجية والسلوكية للحيوانات، تجعلها كائنات غير قابلة للتنبؤ بأفعالها، وكذلك ردود الفعل فى العديد من المواقف، وهو ما أدى إلى  وقوع العديد من الحوادث المأساوية فى السيرك، فضلا عن تكرارها.
 
وبعيدا عن التأثير البدنى، الذى من المرجح أن يتعرض له سواء من المشاركين فى العروض، وحتى من المشاهدين أنفسهم، ففى المقابل هناك التأثير  النفسى لمثل هذه المشاهد، الذى بدوره يختلف من شخص لآخر، خصوصا بين الأطفال، حيث من المحتمل إصابتهم  برعب دائم، قد يتحول إلى فوبيا مزمنة، مصاحبة بالتعرض لكوابيس أثناء النوم واضطرابات طويلة الأمد، وبالتالى فإن المتعة السريعة من متابعة مثل هذه المشاهد غير المأمونة، لا تقارن بحجم التأثيرات الاجتماعية والنفسية الناتجة عنها‪. ‬
 
عنصر الأمان
ترى الدكتورة أسماء أبو زيد، أستاذ مساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن على الأسر  دورا كبيرا، بضرورة  تحرى الدقة عند اختيار أماكن التنزه، خصوصا فى وجود أطفال، وأضافت: من الضرورى التأكد من مدى توفر وسائل الحماية والأمان، فى الأماكن التى من المفروض أنها مخصصة للعائلات، وبالتالى من الطبيعى أن تتوفر بها هذه العناصر، لكن نظرا لتتابع الحوادث، ومع الأسف بنفس الطريقة، فإن هناك عدم اهتمام كافيا بعنصر الأمان، لاسيما المتعلق بالسيرك‪.‬
وتابعت: تأثير مثل هذه الحوادث خطير جدا على جميع المستويات الجسدية والنفسية، وعليه تعتبر الأسرة شريكا أساسيا فى حالة تعرض الأطفال لأى تأثير نفسى، لذا يجب الحرص عليهم، وحمايتهم حتى عند الترفيه والتنزه‪ .‬
وطالبت الإعلام بالحيادية عند الترويج لأماكن الترفية، بحيث يلفت نظر الأسر أثناء الدعاية بضرورة توخى الحيطة والحذر، وحفاظا على صحة أفراد الأسرة، حتى فى أكثر الأماكن أمانا، بمعنى يجب ألا نغفل جانب النصيحة، لأنها بالتأكيد ستفيد كثيرا فى تجنب الكثير من المشاكل‪.‬
وأوضحت أبو زيد،  أنه  مع الأسف عقب كل حادثة، نجد هناك اهتماما بكل التفاصيل المتعلقة بتجنب حدوثها مرة أخرى، سواء من الجهات المسئولة، وحتى من الجمهور، لكن بمرور الوقت يتناسى الطرفان، ونعود إلى نقطة الصفر، وتتكرر مرة أخرى، ويتساءل الجميع عن السبب، وعليه، فالحذر مطلوب بكل أشكاله، فضلا عن أهمية وضرورة الرقابة المستمرة من الجهات المسئولة.
 
 
البداية من سيرك الأزبكية عام  1869
 
 
بدأت معرفة المصريين بعروض السيرك، فى  عام 1869، عندما أنشأ الخديو إسماعيل سيرك فى منطقة الأزبكية، وفى بداية القرن العشرين وافق الملك فاروق، على طلب حسن الحلو، ومحمد الحلو، أحد أشهر العاملين فى مجال الألعاب وقتها، باستعارة أسدين للتدريب، وأخذ الشقيقان يجتهدان فى كيفية تقديمها للجمهور فى عرض للحيوانات المتوحشة، والذى كان جديدا فى ذلك الوقت، هذا وأقيم سيرك الحلو بمنطقة عابدين، وبعد النجاح  فى تقديم فقرة الحيوانات المتوحشة، بدأ الإخوان يتجولان بكل المحافظات المصرية بهذا العرض، الذى حقق لهم شهرة عظيمة، الأمر الذى جعل “الملك فاروق”، الذى بدوره سهل الكثير من العقبات التى كانت تواجهما سواء  فى الحصول  على التراخيص، أم فى اختيار مواقع خاصة بإقامة السيرك، الذى اشتهر فى ذلك الوقت “بالسيرك العائلى”، والذى أنشئ عام 1889، على يد محمد على الحلو، ولم يكن هو الوحيد على الساحة العائلية، بل تواكب ظهوره مع وجود عائلة عاكف، التى كانت تنتمى لها الفنانة الراحلة نعيمة عاكف، وتميزت بالمشى على الحبل، ولعب"الأكروبات"، حيث أسس والدهم إسماعيل عاكف، سيرك عاكف فى طنطا سنة 1912.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952، قرر الرئيس الراحل  جمال عبد الناصر، إقامة سيرك قومى يكون مقره حى العجوزة، واستقدم خبراء روس  للاستفادة من تجربتهم فى مجال السيرك، وافتتحت مدرسة السيرك عام 1962، وبدأت فى تخريج فنانين يعملون فى هذا المجال، حتى تحقق الافتتاح  الرسمى للسيرك القومى عام 1966، ولسنوات طوال أصبح السيرك القومى المصرى رائدا فى دول الشرق الأوسط، والعالم العربى أجمع، ومصدر الفرحة والسرور  للمشاهدين، قبل أن يتبدل كل هذا أخيرا مع تكرار الحوادث الدامية!
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام