ثقافة



مات غاضبا ومغضوبا عليه.. السادات ومأساة اختيار الحلفاء

28-4-2025 | 22:33
عزمى عبد الوهاب

السادات خاض خيار الحرب الصعب تحت ضغط الداخل ومناورات الخارج والقوى العظمى
 
حين ترى غلاف كتاب «أكرم القصاص»، الصادر عن مؤسسة بتانة للثقافة والنشر، بعنوان «شعرة معاوية.. السادات وخصومه» ربما تستدعى كتبا بعضها سيئ الصيت، وبعضها على طرفى نقيض مما تؤمن به وتعتنقه من أفكار بخصوص الرجل، الذى حكم مصر فى الفترة من 1970، إلى 1981، كتب مثل: السادات رائد التأصيل الفكري، لأحد أساتذة أكاديمية الفنون، ومدرسة السادات السياسية واليسار المصرى، لأحد أقطاب اليسار، بجانب معالجات راديكالية لشخصية وحقبة السادات، يأتى على رأسها “خريف الغضب”، للأستاذ هيكل، الذى يقدم قراءة ثقافية وسياسية للسادات وعصره، تطلبت من مفكر وأستاذ فلسفة أن يصدر كتابا بعنوان “كم عمر الغضب؟” هذا بخلاف مذكرات لساسة وكتاب، تقاطعت خطواتهم ومصائرهم مع خطوات السادات. 
 
ما الذى تجدد حتى يستدعى أكرم القصاص الرئيس الراحل السادات فى اللحظة الراهنة، بكل تعقيداتها، خصوصا أن قطاعا عريضا من الناصريين واليساريين، يحمل الرجل مسئولية ما يجرى الآن على الساحة، من قتل ودمار، فى أكثر من بقعة بالعالم العربى، فكل هذا الخراب المادى والروحى نتاج هبوط طائرة الرئاسة المصرية بالسادات وبعض معاونيه، فى مطار بن جوريون، وما تلا ذلك من تداعيات عزل مصر عن مجالها الحيوى العربي، وتوقيع ما يسمى اتفاق كامب ديفيد.
يرى القصاص أن “السادات أنهى مرحلة حروب، وضعت مصر تحت ضغط أزمات اقتصادية، واضطرتها إلى قبول شروط مجحفة للمؤسسات المالية الدولية، وأن الناس انقسموا بين من رأى السادات قاد صلحا منفردا وضع المنطقة تحت سيطرة الولايات المتحدة، ومن رأى أن السادات أنقذ مصر من حروب لا نهاية لها، واستعاد الأرض المحتلة كلها”.
فى ظنى أن أكرم القصاص جانب الصواب حين توصل إلى نتيجة، تقول إن “أغلب جبهة الرفض التى تشكلت بعد زيارة السادات للقدس، وعقد معاهدة السلام بعد عامين من الزيارة، ومن اعتبروا السادات خائنا ذهبوا بعد 14 عاما إلى مدريد وأوسلو، ليعقدوا اتفاقات فى أوضاع كانوا فيها أضعف”.
هنا لا يرى القصاص، أن تلك المقدمات (زيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاق سلام)، هى التى أدت إلى تلك النتائج (أوسلو ومدريد، وحتى وادى عربة، وغير ذلك من اتفاقات أحدث)، فليس رفض الفلسطينيين والسوريين الذهاب إلى مباحثات فندق ميناهاوس، وتأخرهم عن اللحاق بركب السادات، هو الذى أدى إلى تقديم هذه التنازلات، والخضوع للشروط المجحفة، فى التفاوض، لقد أخرجت تلك الزيارة مصر من معادلة الصراع، فانكشف الغطاء عن كثيرين، وكان هذا هو المطلوب لتحجيم أدوات الصراع.
أكرم القصاص، يرى أن السادات واحد ممن غيروا التاريخ، فخلال 11 عاما فقط خاض صراعا على السلطة خرج منه منتصرا، وخطط لحرب انتصر فيها، ثم خطط للسلام، أما الأخطر – وهذا ما يراه أيضا أكرم – فالسادات استدعى تنظيم الإخوان، والإسلام السياسى، ليضعه طرفا فى معادلة السياسة، لقد وضع ورقة الدين، والواقع أنه فعل ذلك وسط حرب باردة، تم خلالها توظيف النفط والدين والأيديولوجيات، وبعد هذه السنوات على رحيل الرئيس أنور السادات، هناك من يراه زعيما سابقا لعصره، قرأ المستقبل، بينما يراه خصومه ظالما لنفسه ولغيره، وأنه وإن كسب الحرب، فقد خسر معارك الاقتصاد والسياسة، وتحالف مع خصوم قتلوه.
إذن لماذا هذا الكتاب فى ذلك التوقيت؟ القصاص يوضح أنه لم يكن يهدف إلى إنصاف السادات أو مهاجمته، بل إنقاذ التاريخ من استقطاب يضع الناس فى عداءات أشبه بمشجعى فرق كرة القدم، فى حين أن السياسة تحتمل وجهات نظر، رحل السادات غاضبا من الجميع، وبين خصومه من تحالف معه ثم انقلب عليه، ومنهم من أصبح تلميذا فى مدرسته، نرى تأثير السادات لا يزال مستمرا، إيجابا وسلبا، وأنه لا يزال يعيش ويرد على خصومه الذين شاركوه الاستقطاب والصراع.
مادام الحديث يدور حول الإسلام السياسى، وكيف لم يستطع السادات أن يصرف هذا العفريت الذى أخرجه من القمقم، وكانت النهاية على يديه فى آخر سطور الفصل الخاص بحكم السادات لمصر، والبداية كانت على يدى محمد عثمان إسماعيل، محافظ أسيوط وقتها، والمقاول الكبير والصهر عثمان أحمد عثمان، كانت هناك بوادر ومؤشرات على مآل تلك العلاقة الانتهازية من السادات، وجماعات الإسلام الراديكالى، لو أحسن المحيطون بالسادات قراءتها لما وصلنا إلى حادث المنصة فى أكتوبر 1981، لكن البطل التراجيدى (السادات)، كان ذاهبا إلى مصيره بأقصى ما يمتلك من طاقة.
كما يقول أكرم القصاص، كان الإسلام السياسى، رقما ضمن معادلات السياسة والحكم فى منطقة الشرق الأوسط، وجزءا من معادلات السياسة والاقتصاد، تداخلت مع تحولات إقليمية ودولية، وكانت فاعلا ومفعولا به فى الحرب الباردة، بين قطبى العالم، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، ومفردات هذا الصراع، تنعكس على دول العالم التى انخرطت اختيارا أو اضطرارا فى الحرب الباردة التى دارت عن طريق وكلاء.
من هنا – كما يوضح القصاص – يمكن النظر إلى قصة السادات، وإعادة الإخوان، إلى المجال العام، على أنها إعادة توازنات السلطة فى مواجهة خصوم السادات من اليسار والناصريين، وهذا يتزامن مع أحد فصول الحرب الباردة، وكانت كل الطرق تؤدى إلى إعادة الإخوان، وكان مهندس الاتصال بهم فى الداخل والخارج عثمان أحمد عثمان.
يظهر على مسرح الأحداث، محمد عثمان إسماعيل، مستشار السادات، وأحد معاونيه فى الإطاحة بمراكز القوى، وكان من أنصار إعادة دعم التيار الدينى السياسى، لخلق توازن مع اليسار والمعارضة، لكن لا هو ولا السادات، الذى كان يتهم خصومه بالغباء السياسى، التقط الإشارات والرسائل، لم يلتفت إلى عملية الكلية الفنية العسكرية عام 1974 على يد صالح سرية، وخطف وقتل الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف، عام 1977، على يد شكرى مصطفى وجماعته، فقد بدأت فكرة استعادة القوة والانتصار بإقامة الدولة الإسلامية، وبدأت هذه الدعوات من على منابر المساجد، وتجمعات الفرق الصوفية، والجمعيات الشرعية، والقوى السلفية.
ينتمى أكرم القصاص إلى جيل عاصر الرئيس السادات، أكثر من عبد الناصر، ومع هذا احتفظ مع كثيرين لعبد الناصر بصورة الزعيم الذى حقق كثيرا من الإنجازات، وطوال السنوات والعقود، كانت الكتب والشهادات تصدر وأغلبها كان منحازا، وأقلها يروى جانبا من القصة.
النتيجة كما يشخصها القصاص: «تمسكت بحب جمال عبد الناصر، من دون أن أقع فى دوائر التقديس أو الإنكار، وبطريقة عكسية مع الرئيس أنور السادات، الذى تولى وأنا أغادر الطفولة، كنت أسيرا لآراء حدية، تقلل أو تستهتر بقيمته، بالرغم من أنه واجه تحديات متعددة، وسط خليط من الشك والصدمة».
على هذا النحو يهيئك أكرم القصاص لتقبل فكرة مراجعة قناعاته، فيما يخص السادات، وربما عبد الناصر، فالأسئلة لم تتوقف عن النكسة والديمقراطية، وكيف جاء السادات فى وقاع مرتبك ومتشابك، ولم تكن الكتلة داخل السلطة مع عبد الناصر متجانسة، وكان هيكل يعرف الكثير، ويعرف كيف يستعمله، ومتى يلوح به فى وجه الجميع، وأجاد استعمال السلطة فى توقيتها ومكانها دائما، فقد كان يضع نفسه بعيدا عن السلطة بمعناها الخشن.
يعود أكرم القصاص مرة ثانية لتمهيد الأرض أمام تقبل فكرة المراجعة، وهى ليست حراما، فهو يؤكد: «هنا أسعى إلى قراءة ما عاصرته، وما اتفقت، واختلفت معه، والنظر من زوايا متعددة، ونتخلى عن استقطاب يعزل تفكيرنا، ويخضعنا لأهواء تصيب بالتشوش، والهدف ليس إنصاف السادات  أو انتقاده، إنما استكمال قصة لا تزال تتفاعل وتؤثر».
أكرم القصاص الذى يكتب تحت عنوان «ناصر والسادات»، يحكمه مسار ذاتى، يتتبع من خلاله تطور علاقته بالسادات، وبما كونه من ثقافة وخبرة ضيقة عن عبد الناصر، تناسب سنواته الصغيرة فى حياة ناصر، يصل إلى أن السادات تسلم الدولة وسط أزمة اقتصادية واضحة، بجانب تقشف اضطر إليه المصريون من أجل المجهود الحربى، أما وقد  انتهت الحرب بالنصر، فقد انتظر المصريون شكلا آخر، وحياة تختلف عما كان بعد الهزيمة، اقتصاد النصر، من هنا كان تفكير الرئيس السادات بنية صناعة الرفاهية، وهو أمر تحقق حاملا أخطاء السابق، وأيضا أخطاء الممارسة.
فى ظنى أن 11 عاما هى عمر حكم السادات، أوجعت هذا البلد الذى كان ينتظر تحقيق الرخاء فى عام 2000 كما بشر به هو، والخلاصة كما جاء فى سطور أكرم القصاص، معبرا عن وجهة نظره: “أحد عشر عاما تقريبا بدأها السادات بالتخلص من خصومه، ببعض الجهد والحيلة وبقوة السلطة، خصوم منحوه كل الأوراق ليطيح بهم، وأبقى عليهم ليظلوا على خصومة معه فى حياته، وبعد رحيله.
خاض السادات أيضا خيار الحرب الصعب، تحت ضغط الداخل ومناورات الخارج والقوى العظمى، وما إن أنهيت الحرب، حتى انخرط فى محاولة تعويض ما فات بإصلاح الاقتصاد، لم ينه الاشتراكية، ولا التحق بالرأسمالية، وواجه مظاهرات غضب تتمسك بنظام مختلط، وخاض أخطر معارك الدولة مع إسرائيل، منتقلا من الحرب إلى السلام، ليواجه عواصف الغضب الإقليمى والداخلى، ووسط كل هذا عقد اتفاقات مع التنظيمات الدينية، بحثا عن حليف تخلى عنه وعاداه، كل هذا فى 11 عاما فقط، كان متعجلا وخصومه متعجلين، مات غاضبا مغضوبا عليه.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام