نحن والعالم



خطة ترامب حال تعثر الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.. «الانسحاب الكبير»

30-4-2025 | 19:12
⢴ هانى فاروق

أولجا كراسينياك: المؤشرات الأخيرة توحى بتحول هادئ وعميق  فى أولويات البيت الأبيض
محمد العالم:  الفشل يقود إلى حرب عالمية ثالثة والمواجهة الروسية - الأوكرانية بداية الشرارة الفعلية
 
تشهد الأزمة الأوكرانية تحولات جذرية، مع تصاعد المؤشرات حول إمكانية انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من دورها المركزى فى هذا الملف، خصوصًا فى ظل حديث الرئيس دونالد ترامب ونائبه جى دى فانس عن تعثر المفاوضات، ورفع السقف التفاوضى، وانتقاده أخيرا لسياسات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
 
التطورات الأخيرة، بما فى ذلك اللقاء بينه وزيلينسكى فى روما، والاجتماع المطول بين مبعوثه والرئيس الروسى فى الكرملين، تكشف عن محاولات أمريكية حثيثة لإيجاد مخرج سياسى للأزمة، فى ظل تراجع أولويات أوكرانيا، لصالح ملفات أخرى أبرزها التنافس مع الصين‪.‬
 
فى المقابل، يبرز خطر واضح يتمثل فى أن توقف الوساطة الأمريكية، قد يترك كييف أمام مأزق سياسى وعسكرى حاد، مع عدم قدرة أوروبا وحدها على تعويض الدعم الأمريكي، كما أن فشل المفاوضات، قد يدفع ترامب إلى إعادة النظر فى إستراتيجيته تجاه روسيا، عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، وتوسيع نطاق الحرب التجارية، وهو ما قد يفاقم التوترات الدولية.
من جانب آخر، قد يؤثر هذا الفشل على اتفاقيات اقتصادية واعدة، مثل صفقة المعادن الثمينة بين كييف وواشنطن. ومع استمرار حالة الجمود، تزداد المخاوف من أن تتحول الأزمة الأوكرانية إلى شرارة لصراع دولى أوسع، قد يأخذ شكل حرب عالمية ثالثة، وسط مشهد دولى متوتر يعيد رسم ملامح النظام العالمى الجديد‪.‬ 
 
تحول هادئ وعميق
تؤكد أولجا كراسينياك، أستاذ العلاقات الدولية فى الجامعة الوطنية بموسكو، أنه منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية فى فبراير 2022، احتلت أوكرانيا موقعًا مركزيًا فى السياسة الخارجية الأمريكية، وتحولت كييف إلى رمز للمواجهة الغربية مع موسكو، لكن المؤشرات الأخيرة القادمة من واشنطن، توحى بتحول هادئ، لكنه عميق، فى أولويات البيت الأبيض، بما يثير تساؤلات حقيقية: هل بدأت أمريكا فى التخلى عن أوكرانيا؟ وما تداعيات ذلك على مستقبل الصراع؟
وأضافت، قائلة: لا شك أن خريطة الاهتمامات الأمريكية آخذة فى التغير، فبينما كانت روسيا تمثل التهديد الأبرز قبل سنوات، أصبح التركيز الآن منصبًا على الصين كمنافس إستراتيجى أول، فى الاقتصاد، والأمن البحري، والتنافس على النفوذ فى المحيط الهادئ، والسيطرة على الممرات الحيوية مثل قناة بنما، كلها ملفات تسبق أوكرانيا فى سلم الأولويات الأمريكية، حتى قبل انخراطها المتصاعد فى الشرق الأوسط دفاعًا عن إسرائيل‪.‬
وأشارت كراسينياك إلى أن هذا التغير لا يعنى بالضرورة تخليًا كاملًا عن أوكرانيا، لكنه يعكس براجماتية أمريكية متجددة، تستند إلى كلفة الاستمرار فى دعم حرب، تبدو بلا أفق واضح للنصر، خصوصًا مع تراجع الحماسة الغربية، وتزايد الأعباء الاقتصادية الداخلية‪.‬
وأكدت أنه فى ضوء هذه الحسابات، يصبح من المنطقى تفسير انفتاح واشنطن النسبى على الاستماع إلى المخاوف الأمنية الروسية، ليس من باب القبول بالشروط، بل من باب الواقعية السياسية. إذ يدرك صناع القرار الأمريكيون، أن الدخول فى صدام مباشر مع روسيا فى أوروبا، مع غياب ضمانات الربح، قد لا يخدم المصالح القومية الأمريكية‪.‬
وأضافت، قائلة: الأهم، إن الضغوط المتزايدة داخليًا، سواء من الكونجرس، أم الرأى العام، بدأت تدفع نحو مراجعة جدوى الاستمرار فى دعم غير محدود لكييف، فى وقت تشهد فيه الولايات المتحدة استقطابًا سياسيًا حادًا واقتصادًا يسعى للتعافى‪.‬
وأوضحت أولجا كراسينياك أنه فى المقابل، تُبقى روسيا على مواقفها الصلبة، وتؤكد أن العمليات العسكرية ستستمر حتى تحقيق هدفين واضحين، ضمان حياد أوكرانيا، ونزع سلاحها، بما يزيل أى تهديد محتمل من حلف الناتو على حدودها الغربية‪.‬
وألمحت إلى أن موسكو ترى أن العقوبات الغربية لم تنجح فى عزلها أو إنهاكها، بل كانت فرصة لتعزيز قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية، عبر بناء اقتصاد أكثر استقلالية، وتحالفات أوسع مع قوى غير غربية‪.‬
فى ضوء هذا المشهد، أكدت كراسينياك، أنه من المرجح أن الحرب لن تتوقف قريبًا، ومع تراجع الحماسة الأمريكية، تبدو كييف متجهة نحو مرحلة جديدة من الصراع، أقل دعمًا، وأعلى تكلفة‪.‬
قد لا يكون “التخلي” الأمريكى عن أوكرانيا علنيًا أو مباشرًا، لكن التحول فى الأولويات، وتراجع الضغوط على موسكو، يشيران إلى أن المعركة الآن، أصبحت أكثر تعقيدًا من أن تُحسم بالسلاح وحده‪.‬
وإلى أن ترفع أوكرانيا الراية البيضاء  - كما تأمل موسكو - أو تفرض واشنطن معادلة جديدة، ستظل الحرب دائرة، ومعها يعاد رسم خريطة النفوذ الدولي‪.‬
 
مزاج ترامب السياسي
بينما يرى الكاتب والباحث السياسى محمد العالم المختص بالشئون الأمريكية، أنه من الممكن أن تنفذ الولايات المتحدة الأمريكية تهديد، نائب الرئيس الأمريكى بالانسحاب من المفاوضات، لو لم يتم التوصل إلى صيغة تفاهمية حسب الرؤية الأمريكية لوقف إطلاق النار، وذلك يرجع إلى أن ترامب يتهم زيلينسكى بأنه أحد أهم أسباب استمرار الحرب حتى الآن نظرًا لموقفه المتعنت، لكن فكرة انسحاب الولايات المتحدة لن يكون من الملفات المطروحة، بل من الممكن وقف المفاوضات، بشكل مؤقت، لأنه لا يمكن أن تستمر أمريكا فى البعد عن هذا الملف بشكل كبير، لأنه لا يتعلق بأمن أوكرانيا فقط، لكنه يتعلق بأمن الاتحاد الأوروبي، وذلك فيه أهمية كبيرة للولايات المتحدة.
وأشار إلى أن أوكرانيا هى الخاسر الأكبر فى حال توقف الوساطة الأمريكية، خصوصًا أن الدعم الأوروبى لها غير واضح حتى الآن، وفى حال وضوحه لا يمكن أن يعوض الدعم الأمريكي، فإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أوقفت الخدمة الاستخباراتية التى كانت تقدمها لأوكرانيا، وما تتضمنه من معلومات مهمة، كل هذه الأمور أثرت على أداء الجيش الأوكرانى فى أرض المعركة، وبالتالى فإن أوروبا لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة فى التسليح والمال. 
كما أشار إلى أن روسيا لديها بعض الخسائر جراء انسحاب الولايات المتحدة من دورها فى الوساطة، وذلك لأنه سيكون هناك أكثر من سيناريو فى هذه الحالة، فمن الممكن أن يكون هناك تعثر فى العلاقات بين واشنطن وموسكو، علاوة على أنه سيمثل استمرار عملية استنزاف روسيا فى الحرب.
وفى حال فشل المفاوضات، يقول العالم: ربما يتغير مزاج ترامب السياسى تجاه روسيا، وبالتالى من الممكن أن يعكس موجة الاتهامات من اتهامه إلى الرئيس الأوكرانى فقط، إلى اتهام الجانب الروسى بالتعنت فى المفاوضات، خصوصًا أن هدف ترامب من وقف الحرب هو الدفع نحو الاستقرار العالمى، والذى من شأنه أن يقود إلى انتعاش اقتصادى ببلاده، مؤكدًا أن الهدف الأهم لترامب فى نجاح المفاوضات، هو تحييد روسيا عن مساندة الصين فى الحرب الاقتصادية المقبلة، حتى ولو كانت الحرب عسكرية، وبالتالى لم يكن الهدف هو وقف إطلاق النار بل إعطاء روسيا بعض الامتيازات فى مفاوضاتها مع أوكرانيا، والإبقاء على الأراضى التى سيطرت عليها، ليكون هناك نوع من التوازن والاتفاق، ولو بشكل سري، على ألا تساند روسيا الصين فى الفترة المقبلة، كخطة أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحييد النفوذ الصيني، وخنق الصين فى منطقة بحر الصين الجنوبي، كخطة كان من المفترض تفعيلها منذ فترة طويلة لولا الأحداث الخارجية التى تورطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية سواء فى أوكرانيا أم الشرق الأوسط.
وأوضح أنه فى حال فشل تلك المفاوضات من الممكن أن يلجأ ترامب إلى مواصلة تجميد الأرصدة الروسية خصوصًا فى أوروبا، ومن الممكن أن تكون هناك عقوبات اقتصادية لكنها لن تكون مؤثرة بشكل كبير، لأن روسيا تجاوزت الجانب النفسى، بعد سلسلة العقوبات الكثيرة التى طالتها بعد عملياتها العسكرية فى أوكرانيا.
وأكد أن ترامب لا يمكنه التخلى نهائيًا عن أوكرانيا، أو عن الاتحاد الأوروبى بهذا الشكل، لأنه بذلك يهدم أحد أهم ركائز الولايات المتحدة الأمريكية فى العالم، نظرًا لتواجد قواعد عسكرية أمريكية كبرى فى أوروبا، فالولايات المتحدة الأمريكية هى المكلفة فعليًا بتأمين أوروبا، لذلك لا يمكنه التخلى بشكل كامل، وما يفعله حاليًا هى مجرد ضغوط لإنهاء الحرب، لمواجهة النفوذ الصينى بورقة روسيا، ولو حدث التخلى الأمريكى بشكل كامل، سيكون تخليًا أمريكيا عن مكانتها العالمية، وعن تحالفاتها الدولية التى كانت تبنى به قوتها العالمية.
وقال العالم إنه من الممكن أن يقود هذا الفشل، حال حدوثه، إلى حرب عالمية ثالثة، خصوصًا أن الحرب الروسية - الأوكرانية، كانت بداية الشرارة الفعلية لهذه الحرب، وذلك بخلاف تطورات الأحداث فى الشرق الأوسط، والأزمة الحالية بين الهند وباكستان، مؤكدًا أن هناك أكثر من شرارة لهذه الحرب، وذلك ما يؤكد أن الحرب العالمية قادمة لا محالة، والدليل على ذلك تصريح الرئيس الأوكرانى زيلينسكى فى اجتماعه مع نظيره الصينى، أن العالم يتشكل من جديد، وأن فكرة القطب الواحد لم تعد ممكنة، خصوصا فى ضوء تفعيل إدارة ترامب حربًا تجارية عالمية مع الصين، ودول عديدة فى العالم.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام