مقالات رئيس التحرير



الإقليم العربى.. قِبْلة البيت الأبيض

7-5-2025 | 18:03
جمال الكشكي

زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى المنطقة العربية، منتصف شهر مايو الجارى، تحمل العديد من الحسابات والدلالات المهمة فى هذا التوقيت.
 
ساكن البيت الأبيض، اختار الإقليم العربى دون غيره فى أولى جولاته الخارجية، بعد فوزه بالولاية الثانية، نظرا للأهمية الإستراتيجية الكبرى لموقع الإقليم العربى، وارتباط هذه الأهمية بحسابات ومصالح الرئيس الأمريكى.
 
ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة الآن: لماذا اختار ترامب أن تكون قِبلته الأولى هى الإقليم العربى؟
 
من دون شك أن ترامب فى هذا التوقيت، لديه ملفات عديدة عالقة يريد حسمها سريعا وبقوة، حتى لا تصطدم مع جدول أعماله الداخلى والإقليمى والدولى، ففى مقدمة هذه الملفات العالقة، تلك الملفات الاقتصادية المرتبطة بالداخل الأمريكى، لا سيما أنه صاحب شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، ذلك الشعار الذى يتطلب التفكير خارج الأطر التقليدية، والبحث عن آفاق جديدة، تزيد من الوزن النسبى لأمريكا وسط قوى صاعدة أخرى بات لها نفوذ يهدد عصر الهيمنة الأمريكية ومفهوم القطب الواحد. 
 
الإقليم العربى هو الورقة الرابحة فى ترجيح كفة أحد المتنافسين، ترامب يدرك ذلك جيدا، ويعى القيمة السياسية والجيوسياسية للمنطقة العربية، كونها حلقة الوصل فى سلاسل الإمداد البرية والبحرية بين الشرق و الغرب، وتمتلك نحو 40% من النفط والغاز، وتشرف على الممرات البحرية الأهم فى العالم، ناهيك عن أنها يمكن أن تشكل سوقا واسعة للبضائع الأمريكية، بما يحقق مفهوم ترامب فى زيادة الصادرات وتأمين مصادر مستدامة فى الطاقة.
 
يأتى الملف الثانى ليتعلق بالتشابكات والتعقيدات الإقليمية التى نشأت أثناء غياب ترامب عن البيت الأبيض خلال السنوات الأربع الماضية.
 
فى مقدمتها الانتظار الطويل لشعوب الشرق الأوسط بشأن سرعة إيقاف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ومحاولة إنهاء الصراع باتفاق شامل وعادل يضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، وإقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
 
وفى ذات السياق فإنه من الضرورى أن يتم احترام سيادة الدولة اللبنانية، وتنفيذ القرار 1701 بشأن خروج إسرائيل الكامل من الجنوب اللبنانى، ومنعها من الاعتداء المستمر على السيادة اللبنانية.
وكذلك على الساحة السورية، فالمطلوب أن تعود إسرائيل إلى اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، برعاية دولية، وتخرج إسرائيل من الجنوب السورى، وتمتنع عن الاعتداءات على السيادة السورية.
 
 
من جانب آخر هناك ملف مزمن وشائك، وهو الملف النووى الإيرانى، الذى يتم التفاوض عليه الآن، بين واشنطن وطهران بوساطة عمانية، وإيطالية، بهدف الوصول إلى حل نهائى لهذا الملف الذى جرى ترحيله منذ ولاية ترامب الأولى، وهو الذى اختار التفاوض بدلا من الحرب على عكس رغبة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وهو المسار الذى يطابق رغبة الإقليم العربى فى الاستقرار وعدم توسيع الحرب.
 
إن مصلحة ترامب هنا فى كل هذه الملفات المشتعلة، هى إطفاء النيران وتبريد الصراعات لتقديم نفسه كرجل سلام، لتحقيق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام، كما حظى بها باراك أوباما، الذى -واقعيا- لم يفعل شيئا للمنطقة، فضلا عن أن ترامب بهذه الجولة إلى الإقليم العربى، يحاول قطع الطريق على المتنافسين الآخرين: الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبى، الذين لديهم مصالح قوية أيضا بالإقليم، ومن ثم فإن ترامب يريد الاستحواذ على النصيب الأكبر فى المنطقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية.
 
أيضا من بين دلالات اختيار  ترامب للإقليم العربى كقِبلة أولى، هو أن بعض عواصم الإقليم، أصبحت المكان المفضل للتفاوض السياسى، والحوارات بين المتنافسين والمتصارعين، ورأينا كيف استضافت الرياض، العاصمة السعودية، مفاوضات بين واشنطن وكييف، وبين موسكو وواشنطن، بهدف إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، وأيضا تابعنا المفاوضات غير المباشرة فى مسقط بين أمريكا وإيران بهدف التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى، وكذلك لعبت العاصمة الإماراتية أبو ظبى، دورا كبيرا فى إبرام عدد من الصفقات حول الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، كل هذه الأدوار التى يقوم بها الإقليم العربى، تزيد من إقبال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لتعميق الشراكة العربية - الأمريكية.
 
وسط أحلام ورغبات ترامب فى تحقيق مصالحه الكبرى، لابد علينا -نحن العرب- استثمار هذه الفرصة، والمطالبة بتحقيق السلام العادل والشامل والإستراتيجى بإنهاء الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، وتوصيل رسالة إلى الرئيس ترامب بأنه من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، فلن يكون هناك استقرار وسلام فى الشرق الأوسط، وبالتالى فإن غياب هذا الاستقرار سينعكس -حتما- بالسلب على أحلام ورؤية الرئيس ترامب.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام