مقالات



مصادفة الشرق الأوسط المؤلمة

7-5-2025 | 18:58
مهدى مصطفى

مصطلح «الشرق الأوسط» معنى غربى موروث من زمن الاستعمار، ولا حيلة لنا إلا باستعماله كما هو، لكنه يعيش مصادفة مؤلمة.
 
مصادفة أن يكون المكان الأكثر ألمًا، لا تتوقف فيه عجلة الموت عن الدوران، والمكان الذى يبدأ فيه وينتهى إليه كل تكوين لأى نظام دولى.
 
فى إرث الاستشراق الغربي، هو متوحش متخلف، يحتاج إلى التحضر، والتحضر مبرر بالقوة والغزو، وهو ما أشار إليه المفكر الفلسطينى الأمريكى إدوارد سعيد فى كتابه «الاستشراق»، حيث فضح آليات الهيمنة الثقافية الكامنة خلف هذا الخطاب. 
 
مصادفة أن تكوين أى نظام دولى عبر التاريخ يتوجه أولًا إلى تلك المنطقة المنكوبة، لأنها أولًا صاغت عدة حضارات متزامنة ومتعاقبة، وصاغت الأديان السماوية الثلاثة، وكانت قديما أرض البهارات، ولاحقا أرض النفط والغاز، والهامش الذى يمنح الحياة للمركز الاستعماري، كما أشار المفكر المصرى العالمى سمير أمين.
 
انظروا كيف أصبحت تلك الأرض مختبرا للأسلحة الفتاكة، تجرب فى غزة ولبنان وسوريا، ومن قبل فى العراق وليبيا، والآن فى اليمن.
 
وتمعنوا أكثر، فإنه المكان الذى يمثل «مخزن المال» للولايات المتحدة الأمريكية، عبر فوائض النفط والسيولة المصرفية التى تعاد تدويرها فى البنوك الغربية. 
 
قديما، قال الإغريق عن الفرس إنهم متوحشون يريدون تدمير الحضارة الغربية، وكانوا يقصدون بالفرس القادمين من الشرق، فترسخ المعنى فى الذاكرة الغربية، وصار «الشرق» رمزًا للتخلف والتوحش، وموضعًا دائمًا لمشاريع التحديث المفروضة بالقوة.
 
لا أريد أن أغوص فى التاريخ، ولا فى الطبقات المتراكمة من الألم، وأتوقف عند تخوم العصر الحديث، عند نهاية القرن التاسع عشر، حين اندفعت دول المركز الرأسمالى لاحتلالنا، وتدميرنا، وتقطيع أوصالنا قطعة قطعة، وجعلنا أكثر هشاشة 
 
فى نهاية ذلك القرن، اندفع الاستعمار الأوروبى وامتص ثرواتنا، وساعدته قوميات وأفكار وجماعات من بيننا، اتخذوها عناوين لأبوابهم التى دخلوا منها، ويُفكرون الآن فى استدعائها ودمجها فى مؤسسات
رسمية، ودول ذات سيادة، لخلط الأوراق وبعث الانقسامات القديمة.
 
فى منتصف القرن العشرين، خرج الاستعمار الأوروبي، وحلّ محله الأمريكي، بطرق تجمع بين التبشير والغزو، بين الناعم والخشن، ولم يختلف الأمر كثيرًا.
ففى نهاية الحرب العالمية الثانية، وُلدت دولة جديدة على أرض فلسطين، تتخذ من كتابات تراثية وخرافية مستندًا، تتوحش، تبيد، تتوسع، وتبتلع ميراث المنطقة.
 
ورأينا أمريكا وحلف الناتو يقصفان فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، ورأينا حصارًا خانقًا لممراتنا البحرية، ورأينا جماعات ممولة تبشر بأن الغزو تحرير، وأن مدفع الديمقراطية المنطلق هو جزء من التحضر المفروض.
 
وهكذا وجد الشرق الأوسط نفسه فى دائرة جهنمية، عبارة عن خليط سام من الأفكار المؤلمة، والمشاريع المعلّبة. 
 
مصادفة أن أى حادث ولو صغير يتردد صداه فى تلك المنطقة، وكأنها عصب مكشوف للعالم.
 
ولننظر كيف تتكون ثروات العالم من هذه المنطقة باعتبارها أرضا فراغا، فقد منعوها من امتلاك الحداثة، ومنعوها من امتلاك التصنيع، أو الدخول فى أى ثورة صناعية.
 
تم حرمانها من امتلاك أدوات العصر، بينما تم تقديمها كمخزون لا ينضب للمواد الخام، فلم يكن مسموحا لها أن تبنى مصانع حقيقية، أو أن تطور نظاما علميا مستقلًا، أو أن تخترع منظومات إنتاجية، بل أُريد لها أن تظل سوقا مفتوحة، ومصدرا طيعا للثروات.
 
حان الوقت لنقول لا، أولى وأخيرة.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام