سوق ومال



سباق عالمى للاستحواذ على النصيب.. الأكبر منه «الاقتصاد الإبداعى» .. محرك رئيسى للتنمية

7-5-2025 | 19:12
⢴ ‪ ‬ هاجر بركات

إيرادات الصناعات الثقافية تقدر بـ 2.3 تريليون دولار سنويا وتسهم بـ3.1% من إجمالى الناتج المحلى العالمى
توقعات بنمو الاقتصاد البرتقالى بنسبة 40% بحلول عام 2030 وتوفير أكثر من 10 ملايين فرصة عمل
د. رمزى الجرم: اهتمام مصر والدول العربية بالاقتصاد الإبداعى يدعم زيادة مكون الصناعات الصغيرة بشكل عام
د. محمد أنيس: يمثل أحد العوامل المحورية التى تسهم فى التنمية الاقتصادية للدول العربية ويوفر فرص عمل جديدة
 
تتسابق العديد من الدول العربية للاستفادة من الإبداع، وما تجود به أنامل وأدمغة الموهوبين فى مجالات التراث، والفنون، ووسائل الإعلام، والإبداعات الوظيفية، وتحويلها إلى قيمة اقتصادية، تسهم بدور كبير فى تعزيز خططها الإستراتيجية نحو تحقيق التنمية المستدامة، هذا النوع من الاستثمار يعرف باسم الاقتصاد الإبداعى، أو كما يحلو للمنظمات الدولية وصفه بالاقتصاد البرتقالى، حيث يعكس اللون البرتقالى - فى العديد من الثقافات والعصور - الإبداع والقيادة والتحول.
 
انتشار العديد من المهن التراثية فى الدول العربية، مع تنامى أعداد الموهوبين فى الحرف اليدوية، وكذلك فى السينما، والمسرح والتليفزيون والموسيقى، والفنون التشكيلية، والألعاب الإلكترونية، والكتابة والأدب، وغيرها من المهن التى ترتكز على الإبداع، كان الدافع الرئيسى وراء سعى دول عربية لتطوير سياساتها وتشريعاتها، لتتناسب مع المستجدات التى فرضها عالم الاقتصاد الإبداعى.
 
حرصت العديد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين والعراق والمغرب والجزائر وتونس، على إجراء الدراسات اللازمة عن واقع الصناعات الثقافية والإبداعية والفكرية والفنية فيها، بهدف اكتشاف مكامن القوة، التى يتميز بها أبناؤها من الموهوبين والمبدعين لتعزيزها وتقويتها، ومعرفة نقاط الضعف والتحديات، التى يمكن أن تعيق مسيرة هذا الاقتصاد تلافيها ومعالجتها‪.‬
تعد مصر من أبرز منتجى الصناعات الإبداعية فى منطقة الشرق الأوسط، وقارة إفريقيا، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأونكتاد، وتمتلك تاريخًا غنيًا فى مجالات مثل الحرف اليدوية والمنسوجات، وكذلك فى السينما والموسيقى، ولديها العديد من الأصول الثقافية التى يمكن استغلالها، مثل المتاحف والمواقع التراثية، ويسهم الاقتصاد الإبداعى فى مصر بنسبة 3% من إجمالى الناتج المحلى.
 
‪ ‬اهتمام الحكومة المصرية بالاقتصاد الإبداعى فى الآونة الأخيرة، يمتد ليشمل إطلاق العديد من المبادرات مثل: مبادرة رواد 2030 من قبل وزارة التخطيط، ومبادرة تتلف فى حرير ومبادرة رواد النيل ودعم رواد الأعمال ومبادرة ديارنا، ومعرض تراثنا للحرف اليدوية ومبادرة إبداع من مصر ومبادرة “زين الكفوف”، ومبادرة “أيادى مصر”، وغيرها مما سينعكس إيجابيا على نمو الصناعات الإبداعية، وحجم مساهمتها فى الاقتصاد الوطنى بحلول عام 2030.
 
كما يحظى الاقتصاد الإبداعى بمكانة خاصة فى المملكة العربية السعودية، وأخيرا أعلن مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، إطلاق مشروع الحى الإبداعى بالرياض، ويستهدف تحقيق تأثير مستدام وعميق فى مستقبل الرياض والمملكة، والمساهمة فى تحقيق أهداف رؤية 2030، من خلال ترسيخ بيئة عمل إبداعية، تستقطب المواهب السعودية، وتشجع على الابتكار، وتتبنَّى المشاريع الريادية.
 بينما دولة الإمارات العربية المتحدة هى الأخرى، تسابق الزمن لتعزيز مكانة الاقتصاد الإبداعى على أرضها، وأخيرا دشنت إمارة دبى إستراتيجية للاقتصاد الإبداعى، تهدف إلى تحويلها إلى عاصمة للاقتصاد الإبداعى فى المنطقة، كما تسعى لزيادة مساهمة الصناعات الإبداعية فى الناتج المحلى الإجمالى، من 2.6% إلى 5%، خلال السنوات القليلة المقبلة.
 
دولة الكويت أيضا، تسير على نفس الدرب، وأخيرا وقع الصندوق الوطنى لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة الكويتى، مذكرة تفاهم مع المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، لتعزيز الاقتصاد الإبداعى وتنمية المواهب الوطنية، وتمثل مذكرة التفاهم خطوة مهمة نحو تطوير بيئة ريادية، تدعم الابتكار والتميز فى المجالات كافة، وتشير التقديرات إلى أن الكويت يمكنها زيادة مساهمة الاقتصاد الإبداعى، إلى ما بين 2% و3%، من الناتج المحلى خلال السنوات المقبلة، ما يعادل نحو 1.5 مليار دولار سنويا، إذا ما تم توفير البنية التحتية والدعم اللازم‪.‬
 
مملكة البحرين، قطعت شوطا كبيرا نحو تنمية الاقتصاد الإبداعى على أرضها، وشهدت الفترة الأخيرة توفير بيئة مناسبة وداعمة لريادة الأعمال والابتكار، وفى مختلف القطاعات تماشيا مع رؤية البحرين 2030، وكذا تقديم الدعم والتسهيلات للشركات الناشئة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال الاقتصاد الإبداعى للمواطنين والأجانب، بالإضافة إلى توفير الخدمات اللوجستية والتسهيلات الضريبية والتدريبات والمنح الحكومية، وتشهد مملكة البحرين العديد من المهرجانات والفاعليات الدولية، فى مجال الفنون والتصميم والأزياء والأغذية الفاخرة، مثل مهرجان البحرين للحرف اليدوية، ومعرض الفن الحديث والمعرض الدولى للأثاث والمطاعم وغيرها، وتستهدف مملكة البحرين تعزيز صورتها إقليميا وعالميا، باعتبارها وجهة مثالية للسياحة الثقافية والترفيهية، كذلك تعمل سلطنة عمان وقطر والمغرب وتونس والجزائر منذ سنوات على توفير البيئة المحفزة للإبداع، ودعم المواهب فى مختلف المجالات، باعتبارها أحد ركائز تحقيق التنمية المستدامة.
 
الخبير الاقتصادى الدكتور محمد أنيس، أكد أن الاقتصاد الإبداعى، يعتبر من العوامل المحورية التى تسهم فى التنمية الاقتصادية للدول، وتبدو الفرصة سانحة أمام الدول العربية، للمضى قدما فى هذا المجال الحيوى، حيث يعزز الابتكار ويخلق فرص عمل جديدة، كما يحفز على جذب الاستثمارات فى الصناعات الخلاقة، ويشمل ذلك أيضًا تحسين مستوى الحياة الثقافية والفنية فى المجتمع، مما يسهم فى تعزيز السياحة الثقافية وزيادة الإيرادات من خلال المساهمة فى تنويع مصادر الدخل للدول، وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والصناعة‪.‬
 
وأشار أنيس، إلى أن الإبداع هو العامل الرئيسى، الذى جعل هناك شركات تكنولوجية عملاقة، تصل قيمتها السوقية لأكثر من 3 تريليونات دولار، وهو نفس المبلغ الذى يعادل احتياطيات النفط لأكبر منتجى النفط فى العالم، فالإبداع قادر على خلق أشياء ذات قيمة تساوى إجمالى مخزون الطاقة والموارد الطبيعية لدى بعض الدول الكبرى‪،‬ وأكد أنيس أن الاقتصاد الإبداعى، يعد من القطاعات ذات الأهمية الكبيرة التى يجب الاهتمام بها، حيث يمكن أن يسهم فى تحسين الاقتصاد الوطنى بشكل كبير، ولتحقيق ذلك، هناك نقاط أساسية يجب التركيز عليها منها، التعليم الفنى يجب أن يكون الأساس لتخريج مبدعين قادرين على المساهمة، بشكل فاعل فى الاقتصاد الإبداعى، وتحفيز بيئة تشجع على الاستثمار فى الاقتصاد الإبداعى، من خلال التحول الرقمى والشمول المالى، وتوفير التمويل لجذب المستثمرين والممولين، الذين يدعمون أفكار الاستثمار فى هذا المجال‪.‬
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تمثل الصناعات الإبداعية 3.1%، من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وتُولد عائدات سنوية تزيد على 2 تريليون دولار، وتمثل ما يقرب من 50 مليون وظيفة فى أنحاء العالم جميعًا، نصفها من النساء، كما توظف هذه الصناعات عددًا أكبر من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، مقارنةً بأى قطاع آخر، ووفقًا لتقرير صادر عن الأونكتاد، بعنوان: آفاق الاقتصاد الإبداعى 2024، كشف عن أن المساهمات الاقتصادية المتنوعة فى الاقتصاد الإبداعى عبر مختلف البلدان التى شملها مسح الأونكتاد، تتراوح من 0.5% إلى 7.3%، من الناتج المحلى الإجمالى، كما يُوظف ما بين 0.5% إلى 12.5% من القوى العاملة، وارتفعت صادرات الخدمات الإبداعية لتحقيق رقم قياسى بنحو 1.4 تريليون دولار‪ .‬
 
وتُعد خدمات البرمجيات أكثر الخدمات الإبداعية تصديرًا بنسبة 41.3%، يليها البحث والتطوير بنسبة 30.7%، ثمَّ خدمات الإعلان وأبحاث السوق والهندسة المعمارية بنسبة 15.5%، والخدمات السمعية والبصرية بنسبة 7.9%، وخدمات المعلومات 4%، والخدمات الثقافية والترفيهية والتراثية 0.6%‬.
 
ووفقًا للأونكتاد، تستحوذ 10 دول على نحو 70%، من إجمالى صادرات السلع الإبداعية خلال عام 2024، ونحو 69%، من صادرات الخدمات الإبداعية، وهى: (الولايات المتحدة، أيرلندا، المملكة المتحدة، ألمانيا، الصين، سنغافورة، هولندا، اليابان، فرنسا، سويسرا). ووفقًا للتقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة لعام 2024، تحقق الصناعات الثقافية والإبداعية إيرادات بقيمة 2.3 تريليون دولار سنويًّا، وتسهم بنسبة 3.1% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، كما أن الصناعات الثقافية والإبداعية تمثل 6.2% من العمالة العالمية، ووفقًا للتقديرات النموذجية التى أعدتها منظمة العمل الدولية، يمثل قطاع الفنون والترفيه 1.4% من العمالة العالمية، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد البرتقالى بنسبة 40%، بحلول عام 2030، مما يضيف أكثر من 10 ملايين وظيفة على مستوى العالم‪.‬
من جهته يرى الدكتور رمزى الجرم، الخبير الاقتصادى، أن الصناعات الإبداعية تعد من أسرع القطاعات نموًا فى العالم، كما أنها تعتبر أحد أهم الخيارات الإنمائية بشكل مستدام، نظرًا لاعتمادها على مورد يزيد ويتجدد وهو الإبداع البشرى، وأضاف: تؤثر عمليات الإبداع والابتكار فى الصناعات الثقافية، خصوصًا فى الاقتصاديات ذات الموارد المالية المحدودة، والتى لا تتأثر بالأزمات المالية على المستوى العالمى، لأنها تعتمد على رأس المال البشرى أكثر من المالى، فضلًا عن أنها لا تترك مشاكل بيئية وصحية‪.‬
 
أشار الخبير الاقتصادى، إلى أن الدولة المصرية لديها تراث ثقافى وإبداعى غنى جدا، يمتد من الساحل الشمالى إلى جنوب الصعيد، ناهيك عن عشرات المبدعين، ممن يحترفون العمل فى الحرف التراثية، وفى مجالات الفنون والآداب، وكذلك الصناعات الثقافية، مثل صناعة الكتاب والنشر والسينما والموسيقى والدراما الإذاعية والتليفزيونية، وهو ما يجعل الاقتصاد الإبداعى مصدر قوة للاقتصاد المصرى.
 
ونوه الجرم، إلى أن اهتمام مصر والدول العربية بالاقتصاد الإبداعى، سيدعم زيادة مكون الصناعات الصغيرة بشكل عام، والصناعات ذات الشأن الإبداعى والثقافى بشكل خاص، فى أرقام الناتج المحلى الإجمالى بشكل مستدام، مما يدعم الاقتصاد الوطنى بشكل كبير، خصوصًا فى أوقات الأزمات المالية، والتى تتوالى وتتصاعد بشكل غير مسبوق على مستوى العالم، نظرًا لاعتماده بشكل أساسى على العنصر البشرى وبدون آثار جانبية على البيئة، خصوصًا فى ظل زيادة الاعتماد على آليات التحول الرقمى، والتى تعتبر أحد أهم العوامل التى تدعم الاقتصاد الإبداعى والثقافى بشكل كبير للغاية‪، ‬واختتم الخبير الاقتصادى، أن الاقتصاد الإبداعى يعزز فى التجارة الدولية التنوع الثقافى، ويسهم فى نقل الأفكار والمفاهيم بين الشعوب، مما يؤدى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول.
 
الاقتصاد الإبداعى
 
ظهر مصطلح الاقتصاد الإبداعى لأول مرة، فى بداية الألفية الجديدة، من خلال الكاتب البريطانى جون هوكنز فى عام 2001، وقد عرّف الاقتصاد الإبداعى، بأنه يشمل خمسة عشر نشاطًا إبداعيًا يتراوح بين الفنون والعلم والتكنولوجيا، وفى عام 2004، بدأ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فى العمل على صياغة مفهوم عالمى للاقتصاد الإبداعى، بهدف تعزيز التنمية من خلال الإبداع، وفى عام 2008م، تم تعريف الاقتصاد الإبداعى، على أنه نشاط اقتصادى يعتمد على استغلال الأصول الإبداعية، التى تسهم فى النمو الاقتصادى والتنمية‪.‬
 
كما وضعت الأونكتاد تعريفًا للصناعات الإبداعية، التى تشمل السلع والخدمات التى تعتمد على الإبداع ورأس المال الفكرى، وقسمت هذه الصناعات إلى أربع مجموعات رئيسية، وهى التراث ويشمل الفنون التقليدية، الحرف اليدوية، والمواقع الثقافية، والفنون التى تشمل الصناعات الإبداعية المتعلقة بالفن، مثل الفنون البصرية والمسرحية، ووسائل الإعلام التى تشمل الصناعات الإعلامية، التى تتعلق بوزارات أخرى غير الثقافة، والإبداعات الوظيفية التى تتضمن التصميم، الأزياء، البرمجيات، والخدمات الإبداعية مثل الإعلان والخدمات الثقافية‪.‬
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام