نحن والعالم



هل تقود سياسات ترامب إلى نهاية الهيمنة الأمريكية.. القطب الواحد ضحية السياسات «الانعزالية»

7-5-2025 | 19:19
⢴ هانى فاروق

د. رمضان أبو جزر: انسحاب واشنطن من المنظمات الدولية مؤشر على هيمنة بلطجة المال
 
د. وئام عثمان: الولايات المتحدة تعيش مرحلة ضعف تؤدى إلى انهيار الرأسمالية 
 
هل تقود سياسات ترامب الانعزالية إلى نهاية الهيمنة الأمريكية وبروز عالم متعدد الأقطاب؟ السؤال الذى يطرح نفسه الآن، فى ضوء ما يثيره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من جدل واسع، بسبب سياساته التى تتسم بالانسحاب من المؤسسات والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. هذه الخطوات، التى اعتبرها البعض انعزالية، جاءت ضمن إستراتيجيته «أمريكا أولًا» والتى تهدف إلى تقليص التزامات الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية المترتبة على الانخراط فى الشئون العالمية.
 
لكن هل تعنى هذه السياسات تراجع النفوذ الأمريكى على المستوى الدولي، وتسريع الانتقال إلى نظام عالمى متعدد الأقطاب؟، أم أنها مجرد إعادة تموضع إستراتيجى يهدف إلى تعزيز قوة الولايات المتحدة من الداخل، وتأمين مصالحها بوسائل جديدة؟
 
يؤكد الخبير فى الشئون الأوروبية والشرق الأوسط الدكتور رمضان أبو جزر، مدير مركز بروكسل الدولى للبحوث، رئيس المجلس الفلسطينى الأعلى، أن خطوات ترامب الانعزالية البعض منها، كانت ضمن حملته الانتخابية، لكن البعض كان يعتقد أنها كانت فقط مجرد شعارات انتخابية، يصعب على أى رئيس أمريكى الذهاب إلى الانعزال والانسحاب من المنظمات الدولية، التى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم نفوذها وتؤثر فى مختلف دول مناطق العالم، من خلال قوة حضورها فى هذه المنظمات، وبالفعل وقع ترامب مراسيم انسحابات متعددة بالعشرات، من منظمة الصحة العالمية، ومن اتفاقية المناخ، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولطالما استغلت الولايات المتحدة مجلس حقوق الإنسان، لمعاقبة دول اعتبرتها خارجة عن النص الأمريكى أو غير منضبطة.
وأكد أنه من الصعب فهم ما يدور فى عقل الرئيس الأمريكي، لكن كل المؤشرات تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تسير تحت قيادة ترامب إلى التفرد فى قرارات خارج النص، وغير مألوفة، لا تحترم مصالح الحلفاء أو الدول الصديقة، ولا تكترث لأى معايير أخلاقية أو دبلوماسية فى التعامل مع الآخرين.
 
وأوضح أن الخطوات التى يتخذها الرئيس ترامب وتصريحات طاقمه فى مختلف الموضوعات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية، كلها فى اتجاه نظام جديد، نظام ترامبي، ليس له على علاقة بالرأسمالية، أو الاشتراكية، أو الملكية، أو الجمهورية، هنا مجموعة لصوص لأول مرة منذ بدء الخليقة يحكمون العالم بالبلطجة، هذه المجموعة لم تأت من أسر ملكية، ليس لديها ضوابط، أو إيديولوجيات وأفكار جديدة، استطاعت أن تفرضها أو تحكم من خلالها، بل مجموعة من رجال الأعمال، ومن بلطجة المال، لا يكترثون لأى معايير يتحكمون، بل يريدون أن يقوموا بإهانة المجتمع الدولي، ورؤساء دول العالم، وإهانة حلفائهم، فلذلك نقول إن هذا النظام المقبل ليس رأسماليًا ولا يمت بأى صلة لأى نظام عرفناه من قبل.   
 
سياسة الانسحابات “الترامبية”
أما الدكتورة وئام عثمان، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد، فتقول: إن الآراء الأكاديمية حول مدى تأثير عزلة ترامب وانسحابه من الاتفاقات الأممية، على نظام القطب الأوحد وتهديد عرشه، انقسمت إلى فريقين، الفريق الأول تبنى وجهة النظر الخاصة، بأن هناك استمرارية للأحادية القطبية للولايات المتحدة الأمريكية، مع استمرارية نفوذها وتأثيرها على النظام الدولى بصورة عامة، وعلى دول العالم بصور منفردة، وذلك استنادًا بقواتها التقنية والعسكرية الرادعة، التى لن تفقد من خلالها الولايات المتحدة مكانتها فى أى وقت قريب، فإنفاقها العسكرى سيستمر فى النمو على مدى العقد المقبل، وذلك وفقًا لإحصائيات القوات المسلحة الأمريكية، الذى تجاوز تريليون دولار أمريكى بحلول عام 2029م.
 
وأشارت إلى أن الفريق الثانى يرى أن النظام الدولى الآن هو ذو طبيعة تعددية للقوى، ولم تعد الولايات المتحدة تحتل أحادية القطبية، فى ظل إخفاقها المستمر فى احتواء الأزمات الدولية المتتالية، سواء الأزمة الصحية العالمية خلال جائحة كورونا، أم الأزمة الاقتصادية العالمية فى أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، وأيضا تداعيات طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023م، هذا بالإضافة إلى ما يصدر عن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حول الانسحاب من اتفاقية المناخ، ومن منظمة الصحة العالمية، ووقف عمل هيئة التنمية الأمريكية، وغيرها من القرارات التى تدفع العالم إلى ضعف وانهيار نظام الرأسمالية مع انهيار الأحادية الأمريكية.
 
أما عن تنصل الولايات المتحدة من المهام الدولية، توضح أن ذلك يعتبر تخفيفًا لأعبائها الاقتصادية ومسئولياتها الخارجية، والتى هى بالفعل كانت قد خفضت منذ أعوام سابقة هذه المسئوليات، وعلى رأسها لم تكن تدفع مستحقات الأمم المتحدة، وهو الأمر الذى أدى إلى المنظمات الأممية سواء هيكليًا أم من حيث المضمون.
 
وتشير د. وئام عثمان إلى أنه طبقًا لرؤيتها الاستشرافية لهذا المشهد، التى تبنيها على نتائج دراستها البحثية فى رسالة الدكتوراة الصادرة عام 2010م، تحت عنوان “النظرية العامة لصعود وهبوط الدولة الإمبراطورية”، التى سبق وأن تنبأت من خلالها بضعف الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى فإن الخطوات الترامبية للانسحاب من اتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية، ووقف عمل هيئة التنمية الأمريكية، وغيرها من القرارات لا يُقصد بها الانعزال عن النظام الدولي، لكن ما هى إلا إجراءات حمائية من أجل خفض الأعباء عن الاقتصاد الأمريكى فى محاولة لعودة قواتها المتماسكة فى أعقاب تداعيات الأزمات العالمية السابقة، وصعود واكتساح القوة الاقتصادية الصينية لدول العالم، وهذا ما نجده فى توجيهات ترامب لخفض الإنفاق الحكومى وتقليص حجم القوة العاملة بشكل حاد، واستعانته بما يعرف بإدارة الكفاءة الحكومية الأمريكية “DOGE”، التى أُسنِدَ رئاستها إلى إيلون ماسك، إلا أن تداعيات تلك السياسات فيه تدفع القوى العظمى الأمريكية، إلى الانتقال من معايير مراحل الضعف إلى الانهيار.
 
وأكدت د. وئام عثمان، أن كل ما سبق يعلن عن بدء مرحلة الانهيار لكل من الرأسمالية والديمقراطية، حيث بدأت مراحل الضعف منذ الأزمة المالية العالمية وانهيار البنوك الأمريكية، ولتأتى أيضًا أزمة كورونا لتُعلن عجز النظام الرأسمالى، عن احتواء الأزمة فى ظل أزمة سرقة الكمامات، وما أعقبها من أزمة اقتصادية عالمية، وصاحب هذا الأمر ضعف لكل من الديمقراطية، والمساواة والحريات، وكان آخرها ما صرح به ترامب أثناء المؤتمر الصحفى، الذى جمعه بالرئيس الأوكرانى عندما صرح بكلمات تدين الديمقراطية، وتستهزئ بها، أو تسخر منها، فكل هذه الأمور تؤدى، إلى أن أمريكا الآن تعيش مرحلة الانهيار، وإن كان ترامب يحاول رأب صدع هذا الأمر، لكن الأمر لا محالة له، فهذا هو يعنى كما يقال سنة الله فى خلقه فى علو الإمبراطوريات أو القوى العظمى، وفى انهيارها، بل تفككها، فنحن أمام مرحلة جديدة من مراحل انهيار القوى العظمى للولايات المتحدة الأمريكية، وسوف تعقبها عملية من التفكك، متى هذا الأمر؟ لكن سيستغرق وقتا كبيرا يعانى من خلاله النظام الدولى من تلك التداعيات، وتأثيرها على النظام الدولى ككل، والصراعات والأزمات التى تحيط بهذه التداعيات.
 
وأكدت أن الشرعية والإرادة القومية للشعب الأمريكى الآن، كجزء من قوة الدولة الشاملة، الآن تمثل زعزعة لشرعية ترامب أو الثقة فى أنه من الممكن أن يعبر بالولايات المتحدة الأمريكية نحو بر الأمان، وتجنبها لجميع أسباب الانهيار، فهناك الآن انقسام فى الكونجرس حول الموافقة على سياسات ترامب، وأيضا الشعب الأمريكى بدأت عملية التصويت حول، الاعتراض على السياسات الترامبية، ولكن ليس رفض الرئيس ترامب. 
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام