رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 25 مايو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
مقالات
يوتوبيا العالم الواحد
7-5-2025
|
19:27
د. إيمان طاهر
صحيح، أننا نعيش، ونحاول أن نتعايش، فى عالم متعدد الثقافات والأقطاب، وأيضا الفوارق كوقائع تثير الكثير من البلبلة والحيرة، فكلما فككت شفرة إحداها سرعان ما تصدمك تغييرات أخرى، تعجز حصرها بقبضة متغير واحد.
لكن إذا استخلصنا الجذور العميقة لكل الصراعات والحروب من حولنا، سنتوقف حتما عند نتيجة تشكل ركنا أساسيا للإجابة عن معظم تساؤلاتنا، ألا وهى اليقين الذى يملأ العقل الغربى بأنه كيان حضارى مستقل ومتفرد ومتميز عن سائر دول العالم، وله حق القيادة.
هذا الكيان الغربى ينتقى سماته مما يقوم به فى الحاضر من عنف وفرض للقوة، فى غمار الفوضى ومحاولات الفهم يصطنع ويغرس جذورا غير حقيقية لتفسير الحاضر المؤلم، وبأسلوب السياسات الاحترافية أثمرت ألاعيب الغرب عن نتائج عملية لاحتكارات الرأسمالية العالمية.
ولأن السياسة لها طرق ووسائل عديدة للخلط المتعمد بين الشعارات والواقع، كان من البديهى أن تستمد آليات التبرير السياسى من عناصر ثقافية مثل الدين والقومية والتقاليد والأخلاق والإنسانية.. إلخ، تلك مفارقة السياسة أو بلغة المسرح «فانتازيا سوداء».
سأحاول بقدر الإمكان، تفسير كيف تعاونت إنجلترا مع أمريكا لفرض مشروع سياسى فى أواخر القرن العشرين، وهو إقامة سوق واحدة فى العالم كله. ونحن هنا، يجب أن نفرق ما بين السوق الواحدة، والعولمة الاقتصادية أو الثقافية، التى بدأت فى أوروبا بدءا من القرن الخامس وما بعده، وآليتها الرئيسية فى الإسراع بصنع تكنولوجيات تمثل التحديث الاقتصادى، وفى الوقت ذاته يمنح فكرة السوق الحرة الأمريكية ما يسمى بالنسخ، أى محاولة التطبيق أو التقليد، لكن ليس تكرارها تمامًا لإحداث فجوة تجعل العالم من حول أصحاب الفكرة الأساسية فى حالة فوضى مستمرة، وتتيح ظهور أنماط جديدة ومتعددة للرأسمالية تعيق نمو اقتصادات الدول.
فى أواخر القرن العشرين، بدأت مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء إنجلترا، إحياء السوق الحرة لتحديث الاقتصاد البريطانى مع إعادة تشكيل المؤسسات البريطانية لتخدم تلك الإستراتيجيات الحديثة، أول ما قامت به إنشاء ائتلاف انتخابى يقف وراءها ويحصن سياستها الجديدة، المتمثلة فى تقليص قوة نقابات العمال، وإلغاء ملكية المجالس البلدية للمساكن الشعبية، وخفض الضرائب المباشرة، ما مكنها من كسب ثلاث جولات انتخابية متتالية.
كل تلك الخطوات التى اتخذتها كانت لفهمها العميق مشكلات بريطانيا الأساسية، وهى إصلاح نقابات العمال بعد أن صارت مصدر تهديد ومرتعا للصدام فى ميدان الصناعة وتوزيع الدخل القومى، وفرضت ضريبة جديدة سميت بالمحلية، تحدد قيمتها حسب قيمة المسكن، وأطلق عليها الإنجليز ضريبة الرؤوس، كالتى كانت مفروضة فى ثلاثينيات القرن الماضى هناك، وتساوى بين الغنى والفقير فى قيمتها.
وعلى الرغم من عناد تاتشر أمام استياء شعبها لتلك الضريبة، فإنها كانت مصممة على قطع أى طريق لعودة الاشتراكية مرة أخرى لتطبق على العالم كله فيما بعد، وحققت أهدافها سواء فى تقليص قوة نقابات العمال أم التغييرات الاقتصادية، وتصلبت أمام أى تعديل للاصلاح الدستورى، إثر تعرض مؤسسات الدولة لتغييرات عميقة تستوجب تغييرات دستورية، فحدث تآكل لما يسمى بالثقافة الرفيعة، حيث كان حزب المحافظين والذى ظل لأكثر من قرن مسيطرًا على الحياة السياسية فى شتى المجالات سواء الصناعات أو المهن والإسكان وغيرها، لا يستطيع مواجهة كل تلك التحولات والتغييرات، وكان من أكبر أخطائها، كما يقول الساسة الإنجليز، هو ابتلاع أداتها السياسية.
كل ما سبق من هندسة للاقتصاد من أجل السوق الحرة، رافقه تغييرات أخرى على الجانب الاجتماعى على إثر الخصخصة، التى أجبرت الحكومة على أتباعها لافتقارها للأموال اللازمة لتحديث صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحققت بالفعل نجاحا يحسب لها، مكن الحكومة من تمويل عمليات التحديث التكنولوجى، فى وقت كانت الحكومة تملك كل هيئات الفحم والصلب والكهرباء والغاز..إلخ، تدريجيا حيث كانت بأيدى القطاع الخاص، بالإضافة إلى تأميم شامل لمؤسسات الحكم المحلى والمؤسسات الوسيطة. هذه التغييرات باختصار حددت مصير إنجلترا حاليًا، لن نجزم بسلبيتها كاملا، لأن إيجابياتها استطاعت تحصين اقتصادها.
لكن على المستوى الاجتماعى ضعفت المؤسسات الاجتماعية التقليدية، كنتيجة مباشرة لاتساع الهوة بين الطبقات ظهرت أمراض مرتبطة بالفقر مثل الدرن الرئوى والكساح، وازدادت هشاشة الأسرة، وارتفعت حالات الطلاق والعنوسة، وأعرض الكثيرون عن الإنجاب خوفا من عبء الالتزامات المادية، مما أحدث فجوة فى تركيبتها البشرية.
وعلى الرغم من تلك السياسات الاقتصادية فى الكثير من بلدان العالم، فإن حجم التفاوت الاقتصادى ببريطانيا كان يفوق سائر الدول الأخرى.
وعندما قررت تاتشر خصخصة منطقة ستلاند، وهى منطقة كاملة بها مصانع الطائرات الهليكوبتر، أطاح بها حزب المحافظين، وجاء جون ميجور بإستراتيجيات أطلق عليها «فك الارتباط بين الأداء الاقتصادى للحكومة والتقلبات الاقتصادية»، لكن فى الواقع تلك التصريحات والوعود بالانتعاش الاقتصادى فى منتصف التسعينيات - رغم ما تحقق انتعاشة لفترة قصيرة - فائدة تذكر، حيث عاد الشعب الإنجليزى مرة أخرى يندد بسياسات الحكومة، ولم يدرك بأن تلك المرحلة كانت أولى خطوات المشروع العالمى لإعادة هيكلة الاقتصاد والسوق نحو عولمة اقتصادية مهما كانت النتائج، وليس بإمكان أى دولة مهما بلغ مجهودها وتصميمها لعمل إصلاحات مجتمعية أن ينجح فى تجميع خيوط العنكبوت التى عصفت بها التكنولوجيات الحديثة والرأسمالية.
معضلة العالم الجديد ليست فى التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فقط، كمحدد للسلوك الإنسانى، من تطرف وتعصب وعنف وأنانية، بغض النظر عما أحدثته الرأسمالية العالمية من آثار سلبية، والكابوس الأمريكى البريطانى ب «يوتوبيا» عالم واحد تتحكم فيه تلك القوة الغربية فقط، بل فى إحساسنا بالدونية، وتصديقنا لأوهام وادعاءات الغرب وعدم التمييز بين ما هو «يوتوبيا» وما هو واقع.
لا يمكن لحضارات قديمة أبهرت العالم كله فى شتى المجالات أن ينضب نهرها، علينا ألا نيأس من محاولات خلق أسلوب للتعايش فى عالم تعددى، تستطيع فيه كل الثقافات المختلفة التفاهم بشكل إنسانى وأخلاقى وتسامح، نحترم فيه ونقدر أنفسنا أولا والآخرين.
كلمات بحث
الحروب
السياسات الاحترافية
فانتازيا سوداء
القرن العشرين
المؤسسات الاجتماعية التقليدية
مقالات
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
ثلاثية الغبار والمغول
وعاد الذئب..!
نبض بغداد وقمة العرب
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام