رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 25 مايو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
ثقافة
فهمى حسين.. ما تبقّى من الضوء (2)
7-5-2025
|
21:20
إلهامى المليجى
فى حياة كلٍّ منا شخص لا يغيب، حتى حين يغيب، لا تحكمه قوانين اللقاء أو فواصل المكان، بل تسكنه فى داخلك كجملة لم تُكملها، أو وعدٍ تأجّل، أو دهشة بقيت عالقة فى القلب.
هكذا كان فهمى حسين فى تجربتي: لا مجرد رجل التقيته، بل مرآة مرحلة، وصدى زمن، ورفيقًا فى حكاية لا تزال تُكتب على هامش هذا الوطن الكبير الذى أرادوه صغيرًا.
فى القسم الأول، استعدت ملامح اللقاء الأول: بيروت، تلك البناية التى تشبه المنافي، الغداء المطهو بيدين تنضحان حنانًا ريفيًا، والصور التى حملت وهج الثورة وحكايا الصحافة من بين أروقة النار.
أما فى هذا القسم، فأفتح الباب لما كان أعمق: المواقف لا الذكريات، الاختبارات لا المجاملات، والودّ الذى لا تهزّه الخلافات، الودّ الذى يُنبت علاقة حقيقية، لا تُشبه كثيرًا ما نراه من صداقات الورق.
المشهد الثالث: حين يتجاوز الوفاء كل خلاف
فى ذروة الارتباك السياسى الذى أعقب اجتياح بيروت، وفى خضم محاولات المصريين المنفيين للتماسك والتنظيم فى الخارج، وُلدت الجبهة الوطنية المصرية بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي، وكان “تجمع الوطنيين المصريين فى الخارج” أحد أعمدتها، يحمل فى قلبه حلم جيلٍ كامل بمصر وطنًا للحرية والعدالة الاجتماعية، وحصنًا للوحدة العربية لا وكرًا للعزلة، وطنًا يدعم المقاومة، ولا يُساق إلى التطبيع، ولا يُفرّط فى بوصلته المركزية: فلسطين.
حين جرت انتخابات المجلس القيادى للتجمع، دخلتُ المنافسة دون حسابات مسبقة، وكانت المفاجأة أن فهمى حسين، رغم التباين المحدود فى الرؤى، وقف إلى جوارى ودعمنى بكل وضوح، لم تكن دعوته صاخبة، بل هادئة كعادته، لكنها كانت أكثر وقعًا من الخطب. حصد أعلى الأصوات، وجئت بعده مباشرة، ولم يكن ذلك ترتيبًا انتخابيًا فقط، بل بداية لترتيب جديد فى علاقتنا: علاقة نضجت خارج المكاتب، واشتد عودها فى ميادين النقاش والمواقف الصعبة.
منذ تلك اللحظة، صار تواصلنا شبه يومي. صحبتُه فى جولات على تجمعات المصريين فى لبنان، وتعلّمت منه كيف يكون الحضور هادئًا لكن مؤثرًا، وكيف تُقال الحقيقة بلا ضجيج، وكيف يمكن للصحافة أن تظل منحازة دون أن تنزلق إلى الابتذال.
ثم جاءت لحظة خلاف، تركتُ على إثرها مجلة اليسار العربى بعد صدام مع أحد كُتابها الكبار، وهو قيادى بالحزب الشيوعى المصري، لم أكن أتوقع أن الخبر سيبلغ فهمى بتلك السرعة، أو أن يهتم، لكنه طرق باب شقتى فى اليوم التالي، وسألنى بنبرة لا تحتمل اللف والدوران: “هل صحيح أنك تركت المجلة؟”، وحين أجبته، غادر بعد جملة قصيرة لكنها مليئة بالدلالة: “كل مؤسسات فتح ومنظمة التحرير ترحب بك”.
وفى اليوم التالي، جاءنى من يصحبنى للقاء الكاتب الصحفى والمناضل المصرى أحمد الأزهرى (فاروق القاضي)، مستشار الرئيس ياسر عرفات، الذى سلّمنى قرارًا موقّعًا من أبى عمار بتعيينى فى وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.
لم تكن تلك مجرد وساطة، بل إيمان راسخ من فهمى حسين بأن الصحفى المنتمى لا يُترك يتآكل على قارعة الاختلاف.
وفى وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، بدأت مرحلة جديدة، حيث اختارنى مدير عام الوكالة الكاتب الفلسطينى زياد عبد الفتاح، سكرتيرًا لتحرير مجلة وقائع فلسطينية، وهكذا فتحت لى يد فهمى بابًا جديدًا، لا يُفتح إلا لِمن رآه يستحق، وكنت ممتنًا، وما زلت.
المشهد الرابع: ما لم يُكتَب وما لم يُنسَ
بعد الخروج من بيروت، افترقت بنا الدروب. هو ذهب إلى تونس، حيث أصبحت وكالة “وفا” تُدار من هناك، وأنا بقيت فى دمشق، أحمل من بيروت ما يكفى من أمل وندبة.
انقطعت أخبارنا، لكن فى أعماقي، لم ينقطع ذلك الخيط السرى بيننا.
ثم عاد اللقاء فى التسعينيات، حين عدت إلى مصر، وزرته فى شقته القريبة من دار “النديم للصحافة والنشر” التى كنت أديرها.
وجدت فيه ذات الروح، لكنها أكثر امتلاءً بالحكمة، وأكثر طمأنينة، استأنفنا الحديث وكأن الفاصل بيننا لم يكن سنوات ومنافي، بل نهار وانتهى، أمدّنى بنصائح عن النشر، رشّح الدار لأصدقائه الكبار، وفتح لى بابًا آخر للفهم: فهم السوق، والمزاج العام، وكيف يُعاد تقديم الحقيقة فى زمن تغيّرت فيه قواعد الكتابة.
حدّثنى مرارًا عن قريته «بنى حسين»، وعن الناس الذين كتب عنهم قصصه الأولى، ووجوه الطفولة التى لم تغادره. دعانى لزيارتها، وكان صادقًا فى دعوته، لكننى – للأسف – لم أتمكن من تلبيتها.
فى أحد اللقاءات، ألححت عليه أن يكتب تجربته، أن نُوثّقها فى كتاب يصدر عن “النديم”، وافق، بعد تمنّع كريم، ووعد بأن يبدأ.
لكن الموت سبَقنا إلى الورق، وخطفه قبل أن نُنجز الحلم.
غادرنا فهمى حسين يوم الأربعاء، 28 يوليو 2004، فى البيت الكبير بقرية بنى حسين، على نفس الفراش الذى وُلد عليه.
وكأنّ الدائرة قد أغلقت نفسها، وكأن الحياة قالت كلمتها الأخيرة فى المكان الأول: من الأرض وإليها، من الحبر إلى التراب.
دُفن فى مقابر العائلة، تلك التى كتب عنها أكثر مما كتب عن المدن الكبرى، وخلّد بها قصصًا لم يكن فيها أبطال، بل بشرًا من لحم وعرق وكرامة.
ولعل ما يُعزّى اليوم، أن ذكراه لا تزال حيّة، وأن نجله، طارق، يُواصل بما يستطيع مهمة الوفاء: حماية الذاكرة، وتجميع الحكاية، ونفخ الروح فى حبرٍ لم يجف.
كان كمن يكتبنا دون أن نعلم، وكنا نراه دون أن نستوعب عمق ما يقدمه. واليوم، كلما استدعيت تفاصيله، شعرت أننى أستعيد شيئًا من نفسي.
ولأن بعض الأشخاص لا يموتون، بل يتوزعون فى وجدان من عرفهم، ستظل ذكراه حاضرة، فى المقالة التى تُكتب بصدق، وفى الكلمة التى تُقال بشرف، وفى الصحفى الذى يختار أن يبقى منحازًا للناس والوطن، لا للسلطة. الخاتمة صديق فى الظل، ومرآة فى الضوء
فهمى حسين لم يكن مجرد سيرة، بل مرايا تتكسر فى الضوء لتُعيد إلينا صورًا مختلفة من زمن واحد: زمن الحلم، وزمن الخيانة، وزمن الصدق.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
بعد إعلان الفائزين فى الدورة الخامسة.. «جائزة المبدع الصغير» سلاح فى معركة الوعى
«الغجر».. من سرقة مسامير صلب المسيح إلى قراءة الكف
عبد المنعم القصاص.. فنان أخرج الجمال من صمت الورق
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام