حياة الناس



أول أمريكى يجلس على عرش الفاتيكان.. ليو الرابع عشر.. مخزون ثقافى وانفتاح على الآخر

14-5-2025 | 19:35
ريم عزمى

البابا رقم 267 مرشدا روحيا لنحو 1.4 مليار كاثوليكى حول العالم
ترامب يصف انتخابه بـ «شرف عظيم لبلاده» وأوباما يراه «تاريخيا» وبوش يعتبره «أمل كاثوليك أمريكا»
يعرف بتواضعه وسهولة تعامله ويحظى بالاحترام لقدرته على تعزيز الحوار
التزامه طويل الأمد فى أمريكا اللاتينية شكل سمعته الدولية وكان عاملا رئيسيا وحاسما فى انتخابه
حذر من ابتعاد الناس عن الإيمان واللهث وراء  التكنولوجيا والمال والسلطة والمتعة
دعا البشرية إلى بناء «علاقة تبادلية» مع البيئة.. وقضايا الهجرة من أولوياته
 
ما تفوه به أخيرا كان له مدلول وحدث بالفعل!، ففى نهاية إبريل الماضى، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مازحًا، إنه يرغب فى خلافة البابا فرنسيس الذى توفى عن عمر ناهز 88 عامًا، وأجاب ترامب للصحفيين عندما سئل عما يود أن يصبح البابا الكاثوليكى المقبل، "أود أن أصبح بابا.. سيكون هذا خيارى الأول"، وتلقفت التصريح مواقع التواصل الاجتماعى لتضع لمستها الساخرة، وكانت قد أبدعت بالفعل صورًا بالذكاء الاصطناعى لترامب على هيئة البابا؟، وأكمل ترامب تصريحاته بأن ليس لديه أى تفضيل فى الواقع، قائلا: "لدينا كاردينال جيد جدا، لذلك سنرى ما سيحدث"! 
 
وجاء انتخاب البابا ليو الرابع عشر وهو من مدينة شيكاغو بولاية إلينوى الأمريكية، ليكون البابا السابع والستون بعد المائتين، زعيما للكنيسة الكاثوليكية ومرشدًا روحيًا لأكثر من 1.4 مليار كاثوليكى حول العالم، وهو أول بابا فى التاريخ من الولايات المتحدة الأمريكية.
 
الفاتيكان دولة ذات سيادة غير ساحلية، وهى مدينة ودولة فى آن داخل روما عاصمة إيطاليا، واستقلت عن إيطاليا فى 1929، وتخضع المدينة لحكم الكرسى الرسولى، وبمساحة نحو نصف كيلومتر مربع، وبعدد سكانها حوالى 882 نسمة فى 2024، فهى تعتبر أصغر دولة ذات سيادة فى العالم من حيث المساحة والسكان، وهى دولة كنسية أو كهنوتية ملكية يحكمها البابا، وهو أسقف روما.
 
شرف عظيم
 توالت التهانى من أنحاء العالم والولايات المتحدة الأمريكية، موطن البابا، ونشرت شبكة "بى. بى. سى" البريطانية على موقعها الإلكترونى، أن ترامب وصف انتخاب أول بابا للفاتيكان من أمريكا بأنه "شرف عظيم" للبلاد، وقال: إنه يتطلع للقائه. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الرابعة من حيث عدد الكاثوليك فى العالم بعد البرازيل والمكسيك والفلبين. 
كما أشاد نائب الرئيس جيه. دى. فانس، الذى كان بروتستانتيا ثم اعتنق الكاثوليكية فى 2019، بانتخاب البابا. وكتب على موقع التواصل الإجتماعى "إكس" قائلا: "أنا متأكد من أن ملايين الكاثوليك الأمريكيين والمسيحيين الآخرين سيصلون من أجل عمله الناجح فى قيادة الكنيسة". كما قدم الرئيس السابق جو بايدن، الكاثوليكى المتدين،  التهانى وتحدث عن علاقته الدافئة مع البابا ليو الرابع عشر. 
وكتب الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذى بدأ مسيرته السياسية فى شيكاغو، على منصة "إكس": ميشيل وأنا نرسل تهانينا إلى زميل من شيكاغو، صاحب القداسة البابا ليو الرابع عشر.. هذا يوم تاريخى بالنسبة للولايات المتحدة، وسنصلى من أجله وهو يبدأ العمل المقدس فى قيادة الكنيسة الكاثوليكية لنقدم المثل للعديد من الناس، بغض النظر عن معتقداتهم". 
كما أصدر الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن، بيانًا قال فيه، إنه وزوجته لورا سعداء بهذا الخبر، إنها لحظة تاريخية ومليئة بالأمل بالنسبة للكاثوليك فى أمريكا وللمؤمنين فى جميع أنحاء العالم". وأضاف: "نحن من أولئك الذين صلوا من أجل نجاح البابا ليو الرابع عشر لقيادة الكنيسة الكاثوليكية وخدمة المحتاجين ومشاركة محبة الله." 
كما عبر وزير الخارجية ماركو روبيو، وهو كاثوليكى عن تهانيه، قائلا: "إنها لحظة ذات أهمية عميقة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، فهى تقدم الأمل المتجدد والاستمرارية وسط عام اليوبيل 2025 لأكثر من مليار مؤمن فى جميع أنحاء العالم.. إن الولايات المتحدة تتطلع إلى تعميق علاقاتنا الدائمة مع الكرسى الرسولى مع البابا الأمريكى الأول".
 
الكاردينال 
باعتباره كاردينالا، يبدو أن بريفوست لم يتردد فى تحدى آراء إدارة ترامب من حين لآخر. ونشر الموقع الإلكترونى الأسترالى "ذا كونفرسيشن" أنه كان ينظر إلى احتمال وجود بابا فى الولايات المتحدة بعين الريبة فى وقت ما، لكن ليو الرابع عشر قد يكون بمثابة مناهض لسياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لترامب! 
وأكمل: "منذ القرن التاسع عشر، ازداد نفوذ الولايات المتحدة داخل الكنيسة الكاثوليكية باطراد، مما يعكس الصعود الجيوسياسى العالمى للبلاد. وقد لعب الأساقفة والمؤسسات والجهات المانحة الأمريكية دورًا متزايدًا فى تشكيل سياسة الكنيسة وتعييناتها ومشاركتها الدولية، مما يشير إلى تحولها بعيدا عن الهيمنة الأوروبية التقليدية". 
وأضاف: "لطالما صاحب هذا النفوذ المتزايد قلق إزاء فكرة إسناد قيادة المجتمع الكاثوليكى العالمى إلى شخصية من أقوى دولة فى العالم، ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب ليو الرابع عشر اختيارا غير متوقع ومهما، لأن روبرت فرنسيس بريفوست، أمضى جزءا كبيرا من حياته الكنسية فى بيرو، حيث أصبح شخصيةً مبجلة فى الكنيسة المحلية، وأرسل إلى بيرو فى مهمة تبشيرية بعد أن نذر نذوره المقدسة كراهب أغسطينى ودرس فى روما". بعد ذلك، خدم لسنوات عديدة نائبا قضائيا وأستاذا فى اللاهوت الكنسى، واللاهوت الآبائى (المسيحى المبكر)، واللاهوت الأخلاقى فى تروخيو. وفى 2014، عين مدبرا رسوليا فى تشيكلايو، وأصبح أسقفها عام 2015، وهو المنصب الذى شغله حتى 2023. 
حصل بريفوست على الجنسية البيروفية، وكان ينظر إليه على نطاق واسع كشخصية رعوية، أى تابعة مستقرة فى كنيسة غالبا ما كانت منقسمة بين لاهوت التحرير والتقليدية المتطرفة.
عرف بتواضعه وسهولة تعامله، وحظى بالاحترام لقدرته على تعزيز الحوار بين أساقفة بيرو المتنوعين. كما ساعد التزامه طويل الأمد بأمريكا اللاتينية فى تشكيل سمعته الدولية، وأثبت أنه عنصر أساسى فى انتخابه فى نهاية المطاف، كأول بابا للكنيسة من أمريكا الشمالية".
 
الإطلالة الأولى 
عقب إعلان انتخاب، كانت الإطلالة الأولى للبابا ليو الرابع عشر، وهو يظهر على الشرفة مرتديا الزى الباباوى التقليدى الأبيض والأحمر، مزينا بصليب ذهبى لافت للنظر، والتى تذكرنا بلحظة ظهور البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر عقب انتخابه فى 2005، على عكس البابا الراحل فرنسيس الأكثر صرامة، عندما ظهر بثوب أبيض وصليب فضى، مما عكس لفتة تواضع مقصودة، وحتى قبل أن يتم الإعلان عن اسمه من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، كانت الحشود فى الأسفل تهتف "يحيا البابا". 
وفى حديثه فى أول قداس له فى اليوم التالى لانتخابه: حذر البابا ليو الرابع عشر من ابتعاد الناس عن الإيمان والتوجه بدلا من ذلك إلى "التكنولوجيا، والمال، والنجاح، والسلطة، أو المتعة". كما دعا البشرية إلى بناء "علاقة تبادلية" مع البيئة، وتحدث عن إجراءات ملموسة فى الفاتيكان، بما فى ذلك تركيب الألواح الشمسية واعتماد المركبات الكهربائية. أعرب البابا ليو الرابع عشر عن دعمه لقرار البابا فرنسيس بالسماح للنساء بالانضمام إلى دائرة الأساقفة لأول مرة.
 
من روبرت إلى ليو
 البابا الجديد ليو الرابع عشر، صاحب الرقم 267 فى اعتلاء عرش القديس بطرس، هو روبرت فرنسيس بريفوست، 69 سنة، أول أمريكى يتولى منصب البابا، متعدد الثقافات، ولد فى الولايات المتحدة لعائلة من أصول أوروبية، وعاش فى أمريكا اللاتينية وارتبط بها. 
وولد بريفوست فى شيكاغو عام 1955، لوالدين من أصل إسبانى وفرنسى وإيطالى، ما يعنى أن أصوله من الجزء اللاتينى فى أوروبا، وأنه ليس غريبا على روما، مثل البابا فرنسيس الأرجنتينى الذى ولد لمهاجرين إيطاليين أيضا، وخدم بريفوست كصبى مذبح وتم تعيينه كاهنا عام 1982. 
ورغم انتقاله إلى بيرو بعد ثلاث سنوات، كان يعود بانتظام إلى الولايات المتحدة ليخدم كقس ورئيس دير فى مدينته. وهو يحمل الجنسية البيروفية، ويذكره الناس دائما بالحب والمودة باعتباره شخصية عملت مع المجتمعات المهمشة، وساعدت فى بناء الجسور، وأمضى عشر سنوات كقس رعية محلى، ومدرس فى معهد لاهوتى فى تروخيو فى شمال غرب بيرو.
 من الصعب فى هذه المرحلة المبكرة تحديد ما إذا كان انتخاب البابا ليو الرابع عشر سيمثل استمرارا لنهج سلفه البابا فرنسيس أم لا؟، والأرجح أنه سيمثل مسارا وسطيا، حيث إنه مخزونه الثقافى يدعم رؤيته عن الانفتاح على الآخر والتسامح، والبعض لديه فضول عن توجهاته، لذا سوف يركز الاهتمام فى البداية على تصريحاته لمعرفة ما إذا كان سيواصل إصلاحات سلفه فى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، أم لا، ويعتقد أن بريفوست يشاطر البابا فرنسيس آراءه بشأن المهاجرين والفقراء والبيئة، ووصف زميله السابق فى السكن، القس جون ليدون، بريفوست لبى. بى. سى بأنه "شخص منفتح" و"متواضع" و"مهتم للغاية بالفقراء".
 
 نبوءة الجار
عن حياته الشخصية، قال بريفوست للشبكة الإيطالية "راى" قبل انتخابه: إنه نشأ فى عائلة من المهاجرين، وولد فى الولايات المتحدة.. لكن أجداده كانوا جميعا مهاجرين، فرنسيين، وإسبانا.. لقد نشأت فى عائلة كاثوليكية للغاية، وكان كل من والدى ووالدتي منخرطين للغاية فى الرعية". ورغم مولده فى الولايات المتحدة فيبدو عليه التأثير اللاتينى بقوة، وقد وصفه الفاتيكان بأنه البابا الثانى من الأمريكتين، كما كان فرنسيس من الأرجنتين. 
 
تحدث شقيق البابا الأوسط جون بريفوست من نيو لينوكس بإلينوى لقناة "إيه.بى.سى نيوز" الأمريكية الإخبارية عن نبوءة جاره فى دولتون بإلينوى أيضا، عندما أخبره بأن شقيقه "سيصبح البابا يوما ما، والآن، هو البابا ليو الرابع عشر"!
 
 من العجيب أن البابا الكاثوليكى الجديد جاء من مركز البروتستانت، كذلك كان الراحل بنديكتوس السادس عشر الذى جاء من ألمانيا مهد البروتستانتية، ألد أعداء الكاثوليكية سابقا، وأكثر الباباوات كانوا من إيطاليا ثم فرنسا، وهذا البابا ليس فقط من خارج الدول الأوروبية، لكنه من خارج العالم القديم أيضا.
 
ففى عصور سابقة كان هناك باباوات من آسيا الصغرى، حاليا تركيا، ومن بلاد الشام حاليا سوريا وفلسطين، ومن شمال إفريقيا حاليا ليبيا وتونس الجزائر، فهو الثانى على التوالى من العالم الجديد. 
خلال عصر الاكتشافات، بذلت الكنيسة الكاثوليكية جهودا حثيثة لنشر المسيحية فى العالم الجديد، وكان هذا الجهد التبشيرى جزءا أساسيا من الغزوات العسكرية للقوى الأوروبية الكاثوليكية، مثل البرتغال وإسبانيا وفرنسا، وواكبت البعثات المسيحية إلى الشعوب الأصلية الجهود الاستعمارية فى الأمريكتين ومستعمرات أخرى فى آسيا وإفريقيا، وكانت معظم البعثات تدار من قبل رهبانيات دينية، مثل الفرنسيسكان والدومينيكان والأغسطينيين واليسوعيين. 
 
ليو الأول
كعادة جرت بأن يقوم البابا  عقب انتخابه بتغيير اسمه ، فقد اختار البابا الجديد اسم ليون، وفسر رئيس أساقفة بوسطن السابق شون باتريك أومالى، على مدونته سبب اختيار البابا الجديد لهذا الاسم، لارتباطه على نطاق واسع بصاحب إرث العدالة الاجتماعية "البابا ليون الثالث عشر"، الذى كان بابا فى وقت من الاضطرابات الشديدة فى العالم، وقت الثورة الصناعية، وبداية الماركسية، والهجرة الواسعة النطاق".
 جدير بالذكر أن أول بابا استخدم اسم ليو، هو ليو الأول أو ليون الأول أو ليون الكبير، الذى انتهت بابويته عام 461 م، والتقى الملك أتيلا الهونى الذى غزا أوروبا وأقنعه بعدم مهاجمة روما، كما قاد البابا ليو الأخير الكنيسة من عام 1878 إلى 1903، وكتب أطروحة مؤثرة حول حقوق العمال.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام