«حزام النار» فى قمة بغداد

شاء قدر بغداد أن يجتمع العرب فيها فى لحظة فارقة، حزام من النار يحيط بالخرائــط العربيـــة، مساحــات التــأزيم والاشتعال تتسع يوما بعد آخر.

 

النار تشتعل فى فلسطين منذ ثمانين عاما، ولعلنا نتذكر أن قضية فلسطـين كــانت الجوهر والدافع الرئيسى، وراء تأسيس جامعة الدول العربية فى مارس 1945، وقد سبقت الأمم المتحدة بأشهر.

ونتـــذكر أن الجامـعـة عقــدت قمما عديدة تحت شعار فلسطــين، وبـرغـم أن فلسطـين لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلى، فإن جامعة الدول العربيـة، جعــلت منــها قضيـة حية لا تموت، وتصاعدت هذه القضية فى العامين الأخيرين، ووصلت إلى مستوى المجازر والإبادة، وأضيفت لها - مع الأسف - قضايا أخرى أكثر سخونة، فأصبحنا أمام حروب متفرقة تارة فى السودان، وأخرى فى اليمن، وسوريا ولبنان وليبيا، غير تلك الصراعات التى تسببـــت فيهــا قـوى إقليمـية مجاورة للعرب.

 

وسط هذه الأجواء، تأتى قمة العراق العربية الرابعة والثلاثون، لتحمل لنا تصورات عن حل لكل هذه الملفات الشائكة، التى طال أمدها، واستنزفت القدرات العربية، وجعلت المنطقة العربية، عرضة للتدخلات الخارجية، واستغلال مواردها الداخلية، وجعلت التصورات الخرافية قابلة للتنفيذ.

 

ولننظر فيما ادعاه بنيامين نتنياهو، بأنه أصبح المؤثر الكبير فى الشرق الأوسط، وأنه يعمل على تغييره بالكامل، وهو ادعاء يمزق الخرائط العربية.

 

وهنا أستطيع القول: إن قمة بغداد مطالبة بالرد العملى على هذه الادعاءات، من خلال التعاون العربى - الذى لا لبس فيه - فى ملفات الأمن القومى العربى، والتعاون الاقتصادى والعلمى، والتأكيد على الثوابت الوطنية لكل دولة على حدة، والحرص الكامل على سيادة مؤسساتها الوطنية، ومنع انتشار ما يسمى الميليشيات أو الجماعات التى لا تنضوى تحت سيادة الدولة الوطنية.

 

ولا يغيب عن الذاكرة العربية، تلك الأحداث الفوضوية التى ضربت المنطقة، ولا تزال آثارها واضحة فى أكثر من بلد عربى، يعانى من حروب أهلية، أو اختلالات أمنية، أو تدخلات من قوى غير عربية، بذريعة محاربة الإرهاب.

إن بغداد، وهى تستقبل القمة العربية، تفكر بأنها استعادت أمتها العربية بعد سنوات طويلة، كانت تعانى فيها من غزو أمريكى، وحروب أهلية، وتدخلات إقليمية، وباتت مسرحا للتجريب فى صناعة الفوضى، لكنها الآن تستعيد أنفاسها العربية، خصوصا أن هذه القمة أمامها ملفات شائكة، وحدود ملتهبة، والملفات فى حاجة إلى حلول لا تحتمل رفاهية الانتظار.

فإذا ما نظرنا إلى الخرائط، قد يصيبنا الإحباط على العواصم التى اخترقت بما يسمى «الربيع العربى»، ولم تستطع التعافى حتى الآن.

ثمة ملفات مهمة أمام القادة والزعماء العرب فى قمة بغداد، لا يمكن فصل ملف عن الآخر، فالسياق العربى، كالخيوط المتشابكة، لا يمكن أن ينجو أحد منفردا من أية كوارث محتملة، من صنع السياسة فى عالم يتغير ويتشكل، وفق مصالحه الذاتية، عالم سقطت قوانينه المعتادة، وقواعده الراسخة، وهو فى طور التغيير العميق، على مستوى الخرائط والسكان، وأعتقد أن القادة والزعماء، لديهم الإدراك الكامل لما يجرى فى هذه المرحلة العالمية المفصلية.

 

من الملفات الفاصلة والقاطعة فى هذه القمة، ملف القضية الفلسطينية، فبداية يجب أن تسكت المدافع وأزير الرصاص، وتنتهى الإبادة فى الأراضى المحتلة، وهذا لن يتأتى من دون صوت عربى جماعى واضح، بأن استقرار الإقليم، هو استقرار للعالم، ومن دون حل هذه القضية حلا عادلا، فلن يكون هناك استقرار على المسرح الدولى.

 

ثانى هذه الملفات، هو ملف التعاون الاقتصادى الذى أقرته أكثر من قمة عربية، وعقدت من أجله قمم اقتصادية، وحان الوقت لتنفيذ مقرراتها، وقد ناقشت القمة بالفعل كثيرا من هذه القرارات، ووردت فى مفردات خطابات الزعماء، وأظن أن هذا الملف مرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار، ومنع الحروب، وعدم توسيعها، والحفاظ على الممرات البحرية والبرية، آمنة ومفتوحة أمام التجارة العالمية، فى لحظة يتشكل فيها نظام تجارى عالمى جديد، بعد قرارات الرئيس الأمريكى، الذى تصادف وجوده فى المنطقة، قبل أيام قليلة من انعقاد القمة.

أخيرا، أقول: إن قمة بغداد، هى واحدة من القمم المهمة التى توحد الصوت العربى، أمام التحديات الكبرى التى تلاحق خرائطنا العربية، فى توقيت دقيق.