سوق ومال



بمشروعات ربط عملاقة مع الدول العربية والأوروبية.. مصر مركز إقليمى للطاقة الكهربائية

15-5-2025 | 15:39
⢴‬ هاجر بركات

مشروع الربط الكهربائى مع السعودية حجر الأساس فى الربط العربى المستقبلى
رشاد عبده: فرصة كبيرة لتعظيم العائد الاقتصادى من الطاقة
أحمد الشناوى: مشروعات تعزز دور مصر كمركز إقليمى للطاقة
علاء عبد الحليم: مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها الإستراتيجى
 
فى ظل التحولات العالمية المتسارعة فى ملف الطاقة، تبرز مشروعات الربط الكهربائى كأداة إستراتيجية لتعزيز الأمن الطاقى الإقليمى والدولى، وتثبيت مكانة مصر كمصدر رئيسى للطاقة النظيفة، وفى هذا السياق، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال لقاء زيارته للعاصمة اليونانية أثينا، أهمية التعاون مع الجانب اليونانى، فى مجال إنتاج الكهرباء من مصادر جديدة ومتجددة، تمهيدًا لنقلها إلى القارة الأوروبية عبر مشروع الربط الكهربائى بين مصر واليونان‪.‬
 
وشدد الرئيس، على الأهمية الإستراتيجية لهذا المشروع، ليس فقط لمصر، بل باعتباره أحد المرتكزات الرئيسية لضمان أمن الطاقة للدول الأوروبية، ضمن إطار الشراكة الإستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى، مشيرا إلى الدعم السياسى والحكومى القوى، الذى يحظى به المشروع من الجانبين المصرى واليونانى، خصوصا بعد إدراجه ضمن قائمة مشروعات المنفعة المشتركة للاتحاد الأوروبى، ما يعزز من فرص تنفيذه على أرض الواقع‪.‬
 
خلال اجتماع أخير لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، مع المهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، شدد على أهمية هذه المشروعات، التى تنطلق من توجيهات القيادة السياسية لتعظيم الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة، وتحقيق التكامل الطاقى مع دول الجوار، بما يضمن استقرار الشبكات الكهربائية، وزيادة الاعتمادية، وفتح آفاق جديدة لتصدير الطاقة النظيفة‪.‬
المهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، أكد أن مشروع الربط الكهربائى مع السعودية، يمثل حجر الأساس فى الربط العربى المستقبلى، إذ يربط بين أكبر شبكتين كهربائيتين فى المنطقة، كما يعكس عمق التعاون الثنائى بين البلدين، ويحقق مردودًا اقتصاديًا وتنمويًا مباشرًا، مشيراً إلى التقدم المحرز فى مشروعات الربط مع كل من اليونان وإيطاليا، التى تمهد الطريق لدمج مصر فى الشبكة الكهربائية الأوروبية، ما يعزز من دورها كمصدر موثوق للطاقة المستدامة فى المنطقة وخارجها‪.‬
 
ويمثل هذا التوجه خطوة حاسمة نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة، يربط بين القارات الثلاث، ويعزز من قدرة الدولة على تصدير الكهرباء النظيفة، فى وقت تتسارع فيه وتيرة التحول العالمى نحو الطاقة المستدامة‪.‬
 
اليونان
‪ ‬بدأت ملامح مشروع الربط الكهربائى، بين مصر واليونان، تتبلور فى أكتوبر 2021، حين وقّع الجانبان مذكرة تفاهم تاريخية، لإنشاء كابل كهربائى بحرى عملاق يربط بين البلدين، وتم توقيع المشروع فى 2022، ليكون بذلك أول اتفاق من نوعه بين قارتَى أوروبا وإفريقيا، فى منطقة جنوب شرق البحر المتوسط، ومثلت هذه الخطوة نقطة تحول فى التعاون الطاقى بين الدولتين، وتؤكد التزامهما المشترك بدعم التحول العالمى نحو الطاقة النظيفة‪.‬
 
ويُعرف المشروع باسم (GREGY Interconnector)‬، وهو أحد أبرز مشروعات الربط الكهربائى الإقليمية، ويهدف إلى تصدير الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة فى مصر، لا سيما من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى السوق الأوروبية عبر اليونان‪.‬
ويُخطط أن تصل القدرة التصديرية للمشروع إلى 3000 ميجاواط، عبر كابل بحرى يمتد لنحو 950 كيلومترًا، باستخدام تقنية التيار المستمر عالى الجهد ‪ (HVDC)‬، التى تضمن كفاءة النقل لمسافات طويلة، ستستخدم اليونان 1000 ميجاواط منها، بينما يتم تصدير 2000، ميجاواط المتبقية إلى دول أوروبية أخرى على رأسها ألمانيا وإيطاليا‪.‬
 
يأتى المشروع فى إطار إستراتيجية مصر الرامية إلى تعزيز مكانتها، كمركز إقليمى للطاقة، وتوسيع نفوذها فى سوق الطاقة الأوروبية، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة وموقعها الجغرافى المتميز، كما يحظى المشروع بدعم سياسى وفنى من الجانبين المصرى واليونانى، وقد تم إدراجه ضمن قائمة «مشروعات المنفعة المشتركة»، للاتحاد الأوروبى، ما يمنحه أولوية فى التمويل، ويتيح له تسهيلات تنظيمية وتنفيذية مهمة‪.‬
 
من المتوقع أن يلعب المشروع دورًا محوريًا فى دعم أمن الطاقة فى أوروبا، من خلال تنويع مصادر الإمداد، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى، فى ظل التوترات الجيوسياسية والتحديات المناخية المتزايدة، كما يُعد المشروع خطوة عملية لتعزيز التكامل الطاقى بين ضفتى المتوسط، وتأكيدًا على رؤية مصر، فى تصدير فائضها من الطاقة المتجددة، كجزء من تحولها نحو اقتصاد أخضر مستدام‪.‬
وتُقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 4.2 مليار يورو، ما يعكس حجمه وأهميته الإستراتيجية، سواء على مستوى التعاون الثنائى بين مصر واليونان، أم فى سياق الربط الكهربائى الأوسع الذى تخطط له مصر مع دول الاتحاد الأوروبى‪.‬
كما أشار خبراء اقتصاديون وطاقة، إلى أن المشروع يُعد إحدى أهم أدوات دعم أمن الطاقة الأوروبى، خصوصا فى ظل التحديات الجيوسياسية والمناخية الراهنة، فالمشروع لا يدعم فقط أمن التزويد بالطاقة، بل يعكس رؤية مصر الطموحة فى بناء مستقبل مستدام بالشراكة مع دول المتوسط، من خلال مشروعات بنية تحتية خضراء ذات بعد إستراتيجى‪.‬
السعودية
‪ ‬يُعد مشروع الربط الكهربائى، بين مصر والمملكة العربية السعودية، من أبرز المشروعات الإستراتيجية فى مجال الطاقة بالمنطقة، حيث يهدف إلى تبادل قدرات كهربائية، تصل إلى 3000 ميجاوات بين البلدين، مستفيدًا من اختلاف أوقات الذروة فى استهلاك الكهرباء، مما يعزز من كفاءة استخدام الموارد وتقليل استهلاك الوقود‪.‬
ويبلغ طول المشروع نحو 1350 كيلومترًا، ويتضمن خطوط نقل هوائية وكابلات بحرية، تمر عبر خليج العقبة بطول 22 كيلومترًا، ويشمل المشروع ثلاث محطات تحويل رئيسية: محطة بدر فى مصر، ومحطتى تبوك والمدينة المنورة فى السعودية‪.‬
 
‪ ‬تُقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 1.8 مليار دولار، ويُسهم فى تمويله عدد من الصناديق العربية، مثل الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية، والصندوق العربى للإنماء الاقتصادى، والبنك الإسلامى للتنمية، بالإضافة إلى الموارد الذاتية للشركة المصرية لنقل الكهرباء‪،‬ ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المرحلة الأولى من المشروع بقدرة 1500 ميجاوات، فى يوليو 2025، على أن يتم التشغيل الكامل بقدرة 3000 ميجاوات، فى النصف الثانى من عام 2025.
يُعد المشروع خطوة إستراتيجية، لتعزيز استقرار الشبكة الكهربائية فى مصر والسعودية، خصوصا خلال فترات الذروة الصيفية، كما يهدف إلى الاستفادة من تباين أوقات الذروة فى البلدين، لتقليل استهلاك الوقود وتحقيق التشغيل الاقتصادى الأمثل للشبكتين، بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر المشروع من أكبر مشاريع الربط الكهربائى فى المنطقة، ويهدف إلى إنشاء سوق كهرباء عربية مشتركة، مما يعزز من استقرار إمدادات الطاقة، ويزيد من كفاءة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة‪.‬
 
عوائد اقتصادية
من جانبه، يقول رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، إن الربط الكهربائى بين مصر والدول الأخرى، يعد واحدًا من أهم المشروعات التى يمكن أن تسهم فى تحقيق عوائد اقتصادية ضخمة على المدى القريب والبعيد، وفى ظل سعى مصر لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توفر مشروعات الربط الكهربائى فرصة كبيرة لتعظيم العائد الاقتصادى من الطاقة، خصوصا مع تنامى الحاجة العالمية للطاقة النظيفة والمتجددة‪،‬ أضاف، يعد الربط الكهربائى أحد الوسائل الفاعلة التى تتيح لمصر تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة، ما يسهم فى زيادة تدفق العملة الأجنبية إلى خزينة الدولة، وسواء كان ذلك إلى الدول الأوروبية أم العربية، فإن الربط الكهربائى يحقق دخلاً ثابتًا من صادرات الطاقة، مما يساعد فى دعم احتياطى النقد الأجنبى، ويقلل العجز فى الميزان التجارى، ومن خلال هذه الصادرات، يصبح القطاع الكهربائى مصدرًا أساسيًا للمساهمة فى تقليل الضغط على الاقتصاد المصرى، خصوصا فى ظل التقلبات الاقتصادية العالمية‪.‬
 
تابع، الخبير الاقتصادى، تستفيد مصر بشكل كبير من فائض الإنتاج الكهربائى، خصوصا فى ظل النمو الكبير الذى شهدته مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، عندما يتم الربط الكهربائى مع الدول الأخرى، يُمكن تصدير الفائض الكهربائى بدلاً من تركه غير مُستغل، وهذا يسهم فى تعزيز كفاءة تشغيل محطات توليد الكهرباء من المصادر المتجددة، ويزيد من العائد المالى هذا الفائض الذى كان يُهدر فى غياب الربط الكهربائى، وبتوسيع شبكة الربط، يمكن لمصر تفعيل إمكاناتها بشكل كامل، من حيث إنتاج الطاقة النظيفة وبيعها على المستوى الإقليمى والدولى‪.‬
 
تبادل الطاقة
بينما يرى علاء عبد الحليم، الخبير الاقتصادى، أن مشروع الربط الكهربائى بين مصر والسعودية، يحمل أبعادًا إستراتيجية واقتصادية مهمة، خصوصا فى ظل وجود فارق توقيت يصل إلى ساعة بين البلدين، مما يتيح استغلال هذا التفاوت الزمنى فى تبادل الطاقة خلال فترات الذروة‪،‬ وأوضح أن المشروع يتيح للبلدين الاستفادة المتبادلة، فعند ارتفاع الطلب فى السعودية، يمكن لمصر تزويدها بالكهرباء، والعكس صحيح، ويتم فى نهاية كل شهر إجراء مقاصة للطاقة المتبادلة، ما يضمن عدالة التبادل ويحقق مكاسب للطرفين‪.‬
وأكد عبد الحليم، أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها الإستراتيجى فى أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، ليس فقط فى الكهرباء، لكن أيضًا فى الغاز الطبيعى والطاقة المتجددة، مستفيدة من موقعها الجغرافى المميز وبنيتها التحتية المتطورة‪.‬
 
وأضاف أن نجاح الربط الكهربائى الثنائى، يجب أن يكون مقدمة لتعاون عربى أوسع، داعيًا إلى صياغة سياسة طاقوية إقليمية موحدة، خصوصا فى ظل التفاوت الكبير فى معدلات الاستهلاك بين الدول العربية‪،‬ ويرى أن التنسيق والتكامل فى مشروعات الربط الكهربائى، سيسهمان فى تحقيق أمن الطاقة العربى، ويقللان من الهدر، ويفتحان آفاقًا جديدة للاستثمار والتصدير‪.‬
 
التكامل العربى
ويؤكد المهندس أحمد الشناوى، استشارى الطاقة الكهربائية، أن مصر تمتلك من المقومات ما يؤهلها، لتكون محورًا إقليميًا مهمًا فى مجال الطاقة الكهربائية، بفضل موقعها الإستراتيجى وشبكة الربط القوية التى تمتد إلى عدد من الدول المجاورة‪،‬ وأوضح أن مصر تصدر الكهرباء حاليًا إلى دول مثل ليبيا، السودان، الأردن، وتسعى إلى تعزيز هذا الدور، من خلال الربط مع أوروبا عبر اليونان، فى إطار مشروع طموح لنقل الطاقة المتجددة إلى القارة الأوروبية عبر اليونان‪.‬
 
وأشار الشناوى، إلى أن مشروع الربط الكهربائى مع المملكة العربية السعودية، يُعد من أضخم المشاريع فى المنطقة، وهو نموذج فاعل للتكامل العربى فى مجال الطاقة، ويستهدف هذا المشروع تبادل الطاقة بين البلدين خلال ساعات الذروة، مما يُسهم فى تخفيف الأحمال وضمان استقرار الشبكات، خصوصا فى أوقات ارتفاع الاستهلاك‪،‬ وأضاف أن المشروع سيمنح البلدين مرونة كبيرة فى إدارة احتياجاتهما من الكهرباء، ويُعد خطوة إستراتيجية نحو تكوين سوق كهرباء إقليمية، لافتا النظر إلى أن مصر تمتلك قدرة إنتاجية تصل إلى 65 ألف ميجاوات، ما يجعلها قادرة على تلبية الطلب المحلى وتصدير الفائض، مما يعزز من مكانتها كمصدر موثوق للطاقة فى المنطقة.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام